حاربت الأمية منذ 7 سنوات، ومنذ ذلك الوقت وهي تسعى لعمل المستحيل كي تساعد أخريات على محاربتها، ليست هذه اليد البيضاء، إلا امرأة في الأربعينات من عمرها، تجرعت مرارة أن يكون الإنسان أميا، فالتحقت بإحدى الجمعيات التي كانت تفتح أبوابها لخدمة النساء ومساعدتهن على تعلم الكتابة والقراءة، غير أن هذه المرأة كانت شخصا مختلفا، وكانت تحرص على تطبيق قوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وكانت كلما حفظت آية أو سورة من سور القرآن تتجه مباشرة إلى جارتها كي تتعلم منها الجارة التي لم تكن تسعها ظروفها للذهاب للجمعية لتلقي الدروس. مباشرة بعد نهاية السنة الدراسية وجدت اليد البيضاء، موضوع حديث اليوم، نفسها قد تعلمت كيفية القراءة والكتابة، فقد كانت أشد ما يكون حرصا على التعلم السريع، لم تكن أي من المدرسات تعلم بخطتها، غير أنهن كن يعجبن بطريقة تعلمها السريع واستفسارها عن أي غموض كانت تجده في المواد التي تتلقاها. انتهت الدراسة، وبدأ الناس يبحثون عن أماكن للاستجمام، وبدأت اليد البيضاء تبحث عن مقر تساعد فيه جاراتها على محو الجهل عنهن وتعلم القراء والكتابة، واللواتي كان يتعذر عليهن الذهاب للجمعية، نظرا لبعد المسافة. لم تكن تملك المال الكافي، لكن إرادتها ورغبتها الكبيرة في إزاحة الأمية عن الأخريات، جعلتها تتدبر مالا اقترضته من بعض معارفها كي تصلح به إحدى غرف منزلها البسيط جدا، والذي لم يكن إصلاح البناء فيه قد اكتمل بعد، منذ سنوات نظرا لقلة مدخول زوجها اليومي، لكنها كانت من النوع الذي يملك غنى الروح بدل غنى المال، ومباشرة مع بداية شهر غشت جمعت حولها بعض جاراتها لتعليمهن ما أنهت تعليمه هي قبل شهر واحد. ومنذ ذلك الوقت أي منذ سنة ,2001 نجحت في تخريج أفواج سنوية من النساء اللواتي تعلمن القراءة والكتابة، وقد تزايد الإقبال عليها بشكل كبير لدرجة أنها قسمت غرفتها المتواضعة لاستقبال ثلاثة وأحيانا أربعة أفواج يوميا، إذ تعدى عدد النساء اللواتي يقبلن عليها من أجل التعلم 70 امرأة في كل سنة، وكسبت هذا الإقبال الملفت بسبب تسخير عملها المجاني ابتغاء وجه الله وتفانيها في عملها، فقد كانت ترد دوما للنساء أن أحب الأعمال عند الله أدومها، وأن الإخلاص في العمل من علامات الإيمان. لم تمل المرأة من تجربة السبع سنوات التي مضت، بل وضعت مشاريعها المستقبلية من أجل المزيد من العطاء، ودائما تبدي في مجالسها استعدادها لخدمة الآخرين إلى آخر أيامها.