لست بصدد الدفاع عن شخص أو نظام أو سياسة معينة، ولكنني أبحث عن الحقيقة عبر معطيات وحقائق ثابتة ومدونة. يبدو أن من اصطلح على تسميتهم بالمحافظين الجدد الذين يحكمون في واشنطن بيد شبه مطلقة منذ سنة 2000 قد نجحوا في تعديل المعادلة الاخلاقية التي تقول أن حبل الكذب قصير. في تحليل أي حدث سياسي أو عسكري من الواجب العودة الى الخلفيات بكل أبعادها لإستكشاف الحقائق ومعرفة هوية المحركين لأوراق اللعبة وذلك من أجل التوصل الى نتيجة تحليل موضوعية تمكن من التعرف على المستفيدين والخاسرين، وبالتالي تحديد هوية محركي ومنفذي حدث ما، بعيدا عن الأوهام والمغالطات. ظهر يوم الاثنين 14 فبراير 2005 وقع انفجار عنيف جدا عند مرور موكب رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري قرب فندق سان جورج في بيروت وأدى الى مقتله وسقوط أربعة عشر قتيلا على الأقل وجرح حوالي 100 شخص. وقبل أن تمضي خمس ساعات على التفجير وحتى قبل أن تظهر التحقيقات أي معطيات، وجهت القوى اليمينية في لبنان وإسرائيل الاتهام الى سوريا وطالبت مع أمريكا وفرنسا بإنسحاب القوات السورية من لبنان وفتح تحقيق دولي حول العملية. العديد من الملاحظين اعتبروا أن الاتهامات الموجهة الى دمشق هي عبارة عن خليط من عملية لتصفية الحسابات وصيد في المياه العكرة لتنفيذ أهداف معينة، وأشاروا أن الحريري لم يكن خصما لسوريا في لبنان بل أن الغربيين وخاصة فرنسا وامريكا اعتبروه بدون رضى وسيطا ورابطا بين ما يسمى بالمعارضين والموالين لسوريا في لبنان. والغريب أن اقلية صغيرة فقط تحدثت عن أمكانية تورط اسرائيل او امريكا او حتى قوى لبنانية معادية لتوجهات الحريري. هنا كانت هيمنة المحافظين الجدد على وسائل الأعلام فاضحة. وقد شرح النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمى بشارة وجهة النظر هذه وفند الاتهامات الإسرائيلية لسوريا بإمكانية ضلوعها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق مؤكدا أن ارتكاب عمل من هذا النوع لا ينسجم مع أسلوب التفكير السوري. وقال بشارة في تصريحات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يوم الثلاثاء 15 فبراير 2005 إن المصلحة السورية توجب فرض الاستقرار في لبنان، واغتيال الحريري يسير في عكس هذا الهدف، مشيرا إلى أنه أثيرت تساؤلات حول الجهات التي لها مصلحة في تسليط الضوء على سوريا بالذات في هذا الوقت. وأوضح أن هناك قوى إقليمية ودولية أخرى غير سوريا لها مصلحة في التعرض للحريري وزعزعة الاستقرار في لبنان بسبب الجدل المحتدم في الأممالمتحدة حول قرار مجلس الأمن رقم 1559 والذي يطالب بسحب القوات السورية من لبنان. وأضاف بشارة في هذا السياق ز إنني لا أوجه الاتهامات وليس لدي إثباتات لكنني لا ألغي بشكل قطعي احتمال تورط إسرائيل أو الولاياتالمتحدة في العمليةس. وأكد ز إن سوريا هي آخر جهة معنية بوقوع مثل هذه الأفعال لأنها تسعى لوضع العقبات أمام تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559 في حين أن اغتيال الحريري يسهل مهمة المطالبين بتنفيذ هذا القرار. الاممالمتحدة تحولتإلى جهاز أمريكي إن الاممالمتحدة ومنذ بدء أنهيار الاتحاد السوفيتي لم تعد تلك المنظمة التي يمكن تستغل فيها دول آخرى خاصة من العالم الثالث وضعية ثنائية الأقطاب الدولية لتحقق جزء من مطالبها وتمنع أن تفرض الدول الكبرى هيمنتها، فقد تحولت هذه الهيئة الدولية تدريجيا الى ملحقة بوزارة الخارجية الأمريكية. المحافظون الجدد في أمريكا يريدون أما التخلص تماما من الأممالمتحدة أو التحكم فيها بشكل مطلق. جون بولتون الذي أصرت إدارة بوش مؤخرا على تعيينه سفيرا جديدا للولايات المتحدة في المنظمة.. رغم معارضة شديدة لتعيينه.. ليس فقط من قبل مسؤولين في الأممالمتحدة.. وإنما حتي من قِبل بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي نفسه، نظرا لتوجهاته المعادية بحدة للأمم المتحدة.. قال في تصريح له) :لا يوجد أصلا شيء اسمه الأممالمتحدة.(وجون بولتون من المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة الذين يكرهون المنظمة الدولية ويحتقرونها.. ويطالبون بإلغائها من أساسه لأنها عائقٌ برأيهم في طريق حرية أمريكا في العالم. ويِؤكد هؤلاء أن على الجميع أن يقبل وصاية أمريكا الرشيدة على موارد الأممالمتحدة.. وعلى الجميع ألا يعرقل حرية أمريكا في العالم هنا وهناك. وأي حديث عن الإصلاح بمفهومه الآخر الذي تراه بقية دول أو شعوب العالم.. في أوج حكم اليمين الأمريكي.. لن تقبله أمريكا، وهي التي وصف أحد صقور يمينها الحاكم ريتشارد بيرل المنظمة الدولية بأنها إذا لم تخضع للرؤية الأمريكية فهي منظمة لا نفع منها وربما ينبغي تحطيمها. هذه هي الهيئة الدولية التي لا يجب انتظار شيء منها لا يجارى مصالح واشنطن وحلفائها. هنا يجب التوقف والعودة الى الماضي لاستكشاف الحقيقة. يوم الثلاثاء 7 سبتمبر 2004 (قبل اغتياله) استنكر رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبناني تصريحات وزير خارجية إسرائيل سيلفان شالوم التى توقع فيها أن يكون لبنان الدولة العربية الثالثة التى تعقد اتفاق سلام مع تل أبيب. وقال الحريرى : إن لبنان اتخذ خياره الاستراتيجى للسلام منذ زمن بعيد وهو خيار السلام الشامل القائم على قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام وليس السلام المنقوص والانفرادي الذى جربته اسرائيل وافشله الشعب اللبنانى. واعتبر رئيس الوزراء اللبنانى أن إسرائيل لم تتعلم شيئا من تجربتها فى لبنان ولاتزال تتجاهل مواقف بيروت الوطنية ومواقف شعبها الذى يرفض التنازل عن ذرة من حقه في أرضه وكل أرض عربية محتلة. ووصف الحريري تصريحات شالوم بأنها أضغاث أحلام ومحاولة بائسة للتفريق بين لبنان وسوريا. وقال إن إسرائيل تعلم أن لبنان وسوريا يشتركان فى مصير واحد وأن الشعب اللبنانى بكل فئاته ومشاربه السياسية لن يأخذ بهذا الكلام، وهو يجد فيه تدخلا سافرا فى خياراته الوطنية والقومية ومحاولة مكشوفة للنفاذ من جديد الى الساحة اللبنانية والتدخل فى شؤونها الداخلية. بعد ذلك بحوالي أربعة أشهر ويوم الأربعاء 15 ديسمبر 2004 قال رفيق الحريري وبعد أن ترك رئاسة الوزراء في لبنان، أن قيام الدولة الفلسطينية ليس جائزة ترضية تمنح للفلسطينيين لحسن تصرفهم وسلوكهم، وانما هي حق أساسي لشعب من حقه العيش في أمن وسلام كبقية شعوب العالم، لافتا إلى أن تأخير قيام الدولة من شأنه أن يؤجج الصراع ويعطي المتطرفين الذرائع لضرب جهود السلام. ورأى الحريري في كلمته التي القاها في الجلسة الاولى لليوم الثاني من المنتدى الاستراتيجي العربي والتي حضرها الفريق أول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع، ورغم أن الوضع الذي يعيشه العرب اليوم يصيبنا بالاحباط واليأس، إلا أن الصورة ليست قاتمة. ورسم الحريري مسارات محددة للوصول إلى المستقبل وحصرها في العمل على تحديد ملامح المستقبل في عام 2020 عبر صياغة الأهداف المراد تحقيقها خلال الفترة المقبلة والتخطيط لمستقبل قائم على العلم والمعرفة واصلاح البيت العربي والاصلاحات الداخلية، وتجاوز الشعارات وبمطابقة الأقوال بالأفعال لكسب ثقة العالم. وأوضح الحريري أن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق السلام القائم على الحل العادل والشامل في المنطقة، وانهاء الاحتلال الأمريكي في العراق وإقامة حكم وطني فيه والحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة العراق، هما القضيتان المركزيتان اللتان ستحددان نوع المستقبل الذي ستعيشه منطقتنا في السنوات المقبلة. وطالب الحريري بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية الآن وليس غدا طالما أن القناعة موجودة من جميع الأطراف، واعتبر أن هذه الخطوة بمثابة مفتاح السلام في المنطقة، شريطة أن تتزامن مع انسحاب اسرائيلي كامل من الأرض السورية واللبنانية المحتلة وتطبيق قرارات مجلس الأمن. وردا على الجدل الدائر حول إمكانية نسخ الديمقراطية الغربية، رأى الحريري أن الدعوة إلى تطبيق الديمقراطية لا تعني نسخ نماذج بعينها من الغرب. قبل ذلك بعدة اسابيع دخل رفيق الحريري في مواجهة مفتوحة مع واشنطن حيث اتهم يوم الأثنين 31 مايو 2004 مع نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الولاياتالمتحدة بتورط عملاء لها في أحداث الضاحية الجنوبية في بيروت يوم 27 مايو التي سقط خلالها عدد من اللبنانيين قتلى وجرحى خلال تنفيذ الاضراب العام الذى دعا اليه اتحاد نقابات العمال في لبنان والتي سعت واشنطن من خلالها الى فتح جبهة مواجهة جديدة في لبنان والعودة الى مخاطر الحرب الأهلية. وقد تجاهلت السفارة الأمريكية هذه الاتهامات رغم أن نصر الله ذكر أنه بعد إطلاق النار في منطقة حي السلم قامت مجموعات مرتبطة بالسفارة الامريكية بنقل التوتر والفوضى الى أنحاء من الضاحية الجنوبية. وكشفت صحيفة النهار اللبنانية عن معلومات رسمية مفادها أن موظفا لبنانيا في جهاز أمن السفارة الامريكية وكان يقيم في ذلك الوقت في حي السلم وربما ترك وظيفته حينها افتتح مقهى في المنطقة وأخذ يجمع شبانا من حوله وصل عددهم الى نحو 30 شخصا كانوا جميعا متواجدين في ساحة حي السلم عندما انفجر الشغب وتعرض الجيش للاعتداء. وذكرت الصحيفة أن حزب الله زود مديرية مخابرات الجيش بمعلومات تتصل بدور هذا الشخص وذلك من ضمن اسماء آشخاص آخرين ادرجهم الحزب في لائحة سلمها الى مديرية المخابرات التى صار التحقيق في عهدتها. يوم الأربعاء 8 سبتمبر 2004 أجرى الرئيس المصري حسني مبارك مباحثات مع رفيق الحريري، تناولت التطورات الاخيرة في لبنان وقرار مجلس الأمن بشأن معارضة التمديد للرئيس أميل لحود لنصف ولاية ثانية دستورية. خلال هذا الاجتماع الذي حضره الجنرال عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية، لفت هذا الاخير انتباه رفيق الحريري الى أن المخابرات الاسرائيلية تخطط لعمليات جديدة في لبنان من بينها اغتياله شخصيا لخلط الاوراق في البلاد، وكعادته رد الحريري أن الأمر هو من مشيئة الله، مضيفا أنه اتخذ كل ما يتوجب من الاحتياطات، ويقول مساعدون لعمر سليمان أن هذا الأخير لم يكن مرتاحا لهذه الإجابة. قبل 8 أشهر تقريبا من أغتيال رفيق الحريري سجل الملاحظون تركيزا أمريكيا على سوريا اعتبره البعض بمثابة أعلان حرب. وقد لخص الوضعية في ذلك الحين محلل سياسي في مجلة دير شبيغل الالمانية حيث قال زادارة الرئيس بوش قررت أن من أحد اولياتها بعد احتلال العراق هي التخلص من حزب البعث في دمشق كما تم ذلك للقوات الامريكية عند احتلالها بغداد. وأضاف أن سوريا ليست نهاية المطاف لمخططات المحافظين الجدد الشرق أوسطية فستتبعها مصر والسعودية وبقية الدول العربية، فساسة واشنطن يريدون التخلص من شيئ اسمه القومية العربية في نطاق تحول شامل للعالم يشكل الخطوات الاولى للامبراطورية الامريكية. شكل رفيق الحريري وكما سبق ذكره حجر عثرة في وجه المخططات الامريكية الاسرائيلية في منطقة مركزية بالشرق الاوسط الذي حرصت ادارة بوش على وصفه بالكبير حتى تنتفي عنه صفته العربية. كم كان السويدي هانز بليكس سخيفا وكاذبا عندما روج تحت راية الاممالمتحدة اسطورة اسلحة الدمار الشامل العراقية، أنه من كبار الكذابين أذا نظرنا اليه اليوم ولكنه لم يكن كذلك للجميع في العالم في الاشهر التي سبقت غزو العراق سنة .2003 ولم تنفع بليكس بعد سقوط البوابة الشرقية للامة العربية محاولاته للتبرؤ من المشاركة في تجسيد مغالطات إدارة بوش تماما كما لم تنفع باول وزير خارجية امريكا السابق الذي صرح علنا أنه نادم على العرض المسرحي الذي قدمه في مجلس الامن والمعزز بالصور عن تسلح العراق المخالف لإتفاقياته مع امريكا بعد اخراج قواته من الكويت. المحقق الدولي ديتليف ميليس الالماني الذي كلفه مجلس الأمن الدولي بالتحقيق في جريمة أغتيال الحريري سار على نفس خطوات بليكس وبنفس الاساليب والخطوات حتى أن المتابع يتصور أنه يشاهد فيلما امريكيا عن رعاة البقر يتكرر بين شهر وآخر بممثلين جدد ولكن بنفس المحتوى ونفس السخافات حين ترى البطل الامريكي يستخدم مسدسا من ست رصاصات ليبيد نصف قبيلة من سكان امريكا الاصليين. عبقرية ديتليف ميليس وفريقه الذي حل بلبنان بعد اشهر من أغتيال الحريري اسفرت بسرعة جهنمية عن توجيه أصابع الأتهام الى قادة الامن والاستخبارات اللبنانية السابقين وبعدهم الى سوريا لتكتمل قصة نسج خيوطها من قبل هانز بيلكس مع جار لسوريا. لنتوقف قليلا عند هذه النقطة، لو أن من اتهمهم ديتليف ميليس بالوقوف وراء الجريمة هم فعلا المذنبون فلماذا وهم سادة الموقف قبل اشهر من قدوم المحقق الاممي لم يستطيعوا التمويه وأخفاء دلائل الادانة. أن هؤلاْء الرجال ينتمون الى اجهزة مخابرات لها قدراتها العالية التي ستمكن من أخفاء الحقائق لمدة طويلة خاصة وأن اجهزتهم هي التي تعين المحقق الأممي. تم اغتيال الرئيس الامريكي جون كيندي في بداية الستينيات ولم تسفر التحقيقات التي جرت في بلده حين تسود عشرات اجهزة الاستخبارات والتحقيق عن نتيجة مقنعة حتى الأن، وأمثلة غيره كثيرة في الغرب، ولكن عندما يتعلق الأمر بدولة او دول مستهدفة من طرف قوة كبرى فإن الأمر يختصر كما فعل ديتليف ميليس. لإتمام أسطورة ديتليف ميليس ذكرت وكالة يو بي آي يوم 16 سبتمبر أن نشرة فرنسية متخصصة بالمعلومات الاستخبارية ذكرت أن نسخا من تسجيل الحوار الأخير بين الرئيس السوري بشار الاسد ورئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري سلمت لرؤساء أمريكا وفرنسا وباكستان. وذكرت نشرة انتيليجانس اون لاين التي تصدر في باريس ويرأس تحريرها موريس بوتبول، ان الحريري سجل اللقاء الاخير الذي جمعه في دمشق إلي الرئيس السوري بواسطة قلم خاص حصل عليه من احد أجهزة المخابرات الغربية، التي رجحت أن تكون الإدارة العامة للامن الخارجي الفرنسية المعروفة. ولإستيضاح مزيد من التفاصيل عن الكذبة الجديدة عن مسؤوليات أغتيال الحريري تضيف نفس النشرة المتخصصة أنه بحسب مصادرها فإن رفيق الحريري الذي كان يشعر بالتهديد حصل من الجهاز السري علي قلم خاص مكنه من تسجيل الحوار. وذكر أن نسخا من التسجيلات سلمت الي قادة فرنسا وأمريكا وباكستان، جاك شيراك وجورج بوش وبرويز مشرف. ووفق نص الحوار المزعوم الذي أوردته النشرة قال الأسد للحريري : من المفيد ان تعرف ان لحود سيمدد له مهما حصل (..) ولن أسمح لك باستبداله بأي شخص آخر(...) عليك أن تفهم إنني قادر علي تدمير لبنان وأنت معه (..) واذا اجبرت علي مغادرة لبنان فسأتركه خرابا (...) حليفك وليد جنبلاط عليه ان يعلم المصير الذي ينتظره. مقتل والده يجب أن يكون درسا جيدا له. واضافت النشرة انه لدي المحقق الدولي ديتليف ميليس ادلة دامغة منها بصمات أصابع تم الحصول عليها من شقة في بيروت حيث خطط للهجوم )علي موكب الحريري( ونسخا من تسجيلات هاتفية اعترضها قبل وبعد اغتيال الحريري مركز التنصت الامريكي في قاعدة أكروتيري البريطانية في قبرص. ولتحبك الكذبة يشكل أفضل ذكرت النشرة المتخصصة بشؤون الاستخبارات أن ميليس حصل علي العديد من الأدلة القاطعة لدعم إفادة الهارب من المخابرات العسكرية السورية الكولونيل محمد صافي الذي استجوبه ميليس في مناسبتين في جنيف. وكانت الصحافة السورية الرسمية قد أشارت إلي مجند هارب من الجيش السوري باسم محمد صافي. نفس القصة وردت خلال تحقيقات بليكس عن اسلحة الدمار الشامل العراقية، حيث ذكر في حينها أن منشقين من اجهزة حزب البعث والجيش والمخابرات والأوساط العلمية العراقية أكدوا ان الرئيس صدام حسين يطور كل انواع الاسلحة من نووية وجرثومية وكيمياوية وغيرها، والنهاية يعرفها الجميع. هنا يجب التذكير أن رجلا ثريا مثل الحريري لا يحتاج لجهاز مخابرات للحصول على آلة من هذا النوع الذي كان أول ظهور لها قد سجل في نهاية العقد السابع من القرن الماضي. ويجب أن أذكر هنا ولكل من يملك هاتفا نقالا او له دراية بسيطة بأجهزة أم بي 3 أن تقنية من هذا النوع موجودة في كل الاسواق وهي لا تكلف أكثر من 25 دولارا في لبنان أو أكثر من ذلك قليلا في أغلب الاقطار العربية. بالاضافة الى أن شركات الحريري وصديقه المليادير السعودي الوليد بن طلال كانت لديها أجهزة أكثر تعقيدا وكفاءة من القلم الذي تحدثت عنه المجلة الفرنسية (المتخصصة) والامر يتعلق بجهاز لقط وبث وتسجيل في حجم ازرار قميص تستطيع البث الفوري الى مسافة تفوق 5 كيلومترات في خط مستقيم كما يمكن وصلها بقمر صناعي وهنا كان الامر يتعلق بشبكة الثريا حيث يمكن نقل الحديث أو البث الى أى نقطة في العالم بعد تشفيرها، ولهذا يمكن الوصول الى استنتاج منطقي وهو أن ما اشاعته الوكالة السابق ذكرها ليس إلا من قبيل التضليل الاعلامي المقصود. يذكر أن اللقاء تم قبل أسبوع من التعديل الدستوري الذي أتاح في الثالث عشر من أيلول )سبتمبر( عام 2004 للرئيس اللبناني اميل لحود تمديد ولايته ثلاث سنوات، وقد خرج الحريري من اللقاء في حالة نفسية وصفها عدة مراقبين وخبراء مخابرات بأنها كانت تمثل رجلا في حالة نفسية تعكس ارتياحا واسترخاء. العديد من الملاحظين علقوا على مقال المجلة الفرنسية زأن الأمر لا يمكن أن يكون جديا فحتى أن لم يكن الأمر يتعلق برئيس دولة يملك أمكانيات ضخمة، وحتى لو كان زعيم عصابة اجرامية صغيرة لما فاه بهذا الكلام وهو يعرف أن هناك أذانا في كل مكان كما لا يريد أن يسلم عدوه انذارا مسبقا يمكنه من أخذ مزيد من الاحتياطيات وأشعار الحلفاء بالخطر. أكاذيب كهذه لا يمكن أن تنطلي على طفل، ولكن سادة العالم الجدد يفرضونها على الجميع عبر اجهزة اعلام يتحكمون في خيوطها أكثر فأكثر ويخلصونها تدريجيا من كل العناصر التي يمكن أن تفضح الحقيقة.