لحد الساعة ليس هناك أي تطور يذكر على مستوى ملف الفارين التسعة من السجن المركزي بالقنيطرة، فلم تستطع الأجهزة الأمنية اعتقال أي شخص من الفارين، التطور الوحيد المسجل هو نقل التحقيق من الأمن الوطني إلى الدرك الملكي على خلفية وجود ثغرات كثيرة في التقارير التي أعادتها فرق الإدارة العامة للأمن الوطني، وعدم القدرة على تحديد المنطقة الجغرافية المحتمل وجود التسعة الفارين بها. يبقى الجديد في الموضوع شيئين أولهما الاستعاضة عن رواية النفق الذي تحدثت الصحافة عن أن طوله يتعدى 25 متر، وبداية الحديث عن استثمار قنوات الصرف الصحي واستغلال قضية إصلاح الزنازين التي وفرت الغطاء لعملية الحفر والتخلص من الأتربة، وثانيهما يتعلق بتداعيات الحدث ومآل تدبير المؤسسة السجنية.وفي الوقت الذي انتظرنا فيه أن تخرج وزارة العدل ببلاغ ثان تطلع فيه الرأي العام عن بعض الحقائق التي لا تؤثر على مسار التحقيق، ساد التكتم الشديد، وانطلقت المصادر المطلعة تسرب للصحفيين أخبارا متضاربة ومعطيات طرحت بشأنها العديد من الأسئلة المتعلقة بالمراقبة السجنية، والشروط التي تمت فيها عملية الحفر، والدعم اللوجستي الذي قدم للفارين حتى تمكنوا من إتمام العملية، والطريقة التي تم بها التخلص من الأتربة، والتوقيت الحقيقي للفرار.يبدو أن هذه الأسئلة بدأت تنسف رويدا رويدا رواية النفق الطويل، وتسمح برواية أخرى تتحدث عن استغلال قنوات الصرف الصحي. لكن هذه الرواية وإن كانت على الأقل تقلل من حدة الأسئلة المطروحة على مسألة الأتربة إلا أنها لا تجيب عنها بشكل كامل، إذ على الأقل سيصير الحديث عن عدد محدود من أكياس الأتربة بدل الحديث عن العدد الكبير الذي لا يمكن أن يتقبل منطقيا داخل مؤسة سجنية حتى ولو وصل فيها التسيب والفوضى إلى أعلى مستوياته. بيد أن رواية قنوات الصرف الصحي لا تخلو من طرح أسئلة أكثر إحراجا، تتعلق بخريطة هذه القنوات، وكيف استطاع هؤلاء الفارون من ضبط مسارها ومخارجها التي لا يكون العلم بتفاصيلها إلا عند مسؤولين معينين. وسواء كان الفرار من خلال نفق أو خلال استثمار قنوات الصرف الصحي، فإن باب الاحتمالات تبقى ضيقة وتنفتح فقط لاثنين: - إما أن الأمر يتعلق بتنظيم قوي يمتلك معلومات كافية عن المؤسسة السجنية ومداخلها ومخارجها وبنيتها التحتية وكل ما يتعلق بالموارد البشرية والاختصاصات ويدرك الخريطة النفسية للمسؤولين في هذه المؤسسة السجنية بكل مستوياتهم، ويملك قدرة على تهريب هؤلاء وتأمين العملية، ويمتلك أيضا قدرة على قراءة الوضع السياسي واختيار التوقيت الدقيق لتنفيذ العملية. وفي هذه الحالة فإن الأجهزة الأمنية معنية بكشف خيوط هذا التنظيم، ومدى ارتباطه بتنظيمات خارجية، ومعنية أكثر بالرفع من كفاءتها للاستجابة لهذا التحول النوعي المحتمل في أداء هذا التنظيم الذي قام بتيسير عملية الفرار. - وإما أن الأمر يتعلق بتواطؤ ما تجهل طبيعته وأهدافه. أما الاحتمال الثالث المتعلق بالهروب الذاتي بالإمكانات الذاتية فيبقى مستبعدا نظرا لطبيعة المؤسسة السجنية، وطبيعة الشروط الأمنية المفروضة على هؤلاء السجناء الفارين، والإمكانات التي يتطلبها هذا الفرار بالشروط الذي تم بها، هذا فضلا عن الوضع السياسي والتوقيت(قرب حلول ذكرى أحداث 16 ماي). وفي غياب معطيات رسمية تعين على فك هذه الألغاز، يبقى الأهم هو مناقشة تداعيات هذا الحدث، ومآل المؤسسة السجنية بعد عملية الفرار هذه. المرجح أن الشروط التي أنتجها هذا الحدث ستسرع من عملية إعادة النظر في ملف تدبير المؤسسة السجنية، وستدفع بقوة إلى إخراج الوكالة الوطنية المستقلة للسجون، المطلب الذي ظل يرواح مكانه لزمن طويل.المؤكد أن وزير العدل الحالي ليس له نفس التحفظات التي كان يبديها الراحل محمد بوزوبع بشأن هذا الملف، ويبدو أن حدوث العملية في غياب عبد الواحد الراضي (كان يقدم تقريرا حول وضعية حقوق الإنسان في جنيف) ستجعله أقرب إلى التسريع في عملية تفويت إحدى صلاحيات وزارته إلى هذه الوكالة الجديدة.ويبقى الإشكال الكبير متعلقا بالمسؤولية عن الحادث، ففي ظل معلومات لم تتأكد عن توقيف مدير السجن المركزي بالقنيطرة، وفي ظل التبادل في إلقاء المسؤولية بين مدير السجن ورئيس المعقل الذي يضم معتقلي السلفية الجهادية، يبقى السؤال الكبير عن مسؤولية الكاتب العام لوزارة العدل الذي كان مسؤولا بالنيابة عن مديرية لسجون وإعادة الإدماج بعد تعيين عبد النباوي على رأس مديرية الشؤون الجنائية والعفو، وهل سيتم بدل محاسبته ترقيته ليكون على رأس هذه الوكالة الجديدة؟ على العموم، فالرأي العام لا ينتظر فقط أن تطلعه وزارة العدل على حقيقة ما جرى، ولا ينتظر فقط أن توضح له الصورة بعد أن يستكمل التحقيق مراحله، ولا ينتظر فقط ما ستثمره الفعالية الأمنية للأجهزة المغربية لاعتقال هؤلاء الفارين، ولكنه ينتظر وبشكل أساسي أن ينظر إلى الطريقة التي تتحدد بها المسؤوليات عن هذه الاختلالات، والطريقة التي سيحاسب بها هؤلاء، فضلا عن الوجوه التي ستكون على رأس الوكالة الجديدة.