بعد ثلاث سنوات من العمل الشاق في ظل وضع الأشواك في طريق إيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية من طرف شرذمة البوليساريو ومن ورائها الجارة الجزائر، لم يجد المبعوث الأممي للأمم المتحدة إلى الصحراء، السيد فان بيتر والسوم، بدا من إنهاء مهامه في متابعة هذا الملف، رافضا الاستمرار في تولي منصبه بعد أن تبينت له استحالة إيجاد حل في ظل الطروحات الطوباوية التي تطرحها البوليساريو، والرامية إلى محاولة إقناع المجتمع الدولي بإيجاد كيان دولة مستقلة في الصحراء، وهو الطرح الذي ما فتئ السيد بيتر والسوم يصفه بالأمر غير الواقعي والمستحيل. إنهاء السيد والسوم لمهامه في متابعة ملف الصحراء يأتي في ظل الاستعداد لجولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو حول نزاع الصحراء، وهي الجولة التي قد تعقد أو قد لا تعقد، خاصة وأن البوليساريو ما فتئت تضع العراقيل في وجه المقترح المغربي الذي سبق للمغرب أن تقدم به للأمم المتحدة، والقاضي بمنح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية في إطار السيادة المغربية، والذي تبنته الأممالمتحدة وأصدرت قرارا بشأن التفاوض حول آليات تطبيقه بناء على مضامين القرار الأممي رقم 1754. والأكيد أن العمل الذي قام به بيتر والسوم لا يسع المغرب، على وجه الخصوص، سوى أن يثمنه، رغم أن المبعوث الأممي ضغط على المغرب لتقديم تنازلات ترمي إلى إنهاء هذا النزاع، فكان مقترح الحكم الذاتي الذي يعد آخر ما يمكن لبلدنا تقديمه لشرذمة من أبنائه العصاة حتى يلتفت إلى ملفات أخرى لا تقل أهمية عن ملف الوحدة الترابية، وخاصة الملفات الاجتماعية، وبالتالي، فإن تخلي المبعوث الأممي عن متابعة الملف يدخل وحدتنا الترابية في متاهات جديدة، خاصة إذا ظل الأمين العام الأممي بان كي مون يقف موقف المتفرج الذي لا يستطيع الحسم في ملف أصبح من أقدم الملفات المطروحة على أنظار الأممالمتحدة، ويقترب من إنهاء عقده الرابع دون أن يهنأ المغرب أو المغاربة، بمن فيهم سكان أقاليمنا الصحراوية، بالعيش في ظل الوحدة التي تعد أهم مفاتيح تنمية البلاد، ومن خلالها المفتاح الأساسي لقيام علاقات سياسية واقتصادية متوازنة بين مختلف أطراف اتحاد المغرب العربي المعطل منذ 14 عاما، بعد أن كان عام 1994 آخر سنة تجتمع فيها القيادة العليا لهذا الاتحاد تحت سقف واحد نتيجة تعنت الإخوة الجزائريين الذين مازالوا يحنون إلى سنوات الصراع التي تمكنهم من تصريف أزماتهم الداخلية عبر توجيه سهامهم نحو المغرب. إن استقالة بيتر والسوم أو تخليه عن مهامه أو عدم رغبته في متابعة ملف الصحراء، تأتي لتكشف المستور حول ملف الصحراء، خاصة وأن المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر سبق له أن قدم استقالته من متابعة هذا الملف بعد فشل الخطة التي تقدم بها آنذاك إلى السيد الأمين العام الأممي والتي كانت تعرف باسم «خطة بيكر» رغم أنها لم تكن في صالح المغرب، ولكنه كشف آنذاك أن الصراع حول الصحراء من الصعب حله، ليأتي المبعوث الحالي (الذي أصبح سابقا) ليعري البوليساريو أمام العالم، خاصة وأن التقرير الذي تقدم به حول الصحراء خلال شهر أبريل الماضي ووجه بانتقادات حادة من طرف البوليساريو، ذهبت إلى حد التلويح بالعودة إلى حمل السلاح في وجه المغرب، لمجرد أن الدبلوماسي الهولندي أوصى الأممالمتحدة ونبهها إلى أن الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو في الصحراء يعد خيارا غير واقعي. لقد أشاد بان كي مون بالعمل الذي قام به مبعوثه الأممي في الصحراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة وأن والسوم نجح في جمع الأطراف المتصارعة حول طاولة المفاوضات رغم أنها لم تخرج بأي جديد، ولكنها كشفت مدى حسن نية الطرف المغربي في الذهاب بعيدا من أجل حل النزاع، وبالتالي، فإذا كان الأمين العام الأممي سيكون أمام واقع آخر يفرض عليه تعيين مبعوث أممي جديد، فإننا نتوجه إليه بتساؤلات تتعلق بالمدى الزمني الذي يمكنه فيه السير على هذا النهج، وهل تسمح ميزانية الأممالمتحدة بالاستمرار في استنزافها عبر إبقاء قوات المينورسو في الصحراء بعد أن تبين للأمم المتحدة أن الصراع في الصحراء مفتعل بدرجة جيد جدا من طرف البوليساريو التي تحركها الجزائر انطلاقا من قصر المرادية، وهل يمكن لأي مبعوث جديد أن يقوم بأكثر مما قام به السيد بيتر والسوم، خاصة وأن هذا الأخير لم ينجح قيد أنملة في زعزعة موقف البوليساريو رغم اليد الممدودة من طرف المغرب، وإلى أي مدى يمكن للأمم المتحدة أن تستمر في رعاية جولات التفاوض إذا لم تفض إلى نتيجة بإمكانها إحقاق الحق المغربي، وهل ستضغط الأممالمتحدة من أجل فرض الحكم الذاتي في الصحراء وإنهاء تعنت البوليساريو وبالتالي إنهاء أسطورة الشعب الصحراوي المضطهد التي لم يعد يؤمن بها سوى الدائرين في فلك عبد العزيز المراكشي والمستفيدين من استمرار احتجاز إخواننا المغاربة في مخيمات لحمادة بتيندوف. إنها أسئلة وأخرى غيرها، سيكون السيد الأمين العام للأمم المتحدة مطالبا بالإجابة عنها قبل التفكير في أي مبعوث جديد، خاصة وأنه أضحى اليوم مقتنعا بأن ملف الوحدة الترابية يسير في مساره الصحيح رغم العراقيل والأشواك التي تحاول عرقلة مسارات التسوية، خاصة وأن السيد بيتر فان والسوم «قام بمهمته بكيفية تتسم بقدر كبير وعال جدا من الموضوعية.. وكانت له الشجاعة السياسية الكافية ليقول ما يقر به كل العقلاء في العالم، وهو أن قيام دولة سادسة في منطقة المغرب العربي يعد ضربا من ضروب العبث»، وهو ما أقر به وزير الاتصال وصرح به حرفيا خلال لقاء صحفي جوابا عن سؤال يتعلق بإنهاء السيد والسوم لمهامه في متابعة هذا الملف.