يظهر أن هناك مرضا نفسيا أو وهما يسيطر على العديد من البشر في عالمنا خاصة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية عهد ثنائية القطبية الدولية، وانتشار أجهزة التضليل بشكل لم يسبق له مثيل بفضل الثورة التقنية. هذا المرض الوهم هو تصديق كل ما ينطق به من يعتبرون انفسهم سادة العالم والمتحكمين في مصير أممه وشعوبه. فمنذ سنوات أصبح على كل وسائل الإعلام في العالم أن تبدل مفاهيم وقواعد ما يسمى بحرية الرأي وموضوعية تغطية الأحداث حتى لا تجرح أحاسيس وتوجهات القوة الأولى في العالم وحتى لا تناقض ما يصدر من تصريحات في واشنطن أو الناطقين بإسمها وخاصة قديسي بيت السلام الذي يسمى البنتاغون الأمريكي، فكل ما يتضارب أو يتناقض مع الكلام المنزه للإدارة الأمريكية ضرب من الكذب ومساندة للإرهاب. لقد تمكنت الولاياتالمتحدة وحلفائها من غرس فيروس هذا الوهم بشكل واسع من خلال جهاز إعلامي هائل يمتد ويتشعب عبر العالم، ويساهم فيه جزء هام من وسائل الإعلام الدولية أو العاملة في نطاق الحدود الوطنية لمختلف الدول المستهدفة وفي مقدمتها العربية والإسلامية. فلقد استطاعت واشنطن عبر مختلف أجهزتها خلق إعلام محلي في العديد من مناطق العالم أصطلح أمريكيا على تسميته بصحافة المارينز نسبة الى قوات مشاة البحرية الأمريكية لتمرير مغالطاتها ودعايتها وأكاذيبها ولتشويه صورة خصومها. أسطورة أمريكا نصيرة الديمقراطية يتسائل الكثيرون كيف نصدق واشنطن عندما تتحدث عن الديمقراطية والحرية وهي التي تقمع عبر كل تاريخها بدرجات متفاوتة الحدة الشعوب والدول وتساند أبشع الأنظمة التي عرفت في مجال الطغيان والتنكيل بالأنسان، وكيف نعترف لها بحق تصنيف الآخرين بين متطرف ومتشدد ومعتدل وبرغماتي، وبين إرهابي ومسالم. ولماذا نجاريها عندما تطالب بالتجارة الحرة وإسقاط الحواجز الجمركية وتطبيق مبادئ حرية السوق ونصدق أن هذه المعادلة ستجلب الرخاء للمنضوين تحت جناحها، ولا نرى المآسي والخراب الذي سقطت فيه الكثير من الأطراف التي وقعت في فخ تعليمات القوة الأولى في العالم. وكيف ننسى سجلات الشركات الأمريكية الكبرى في التدخل في كل انحاء العالم الثالث وسرقتها لثروات الشعوب وتدخلها لوضع عملائها في مراكز السلطة. دستور بوصفات إسرائيلية أجرت إدارة الأحتلال في العراق عملية تصويت على دستور تمت صياغته في أمريكا بوصفات إسرائيلية ليتحول هذا البلد العربي المسلم الى نموذج لما ترغب في تعميمه واشنطن وتل أبيب على ما يسمونه الشرق الأوسط الكبير، نموذج للتمزق والطائفية وأرضا خصبة للإستعمار الحديث الذي لا يختلف سوى في التسمية عن استعمار القرون الماضية. ورغم أن كبار أخصائيي القانون الدولي أكدوا أن عملية الأستفتاء هذه لا معنى ولا قيمة لها لأنها تتم في ظل الأحتلال وبعد حرب غير شرعية، أصرت واشنطن على المضي فيها قدما وجندت كل الوسائل لتصورها كنصر لسياستها ولتطلعات الرئيس بوش لبناء عراق جديد. الغريب أن الكثير من وسائل الأعلام وخاصة في الوطن العربي تابعت الأمر بشكل مكثف وكأن الأمر يتعلق حقا بإستفتاء تاريخي ومصيري. مهزلة انتخابات الفيتنام المهزلة التي نظمت في العراق ليست الأولى بالنسبة للإدارة الأمريكية في تزييف إرادة الشعوب، فقد كان لها في عقد الستينات مثيلا شديد الشبه. في سبتمبر 1967 وبينما كانت واشنطن تخوض بداية معركة الفيتنام تحت شعار وقف المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا وحماية شعب الفيتنام من ارهابي الفيتكونغ الذين يسعون إلى عرقلة تحوله نحو الديمقراطية وحماية حقوق الأنسان، رأت إدارة البيت الأبيض أنه من أجل تحقيق مكاسب سياسية أكبر وأقناع العالم أنها تخوض حربا عادلة، يجب تنظيم انتخابات رئاسية في جنوب فيتنام واستشارات أخرى. وقد أكدت الأوساط الحاكمة حينئذ في البيت الأبيض أن هذه العملية ستشكل ضربة قاسية لإرهابي الفيتكونغ الذين يحركهم هوشي منه رئيس فيتنام الشمالية، ومثالا سيحتذى به في كل جنوب اسيا. واشنطن ولتغطية الحدث أستقدمت مئات الصحفيين والمراقبين من كل انحاء العالم ولم تستطع بالطبع أقحام الأممالمتحدة في تغطية التمثيلية في الفيتنام لأن المنظمة الدولية لم تكن قد تحولت بعد الى ملحقة بوزارة الخارجية الأمريكية. يوم 4 سبتمبر 1967 كتبت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية : المسؤولون الأمريكيون فوجئوا وتشجعوا اليوم من حجمِ الإقبال على الإنتخابات الرئاسية في جنوب فيتنام على الرغم من الحملة الإرهابية التي قام بها الفيتكونغ لعرقلة عملية التصويت. وأنه طبقا لتقارير من سايغون فأن 83 في المائة من ال 85ر5 مليون من الناخبين المسجلين أدلوا بإصواتهم أمس. العديد منهم خاطر رغم الأعمال الإنتقامية التي هدد بها الفيتكونغ. حجم التصويت الشعبي وعدم قابلية الفيتكونغ على تحطيم آلة الإنتخابات كانا الحقيقتان البارزتان في تقييم تمهيدي للإنتخابات الوطنية. إن أي إنتخابات ناجحة كانت ومنذ فترة طويلة ينظر لها كحجر الأساس في سياسة الرئيس جونسن لتشجيع نمو العمليات الدستورية في جنوب فيتنام. الإنتخابات كانت الذروة في تطوير دستوري بدأ في يناير 1966 وعليه أعطى الرئيس جونسن إلتزامه الشخصي عندما قابل رئيس الوزراء كي والجنرال ثيو، رئيس الدولة، في هونولولو في فبراير. في ديسمبر 1967 رفعت واشنطن تعداد جنودها في جنوب الفيتنام من 390 الف الى 450 الف جندي وصرح الساسة الأمريكيون في ذلك الوقت أن الهدف من هذه التعزيزات هو الدفاع عن الديمقراطية الفيتنامية التي تسير على درب النصر على قوى الإرهاب والتي عبر شعبها عن إرادته الحرة ورفضه لتسلط الفيتكونغ المسخر من طرف هانوي ونظامها الشيوعي الذي يواجه خطر الانهيار والذي يتطلع شعبه الى الانعتاق والسير على درب الديمقراطية الذي رسمه ناخبو جنوب الفيتنام في سبتمبر .1967 في جو الاحتفال الأمريكي هذا، كانت مئات الطائرات الأمريكية تكثف غاراتها الجوية على شمال الفيتنام لسحق الدكتاتورية التوسعية لنظام هوشي منه، ونظمت في سيغون التي أصبحت فيما بعد مدينة هوشي منه، احتفالات ضخمة غطتها أغلب وسائل الإعلام الدولية واستدعت لها الإدارة الأمريكية مئات الصحفيين حتى من دول العالم الموصوف بالثالث. وأسهب المعلقون في العديد من دول العالم وخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحديث عن وقع هذا الانتصار الديمقراطي على المنطقة الأسيوية وما يشكله من تهديد للأنظمة الاستبدادية الشمولية الشيوعية المرفوضة من الشعوب المحكومة بقوة الحديد والنار. الهزيمة التي يخشاها المحافظون الجدد بعد تسع سنوات من الأنتخابات الموصوفة بالديمقراطية وفي 30 ابريل 1975 حرر بضعة آلاف من رجال قوات الفيتكونغ سيغون واستسلم 1‚2 مليون جندي فيتنامي جنوبي جندتهم وسلحتهم أمريكا دون قتال جدي وخرج الشعب الفيتنامي الى الشوارع ليرفع رايات النصر والوحدة بعد أن ضحى بأكثر من مليوني قتيل في حرب ضروس حاولت بها امريكا عكس حركة التاريخ. وقبل ذلك بأيام كانت القوات الأمريكية قد أجليت بصورة مهينة سجلت على كل تلفزيونات وشاشات دور السينما في العالم آخر قواتها من سيغون بالاضافة الى المئات من انصارها ممن وصفوا بقادة الشعب الفيتنامي. هكذا انتهت ملحمة شعب رفض الاستسلام لأحد القوى العسكرية الأولى في العالم، فقد نجح الشعب الفيتنامي بأسلحة بسيطة وقدرة صمود أسطورية على مواجهة قوة نووية تملك الاف الطائرات ومئات السفن الحربية وملايين الجنود واقتصاد كان فعليا في حينها الأقوى في العالم، في كسب نصر تاريخي لم تستطع الولاياتالمتحدة أن تتخلص من ذكراه حتى الأن رغم انها أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإلى الحين القوة العالمية الأولى والوحيدة فوق الكرة الأرضية. يقول الكثير من المؤرخين أن التاريخ يعيد نفسه، وأن كل تجارب الانسانية المعروفة على طول 10 آلاف عام اثبتت ذلك. تجربة تفكيك واحتلال نفس الأساليب وحتى التصريحات والجمل والأوصاف تتكرر الآن في العراق حيث تحاول أمريكا إنجاح تجربة تفتيت واحتلال الشرق الأوسط الكبير تحت شعار نشر الديمقراطية. الغريب أن المحافظين الجدد يتفنون في الكذب لا يدركون أن أسلوبهم قد اصبح مبتذلا وفاشلا. في النصف الأول من شهر يوليو 2005 أجرت مؤسسة أمريكية للأبحاث ومعها مؤسسات بريطانية عملية استطلاع للرأي في العراق من أقصى شماله وحتى موانئه على الخليج العربي جنوبا، ومن بين ما كشف عنه الأستطلاع أن نسبة 72 في المائة من العراقيين كل العراقيين يؤيدون العمليات المسلحة التي تشنها المقاومة العراقية على قوات الأحتلال، وعبر المستفتون عن اعتقادهم الراسخ بأن بعض العمليات المسلحة خاصة التي تستهدف المدنيين الذين لا علاقة لهم بقوات الأحتلال هي من فعل الأمريكيين والبريطانيين وأن هدفها استعداء الشعب العراقي على حركة مقاومته. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف يدعى على غالبية شعب يؤيد المقاومة انه يساند دستورا اسرائيليا أمريكيا يمهد لتمزيق العراق الى دويلات؟ لنعد إلى أساليب الإرهاب التي تستهدف تشويه المقاومة العراقية لنفهم اللعبة الخبيثة للأستعمار بشكل أفضل. الأحداث أكدت هذا التورط الأمريكي البريطاني في عمليات التخريب، فرغم أقصى درجات الحذر التي تلتزم بها الأجهزة الأستخبارية الأمريكية والبريطانية والأسرائيلية في العراق، اعتقل في مدينة البصرة جنوب العراق جنديان بريطانيان كانا متنكرين في زي عربي قبل أن ينفذا عملية ضد مدنيين عراقيين كان سيتم نسبها في وقت لاحق الى المقاومة. بعد الأعتقال بساعات قليلة ويوم الأثنين 19 سبتمبر 2005 تدخلت القوات البريطانية مستخدمة الدبابات لإقتحام مركز شرطة عراقي وحررت الجنديين بعد أن دمرت المركز، وفي أعقاب ضجة لم تدم طويلا دفنت القضية. بعد ذلك بأسابيع وفي بداية شهر اكتوبر ألقت شرطة النجف القبض على البريطاني بيتر كولن وهو في طريقه من الحدود الجنوبية وبحوزته كمية من الأسلحة وأجهزة الاتصال وأجهزة تحديد المواقع (جي بي أس) التي تعمل بالأتصال مع الأقمار الصناعية، ولم يكن في جوازه ختم دخول شرعي للعراق. لكن الحكومة البريطانية تدخلت في الموضوع وبادرت الداخلية العراقية وبكل امتنان وسرور لإطلاق سراحه حتى دون التحقيق معه أو كشف ما كان ينوي عمله في العراق بهذه الأسلحة والأجهزة. لاحقا أكدت مصادر في العراق وفي لندن أن كولن يعمل ضمن مؤسسة خاصة للدفاع تقوم بناء على أوامر من لندن بتنفيذ عمليات عسكرية لإضعاف المقاومة العراقية. وأفادت مصادر مقربة من أنصار موسى الصدر أن الأمر يتعلق بإستهداف المدنيين والمساجد والحسينيات والأسواق لتشويه صورة المقاومة. في هذه الأثناء كانت الجماهير في بغداد قد ألقت القبض على أمريكيين يعملان في شركة بلاك ووتر الأمنية وهما على وشك تفجير سيارة رباعية الدفع في شمال بغداد وقد هرعت قوات الأحتلال الأمريكية للتدخل وأفرجت عن الأرهابيين الأمريكيين وتم اخفاؤهما والتكتم على الحادث. التزوير المفضوح يعترف الأمريكيون خاصة منذ بداية سنة 2005 أن رجال المقاومة العراقية التي تشن ما معدله حوالي 70 عملية عسكرية في اليوم ضد قواتهم والمتحالفين معهم، قد اصبحوا يسيطرون في أغلب ساعات الليل والنهار على الطرق وأنه لم يعد من الممكن سوى التنقل في قوافل مسلحة محمية بالطائرات العمودية وأرتال الدبابات والسيارات المصفحة وهو ما رفع تكلفة تموين قوات الأحتلال. ورغم ذلك الأعتراف لم يخجل الأمريكيون من الحديث عن سلاسة الاستفتاء وعملية نقل صناديق الأقتراع الى مراكز الفرز دون عراقيل. ألا يذكر هذا بأفلام قوافل رعاة البقر وهي تعبر السهول وجبال العالم الجديد لتطهره من سكان القارة الأصليين المتوحشين. وأليس من باب الأستخفاف بالعقول وفي بلد يشتعل كل ركن فيه بهدير المقاومة وتنهار فيه شبكات الكهرباء والماء والاتصال أن تسرع لجانه الانتخابية الى الشروع في الحديث عن نتائج الانتخابات الأولية بعد ساعات قليلة من انتهاء عمليات التصويت، وكأن الأمر يتعلق ببلد صغير مثل سويسرا مرتبط بأحدث شبكات الأتصال. المهزلة لم تنحصر هنا بل ضمت الى لاعبيها رايس وزيرة الخارجية الأمريكية. يوم الأحد 16 اكتوبر استبقت المسؤولة السابقة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي وأحد مخططي الحرب ضد العراق الأحداث قبل أن تعلن النتائج من قبل الهيئة العليا للانتخابات. عندما أعلنت أثناء توقفها في لندن أن الشعب العراقي أقر الدستور. تصريحات رايس أكدت للمراقبين أن إدارة البيت الأبيض عاقدة العزم على المضي قدما في العملية السياسية التي ترعاها في العراق، وان جميع الترتيبات قد جرى اتخاذها لاقرار الدستور وبغض النظر عن نتائج عملية الاقتراع. وكان السؤال في ذلك الحين هو كيفية إخراج مسرحية إعلان النتائج النهائية للاقتراع، واذاعة نسب المصوتين ب نعم أو لا في مناطق العراق المختلفة، وخاصة في المحافظات الأربع التي تعتبرها واشنطن مركز التمرد ضدها. الإدارة الأمريكية أدارت هذه العملية بدرجة عالية من الخبث تمثل في تدخلها لمنع الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) من تعديل قوانين التصويت لمنع المعترضين من الحصول علي نسبة الثلثين المطلوبة في محافظاتهم. وأرادت من خلال هذا التدخل، الذي جرى وسط اهتمام إعلامي مكثف، الإيحاء بأن الاقتراع سيكون نزيها، وأنها ملتزمة بنتائجه أيا كانت، رفضا أو موافقة. الذين تابعوا الانتخابات، خاصة في محافظات الثورة الرئيسية، أكدوا أن الغالبية العظمى صوتت برفض الدستور باعتباره دستورا تقسيميا يلغي هوية العراق العربية. وذهب صالح المطلك الناطق الرسمي باسم مجلس الحوار الوطني العراقي إلى درجة الجزم بأن نسبة رفض الدستور في هذه المحافظات زادت عن خمسة وتسعين في المائة. أشكال التزوير عمليات التزوير لها عدة أشكال. بعضها مستفز الى درجة الفظاظة، وبعضها الآخر حضاري، يلجأ الى إعلان نتائج فوز متواضعة للتدليل على نزاهة الانتخابات. وهذا ما تنفذه الإدراة الأمريكية معتمدة على العقول الإلكترونية فائقة السرعة. ولكن المشكلة كما يقول أحد خبراء المعلوميات هو إيجاد توافق بين التوزيع الجغرافي للسكان وعملية إحصاء النتائج حتى تكون أكثر قدرة على خداع الملاحظين وعامة الناس. ويضيف هذا الخبير أن الأمر يشبه ما تم في ولاية فلوريدا الأمريكية عندما جرت الأنتخابات الرئاسية في معركة بوش وآل غور. المراقبون حتى في أمريكا وصفوا مسرحية الاستفتاء التي رافقتها بداية محاكمة الرئيس صدام حسين وجر الجامعة العربية الى تلميع صورة الاحتلال على أنها حلقة جديدة من حلقات المكابرة الأمريكية التي تريد أن تثبت أن العملية السياسية تسير على ما يرام في العراق، وأن الانتخابات المتلاحقة هي دليل على ترسخ الديمقراطية، بينما الواقع على الأرض مغاير لذلك تماما، فالسيارات المفخخة وانعدام الأمن وغياب الماء والكهرباء، وانحصار الحكومة في المنطقة الخضراء فقط هي أبرز الأمثلة في هذا الصدد. يوم الأربعاء 19 أكتوبر 2005 لخص أحد كبار المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية أساليب المحافظين الجدد. ففي منتدى حول السياسة الخارجية عقد في مؤسسة نيو امريكا فاونديشن، اتهم مساعد بارز لوزير الخارجية الأمريكي السابق كول باول كلا من نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بتشكيل عصبة متآمرين سيطرت على السياسة الخارجية الأمريكية. وانتقد الكولونيل المتقاعد لورنس ويلكرسون، الذي كان الذراع الأيمن لباول في القطاعين العام والخاص على مدى 16 عاما، كذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش وقال إنه لا يعلم الكثير في مجال العلاقات الدولية كما أنه غير مهتم بها. وأضاف ما رأيته خلال ما يزيد عن أربع سنوات لم أره على الإطلاق في دراساتي للانحراف والتشويش والتزييف والتغيير في عملية صنع القرار المتعلقة بالأمن القومي. وتابع ما رأيته هو عملية تشكيل عصابة بين نائب الرئيس الأمريكي ريتشارد تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في عدد من القضايا الهامة، قامت باتخاذ قرارات لم يعلم البيروقراطيون أنه يتم اتخاذها. وذكر أن إدارة بوش اتخذت قرارت سرية، وأضاف ما يهمني هو أن أمريكا تدفع الثمن غاليا في العراق وعدة مناطق من العالم. مهزلة الاستفتاء في العراق المحتل لا تذكر فقط بنظيرتها في الفيتنام بل بما كان يجري في منتصف القرن الماضي حينما كان الأستعمار الفرنسي يحاول تزوير إرادة شعوب المغرب العربي ليدعي أنها مع استمرار وجوده من أجل ضمان الديمقراطية ومواجهة قوى الأرهاب والظلام.