ما الهدف من ترجمة كتاب المدير السابق للموساد إفرايم هالفي «رجُلٌ في الظلال» الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون؟ يحدد ناشر هذه الترجمة الهدف بمشاركة القارىء العربي بما يقدمه رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق إلى قراء العالم من أخبار وتفاصيل ، ومحاولة الإحاطة بأخطارها واستكشاف الماضي القريب وتبيان نسق المخاطر الحالية والمستقبلية مع عدم الموافقة على أفكاره ومصطلحاته. ويمهّد المترجم لهذه الترجمة بالقول إنّ منطقة الشرق الأوسط تعيش صراعاً بدأ منذ العشرينيات من القرن الماضي مع مجيء الاستعمار اليها. ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، لم يعد جائزا لنا استقاء المعلومات من مصدر واحِدٍ على اعتبار أنه بات من الضروري المقارنة بين المعلومات المتناقضة ومحاولة استنباط ما هو حقيقي منها كشرط مسبق لأي تحليل صادق وذي معنى. وبناء على ذلك، قمنا بترجمة كتاب «رجل في الظلال» الذي هو عبارة عن سرد للأحداث التي مرّت بالمنطقة منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحالي من منظور إسرائيلي. (...) وقد حرصنا على الترجمة الحرفية لما جاء في الكتاب، لا لأننا نتفق مع مؤلفه في ما قاله فيه، بل حرصاً منّا على دقّة النقل وإظهار حقيقة هوية عدوّنا ! شعار ينبغي أن يتحقق فينا، ولكن ذلك لايتمُّ بالاقتصار على استقاء المعلومات من مصدر واحد ربما يكون متأثراً بالعواطف أو يرغب منا أن نتأثر به. وهذا لايتمّ إلا بدراسة واعية ومجرّدة، علماً بأن مبالغتنا في تقدير قوّة عدوّنا لاتقلّ خطورة عن استهانتنا في تقديرها». الدعم الاستخباراتي الأمريكي التحق المؤلف بجهاز الموساد في العام 1961 وعمل كمحلل للشيفرة، ومحقّق ورئيس قسم لغاية العام 1967، عندما أصبح نائب رئيس شعبة. وبهذه الصفة، كان عضواً في قيادة جهاز الموساد طوال الأعوام الثمانية والعشرين التالية. وعمل في واشنطن العاصمة لمدة أربعة أعوام، كمعاونٍ للسفير إسحاق رابين، والذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزراء إسرائيل مرّتيْن. كما عمل في باريس طوال ثلاث سنوات في منصب رفيع، وترأس شعبتين عمليا تِيَتيْن لفترة خمس سنوات لكل منهما. أمضى سنواته الخمس الأخيرة قبل أن يتقاعد نائباً لرئيس الموساد. وسافر في نهاية شهر أكتوبر 1995، قبل أسبوع من اغتيال إسحاق رابين، إلى بروكسل سفيراً لإسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي، وبعد سنتين وثلاثة شهور، استُدعي على عجل من قِبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لكي يصبح رئيساً لجهاز الموساد عندما حدثت أزمة. وخدم رئيساً لهذا الجهاز الاستخباراتي لمدة أربع سنوات ونصف. يقول: «طوال كافة السنوات التي عملت فيها في الموساد، كنت أرى أزمة الشرق الأوسط من الداخل، كانت هناك أوقات أخذتني فيها أحداث معينة على حين غرّة، وكذلك أخذت الشعب ككل. وكانت هناك مناسبات عرفتُ فيها ما سوف يحدث بعد وقت قصير، أو طويل، وقبل أن تكشف تلك الأحداث عن مكنوناتها» (ص 13 14 ). ثم أضاف: «كما قلت سابقا، خدمتُ في الموساد قرابة أربعين عاماً. التقيتُ برؤساء دول، وعملاء أجهزة استخباراتية، وأشخاص من أصحاب النفوذ، وفي نفس الوقت، شاركت في عدد لايُحصى من العمليات ، الكبيرة والصغيرة، طوال خمسين سنة تقريبا (...) لقد اخترتُ في هذا الكتاب أن أتحدّث بإسهاب عن ثلاث عشرة سنة متواصلة تبدأ بالعام 1990 وتنتهي بالعام 2003، والتي غيَّرت وجه العالم، ورمت بنا في عصر جديد ومرعب. كما سأتناول الأحداث التي تلت يوم الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، وأبحث في الوضع الدولي الحالي، بما في ذلك التفجيرات التي حصلت في العام 2005 في لندن ومضامينها بالنسبة إلى زماننا» (ص 21). «كانت السّنتان 1988 و 1989 مثقلتين بالأحداث الدراماتيكية في كل من الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم. فقد توقفت الحرب العراقية الإيرانية بعد أن خلّفت مئات الآلاف من القتلى في ميادين المعارك. وصدّت بغداد المحاولات الإيرانية لإلحاق الهزيمة بنظام صدام حسين بفضل المبالغ المالية الطائلة التي تبرّع بها العالم العربي، والدعم الاستخباراتي الجوهريّ من جانب الولاياتالمتحدة. (...) كانت إيران حليفاً استراتيجياً لإسرائيل لقرابة العقديْن، وكانت الدولتان، إلى جانب تركيا، قادرتين على إيجاد وزن مكافىء فعّال للعالم العربي. غير أنّ هذا الحلف تداعى في العام 1978. ومع تواصل الحرب العراقية الإيرانية، كانت إسرائيل المستفيد الأكبر من إهراق الدم المتواصل بين عدوّيها المحتملَيْن. وبالتالي، عوّضت الحرب طوال عشر سنين تقريباً خسارة إسرائيل لإيران كدولة حليفة، ولكن الحرب توقّفت الآن، وبرز نقاش في إسرائيل حول ما إذا كان ينبغي أن تسعى إلى التحالف مع العراق أو تفضل استئناف علاقاتها مع إيران. في الحقيقة، لم يكن لأيّ من هذين الخيارين وجود. فالعراق تتملّكه رغبة عارمة للأخذ بالثأر من إسرائيل لأنها دمّرت مفاعله النووي، أو زيراك، الذي ابتاعه من فرنسا في السبعينيات أيام حكومة جاك شيراك، الصديق والمعجب بصدام حسين. وأعلنت إيران، في ظل الخميني، بأنه ليس لإسرائيل حق في الوجود...» (ص 22). إسرائيل بين العراق وإيران ويصف المؤلف آثار الهجوم العراقي على إسرائيل بقوله: «في غضون أيام، اندلعت الحرب واستعدّ الشعب الإسرائيلي عبر تهيئة الملاجىء وتهيئة أقنعة الغاز. فالخطر الوشيك كان في إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً كيميائية ضد أهداف عسكرية وضدّ السكان المدنيين. (... ) لكن للأسف، لم يكن ذلك سوى أحد جوانب القصة، فقد ألحق سقوط الصواريخ، بالرغم من عددها المحدود، أضْراراً كبيرة بمعنويات السكان. وقد مكّنت منظومة إنذار مبكّر جرى تركيبها على عجل أجهزة المراقبة الأمريكية من ترحيل رسائل إلى مركز قيادة إسرائيلي بأنه تم إطلاق صواريخ، وهذا ما أعطى إسرائيل القدرة على تحذير السكان الذين اندفعوا إلى ملاجئهم وارتدوا أقنعة الغاز. ومع اتباع هذه الإجراءات مرّة بعد مرّة، انخفضت معنويات الشعب إلى الحضيض. وجرى إخلاء عشرات الآلاف من سكان منطقة تل أبيب الكبيرة، التي تعدّ أكبر تجمّع للسكان الإسرائيليين على عجل من أجل الترويح عنهم في المناطق البعيدة التي اعتُبرت إما خارج نطاق الصواريخ أو هدفاً أقل جاذبية لها. كما حدثت موجات رحيل جماعية لأشخاص غادروا البلاد طوال فترة الحرب. وهذه تجربة لم يسبق أن مرّت بها إسرائيل في تاريخها. كانت تل أبيب في المساء تشبه مدينة أشباح هُجرت شوارعها، وكثرت أماكن ركون السيارات فيها. على صعيد طبقات السلطة، دار جدال حادّ بين أولئك الذين ضغطوا من أجل ردّ عسكريّ إسرائيلي فوري والذين دافعوا عن ضبط النفس. ومن أجل تدعيم موقف أولئك الذين أرادوا الامتناع عن الردّ، أرسلت الولاياتالمتحدة نائب وزير خارجيتها لورنس إيغلبيرغر إلى القدس في مهمة للعمل على ضمان غلبة الطرف الذي يريد الامتناع عن الردّ، من الواضح أنّ الغرض من الهجمات العراقية كان استفزاز إسرائيل لكي تردّ. وافترض صدام حسين أنه عندما تضرب إسرائيلُ بغداد، ستُضطرّ المكوّنة العربية الجوهرية في التحالف إلى الانسحاب. فقيام دول عربية بالقتال إلى جانب إسرائيل ضدّ دولة عربية شقيقة مشهد لن يمكنهم تحمّله، وكان بمثابة تطوّر عزمت الولاياتالمتحدة على تجنّبه، وبدا وكأن الرئيس بوش على استعداد للاستثمار بقوّة لكي يرى عدم حصوله. وكان على إيغلبيرغر أن يلتقي برئيس الوزراء بشكل يومي وأن يؤكد له أنّ الولاياتالمتحدة وحلفاءها يعطون الأولوية للمهمات الجوّية المصممة من أجل تحديد مواقع منصّات الصواريخ المتحرّكة التي يستخدمها العراق في توجيه صواريخه من طراز سكود إلى إسرائيل (...) لكن، من الواضح أنه كان يوجد طرف آخر صعب في المعادلة. فمنذ إنشاء دولة إسرائيل، وأحد المبادىء الأساسية لسياستها الدفاعية هو المحافظة على قوة ردع في مواجهة خصومها. واعتُبرت تلك نقطة الانطلاق بالنسبة إلى وضعها الأمني العام. والحجّة المعاكسة التي كانت تُعرض دائما تقول بأنه في حال امتنعت إسرائيل عن القيام بعمل عندما تتعرّض لهجوم مباشر، فسوف تصاب قوّتها الرّدعية بضعف لايمكنها إصلاحه، مما سيُلحق ضرراً دائماً بالقواعد الأكثر أهمّية للتركيبة الدفاعية والأمنية لإسرائيل. وقد حظيت هذه الحجة القوية بدعم وزير الدفاع موشي أرينز، ورئيس هيئة أركان الحرب المشتركة الجنرال شومرون، وقائد سلاح الجوّ وآخرين. وكانت هناك نقطة أخرى، وهي أن الامتناع عن الردّ يتعارض مع عقيدة الجيش الإسرائيلي وأن الأمر سيحتاج إلى عدّة سنوات لاستعادة الثقة بالنفس داخل القوّات المسلّحة. ثالثا، قال البعض بأن صورة إسرائيل وهي تعتمد على الولاياتالمتحدة في حماية أمنها المادّي إما بواسطة سلاح الجوّ الأميركي الذي ينشط في الأجواء العراقية ضدّ منصّات إطلاق الصّواريخ الثابتة والمتحرّكة، أو بواسطة بطاريات الباتريوت المضادّة للصواريخ المنتشرة على شواطىء تل أبيب لايمكن للمواطنين الإسرائيليين هضمها وخصوصاً أنه تبيّن أنّ الذراع الواقية للولايات المتحدة غير فعّالة إلى حدّ بعيد. بالتالي، كانت الضغوط المتعارضة على رئيس الوزراء شامير غير مسبوقة، بحيث إنه أسرّ إليّ بعد عدّة سنوات قائلا إنه بالتزامه مبدأ الامتناع عن الردّ، لم يكن يعمل بموجب التزاماته للولايات المتحدة (وهي التزامات لم يكن في مقدور واشنطن من الناحية العملياتية مبادلتها كما كان متصّوراً أصلاً) وحسب، بل وبثقته بالنوايا الطيّبة للملك حسين واعتقاده بأن صنيعه مع العائلة الحاكمة في الأردن سيكافأ بطريقة ما. إحدى المزايا الهامّة للقاء الذي انعقد عشية اندلاع الحرب بين شامير والملك حسين هي أنه مثّل حدثاً محلّيا محضاً جاء نتيجة للمصالح الفورية المتبادلة بين البلديْن.وبالنظر إلى حقيقة أنه انعقد في بريطانيا بمعرفة السلطات المحلّية، يمكن للمرء الافتراض بأن الولاياتالمتحدة كانت على علم بما تمخضّ عنه» (ص 47 49). ويضيف المؤلف في مكان آخر: «وتسبّبت العمليات العدائية بخسائر ثقيلة للاقتصاد الإسرائيلي، فقد ضُربت صناعة السياحة الرئيسية على وجه الخصوص، وبالمثل عانت الصناعات المرتبطة بها خسائر مالية» (ص 53). المسارات الخفية والعلنية بعد الحرب: يسجل المؤلف أنه بعد أن سكتت طبول الحرب، استفاقت بلدان الشرق الأوسط، وبدأت تنظر من حولها، وتقيّم الوضع الجديد الذي برز من حطام الموت والدمار الذي تسبّبت به القوى المسلحة المتنازعة، وأنّ الرئيس بوش، الذي قاد التحالف، كان سريعاً في الحديث عن مجيء نظام عالمي جديد وبروح المصالحة التي صُمّمت لكي تُهيمن على الساحة في السنوات القادمة. وتمكنت الأممالمتحدة بدعم من التحالف المنتصر الذي تزعّمته الولاياتالمتحدة من تأسيس نظام جرّد العراق من قدراته غير التقليدية، وراقب نشاطاته المستقبلية في النواحي المتعلّقة بتلك القدرات. ثم فرض نظام عقوبات من أجل إخضاع العراق، وبات الوصول إليه مقيدا، وخضعت السفن التي تحمل بضائع تتجه إلى العراق لعمليات تفتيش بحْرية دقيقة على يد السفن الأمريكية التي تجوب مضيق العقبة. ويشير المؤلف بعد ذلك إلى أن الشركاء العرب في التحالف قد سارعوا إلى تصوير الحاجة للولايات المتحدة لكي تسعى إلى حلّ للقضية الفلسطينية. «لاقى هذا الطلب آذاناً صاغية في واشنطن، وتلا ذلك مبادرة أميركية لدعوة الطرفيْن إلى طاولة المفاوضات. وكان الضغط على إسرائيل لحملها على الموافقة على صيغة لمؤتمر دولي حيث ستتم مناقشة القضايا العالقة واتخاذ قرارات بشأنها بمثابة لعنة على منطق رئيس الوزراء شامير وحزبه الليكود، الذي يرأس الحكومة. رفض شامير الاعتراف بمنظمة التحرير التي يقودها عرفات، وبالتالي رفض التفاوض معها. وفي النهاية، وبعد الكثير من الأخذ والردّ، تم التوصّل إلى اتفاق نهائي، وانعقد المؤتمر في مدريد في نوفمبر / تشرين الثاني 1991 برعاية كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. وكانت تلك آخر فرصة للاتحاد السوفياتي بقيادة ميخائيل غورباتشوف من أجل الظهور بموازاة الولاياتالمتحدة، وبعد وقت قصير، تداعت الإمبراطورية السوفياتية، وأزيح غورباتشوف عن السلطة، وبات من الواضح أن الولاياتالمتحدة أصبحت الشرطي الوحيد الذي يدير دفة العالم» (ص 56 ). ويقول عن جانب من المفاوضات السرّية: «كانت الجهود الدبلوماسية المكثّفة التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جيمس بايكر أثناء حرب الخليج وبعدها إلى حدّ بعيد واجهة خارجية لحوار أكثر دفئا وصراحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبين الإسرائيليين والأردنيين، عبر القنوات السرّية. في حين أنّ المسار الفلسطيني كان مساراً غير رسميّ، فقد كان المسار الأردني رسمياً عملت فيه شخصيات رفيعة المستوى من كلا الطرفيْن. تميّزت القنوات الفلسطينية بكثرتها، وغالباً ما كان يتعذّر التأكد إن كان لدى المشاركين فيها صلاحية تمثيل الجانب الفلسطيني. وفيما يتعلق بالإسرائيليين الذين شاركوا في تلك المباحثات، لم يكن من حقّهم التحدّث باسم رؤسائهم السياسيين، والنتيجة هي أنّه حدث ارتباك كبير وبرزت منافسة بين الإسرائيليين الذين شاركوا في هذه اللقاءات. ولم يتم ّ فتح قناة حقيقية إلا في مرحلة متأخّرة في ما بات يُعرف بقصّة أوسلو (لم أكن في عداد المشاركين في هذه القناة أو في تلك المفاوضات فقد كانت مفاوضات سرّية قادها وزير الخارجية شمعون بيريز أثمرت أوّل اتفاق إسرائيلي فلسطيني سمح لياسر عرفات بالعودة إلى التراب الفلسطيني وإنشاء السلطة الفلسطينية على جزء من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة سنة 1967)» (ص 58). رئيس الكيان الصهيوني يخدع الموساد! خلال الشهور التي سبقت الإعلان المفاجئ عن اتفاقية أوسلو، كان المؤلف على اطّلاع على التقارير العديدة التي تتحدث عن اجتماعات ومفاوضات تجري بين شخصيات إسرائيلية وفلسطينية، اكتست جميعها طابع السرّية. كما أنّ بعضا من هذه التقارير أو الشائعات وصلت إلى الملك حسين. وكان يسأل المؤلف باستمرار عنها بما أنّه كان قلقاً من احتمال أن يُفاجأ باتفاق إسرائيلي فلسطيني يمكن أن يؤثر سلباً على بلاده التي يرجع أكثر من نصف سكانها الى أصول فلسطينية. وبما أنه كان يتحاور سرا مع إسرائيل حول إمكانية التوّصل الى اتفاقية سلام، فقد اعتقد بأنّ من حقّه الاطلاع على التطوّرات التي لها تأثير مباشر على مصالحه الحيوية. ونقل المؤلف تلك المخاوف الى رابين، الذي استبعدها بطريقته المعهودة بالتلويح بيده، وطلب منه طمأنة الملك حسين وتهدئة مخاوفه. وبما أن المؤلف شخص محترف، فقد تجنّبوا إطلاعه على قناة أوسلو التي كانت بالطبع معروفة لدى رابين. وهنا يفاجأ المؤلف: «لم يكن يوجد أيّ سبب يحملني على الاعتقاد بأنّ رابين قد يكذب عليّ أو يخدعني في المسائل التي تتعلق بالدولة. فهذا ليس من طبيعته. ولاينسجم مع طبيعة علاقتنا الشخصية وبالنظر الى علاقته المعقدة مع وزير خارجيته شمعون بيريز، لا أصدق أنه كان سيعطي الأولوية لتلك القناة على علاقته معي ويحترم رابط السرية الذي يجمعه ببيريز، حتى وإن كان ذلك سيحمله على الكذب علي، لم أكن أتوقع منه أن يطلعني على كافة أسراره، ولكنني لم أتوقع منه تضليلي بشكل مباشر (....) فقد أمرني رابين بعبارات واضحة بعدم رفع تقرير الى بيريز واتخاذ كافة التدابير الضرورية لمنعه من معرفة ماكان يجري فعلا» (ص 65 67). القناتان السريتان: الأردنية والسورية يرى المؤلف أن ميزة القناة السرية مع الأردن قبل التوقيع على معاهدة السلام لاتكمن في الدور الذي أدته في المحافظة على المصالح المتبادلة للقائدين والبلدين فحسب، بل ومكنت اسرائيل طوال السنوات المضطربة والمشوبة بعدم الاستقرار على الصعيد الاقليمي من اكتساب معرفة فريدة بالعالم العربي الذي يحيط بها، وتكوين صورة أفضل عن الدوافع والأمزجة التي أثرت في الكثير من الأحداث في تلك الفترة. « وغالبا ماكان ضباط الاستخبارات أنفسهم، الذين كانوا على علم بتلك الاتصالات والرسائل المتبادلة، يتأثرون بالأخبار التي يسمعونها وبالأشخاص الذين يلتقونهم. وكانت هذه اللقاءات غير العادية فعالة في صياغة السياسات طوال مدة تزيد على ربع قرن» ( ص 69). وأما القناة السورية، فيقول عنها: «إذا قارنا بين القناتين الفلسطينية والأردنية والقناة السورية، نجد أن المحاور السوري كان مختلفا للغاية فعقب انتهاء حرب الخليج، توصل الرئيس السوري حافظ الأسد الى قرار سياسي يربط مصير بلاده ونظامه بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد اعتقد بأن الطريق الى واشنطن هو الطريق الذي يرغب في السير فيه، وعندما بدا واضحا بالنسبة اليه أنه لكي يبلغ هدفه، عليه أن يمر عبر القدس، على شكل تسوية مع إسرائيل كان مستعدا لسلوك هذا المسار، وحدد الثمن المقابل لذلك: استعادة السيادة السورية الكاملة على مرتفعات الجولان بما في ذلك بحر الجليل. وهذا ما حدد أيضا المقاربة التي تبناها بشأن القنوات السرية، فهو لم يبد اعتراضا عليها طالما أنها تعمل بموافقته وتحت إشرافه الكامل مع رغبة في مشاركة الولاياتالمتحدة فيها. والجدير بالذكر أنه بالرغم من أن موقف الرئيس السوري قلل من أهمية هذه القناة كوسيلة للحوار، فقد لجأت إسرائيل الى استخدامها طوال العقد الأخير من القرن الماضي، لكن باستثناء أمر واحد، وهو أن الطبقة السياسية في إسرائيل حرصت على إبقاء المحترفين على اطلاع على التطورات المتعلقة بكافة القضايا الحساسة التي كانت تثار وتناقش» (ص 69 70).