انتهت في بريطانيا محاولات رجال قانون لمتابعة ساسة وعسكريين إسرائيليين قضائيا، بتهم إرتكاب جرائم حرب وخرق حقوق الإنسان، بمهزلة. فيوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ان لندن تدرس «طرق تغيير نظامها» القضائي بعدما أصدر قاض بريطاني مذكرة توقيف بحق زعيمة حزب كاديما الموجود في المعارضة حاليا، ووزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي اطلق من 27 ديسمبر 2008 الى 18 يناير 2009، وذلك «لتفادي حالات مماثلة في المستقبل». ولاحظ الوزير في بيان «ان الاجراء الذي يمكن بموجبه المطالبة بمذكرات توقيف واصدارها» من دون ابلاغ النيابة «خاصية نادرة في النظام القانوني في انكلترا وويلز». وقالت الخارجية البريطانية ان بريطانيا تدرس بشكل عاجل انعكاسات مذكرة التوقيف بحق تسيبي ليفني. وذكرت متحدثة بإسم الخارجية «ان بريطانيا مصممة على القيام بكل ما يمكنها لتشجيع السلام في الشرق الاوسط ولتكون شريكا استراتيجيا لاسرائيل». واضافت «لذلك يتعين ان يتمكن القادة الاسرائيليون من القدوم الى بريطانيا لاجراء مباحثات مع الحكومة البريطانية. نحن ندرس بشكل عاجل انعكاسات هذه القضية». ووصف ميليباند إسرائيل بأنها شريك استراتيجي وصديق حميم ينبغي أن يحظى قادتها بالحرية في السفر إلى بريطانيا. وأكدت نائبة رئيس الوزراء هاريت هارمان بدورها أمام مجلس العموم «البرلمان» الحكومة البريطانية تفكر في إدخال تغييرات على التشريع الذي يمنح المحاكم صلاحية قضائية عالمية في قضايا جرائم الحرب لتفادي أي تهديد محتمل باعتقال الساسة الأجانب الذين يزورون بريطانيا. حملة تأديبية رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون سارع بدوره للإعتذار لتسيبي ليفني عن صدور أمر اعتقال بحقها في بريطانيا على خلفية اتهامها بالمشاركة في المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب خلال عملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل عام، والتي خلفت أكثر من 1400 قتيل فلسطيني الغالبية العظمى منهم من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، إضافة الى آلاف الجرحى وتدمير غالبية البنى التحتية في القطاع. وأعرب براون، في اتصال هاتفي مع ليفني أجراه على هامش مشاركته في قمة المناخ في كوبنهاغن يوم الأربعاء 16 ديسمبر، عن خيبة أمله لإعتذار ليفني عن حضور مؤتمر الصندوق القومي اليهودي بالقرب من العاصمة لندن وأكد ترحيبه بزيارة ليفني لبريطانيا في أي وقت. وأشار براون إلى الرغبة الجادة في تعديل القوانين السارية لمنع تكرار مثل هذه المواقف مرة أخرى. رغم هذه الإعتذارات واصلت إسرائيل حملتها التي وصفها معلقون أنها تأديبية لبريطانيا، حيث حذرت تل أبيب لندن من أنها لا يمكن ان تلعب «دورا فاعلا في عملية السلام» في الشرق الاوسط اذا لم تتخذ اجراءات لمنع ملاحقة مسؤولين اسرائيليين من قبل القضاء البريطاني. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يأخذ على محمل الجد المحاولات البريطانية لاصدار أوامر اعتقال وشدد على أن إسرائيل لن توافق على أن يتم استدعاء رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، أو وزير الدفاع إيهود باراك، أو ليفني، الى المحاكم البريطانية أو اعتبار جنود جيش الدفاع وقادته، الذين دافعوا عن مواطني الدولة ببسالة وبصورة أخلاقية ضد عدو مجرم وقاس ومجرمي حرب. وقالت الإذاعة الإسرائيلية أن رئيس مجلس الأمن القومي، عوزي عراد، نقل رسالة الى القيادة البريطانية أكد فيها أن «اسرائيل تتوقع منها أن تمنع هذه المحاولات غير الاخلاقية والهادفة الى المساس بقدرة اسرائيل على حماية نفسها». وجاء في بيان لوزارة الخارجية الاسرائيلية ان «اسرائيل ترفض الاجراءات القضائية المغرضة التي قامت بها محكمة بريطانية ضد تسيبي ليفني بمبادرة من عناصر متطرفين». واضافت ان اسرائيل «تدعو حكومة لندن الى احترام التزامها عدم السماح باستغلال النظام القضائي البريطاني من قبل عناصر معادين لاسرائيل». وقامت وزارة الخارجية الاسرائيلية في القدس يوم الثلاثاء باستدعاء السفير البريطاني في اسرائيل توم فيليبس للتعبير له عن احتجاج وتحذيرات الحكومة الاسرائيلية. سفير اسرائيل في بريطانيا رون بروسور لم يتخلف عن توجيه دروس التأديب حيث هاجم قرار المحكمة البريطانية، وقال في تصريح لاذاعة الجيش الاسرائيلي «ان الوضع الحالي أصبح غير محتمل، وقد حان الوقت ليتغير». حيث يواجه مسؤولون اسرائيليون كبار التهديد بملاحقتهم أمام القضاء في بريطانيا أثر شكاوى قدمتها منظمات حقوقية تتهمها إسرائيل بأنها مؤيدة للفلسطينيين. ويذكر أنه في اكتوبر 2009 عدل موشي يعالون نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي عن زيارة لندن حيث يلاحق بتهمة ارتكاب «جريمة حرب» حين كان قائد اركان الجيش بين 2002 و2005. زيادة على عملية التأديب الإسرائيلية للندن لتخلفها عن تعديل سريع لتشريعاتها بما يلائم تل أبيب، تمادى ساسة إسرائيل في تأكيد «حقهم» في قتل المدنيين فصرحت ليفني انها تتحمل «مسؤولية القرارات المتخذة اثناء عملية الرصاص المصبوب التي حققت اهدافها المتمثلة في حماية سكان جنوب اسرائيل واستعادة سلطة الردع». وأضافت أنه «لو اضطررت مجددا إلى إتخاذ القرار بالقيام بهذه العملية، لكنت اتخذت نفس القرار». وأكدت أن «على إسرائيل أن تفعل ما هو في مصلحتها بصرف النظر عن الأحكام والبيانات ومذكرات التوقيف، إنه واجب القيادة». العدالة المفقودة في تعليق على الحدث كتب إنسان: «إسرائيل» لا تحاكم ولا تدان، لأن لا عدالة حقيقية في العالم، عدا تلك التي يفرضها القوي على الضعيف. هذه حقائق واعتبارات سادت لمدد طويلة، وأمست مسلمات عند شعوب سئمت انحياز ما يسمونه المجتمع الدولي، وعجزه عن تطبيق القانون الذي وضعه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على أساس أنه سيكون مساهمة لمنع تكرار الحروب. إن الواقع الذي يجب أن نعترف به هو أن الإمكانات التي نتصور أن القانون الدولي العام يعطيها لنا، مبنية على مصالح الدول، ومصالح الدول مبنية على مصلحة الدولة القوية، ولا يمكن في حسابات الأقوياء، أن تكون نتائج الصراعات لمصلحة الدولة الضعيفة، فالعدالة هي عدالة القوي على الضعيف، أو المنتصر على المنهزم. توضح المطاردات القضائية لمجرمي الحرب الصهاينة، مقدار الحماية السياسية الدولية التي تحظى بها إسرائيل وقادتها، بحيث أن مسار العديد من القضايا والدعاوى في بريطانيا وأسبانيا وبلجيكا اعترضته تدخلات سياسية عطلت المنطق القانوني بالإرادة السياسية للحكومات ولأجهزة المخابرات، ولعل المصير الواقعي لتقرير غولدستون سواء بتعطيل مناقشته في مجلس الأمن الدولي تحت طائلة الفيتو الأمريكي، أم بتلميح القاضي غولدستون نفسه إلى عدم دقة بعض الفقرات في التقرير، يكشف لدرجة كبيرة حقيقة الإرادة السياسية الأمريكية و الغربية المكرسة لحماية إسرائيل و قادتها من أي محاسبة. الوهم بعيدا عن الأوهام و المبالغات تنبغي الإشارة إلى أن العديد من الحقوقيين العرب يدركون حدود الوجه القضائي للصراع مع إسرائيل و ذلك لإعتبارين حاسمين: الاعتبار الأول: وهو ان قضية الشعب الفلسطيني ليست قضية حقوق إنسان أو انتهاكات عادية للقانون الدولي، فهي قبل كل شيء قضية حقوق وطنية مسلوبة لشعب من قبل دولة استيطان عنصري، قامت على التطهير العرقي. هذه الدولة تمثل في الشرق العربي قاعدة استعمارية تحظى بدعم و مساندة غير مسبوقين من الولايات المتحدة و الدول الغربية، وهذا ما يحكم مسبقا بفشل متابعة إسرائيل ضمن نطاق الأمم المتحدة التي تمت السيطرة على مؤسساتها، وحيث تتحول قرارات المنظمة الدولية نفسها إلى أحكام غير منفذة منذ ستين عاما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فلسطين لن تتحرر والشعب الفلسطيني لن يسترجع حقوقه بقرار قضائي دولي مهما كانت فرص انتزاعه الواقعية قائمة، فالأصل هو النضال الذي يخوضه الفلسطينيون ومدى قدرته على فرض معادلات جديدة. كما يعتمد على قدرة العرب على بناء صرح القوة الإقتصادية والعسكرية والعلمية الكفيل وحده بضمان اختفاء الكيان السرطاني المزروع في قلب الأمة العربية. الاعتبار الثاني: استنفار الحركة الصهيونية وتحريك أخطبوط النفوذ الكبير الذي تتحكم به في العديد من دول العالم يرسم قواعد متغيرة لسد المنافذ أمام مطاردي مجرمي الحرب الصهاينة من المنظمات والخبراء الحقوقيين في العالم والمنطقة العربية وبالتالي فهذه الحرب القانونية الدائرة التي تخوضها منظمات حقوقية، تنعكس على مسار القضايا التي يتم فتحها وتحريكها بجهود خاصة لحقوقيين متطوعين تطاردهم يد الإرهاب الصهيونية بشتى الوسائل. ثانيا: كشفت الدراسات والتقارير الحقوقية حجم الصعوبات والهوامش الضيقة التي تحيط بالعمل الحقوقي من خلال القضاء الدولي بسبب خضوعه للهيمنة الأمريكية تشريعا وتنفيذا وحيث تبين من تجربة محكمة العدل الدولية مع جدار الفصل العنصري. أن الحد الأقصى الممكن هو إضافة نص إدانة جديد للاحتلال الإسرائيلي لا يتخطى بمفعوله قرارات مجلس الأمن الدولي التي تراكمت منذ اغتصاب فلسطين، وتنحصر أهمية هذا النوع من القرارات بالنجاح في كسب الرأي العام الدولي والغربي خصوصا. وقد عرض العديد من الخبراء الحقوقيين معطيات تحول دون الرهان على إحراز تقدم في التعامل مع المجازر والمذابح الصهيونية في لبنان وفلسطين من خلال المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المحاكم الدولية الخاصة بسبب الهيمنة السياسية والاستلاب اللذين يحكمان عمل هذه المحاكم الخاضعة للمشيئة السياسية الأمريكية و الغربية المكرسة لحماية إسرائيل. حقوق الأنسان اذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 محل تقدير عالمي، وكذلك التشريعات الدولية لتحديد معالم جريمة حرب، والتي تعني الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، فإن الفترة التي تفصلنا بين هذين التاريخين ونحن نقترب من نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تكشف أن الأطراف الأقوى في العالم أستغلت تلك المبادئ والقواعد وعلى أسس لا تنتمي الى العدالة، فقد تم في كثير من الأحيان تحويل قواعد الحق الى أداة ابتزاز وضغط على الأطراف التي لا تصنف في مرتبة الأقوياء. وعندما لا تقوم القوى الكبرى بالتحرك بشكل مباشر وفي نطاق التعامل بمكيالين وبتشويه مبادئ حقوق الإنسان لإستغلالها من أجل تنفيذ مخططات تفيد مصالحها، تتولى قوى أخرى المهمة بالنيابة. هذه السلوكات واضحة وجلية خاصة عندما يتعلق الأمر بتمزيق الوحدة الترابية لدولة أو العمل على تبديل أو إضعاف انظمة حكم لا تتبع السياسات التي تخدم قوى الهيمنة الدولية ووكلائها الإقليميين. الأمثلة تحتاج الى مئات أو ربما لآلاف الصفحات، ولكن التذكير ببعضها يكفي لكشف المؤامرة التي يتفنن البعض أحيانا في نفي وجودها من أجل خدمة قوى الهيمنة الدولية، خاصة وأنهم يتغاضون عن أن التاريخ المعروف للإنسانية يثبت بشكل لا مجال للطعن فيه أن نظرية المؤامرة هي التي سادت. في نهاية القرن الماضي وصلت الى قمة التصعيد الحملة التشويهية التي قادتها أطراف غربية ومنها جيران ضد أندونيسيا، جريا وراء تنفيذ مخطط تشتيت هذا البلد الممتد على أكثر من ثلاثة آلاف جزيرة وذلك حول إقليم آتشي الأندونيسي الذي كانت عدة قوى تعمل على فصله عن الوطن الأم وتم استغلال كل الأساليب لتمرير المؤامرة. وقبل ذلك بعقود كانت قد بدأت معركة القوى الغربية والصهيونية والتنصيرية من أجل تفتيت السودان واستغلت وإستحدثت قضايا حقوق الإنسان من أجل العمل على فصل جنوب البلاد عن شماله تارة بدعوى اختلاف المعتقدات الدينية وتارة اخرى بدعوى الإختلاف العرقي أو اختلال عملية توزيع الثروات بشكل عادل. وقد تحالفت القوى الإستعمارية القديمة الجديدة والتنظيمات التنصيرية والصهيونية من أجل الوصول الى الهدف. والمراجع للتاريخ القريب يمكنه أن يرى الى أي مدى وصلت المواجهة من أجل تمزيق السودان حيث لم يعد الجنوب وحده هدف قوى التمزيق والتشتيت. وفي المغرب العربي تتكرر نفس القصة خاصة مع المغرب حيث يجري السعي من جانب عدة قوى إقليمية وعبرها لتمرير مؤامرة التشتيت والإنفصال. من آخر الأمثلة الحية استغلال ما يسمى قضية أمينتو حيدرا من أجل الطعن في وحدة المغرب الترابية، ويكفي هنا أخذ شهادة رئيس جبهة القوى الاشتراكية بالجزائر الحسين أيت أحمد الجزائر الذي إتهم حكومته بإعتماد سياسة الكيل بمكيالين في مجال حقوق الإنسان، في إشارة إلى ما يسمى الدعم الإنساني التي تحظى به أمينتو حيدرا، في مقابل انتهاك حقوق مناضلين لحقوق الإنسان بالجزائر. وقال المسؤول السياسي الجزائري في رسالة وجهها إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في شأن الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها حقوق الانسان ببلاده ، إن «الأوروبيين يغضون النظر على معاناة مناضلي حقوق الإنسان، الذين يتعرضون لانتهاكات أمنية وإدارية وقضائية بالجزائر، معاتبا إياهم لتخليهم عن مهمة الدفاع عن مناضلي حقوق الإنسان بالجزائر، تخوفا من انتقام الجزائر منهم اقتصاديا». مؤامرات متتابعة مثال آخر حي حاضر في نهاية سنة 2009، وهذه المرة في اليمن، فبعد تعثر مؤامرة تطويق الجزيرة العربية بحركة تمرد الحوثيين نتيجة تكاتف الرياض وصنعاء وأطراف عربية أخرى عسكريا، تحركت قوى الهيمنة الى جبهة اخرى لإعادة الحياة الى قوى التشرذم والإنفصال التي فشلت في حرب صيف 1994 في تقسيم البلاد. فعبر التشويه الموجه والمقصود وتكرار تشغيل إسطوانة حقوق الإنسان في نسختها المشروخة حركت آلة الدعاية العالمية عبر عدة قنوات. وهكذا وجهت المنظمة الحقوقية الدولية «هيومن رايتس ووتش» انتقادات حادة للحكومة اليمنية على خلفية ما وصفتها بأعمال القمع وانتهاك الحريات جنوب البلاد، في ظل استمرار احتجاجات ما يسمى الحراك الجنوبي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن «الرد الوحشي» من جانب صنعاء على الاحتجاجات المطالبة بالانفصال يؤجج خطر اتساع نطاق الصراع المسلح جنوب البلاد. قبلها تحركت تنظيمات مشابهة لتقديم دعم للتمرد الحوثي تحت غطاء إنساني. صنعاء ردت على حملة تشويه الحقاائق حيث أعربت الحكومة اليمنية يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 عن «انزعاج شديد» من تقرير «هيومن رايتس ووتش». وقال وزير الاعلام حسن اللوزي في مؤتمر صحافي ان ما صدر عن المنظمة «لا يسمى تقريرا وإنما معلومات مغلوطة من مصادر غير موثوقة» مشيرا الى ان الجهات الرسمية زودت المنظمة بمعلومات صحيحة لتعديل تقريرها. والأمر الذي يجب تسجيله هنا هو أنه يمكن تصنيف وسائل الدعاية والإعلام في تبعيتها أو استقلالها بتتبع طريقة ترويجها للحملات التي تخدم قوى الهيمنة والدعاية للتقسيم والتشرذم، سواء بإستغلال الوجه المشوه لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، أو جرائم الحرب، أو بتهميشها للقضايا الأساسية لحقوق الإنسان. إسرائيل تعتقل رسميا أكثر من عشرة ألاف أسير فلسطيني بينهم 327 أمضوا أكثر من 15 عاما، ولكن ذلك لا يشغل إلا أسطرا قليلة من تقارير المنظمات الحقوقية ذات التغطية الإعلامية الدولية. تل أبيب أبعدت عشرات الأسرى الفلسطينيين الى جنوب لبنان في نهاية القرن الماضي، ولكن القضية طواها النسيان. الموساد الإسرائيلي ومن ضمنهم عميلته السابقة ليفني قام بقتل عشرات العلماء المصريين والعراقيين وغيرهم من العرب في باريس ولندنوالولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وغيرها من مناطق العالم، ولكن لا أحد يتحدث عن جرائم حرب، ولكن الأمر يختلف عندما يتعلق بمقتل مواطن من ديانة غير مسلمة على متن سفينة في البحر المتوسط. تزوير الحقائق والأدلة أصبح واضحا الأن بعد أكر من عقدين من حادثة لوكربي التي وقعت يوم الأربعاء 21 ديسمبر 1988، حين انفجرت طائرة بوينغ 747، تابعة لشركة بان أمريكان أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي، الواقعة قرب مدينة دمفريز وغالواي الأسكتلندية غربي إنجلترا. الحادث الذي أسفر عن مقتل 259 شخصا، استغل وتم قلب الحقائق مما قاد الى حصار بلد مستقل وشن غارات جوية وقتل سكان آمنين وإدانة ابرياء. اذا كنت من ضمن قوى الهيمنة والأستعمار الجديد أو التابعة لها، فإقتل ما شئت وزج في السجون بالألاف وعذبهم وتاجر في أعضائهم، افعل ما شئت فلا حساب، أما الآخرون فإذا حاكموا شخصا لأنه تجاوز القانون وكان يخدم مصالح من هم خارج وطنه فستقوم الدنيا ولن تقعد. الغاء واقع قال رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص سنة 2005 على هامش فعاليات لقاء «محور من أجل السلام 2005»، ان واشنطن تسعى لإلغاء واقع الأمة العربية. فذلك ما يرمي إليه مشروع «الشرق الأوسط الكبير». وأضاف نحن نسمع قولا قادما رسميا من أمريكا اسمه «مناطق إنشائية» أو «بنائية»، وتهدف الى تعديل الكيانات السياسية الحالية، بتحويلها الى كيانات ضئيلة، كيانات متنازعة. هنالك محاولات يومية ترمي الى إثارة النزاع. لكننا نخشى من أن يؤدي الضغط الى إثارة نعرات تمتد لتهب المنطقة كلها. أنا خائف جدا حيال المستقبل القريب، إن خوفي لشديد. فعلينا أن نتصدى للتحديات التي تواجهنا الآن. ولنأمل أن تسير الأمور نحو الأفضل». ويضيف الحص إن جاء العنف من جانب الفلسطينيين أو اللبنانيين أو العراقيين، أيا كانت طريقة استخدامه أو الهدف منه، كان إرهابا. أما إن جاء من الجانب الإسرائيلي، فهو دفاع مشروع عن النفس، حتى إن وقع فوق أراضي شعوب أخرى. فإسرائيل تحتل أراضي شعوب أخرى، وتدعو ذلك دفاعا عن النفس. وعلى ذلك فالعنف الذي يستخدمه الإسرائيليون لا يدعى إرهابا. فأنت لا تسمع أبدا عبارة «إرهاب إسرائيلي». إنك تسمع عن الإرهاب الإسلامي. ويستخدم الإسرائيليون أيضا أسوأ أشكال العنف. كما تمارس الولايات المتحدة أبشع أشكال العنف في العراق: إنهم يقتلون المدنيين في واقع الأمر. وحين يقومون بتدمير مدينة بكاملها في العراق، والفلوجة مثال على ذلك، لا يشغلون أنفسهم بمعرفة من قد قتل. أليس ذلك إرهابا؟. حين يمارس الأمريكيون العنف، فإن عنفهم يخدم قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. تلك هي المفارقة! إنه العنف، لكنهم يعرضونه من منظورات مختلفة. فالعنف الأمريكي يخدم قضية الحرية وحقوق الإنسان. وهكذا أضحى العنف وجهة نظر. لكن من عساه يجرؤ على قول ذلك لأمريكا ؟. ماذا وقع لمجرمي مذبحة صبرا وشتيلا في لبنان حيث أبيد ليلة 16 سبتمبر عام 1982 أكثر 3500 إنسان من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين ومن بينهم لبنانيون أيضا. في ذلك الوقت كان المخيم مطوقا بالكامل من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورافائيل أيتان؟. لا شيء، انتهى الأمر ببضع قصاصات في الصحف الغربية وطوى الأمر النسيان. ولكن لماذا يختلف الأمر عندما يتعلق الأمر بمقتل شخص واحد أو اثنين أو ثلاثة بعد عقود ويركز على ضرورة البحث عن الحقيقة ؟. الحق حق ولا يمكن إنكار ذلك ولكن لماذا هذا الميز ؟. انه الكيل بمكيالين لخدمة أهداف معينة، وللأسف نجد في معظم الحالات أن الأمر يتعلق بتمهيد الطريق لقوى الهيمنة من أجل تمرير مخططاتها. إبادة الأسرى في شهر مارس سنة 2007 بثت القناة الأولى للتلفزة الإسرائيلية فيلما وثائقيا أكد ان وحدة «شكيد» من الجيش الإسرائيلي التي كان يقودها بنيامين بن إليعازر الذي أصبح لاحقا وزيرا البنية التحتية في حكومة تل أبيب، قتلت بدم بارد 250 اسيرا مصريا بعد انتهاء حرب عام 1967. بعد ذلك كشفت مصادر إسرائيلية أن قصة وحدة «شكيد» ليست سوى جزء صغير من قمة جبل الجليد العائم، وأن الأمر يتعلق بقتل أكثر من تسعة آلاف أسير مصري. وكشف شهود عيان من مدينة العريش، وقائع اضافية في ملف قتل الأسري المصريين وقالوا: إن القوات الإسرائيلية كانت تحصد الجنود، رغم استسلامهم، كما بادرت بقتل الأسري المصابين، فيما عثر الأهالي في ذلك الوقت علي جثث متفسخة لأعداد كبيرة منهم ملقاة منذ عدة أيام في صحراء سيناء، وبادر الشباب خلال تلك الفترة بتجميع الجثث لدفنها في مقابر جماعية. وأكد العديد من الشهود على جانبي جدار الصراع أن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي كانوا يسلبون جثث القتلى خواتمهم وساعاتهم وحتى أسنانهم المكسوة بالذهب وكل ما ثمين وصالح للبيع. وقال ضابط إسرائيلي برتبة نقيب رفض الكشف عن هويته: عندما اقتحمنا مدينة العريش عقب المقاومة الشرسة من الجيش وأهلها، طلبت منا القيادة الإسرائيلية تفريغ المنطقة المحتلة من سكانها، إما بالتخويف أو القتل، وصولا للتحكم في سيناء إلي الأبد، فضلا عن القضاء علي فلول الجيش المصري المنسحب، لكي لا تقوم له قائمة إلا بعد وقت طويل». وذكر «ارييه بيرو» قائد الكتيبة 890 مظلات لصحيفتي «جيروزاليم بوست» و»معاريف» الإسرائيليتين في وقاحة وتبجح بأنه قتل الأسرى المصريين الذين تمكن من الوصول إليهم في عام 56 عندما كان قائدا لكتيبة اسرائيلية. حيث قام بإعدام عمال مدنيين مصريين بأحد المحاجر قرب ممر متلا وكان عددهم 49 رجلا. وقال عن ذلك: ان القائد الغبي فقط هو الذي ينتظر الأوامر فيما هو مفروض عليه!. واختتم اعترافاته الدموية بقصة أحد العمال الذي تمكن من الهرب ولكنه كان مصابا بالرصاص في صدره وقدمه وعاد يزحف بعد ساعات طالبا ان يشرب. وعلق على ذلك قائلا: انا لست مسؤولا عن غباء العدو.. وقد ألحقته بسرعة بزملائه. واختتم حديثه بعبارة، لست نادما على ما فعلت ولا أشعر بوخز الضمير، بل انا فخور بما فعلت. لم يحاكم أي من مجرمي الحرب هؤلاء، لأن القائمين على توجيه ما يسمى بالعدالة الدولية يرفضون ذلك. تجارة الأعضاء البشرية يوم الأثنين 17 أغسطس 2009 كشفت صحيفة «أفتونبلاديت» أكبر الصحف السويدية، أن الجنود الإسرائيليين يخطفون الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة من أجل سرقة أعضائهم البشرية. وتحت عنوان «نهبوا أعضاء أبنائنا»، نشرت الصحيفة، تقريرا مطولا عن روايات فلسطينيين اعتقلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي أحياء، ثم أعادهم جثثا هامدة مسلوبا منها بعض الأعضاء. تل أبيب ومعها حلفاؤها أقاموا الدنيا من أجل نفي ثم دفن التقرير ولكن الصحيفة السويدية لم ترضخ، غير أن وسائل الإعلام الدولية عتمت على القضية التي أصبحت دوليا في طي النسيان قبل ان ينتهي صيف سنة 2009. يتساءل أحدهم: ماذا لو كان الأمر يتعلق بدولة عربية أو إسلامية لا تسير على النهج القويم للمهيمنين ؟. يمكن ان يصنف التاريخ القرن الحادي والعشرين، بأنه الفترة الزمنية التي أتقن فيها المهيمنون لعبة تعميم الخداع، ليس فقط سياسيا بل على كل الأصعدة. ان التجارة التي يلح الغرب على تسويقها تتركز على شعارات الحرية وحقوق الإنسان، وهي في الحقيقة تجمل صورته الحقيقية البشعة، وتسهم في فتح أسواق العالم أمام منتجاته المادية بأغلى الأسعار التي يفرضها بإسم حرية التجارة، وتتيح نهب ثروات فقراء العالم تحت الشعار ذاته. قتل ومحاكمات في نهاية الحرب العالمية الثانية نظم المنتصرون من 20 نوفمبر 1945 وحتى 1 أكتوبر 1946، محكمة نورنبيرغ لمعاقبة من تبقى على قيد الحياة من قادة المانيا بتهمة اقتراف جرائم حرب. وفي الوقت الذي كانت تجري فيه هذه المحاكمات أقدمت أحد القوى المشاركة فيها على جريمة حرب وضد الإنسانية لا يمكن الجدل بشأنها. فيوم 8 مايو 1945 وبعد أن خرج الجزائريون في مظاهرات ضخمة ليعبروا عن فرحتهم بإنتصار الحلفاء، وليطالبوا بإستقلال بلادهم وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارها الحلفاء طيلة الحرب العالمية الثانية. كان رد الفرنسيين على المظاهرات السلمية هو ارتكاب مجازر، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي واستعملوا في ذلك القوات البرية والجوية والبحرية، ودمروا قرى ومداشر ودواوير بأكملها. ونتج عن القمع قتل أكثر من 45000 جزائري حسب إحصائيات رسمية. في حين قدرت الإحصاءات الأجنبية الخسائر ما بين 50000 و 70000 قتيل من المدنيين العزل، في مجزرة على يد الفرنسيين الذين كثيرا ما تباهوا بالتحضر والحرية والإنساني. حرب بلاد الرافدين رغم أنه وبإعتراف ساسة لندنوواشنطن ومدريد وغيرهم، أن حرب غزو العراق سنة 2003 قامت على أسس كاذبة وتهم ملفقة، فإن المطالبين من الحقوقيين بمحاكمة المسؤولين عن حرب أسفرت عن مقتل مليون ونصف مليون عراقي وتشريد أكثر من خمسة ملايين آخرين وتدمير دولة رائدة حضاريا على البوابة الشرقية للأمة العربية ظلت حبرا على ورق. ومثلا يوم الأثنين 14 ديسمبر 2009 رفضت المحكمة العليا الامريكية النظر في شكوى قدمها اربعة معتقلين بريطانيين سابقين في غوانتانامو، أكدوا ان دونالد رامسفيلد مسؤول عن أعمال التعذيب والاهانات التي تعرضوا لها بسبب ديانتهم. وطالب السجناء الاربعة الذين اعتقلوا بين يناير 2002 ومارس 2004، بأن يتم الاعتراف بمسؤولية وزير الدفاع الامريكي السابق ومسؤولين عسكريين كبار عن سوء المعاملة التي تعرضوا لها في غوانتانامو. المثير للإشمئزاز أن الكيل بمكيالين ليس دائما محل إنكار من جانب قوى الهيمنة. يوم الأثنين 14 ديسمبر 2009، دافعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عن مقاربة «واقعية مع مبادىء «حقوق الانسان في روسيا والصين، الشريكين الرئيسيين للولايات المتحدة. وقالت في كلمة القتها حول سياسة الادارة الامريكية في مجال حقوق الانسان ان «الواقعية مع مبادىء تحدد مقاربتنا لمسألة حقوق الانسان تجاه كل الدول ولكن بنوع خاص مع دول رئيسية مثل الصين وروسيا». واضافت ان «التعاون مع كل دولة منهما هو حاسم من أجل صحة الاقتصاد العالمي ومن أجل تحقيق اهدافنا لناحية عدم نشر الاسلحة النووية» متحدثة ايضا عن ملفات كوريا الشمالية وايران والتغير المناخي. وذكرت ان «الفكرة القائلة بانه يتوجب علينا ان نختار بين الدفاع عن حقوق الانسان وبين مصالحنا القومية هي فكرة خاطئة» كما أن الفكرة القائلة ب»الارغام والعزلة هما ادتان فعالتان من أجل تفعيل التغير الديموقراطي» هي ايضا «خاطئة». واشارت الى ان «الولايات المتحدة تريد علاقات ايجابية مع الصين وروسيا» مع وعدها باجراء «محادثات صريحة» مع هاتين الدولتين. لو أن رئيسا أو موظفا حكوميا في بلد من البلدان التي لا ترضى عنها إدارة المصالح الأمريكية أدلى بمثل هذا الكلام لرأينا العجائب من الإعلام ودهشنا لمهاراته في إلقاء الضوء على أدق تفاصيل التلاعب لحرق هذا وذاك أمام شعبه أولا والرأي العام العالمي ثانيا كمقدمة لتدخل فظ في شؤون تلك البلدان بحجة «حماية حقوق الإنسان». قوى الهيمنة ديكتاتوريات كثيرة تحكم بإسم قوى الهيمنة، وطغاة كثر، يقدمهم الإعلام بمسحة إنسانية كمهرجين يرتدون، كما يفعل العديدون ما يسمى الرداء القومي، وآخرون لا يقدرون على تذكر من حولهم لإصابتهم بالخرف السياسي. وهم يجلسون كالعبيد في زاوية يختارها لهم من يحكم من وراء الستائر المخملية. وآخرون يستهزؤون بدماء شعوبهم باسم «الخلافات السياسية». وديمقراطيات ناشئة تتلمس طريقها نحو عالم أفضل تتعرض للطعن والتشويه تحت غطاء كاذب للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ما أسهل أن تصبح رئيسا أو وكيلا لقوى الهيمنة طالما أنت قادر على أن تدوس في بطن الحقيقة، وبطون شعبك المشرد. من العراق حتى أمريكا اللاتينية مرورا بأفغانستان، نستيقظ على أقوال صحف أمريكا والغرب تمجد «العملية الديمقراطية». مثلما يفعلون في تمجيد العملية السياسية في أوطان محتلة، بينما زحف التهويد والاستيطان وطرد العائلات من بيوتها هاجس لا ينتبه إليه كثيرا لا ساكن البيت الأبيض السابق ولا الذي جاء يبسمل من المنطقة العربية. والذي تحولت بسملته إلى تفاوض على بناء وحدات استيطانية هنا. وأخرى هناك. تعيش قوى استعمارية كثيرة هاجسا دائما، يتمثل في ازدواجية المعايير، فهي تارة تقود دول العالم في المطالبة بترسيخ قواعد الإنسان، وتذهب إلى حد العمل على تشكيل محاكم جنائية دولية أو شبه دولية وفي تارة أخرى تتفنن في ممارسة أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان. قوى الهيمنة وفي مقدمتها الولايات المتحدة لا تلعب لعبة السياسة الممزوجة بالقوة فحسب، ولكنها تلجأ إلى حجة القانون الممزوجة بالمنطق. وهي وإن كانت قد تمكنت لحد الاقناع في ذلك كما حدث عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 وقبلها في حرب الخليج الأولى والثانية، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا حيث تعلق الأمر بالمحكمة الجنائية الدولية، وتخلى عنها حتى حلفاؤها الأقربون ووجدت نفسها وحيدة فمارست الضغوط والحرمان والقوة في السياسة بشتى أشكالها، بما في ذلك استخدام الفيتو ليتحصن رعاياها حصانة كاملة من المحكمة الجنائية الدولية. إن موجهي الفكر القانوني للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية كانوا وراء صياغة القوانين الخاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية والعقاب الجماعي وذلك ليتمكنوا من ملاحقة قادة المانيا، فإننا اليوم ولأن الأمريكيين والاسرائيليين والبريطانيين هم من ارتكب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين والعراقيين والأفغان، نجدهم يريدون تغيير القوانين.