للذين يذكرون مسلسلات الكذب التي لم تنته عن العراق لتبرير حملة الاحتلال، وقبلها عن مصر وسوريا لإعداد الأرض للحروب، وقبلها عن الفيتنام للحصول على مصادقة الكونغريس على مشروع قانون خليج تونكين الذي سمح لإدارة البيت الأبيض بإرسال مئات آلاف الجنود الأمريكيين الى جنوب آسيا على أمل تحويلها الى محمية للإمبراطورية الجديدة، لست بحاجة الى مزيد من السرد، فالقصة متواصلة ولا اعتقد انه ستنتهي. كذبة اليوم تتركز على القرن الأفريقي وبالضبط على محور القوى الوطنية في الصومال المحتل واريتريا التي عارضت بقوة التدخل العسكري الاثيوبي المساند والمسير أمريكيا، والتي احتضنت بعد ذلك عدة مؤتمرات لقوى المقاومة الصومالية بقيادة المحاكم الشرعية. تعثر المشروع الإستعماري الأمريكي في الصومال، وتبخر آخر تقليعات التسوية السياسية والمصالحة الوطنية عبر الاممالمتحدة التي يعتبرها الكثيرون ملحقة بوزارة الخارجية الامريكية، دفع الى تصعيد الضغوط على أريتريا، وإعادة تشغيل الاسطوانة المشروخة عن خطر القاعدة المتصاعد في القرن الافريقي. يوم السبت 14 يونيو اتهم رئيس جيبوتي اسماعيل عمر جيلي الذي تحتضن حكومته على أراضيها أكبر قاعدة عسكرية فرنسية بأفريقيا وكذلك قاعدة عسكرية أمريكية، اريتريا ببدء الاشتباكات بين الدولتين في اول تعليق علني له على القتال الذي بدأ يوم الثلاثاء 10 يونيو على حدودهما المشتركة بالقرب من الممرات الملاحية في البحر الاحمر. وجاءت تعليقات الرئيس عمر جيلي في اجتماع لرؤساء الدول الاعضاء السبع في الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق افريقيا ايغاد خلال اجتماعها في العاصمة الاثيوبية. وأضاف جيلي للصحفيين كانت لدينا على الدوام علاقات طيبة. ولكنهم احتلوا جزءا من بلادنا بعدوانية. وهو عدوان نحن نقاومه. ولم تعلق اريتريا مباشرة على كيفية بدء الاشتباكات ولكنها رفضت أي اشارة الى انها عبرت حدود جيبوتي كما رفضت النقد الغربي بأنها بدأت القتال. ووصفت الحكومة الارترية اتهامات جيبوتي بانها مختلقة وتقف وراءها الولاياتالمتحدةالأمريكية واثيوبيا، وقالت انها لن تنجر وراء حرب لتحقيق اجندة لآخرين لديهم اطماع في المنطقة. بسرعة فائقة ولتأكيد الإتهامات الاريترية حول المؤامرة الغربية، تحرك مجلس الامن الدولي ليدين يوم الخميس 12 يونيو ما سماه العمل العسكري الذي قامت به اسمرة ضد جارتها جيبوتي في جزيرة الدميرة. مجلس الامن تحرك بعد 48 ساعة على خبر الاشتباكات وهو الذي أيد الاحتلال الاثيوبي للصومال، ولكنه لم يحرك ساكنا أمام حصار غزة المستمر منذ يونيو 2007 ويعرض مليون ونصف فلسطيني للجوع والمرض، وهو المجلس الذي لا يبالي بقتل قوات الاحتلال الأمريكية ومليشياتها الطائفية لأكثر من مليون ونصف عراقي. مستشار الرئيس الاريتري مسؤول التنظيم في الجبهة الشعبية الحاكمة عبدالله جابر أكد ان اتهامات جيبوتي باجتياح قوات بلاده جزيرة دميرة المتنازع عليها بأنها محض اختلاق، واضاف ان واشنطن واديس ابابا ظلتا لأكثر من شهر ترددان قصة اجتياح لجيبوتي، وتابع انهم يسعون لجرنا الى كمين معد اصلاً واستخدام جيبوتي كوسيلة للحرب على ارتريا، مشيرا الى ان بلاده في صراع متواصل مع جارتها اثيوبيا بسبب عدم احترامها ترسيم الحدود بينهما، وذكر ان مفوضية الحدود التابعة للامم المتحدة اتخذت قرارها بعد مماطلات ورسمت الحدود نهائية وسلمتها لوحدة الخرائط في المنظمة الدولية والدولتين، واضاف ان القضية اصبحت منتهية لكن لنا اراضٍ ما زالت تحت الاحتلال الاثيوبي وان حكومته طالبت مجلس الامن الدولي للقيام بدوره الاخلاقي والقانوني، وتابع ما اتخذته المفوضية هزيمة لاثيوبيا وامريكا وجاء وفقا للقانون الدولي، معتبرا ان واشنطن اصبحت تعقد الاوضاع في الاقليم بتدخلاتها السافرة، وقال ان الولاياتالمتحدة اخترعت مشكلة جيبوتي لتعقيد الاوضاع ورفضها للهزيمة لأن مفوضية ترسيم الحدود رفضت الضغوط الامريكية والاثيوبية. الجامعة العربية وتحت تأثير الضغط الأمريكي وحلفائها من الحكام العرب تحركت وهي المعروفة بسباتها العميق تجاه الكثير من القضايا المصيرية، لتنضم الى الضاغطين على أسمرة يوم الخميس أيضا، حيث طالبت إريتريا بسحب قواتها فورا من مناطق الحدود مع جيبوتى، وأكدت ضرورة احترام سيادة جمهورية جيبوتى ووحدة وسلامة أراضيها ورفض الاعتداء عليها. باريس انضمت الى جوقة الضغط على اريتريا حيث اعلنت إن جنودها يقدمون الدعم اللوجستي والطبي والمخابراتي لجيبوتي في مواجهتها مع جارتها الشمالية، ونفت في الوقت نفسه أن يكون الجنود الفرنسيون قد خاضوا الاشباكات التي وقعت على الحدود رغم تأكيدات سكان محليين عن مشاركة طائرات فرنسية في قصف مواقع اريترية. الأكاذيب والمبالغات ولوي عنق الحقيقة ليس جديدا على آلة الدعاية والإعلام الغربية. ولكن، بالنسبة للسياسات الإستعمارية، فان الأكاذيب لا تشكل سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. ان وصفتهم المجربة هي أخلق الخطر، شجع عدوك على الظهور وكأنه يمثله بالفعل، انتهز أي عمل يقوم به، مهما كان تافها او صغيرا، لتقديم الدليل على انه يمثل ذلك الخطر، إذا تعمد القيام بشيء معاكس، اسخر من هذا العمل المعاكس، وقلل من قيمته، واستخدمه هو نفسه كدليل على أنه يمثل خطرا أكبر، اترك البقية للاعلام. لأنهم لا يسيرون على طريق النصر في الصومال ولأنهم يواجهون مقاومة شديدة لمخطط تمزيق السودان وتحويل القرن الافريقي الى جزء من الامبراطورية فإنهم يفرون الى الامام بإشعال حروب جديدة لن يجنوا منها سوى الفشل والهزيمة كما تثبت التجارب الحالية في العراق وأفغانستان.