فرار معتقلين من سجن أمر عاد تعرفه كثير من السجون في دول العالم، فغالبا ما يكون التواطؤ أو إرشاء الحراس أو بعض المسئولين مفسرا لهذه الظاهرة، لكن أن تتم عملية الفرار بالطريقة التي تمت بالسجن المركزي بالقنيطرة، فذلك يطرح أكثر من علامة استفهام. لحد الساعة، لم تخرج الجهات المسئولة إلى الرأي العام ببيان تضمنه المعطيات التي من شأنها أن تنهي الكثير من الخيالات التي بدأت بعض المنابر الإعلامية تنسجها عن الحادث. وفي غياب الرواية الرسمية لما حدث في السجن المركزي بالقنيطرة، وفي ظل التكتم الشديد الذي تحيط به الجهات المسئولة هذا الملف، لايبقى أمامنا سوى معالجة الحدث من جهتين: أن نطرح بعض التساؤلات بناء على ما رشح من معطيات حول عملية الفرار، وأن نناقش تداعياته وآثاره السياسية والأمنية. التساؤل الأول: ويتعلق بطريقة تنفيذ الفرار: كيف تمت عملية الفرار في السجن المركزي في القنيطرة وهو السجن الذي يعرف درجة كبيرة من التشديد والمراقبة الأمنية، فمعلوم أن هذا السجن يضم حي الإعدام ويتمتع بأبراج مراقبة، بالإضافة إلى كونه يضم معتقلي السلفية الجهادية مما يستدعي حسب التقدير الأمني الرسمي، إحاطة هذا السجن بمراقبة أمنية زائدة تناسب طبيعة المعتقلين؟ التساؤل الثاني: لماذا لم يفر الأخوان الشطبي من سجن عين برجة وهو السجن الذي كانا يتمتعان فيه بحرية أكبر، فضلا عن كون أوضاع المعتقلين في هذا السجن هي الأفضل بالقياس إلى السجن المركزي بالقنيطرة؟ التساؤل الثالث: اكتفى بلاغ وزارة العدل بالحديث عن تسجيل فرار من السجن المركزي دون تفصيل يذكر عن تاريخ الفرار ولا عن كيفيته، مما يعني أن الفرار لم يقع بالضرورة يوم الإثنين، وأنه من المحتمل جدا أن يكون قد وقع قبل ذلك، فهل كانت وزارة العدل على علم بوقوع عملية الفرار قبل يوم الإثنين؟ أم أنها لم تحط علما إلا بعد أن اكتملت العملية؟ وإذا ثبت أن عملية الفرار قد تمت يوم الجمعة كما تذكر بعض المصادر، فما الذي أخر عملية الإعلان؟ التساؤل الرابع: إن الطريقة التي تم بها الفرار من حفر نفق قد يصل طوله حسب أقل تقدير في بعض التقارير الخبرية إلى 30 مترا، وما يستلزمه ذلك من التخلص من الأتربة، لا يعني فقط عدم وجود حراس، أو حصول تواطؤ بين بعض المسؤولين في السجن المركزي وبين الفارين، أو حصول عملية ارتشاء سهلت مأمورية الفارين، وإنما يتعلق بعملية أكبر من ذلك ربما يكشف التحقيق النزيه عن حجمها وطبيعتها. فالأمر لا يمكن أن يندرج ضمن التسيب أو الإهمال والتقصير في المراقبة والتفتيش، وإنما يتعلق بما هو أكبر من ذلك!! التساؤل الخامس: في توقيت الفرار، فالعملية تمت بعد إضراب طويل شنه معتقلو السلفية الجهادية في السجون، وبعد احتجاجات عائلاتهم. إضرابات واحتجاجات أعطت للملف طابعه السياسي، وكان المفترض أن تتعامل الجهات الرسمية مع هذه الحركية بهذا الاعتبار. ولأن العفو لم يطل أي معتقل من معتقلي ما يسمى بـالسلفية الجهادية، فالسؤال المطروح هو ما دلالة التوقيت من الناحية السياسية؟ هل يوجه الفارون رسالة سياسية إلى الجهات الرسمية من خلال اعتماد أسلوب التهديد؟ أم إن الأمر سيستغل سياسيا ويعاد إلى نقطة الصفر؟ التساؤل السادس: وعدت وزارة العدل في بلاغها أن تطلع الرأي العام على أي جديد في الموضوع، لكن لحد الساعة لم يصدر منها شيء، والذي يتأمل الدينامية التواصلية التي حدثت على مستوى ملف بلعيرج يتساءل عن سبب هذا التكتم وهل ارتفعت حساسية هذا الموضوع إلى درجة تفوق حساسية ملف بلعيرج حتى يتم فرض هذا التكتم؟ أسئلة كثيرة تندرج كلها في إطار ما نسميه محاولة للفهم. لكن، سواء تم إفهامنا من طرف الجهات الرسمية بحقيقة ما جرى، أم اقتحمنا الأسوار المحيطة بحقيقة الحدث، فإن القضية الأكثر أهمية تبقى مرتبطة بمسألتين: - الأولى: وهي على من ستلقى المسؤولية؟ وكيف سيتم محاسبة المسؤولين؟ ومن سيقال ومن سيقدم استقالته؟ وهل يمكن التغاضي عن هذا الاختلال الخطير الذي يصيب المؤسسة السجنية في المغرب؟ - الثانية: وهي آثار هذه العملية على ملف المعتقلين من جهة، وعلى الوضعية الأمنية في المغرب من جهة أخرى، وعلى مآل الحريات كحاصل من الاعتبارين السابقين. لا شك أن الجهات التي كانت تتضايق من معالجة ما يعرف بملف معتقلي السلفية الجهادية اليوم ستجد نفسها في أريحية كاملة، وستعفي نفسها من الإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بأوضاع هؤلاء المعتقلين، وستتخلص من هذا الملف السياسي إلى حين. وفي المقابل، سيتنامى الحديث عن ضرورة الرفع من مستوى التأهب الأمني لمواجهة الخطر الإرهابي المتوقع ما دام الفارون تركوا خلفهم بعض العبارات التي تفيد التهديد. فهل سيوظف ملف الفارين من السجن المركزي كمبرر جديد ليس فقط للتضييق على المعتقلين في السجون المغربية، وإنما على الحريات بدعوى أن المغرب مهدد؟ أم أن هذا الملف سيستثمر فقط لامتصاص الحركية التي أحدثها معتقلو السلفية الجهادية وعائلاتهم للضغط على الدولة للتعامل معهم كملف سياسي؟