جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    الدراجة المغربية تنهي سنة 2024 بهيمنة قارية وحضور أولمبي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين        لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رَجُلٌ في الظّلال
داخل أزمة الشرق الأوسط مع رجل قاد جهاز الموساد 2/2
نشر في العلم يوم 21 - 11 - 2008

ما الهدف من ترجمة كتاب المدير السابق للموساد إفرايم هالفي «رجلٌ في الظلال» الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون؟
يحدد ناشر هذه الترجمة الهدف بمشاركة القارئ العربي بما يقدمه رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق إلى قراء العالم من أخبار وتفاصيل، ومحاولة الإحاطة بأخطارها واستكشاف الماضي القريب وتبيان نسق المخاطر الحالية والمستقبلية مع عدم الموافقة على أفكارهم ومصطلحاتهم.
يمهّد المترجم لهذه الترجمة بالقول إنّ منطقة الشرق الأوسط تعيش صراعاً بدأ منذ العشرينيات من القرن الماضي مع مجيء الاستعمار إليها. ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، لم يعد جائزاً لنا استقاء المعلومات من مصدر واحدٍ على اعتبار أنه بات من الضروري المقارنة بين المعلومات المتناقضة ومحاولة استنباط ماهو حقيقي منها كشرط مسبق لأي تحليل صادق وذي معنى. وبناء على ذلك، قمنا بترجمة كتاب «رجل في الظلال» الذي هو عبارة عن سرد للأحداث التي مرّت بالمنطقة منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحالي من منظور إسرائيلي. (...) وقد حرصنا على الترجمة الحرفية لما جاء في الكتاب، لا لأننا نتفق مع مؤلفه في ما قاله فيه، بل حرصاً منّا على دقّة النقل وإظهار حقيقة هوية عدوّنا ومآربه وأطماعه فينا. (...) اعرف عدوّك! شعار ينبغي أن يتحقق فينا، ولكن ذلك لا يتمُّ بالاقتصار على استقاء المعلومات من مصدر واحد ربما يكون متأثراً بالعواطف أو يرغب منا أن نتأثر به.
وهذا لا يتمّ إلا بدراسة واعية ومجرّدة. علماً بأن مبالغتنا في تقدير قوّة عدوّنا لا تقلّ خطورة عن استهانتنا في تقديرها».
محادثة السلام بين إسرائيل والأردن
يتحدث المؤلف عن محادثة السلام بين إسرائيل والأردن سنة 1994، ويحاول أن يشرح أهميّة التوصّل إلى تسوية سلمية مع الأردن بالنسبة لإسرائيل بقوله:
«لماذا كان التوصّل إلى تسوية سلمية مع الأردن على هذا القدر من الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل؟ ولماذا يجدر بنا الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستولي هذا القدر من الأهمية لإبرام اتفاق بين إسرائيل وما يبدو أنه طرف أقل شأناً في المنطقة بالمقارنة مع سوريا أو العراق، في هذا الخصوص؟
سبق أن شرحتُ الوضع الاستراتيجي لهذه المملكة الصغيرة التي تعمل كمنطقة عازلة في قلب الشرق الأوسط: بين سوريا (في الشمال) والمملكة العربية السعودية (في الجنوب)، وبين إسرائيل (في الغرب) والعراق وإيران (في الشرق). فاحتمال أن يتحوّل الأردن إلى أرضية حيوية يمكن استخدامها، كمنطقة للحشود العسكرية أو كقاعدة انطلاق أمامية آمنة، وارد جدا. كما أنّ تجمّع مئات الآلاف من الفلسطينيين سابقا والذين لايزالون يعيشون في مخيمات اللاجئين الموزعة في مختلف أرجاء المملكة عنصر رئيسي من الصّورة الأشمل التي ترتبط بالحلّ الدائم للصّراع الإسرائيلي الفلسطيني. والحدود الطويلة المشتركة بين الأردن وإسرائيل جعلت هذه القضية شديدة الحساسية لدرجة أنه يمكن وصفها بالمتفجرة. فإذا استطاعت اسرائيل الحصول على اتفاقية سلام مع الأردن حتى مع إبقاء مشكلة اللاجئين مفتوحة رسميا (بما في ذلك المسألة الأكثر تفجّراً والمتعلقة بحقّهم في العودة)، نكون قد أحرزنا تقدّما على صعيد التئام أحد الجروح الرئيسية المتقيّحة الذي لايزال مفتوحاً منذ خمسين عاما؛ أي منذ أن ظهرت دولة إسرائيل إلى حيّز الوجود. كان هناك إسرائيليون، ومن بينهم شخصيات بارزة، بقوا
يدافعون طوال عدة سنوات عن فكرة استبدال المملكة الهاشمية بدولة فلسطينية. وأحد الذين تبنّوا الشعار «الأردن هو فلسطين»، في إحدى المراحل، كان رئيس الوزراء أرييل شارون، واعتقدتُ، كما اعتقد رئيسي السياسي إسحاق رابين، بأن معاهدة سلام ستزيل هذا الخيار الزائف. فالأردن مكونّة جوهرية في ضمان أمن إسرائيل، وكلما سارعنا إلى وضع مفاوضات الحل الدائم في سياق سياسي على شكل معاهدة سلام، كلما كان ذلك أفضل، ولهذا السبب، احتل مابدا أنه بند ثانوي في أجندة الشرق الأوسط هذا القدر العظيم من الأهمية». (ص 106) ويستعرض المؤلف ملابسات الاتفاق بقوله:
«في غضون أسابيع، وتحديداً في 19 مايو/ أيار 1994، التقى رئيس الوزراء رابين بالملك في لندن من أجل الاتفاق على أطر المفاوضات وطرق إجرائها، وتم الاتفاق على عقد المباحثات في نقطة على الحدود الأردنية الإسرائيلية على مسافة خمسين كيلو مترا تقريبا شمال إيلات والعقبة، وعلى أن تكون ثنائية ومباشرة، بدون مشاركة أي طرف ثالث، ومحاولة جدية للتوصل الى معاهدة سلام نهائية. وسيقوم الطرفان بإطلاع الولايات المتحدة على تفاصيل المباحثات وتم الاتفاق على آلية تقنية لنقل هذه المفاوضات من الإطار الأصلي لمؤتمر مدريد الى النموذج الثنائي الجديد. كما تم الاتفاق على أن تبرز إسرائيل «أهمية أن تقوم الولايات المتحدة بمساعدة الأردن اقتصاديا وعسكريا، وبالتالي استعادة شكل ومضمون العلاقة التي كانت قد تسممت جراء حرب الخليج.
أطلقت الإشارات الإيجابية التي صدرت عن واشنطن سلسلة من التصريحات في كل من القدس وعمان، تعلن عن أن مباحثات مباشرة بين إسرائيل والأردن، ستبدأ في منتصف يونيو / حزيران 1994 في مكان يقع شمال إيلات والعقبة. وقد تزامن التاريخ مع الزيارة المزمعة لوزير الخارجية وارن كريستوفر للمنطقة، وكان من المقرر أن يجري مباحثات في إسرائيل والأردن، ومع توالي الأيام، اتفق الطرفان على أول زيارة علنية لزعيم إسرائيلي وزير الخارجية شمعون بيريز للأردن فقد كان المراد أن يكون حدثا عاما، يحظى بتغطية مكثفة من وسائل الإعلام، وانكب بيريز بحماسة على إجراء التحضيرات اللازمة لذلك الحدث، وأخفى عن رئيس الوزراء، كما كان الحال غالبا، خططه ومبادراته التي كان على وشك إطلاقها. لكن كان يتعين التغلب على عقبة أخرى إضافية قبل أن تتم هذه الزيارة.
بدا أن كل شيء يسير كما هو مخطط له: فقد تم الاتفاق على مكان إجراء المفاوضات المباشرة، والقبول بجدول أعمال اتفق عليه الطرفان، وبدا أن واشنطن تطلق إشارات فحواها أن سياستها تجاه الأردن على وشك أن تتغير، وتعود العلاقة الى ما كانت عليه طوال عدة عقود. غير أنها لم تكن أكثر من كلمات وأقوال، وكان الملك حسين بحاجة الى دليل ملموس على أن خطوته الشجاعة بالتصريح بإجراء مباحثات مباشرة مع إسرائيل ستؤتي ثمارها، وكان بحاجة على وجه الخصوص الى الحصول على مساعدة عاجلة للقوات المسلحة الأردنية التي كانت في أمس الحاجة للمعدات وقطع الغيار منذ حرب الخليج. ففي النهاية، تعتبر الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، من نواح عديدة، العمود الفقري للنظام، وفي حال تمردت عليه، فسوف يحدث ذلك مشكلة كبيرة في المملكة. وبالتالي، طلب الملك حسين وتلقى دعوة لزيارة واشنطن في يونيو / حزيران 1994، واقترح أن يتم الترحاب به بحرارة ويكافأ كما ينبغي على الخطوة الشجاعة التي أقدم عليها» (ص 107) فماذا كانت النتيجة؟
يقول المؤلف:
«بناء على طلبه، ذهبت الى واشنطن للمساعدة من وراء الكواليس إذا دعت الضرورة. ومع بدئه جولة المباحثات في واشنطن، تلقى خبرا في غاية الوقاحة فقد أثنى المسؤولون الأمريكيون على قراراته الجريئة المتعلقة بإسرائيل، ولكنهم قالوا له إن الأردن لن يحصل على أية مساعدات ، اقتصادية كانت أو عسكرية، الى أن يوقع على معاهدة سلام مع اسرائيل فحوى هذا الكلام أن الملك سيعود الى الأردن خالي الوفاض ويواجه الجيش، ويقول له إن جعبته فارغة، وهو ماقد يفضي الى كارثة تحل بالنظام وبه شخصيا. وخلال الأيام الأولى لزيارة الملك لواشنطن، التقيت به أكثر من مرة وألمح إلي بأنه ربما جرى تضليلي عمدا لكي أطمئنه الى أن زيارته ستكون ناجحة أو أنني خدعت بحملي على الاعتقاد بأنها ستكون كذلك وصدف أن سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، البروفسور إيتامار رابينوفيتيش، عاد الى البلاد لحضور حفل زفاف ابنته، ولذلك تم استدعائي ومنحي صلاحية التوجه مباشرة الى وزارة الخارجية ومعالجة تلك القضايا معها. وفي لقاء مع منسق عملية السلام دنيس روس، ناقشت بقوة دفاعا عن القضية الأردنية، ودافعت عن طلب الأردن بالحصول بالاضافة الى أشياء أخرى على سرب من
مقاتلات أف 16 ، مما يرفع من قدرات سلاح الجو الأردني بدرجة كبيرة، وفي غمرة المناقشات التفت روس الي وقال «قل لي، إفرايم، من تكون الجهة التي تمثلها هنا؟ إسرائيل أم الأردن؟» وبدون أي تردد أجبته قائلا: «الاثنان!» بعد ذلك أعطى الرئيس كلينتون ضيفه الملك حسين ردودا مرضية على غالبية الطلبات كما قال المؤلف وأمضى معه ما يزيد على الساعة في محاولة لإقناعه بشراء طائرات بوينغ لشركة الطيران المدني الأردنية لكي تحل محل طائرات إيرباص التي تملكها. (ص 108).
لم يسفر اجتماع 2 نوفمبر عن معاهدة سلام بما أنّ أحد البنود في الورقة الختامية المشتركة نصّ صراحة على أن تُجرَى المفاوضات غير العلنية الهادفة إلى حلّ العديد من المسائل العالقة في مكانٍ معين داخل الأردن.
بعد مرور ثلاثة أسابيع على ذلك الاجتماع، تلقّى المؤلف رسالة تطلب منه القدوم في اليوم نفسه للاجتماع بالملك حسين. في ذلك الوقت كان في الإسكندرية في زيارة له إلى مصر، وكان من المقرّر أن تحطّ طائرته في العقبة في مساء ذلك اليوم. ولنستمع إلى المؤلف يصف حيثيات هذا اللقاء:
«ذهبتُ إلى الأردن ثم استقليت طائرة تابعة للسرب الملكي نقلتني مباشرة إلى العقبة حيث استقبلني على الفور ملكٌ ثائر وشديد الغضب. وهناك روى لي القصّة التالية: بعد مرور بضعة أيام على اجتماع 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، مرّر مسؤول أمريكي إلى وزارة الخارجية الأردنية نسخة عن رسالة بعث بها الرئيس كلينتون إلى الملك حسين عبّر فيها عن سروره بأن إسرائيل والأردن وافقا على التوقيع على اتفاقية سلام.
وبما أنه كان من المقرّر أن يسافر جلالته إلى الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 1994 لإجراء فحوصات طبّية، فقد اقترح الرئيس بأن ينتهز الفرصة لإجراء احتفال بإبرام معاهدة السلام في البيت الأبيض، وكان من المقرّر أن تأتي الرّسالة الأصلية الموقعة بالحقيبة الدبلوماسية. قال الملك إنه ذُهل مما جاء في الرسالة، فهو لم يوافق على معاهدة سلام وكان مضطرّا للردّ على رسالة الرئيس ليشرح له بالتفصيل التسلسل الحقيقي للأحداث التي جرت. تميّزت ردّة الفعل في واشنطن بالتشكيك والتكذيب جزئياً على الأقل. والمحصّلة النهائية هي أنّ مصداقيته باتت موضع شك، سواء بالنسبة إلى فريقه المحترف الذي لم يكن حتى على دراية بالمناقشات والاتصالات السرّية بيننا، أو بالنسبة إلى القيادة الأمريكية والموظفين الحكوميين من كافة المستويات الذين باتت تساورهم الشكوك أكثر من أي وقت مضى في ما إذا كان الملك مفاوضاً جادّاً وجديراً بالثقة. تساءل جلالته عن سبب كل هذه الإساءات التي تعرّض لها، وعن الشيء الذي قام به لكي يظهر في هذا الموقف مراراً أمام موظفيه المؤتمنين وأمام القلّة التي لاتزال تؤمن به في واشنطن العاصمة؟ وقال أيضا إنه تلقّى رسالة
من ياسر عرفات تزعم أنّ إسرائيل منحت الفلسطينيين وضعية خاصة في القدس. فكيف يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك من وراء ظهره؟ ألا تعلم إسرائيل بالدور الخاص للعائلة الهاشمية في القدس؟»(ص 129-128).
حاول المؤلف إنكار ما وعدت به إسرائيل الفلسطينيين بخصوص القدس المحتلة هنا.
لكن إذا رجعنا إلى الصفحة (120) نجده يذكر مايدلّ على وجود هذا الوعد - وإن كانت وعود اليهود كاذبة - حيث قال: «فيما كان الرئيس كلينتون يقرأ إعلان واشنطن، وصل إلى القسم المتعلق بالقدس. لم يكد يُنهي قراءة ذلك المقطع حتى التفت السيد بيريز ونظر إليّ وقال بأنّ هذه الصّياغة، على حدّ تعبيره، «خطأ كبير جدا». والأشدّ استفزازاً من ذلك كانت ردّة فعل المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يوري سافير، وهو أحد أعزّ أصدقائي، الذي قال فور انتهاء الاحتفال بأن الفقرة تتناقض مع الوعد الذي قطعناه للفلسطينيين حول موضوع القدس، سألته «تتناقض مع ماذا؟» ماهو الشيء الذي وعدنا به الفلسطينيين والذي جاءت هذه الفقرة مناقضة له؟
لم أتلقَّ جوابا. وهذا ما جعلني أتساءل، لغاية اليوم، عن الشيء الذي وُعد به الفلسطينيون حول أكثر القضايا حساسية، قضية القدس، والذي بدا إعلان واشنطن يتناقض معه.
الموقف المصري
بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى مدن وأراضي الضفة الغربية في ربيع العام 2002، اندلعت المظاهرات في شوارع القاهرة، ووصف المؤلف هذا بأنه كان «بمثابة رسالة تحذير تنذر بالشؤم في أروقة السلطة على ضفاف النيل. طالب الفلسطينيون بأن تتخذ مصر إجراءً ملموساً ضدّ إسرائيل على مستوى العلاقات الثنائية، بأن يُطلب الى السفير الإسرائيلي لدى القاهرة الرّحيل، ويصار إلى إقفال السفارة أو الحدّ من عدد العاملين يها. كانت مصر في السنوات السابقة قد سحبت سفيرها من إسرائيل احتجاجا على النشاطات الإسرائيلية في المنطقة غير أن السفارة ظلت تعمل بإدارة القائم بالأعمال وفريق ضخم ونشط من الموظفين. والآن، جاءت لحظة الحقيقة. فهل ستعمد مصر الى اتخاذ هذا الإجراء؟ (....) وبعد بضعة أيام من المشاورات، صدر تصريح من القاهرة صيغ بعبارات استوجبت الكثير من التمعن والتفسير. فضل المصريون الجلوس مكتوفي الأيدي وعدم اتخاذ إجراء من أي نوع (....)
احتاج الأمر إلى ثلاث سنوات أخرى وإلى رحيل عرفات للحصول على توضيح علني لهذا التغير الجذري في السياسة المصرية. خلال تلك الفترة، استمر الرئيس مبارك في الامتناع عن إرسال سفير جديد الى إسرائيل، واستمرت صحافته في السخرية من إسرائيل بشكل لم يعهد من قبل. كما قاوم الاقتراحات بأن يجتمع برئيس الوزراء شارون، للمرة الأولى» (ص 155 156).
بين المقاربتين
السورية والمصرية
بعد ذلك، تحدث المؤلف عن خبرته السوداء الوسخة الطويلة بإسهاب، وعن التلاعب السياسي بالاستخبارات وقارن بين المقاربتين المصرية والسورية في مسألة إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل بقوله:
«يكمن الكثير من عناصر الإجابة عن هذا السؤال في الجانب الإسرائيلي من المعادلة، والذي سنتطرق له بعد قليل، لكن توجد عناصر ترتبط بطريقة تنفيذ الأسد لسياسته. لايمكن للمرء أن يتجنب إجراء مقارنة بين المقاربة المصرية والمقاربة السورية في مسألة إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل لأن لكلا الطرفين مكونات دولية وإقليمية. عندما لعبت مصر ورقتها الدولية، تقربت من الولايات المتحدة، ذلك البلد الذي كان لايزال في غمرة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وعادت بهدية ثمينة: قرار استراتيجي بقطع الصلات التي رعتها على مر السنين مع موسكو. انفصلت مصر عن الاتحاد السوفياتي، ثم اقترحت بناء علاقة جديدة مع واشنطن بناء على استراتيجية مشتركة في المنطقة (....)
حافظت سوريا على علاقتها مع موسكو، ورعت كذلك صلاتها مع إيران، مما أعطى السياسة الدفاعية والخارجية لإيران أهمية خاصة، كما أنها قاومت المطالب الأمريكية والإسرائيلية المتكررة (...) وعلى الرغم من انضمامها الى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في الجولة الأولى لحرب الخليج سنة 1991، فهي لم تمتنع عن تكرار ذلك الأداء في الجولة الثانية من الحرب سنة 2003 وحسب، بل فتحت حدودها مع العراق أمام المتمردين والقوات العراقية التي تحارب الولايات المتحدة. ربما يكون من الصواب القول إن بشار الأسد، الذي خلف أباه في الحكم، قدم دعما محدودا للولايات المتحدة في صراعها ضد القاعدة، غير أن هذا الدعم المعطى كان مركزا، ومحدودا وأقل بالتأكيد من الجهود المطلقة التي ساهمت بها مصر خلال الفترة الزمنية نفسها.
أثمرت الاستراتيجيات المتضاربة نتائج متباينة كليا. فقد احتفظت سوريا بكافة أرصدتها التقليدية، وساومت على التخلي عن العديد منها في مقابل التوصل الى سلام مع إسرائيل وحصولها عل اعتراف من الولايات المتحدة.
مصر أيضا انفصلت عن ماضيها، بدون شروط تقريبا، ومنحت السلام مع إسرائيل وعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، والتي تشتمل على إعادة تجديد كافة قواتها المسلحة والحصول على أحدث أنواع الأسلحة، إضافة الى حصولها على مساعدات اقتصادية بشكل سنوي. يبدو أن المقاربة المصرية تحمل في طياتها عنصرا لمجازفة....»
( ص 159 160).
فهل تحقق السلام الذي تنازل، من أجله، بعض المسؤولين العرب كل هذا التنازل؟
لاتزال إسرائيل تبني المستوطنات، وتعمل على تهويد القدس، وتحاصر الشعب الفلسطيني، وتعمل لأجل مصالحها ومصالح راعيتها الولايات المتحدة في المنطقة وتفرض سيطرتها على الدول الإسلامية المناهضة للاحتلال والهيمنة، علاوة على التقتيل الممنهج، والاعتقال والتجويع والتشريد الذي تمارسه على شعب أعزل.
فعن أي سلام يتحدثون؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.