أثار قرار استقالة وسيط الأممالمتحدة بيتر فالسوم عاصفة من الردود والاتهامات بين الجانبين الجزائري والمغربي. وكان المبعوث الأممي قد قدم استقالته منهيا مهامه التي دامت أكثر من ثلاث سنوات تخللتها محادثات "بطيئة الخطى". وأكد مجلس الأمن في قراره الأخير أنه "يتعين على الأطراف أن تبرهن على التحلي بالواقعية وروح التوافق للحفاظ على زخم مسلسل المفاوضات"، داعيا الأطراف إلى "الاستمرار في التحلي بالإرادة السياسية، والعمل في إطار مناخ ملائم للحوار بهدف الانخراط في مفاوضات معمقة". وفي أول تعليق للحكومة المغربية على قرار استقالة وسيط الأممالمتحدة ، اعتبر المغرب أن ملف الصحراء بات اليوم على المسار الصحيح، كما عبر عن ذلك وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، الذي أكد، في رد حول الموضوع، خلال لقاء مع الصحافة، بعد مجلس الحكومة، أن "المغرب له كامل الثقة بأن ملف الصحراء يوجد اليوم على المسار الصحيح، مسار الجدية والموضوعية". مضيفا أن انتهاء مهام بيتر فالسوم كمبعوث خاص للأمين العام إلى الصحراء، ليس انتصارا ديبلوماسيا للجزائر والبوليساريو، وقال في تصريح لوسائل الإعلام المغربية "المبعوث الأممي إلى الصحراء انتهت مهامه يوم 21 غشت، ولم يقل أو يستقل". وأوضح الوزير أن المغرب لا يتعامل بمنطق الضغط والابتزاز مع الأممالمتحدة، كما فعلت البوليساريو، ل"أننا نتعامل بمنطق الاحترام والحجج السياسية"، وأضاف أن البوليساريو والجزائر "عودتنا على ممارسة نوع من الابتزاز في العلاقات الدولية التي تحتاج، حسب الوزير، إلى نوع من الحرمة". وعلق على مواقف البوليساريو الرافضة لتصريحات المبعوث الشخصي ووصفه ب"الأسلوب غير اللائق"، وأكد أن المغرب يثق في الأمين العام الأممي وفي أن يعين "شخصا آخر مناسبا"، وأضاف أن المقترح المغربي "عنصر مجدد في ملف الصحراء". كما أكد أن المغرب واثق من مشروعه الداعي إلى الحكم الذاتي. وقال مسؤولون بالأممالمتحدة ان وسيط المنظمة الدولية الذي رأس محادثات بطيئة الخطى بشأن الصحراء وأثار غضب البوليساريو بتصريحات تبدو مؤيدة للمغرب تنحى عن منصبه. وقال الدبلوماسى الهولندى بيتر فان فالسوم في مقال نشرته صحيفة الباييس الاسبانية ان أحدث تمديد لعقده انتهى قبل اسبوع. وأكد مسؤولو الأممالمتحدة في نيويورك انه سيتم تعيين شخص ليحل محله لكنهم رفضوا الكشف عما اذا كان رحيله عن منصبه جاء بمبادرة منه. ومنذ العام الماضى اشرف فان فالسوم "74 عاما" على اربع جولات من المحادثات عقدت بالقرب من نيويورك بين المغرب وجبهة البوليساريو بشأن الصحراء المغربية . وفشلت المحادثات في كسر الجمود بشأن ما اذا كان يجب ان تكون الصحراء الغنية بالموارد الطبيعية منطقة مغربية تتمتع بحكم ذاتى وهو ما تقترحه الرباط أو ان يجرى استفتاء بين السكان على الاستقلال وهو ما تريده جبهة البوليساريو. وشكا الامين العام للامم المتحدة بان جى مون من ان الجانبين لا يتفاوضان بل يكرران مواقفهما الاولية. وكرر فان فالسوم في مقال كتبه في صحيفة الباييس وجهة نظره ودعا البوليساريو الى "النظر في حل افتراضى غير الاستقلال التام" وان تقدم اقتراحها الخاص بالحكم الذاتي. ويرى الخبراء انه بقدر ما التقت رؤيتا جونسون وفالسوم عند البحث عن حل لا يترتب عليه تغيير خرائط المنطقة، سعى بيكر لأن يلعب دوراً سياسياً في التقريب بين وجهات النظر المتعارضة. فتارة كان يرضى المغرب وتارة كان يميل نحو الجزائر و"بوليساريو". وحين أيقن عدم جدوى الوفاق على الأرض قدم استقالته واختار الانكفاء بعيداً عن نزاع لا يغوى كثيراً بالرصد والمتابعة. ولكن في المقابل، كان فالسوم الذي تولى المنصب قبل ثلاث سنوات قد اغضب البوليساريو في ابريل عندما قال في تقييم رفعه الى مجلس الامن انه خلص الى ان "استقلال الصحراء ليس اقتراحا واقعيا". وفسر تصريحاته في وقت لاحق بانها كانت "مغامرة" لمحاولة كسر الجمود في المفاوضات. وفي نيويورك قالت مارى اوكابى المتحدثة باسم الأممالمتحدة للصحفيين ان إعلانا بتعيين وسيط جديد سيصدر قريبا وان جولة خامسة من المفاوضات ستعقد في الخريف. واضافت قائلة "يظل الامين العام ملتزما يتقديم مساعيه الحميدة للاطراف "المعنية"... إنه يعتقد جازما ان هناك حاجة لاعادة تفعيل عملية التفاوض من اجل التوصل إلى حل سلمى في الصحراء ..". والمرجح ان فالسوم اختار ان ينسحب بمحض إرادته لاعتبارات قد لا يكون لها علاقة مباشرة بإدارته ملف الصحراء. ومن غير المنطقي ان يطلب من أى طرف آخر إلا الأمين العام الحالى بان كى مون تغيير مبعوثه ، لأن ذلك سيفتح المجال أمام البحث عن ثغرات لإسقاط أى موفد دولى يغضب هذا الطرف أو ذاك. والأهم ان المفاوضات بدأت بوتيرة متباطئة، لكنها أحدثت اختراقاً كبيراً على طريق اعتبارها الوسيلة الأنجع. وليس هناك ما يبرر العودة الى نقطة الصفر.