رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استطلاع حول السجن المدني بسلا : صائمون وصائمات خلف القضبان
نشر في التجديد يوم 04 - 10 - 2002

داخل أسوار السجون، وخلف قضبان الزنازن، تتحول الجريمة إلى طهارة، والتمرد إلى اتزان، في شهر تفتح فيه أبواب الرحمة والمغفرة للمذنبين، وتستقيم فيه أحوال الغافلين عن طاعة الله وهم الآخرة، سجناء وسجينات من كل صوب، تجمعهم مائدة الإفطار في شهر رمضان، وتفرقهم نصب الأقدار. نساء حوامل وأخريات مرضعات، وأطفال لا يجدون ملاذا إلا أحضان الأمهات، ورجال طال بهم الأمد، واشتعلت رؤوسهم شيبا، وشباب ينتظرون الفرج القريب، والالتحاق بركب الحياة، ومثقفون ومثقفات يلفون في الكتاب السلوى والعزاء. كيف دخلوا السجن؟ وكيف اندمجوا فيه؟ وكيف يقضون يومهم في شهر الصيام؟ وبماذا يحلمون؟ وفيما يفكرون؟ وماذا يبرمجون لمستقبل الحياة؟. أسئلة حاولت جريدة التجديد أن ترصد لها إجابات من شهادات عينة من سجناء سجن سلا، نموذجا.
السجين بأعين الإدارة
لما كان الوافدون على السجون تختلف أعمارهم وأجناسهم، وجرائمهم وبالتالي عقوباتهم، استعصى على الإدارة أن تسلك في حقهم منهجا واحدا، وبمقاييس موحدة، إذ لم تثبث التجارب السابقة المرتحى منها في ادماج النزلاء، وتأهليهم لصالح المجتمع. يقول بوشعيب البطيوي، المدير المحلي لسجن سلا، «البرامج التأهيلية التي تنهجها المؤسسة السجنية تجد صداها وآثارها لدى فئة معينة من السجناء. وهم أصحاب العقوبة المطولة، والذين لا تتجاور أعمارهم الثلاثين، ولا ينصلح حال من شاب في احتراف الجريمة». ويضيف البطيوي « يعرف شهر رمضان امتيازا عن باقي الشهور فيما يخص التسهيلات التي يستفيد منها جميع السجناء، المنضبطين منهم والمتمردين، كالزيادة في عدد الزيارات، ولا أعني الزيارة المباشرة فقد أصبحت هي القاعدة في النظام السجني المغربي، والسماح لهم بالصلاة جماعة، وتجتهد المؤسسة السجنية في شهر رمضان بإقامة مسابقات لحفظ القرآن الكريم وتجويده، ومباريات رياضية، وتوفر نسخا عديدة من المصاحف تسد حاجيات الراغبين ورسادة». ويوضح البطيوي بأن الشواهد المحصل عليها سواء في الدراسة أو الصناعة أو الأنشطة الثقافية والفنية، تعد امتيازا للسجين، قد تكفل
له الحصول على العفو، أو تخفف عنه العقوبة. وكلما أقبل شهر رمضان يضيف البطيوي إلا وعينت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مرشدا دينيا لأجل الوعظ بالسجن والتربية الدينية. حصتين في الأسبوع، وفيما يخص تظام التعارن والتنسيق مع قطاعات مهتمة يقول البطيوي «يجب على المجتمع المدني أن ينفتح على المؤسسات السجنية، ويتعرف إلى أحوال السجون والعاملين بها، ومشاكل السجناء ومعاناتهم».
السجن غيرطبعي .. والقانون ليس في صفي
إن الرسالة التي تعني بها المؤسسة السجنية من أجل تأهيل السجين ليصبح عضوا سليما في المجتمع سليم، تلمس بالأساس إصلاح سلوكياته وتهذيب طباعه، وتأتي شهادة السيرة والسلوك لتؤشر على نجاح البرامج والمناهج المعدة لذلك، أو على فشلها.
(ع.ح) 54سنة، دخلت السجن بتهمة الاختلاس، وصدر في حقها حكم سنتين وستة أشهر. اعتبرت من السجن، وتغيرت أخلاقها، حيث تقول «كنت، واستغفر الله، امرأة شديدة، متجبرة، لا أخشى السجن، ولا التهديد به، وكنت أقول لمن اعتدى « سوف أدخل في حقك السجن ولا أبالي، ولكن الواقع عكس ما أقول. فأصبحت أبالي، وندمت وتواضعت لله رب العالمين، وأبكي كلما حضرت مائدة الإفطار حيث أتذكر أبنائي السبعة " لمتهم "حول المائدة، وأتساءل كيف حالهم ومأكلهم بدوني، وأتأسف عن ترك صنعتي التي كنت أتسلى بها نهار رمضان، وهي غزل الصوف و" السدل"، والآن داخل السجن، كي لا أبقى بلا شغل ولامشغلة، أعمل في صناعة الزرابي والتطريز ، وحفظت من القرآن سورة الحمد والإخلاص والكوثر، وآية الكرسي، وأصلي بهم، وأسأل الله أن يغفرلي».
ومن حيث لا يحتسب المرء تلم به ضائقة تفقده سبيل الرشد في تدبير الأمور، فتصدرعنه خروقات لا تتواءم والمستوى التعليمي والثقافي الذي يحوزه، ويغيب لغة المنطق حتى في توفيرالحماية الصحية لذاته ، كما هو الحال مع (د.خ) 73 سنة، التي كانت تعمل موظفة بولاية الرباط -سلا. دخلت السجن بتهمة الإكراه لمدة سنة لثاني مرة ولنفس التهمة، وتبرر بقولها « لم أجد ما أقضي به المبلغ الذي وجب علي أداؤه، ولأول مرة أكره السجن حق الكره وكأني لأول مرة أدخله، ومما زاد الطين بلة أني حامل في الشهر الثامن، وصحتي لا تبشر بخير، والذي زاد من تعاستي حيازتي للإجازة في القانون، وخبرتي التى فاقت عشر سنوات. شواهد لم تحسب لصالحي في القضية، وإنما وظفت عكس ذلك، ومن ثمة ضوعفت العقوبة عقابا لي، نحن أصحاب القانون، فكم من متعلم ومثقف دخل السجن من أجل تضحية أو دفاعا عن كرامة، أو لأسباب أخرى، يكون للفقر فيها اليد الطولى، ووجود هذه النماذج بالسجن يخفف من حدة الأزمة النفسية لدى كثير من السجناء، ونظرا للحمل فإني أبخس من حق رمضان في أداء بعض الشعائر وأنتظر أن يرزقني الله ولدا وأسميه" المهدي" وألا يعيدني إلى هذا الوكر المشؤوم».
نزلاء من الدرجة الأولى
وفيما دأب الجنود على الخضوع لطقوس عسكرية صارمة داخل مؤسساتهم التنظيمية، ظلوا كذلك مخلصين لهذا العهد، طوعا أو كرها، حتى وهم نزلاء في ضيافة السجن، وليس بالغريب أن يصدر من بين هؤلاء، الأشداء الأقوياء، جريمة قتل.
ف(ح.ع) 72 سنة، الذي يقضي الآن عفوية 51 سنة، دخل السجن بتهمة القتل العمد، لكن نظام العسكر مازال بلا حقه حتى داخل السجن، وتطلعاته الكبرى تجاوزت أسوار السجن لتحلم خارجه. ويؤكد ذلك بقول
«نظام العسكر يسري حتى داخل السجون بالنسبة لنا نحن الجنود، فاحترام المراتب يظل قائما، ونظام العيش كما هو المعتاد، بدءا بالنهوض باكرا، وممارسة الرياضة آخر النهار قبل الإفطار، وهذا ما يتفق ورغبتي، إذ كنت عداء سابقا بالجيش، لعبت عدة مباريات وعدة بطولات، والآن أستعد لمباراة الباكالوريا. فبعدما فشلت في اجتياز مبارتين، تخصص علوم، استبدلت الأدبي بالعلمي، وبعد ما كنت لا أفكر في الصلاة، أصبحت والحمد لله، أصلي، وأدعو الله أن يفرج عني قريبا كي أتزوج، فكل ما يشغلني الآن، هذا الأمر، فخطيبتي مازالت تنتظرني، وأنا مصمم على الزواج بها وإن ظللت داخل السجن».
لكن الغريب أن يصدرالقتل عن أم شابة ما كان الإجرام من طبعها، ولكن قدرالله ما كان ليقف دون حرصها على تعلم القراءة والصناعة داخل السجن، والتقرب إلى الله زلفى.
ف (س.ر)،24 سنة، التي تنتظر الإفزاج بعد سنة و6 أشهر بتهمة القتل بدون عمد، لم تنكر استفادتها، حيث تقول « تعلمت صناعة الزرابي بالسجن وحاربت الأمية لمدة سنتين، ومازلت أحاربها، وأحارب وسواس الشيطان في هذا الشهر الكريم، وأقوم كل صباح لأتوضأ وأصلي وأدعو الله أن يجمعني بابنتي (أ) وماكنت أظن، حتى حلما، أني سأكون سجينة في يوم من الأيام، فإذا بها 01 سنوات، والحمد لله على قدر الله، وإن كانت حالتي النفسية تدهورت بداية سجني، لما علمت مما سيلحقني من هذه الوصمة، والتي ستصبح سبة في عرضي، وإذاية لأهلي ، كما نسمع في الشارع المغربي "بنت الحباسات" إلا أنه كلما أقبل شهر رمضان إلا وازداد إيماني وثقتي بالله، وزاد اطمئناني اهتمام أهلي بي وتجاوزهم عن زلتي إذ يأتون أسبوعيا رفقة إبنتي التي تبلغ أربعة سنوات لزيارتي».
الزنزانة( نعم) في طاعة الله
وقدرالله أيضا أن يعرف النظام والتنظيم طريقهما إلى غرف بعض السجناء، ليجد القابلية لدى البعض، والصدود لدى البعض الآخر، ودونما تدخل أي سجان لتنظيم المجال بين المساجين، استحدثت الغرفة (لا) نظاما صارما لفرض العقوبة على المتمردين، ولايقبل عقب صدورها أي استئناف، إذ يحكي (ب.ع)، 64 سنة، عن حاله وحال الغرفة التي تأويه « لاتفوتني صلاة الفجر في شهر رمضان ولا في غيره، وهذا ما لم أكن أطيقه البتة، وهذا بفضل الله أولا، ثم تورع المجموعة التي أنضم إليها، إذ اتفقنا تراضيا فيما بيننا على قانون خاص بالغرفة التي تأوينا، ويعاقب كل عنصر شذ عن المجموعة، أوتكلم بكلام فاحش، أو تصرف تصرفا لا يليق بهذا الشهر الكريم، كإلزامه بغسل الأواني وتنظيف الغرفة مثلا، أما في حالة الخروقات الكبرى فتبلغ الإدارة بالأمر، وتبقى لديها صلاحية التصرف، والملاحظ أن المؤسسة السجنية نهجت سياسة محمودة، بإدماج غير المتعلمين مع المتعلمين للاستفادة والتأهيل. فكل ما يحز في نفسي أن محكمة العدل الخاصة تصدر أحكاما قاسية في حق الموظفين، تضاعف أحكام المحاكم العادية، ولا تقبل أي استئناف في حكمها، فالبراءة عندنا، ضحايا محكمة العدل الخاصة، تقاس
بالسنتين». وب.ع كان يشتغل إطارا في بنك.جصل السجن بتهمة الاختلاس وتبديد أموال عمومية.
وفيما تقام المحكمة بالزنزانة( x) فإن الزنزانة (y) تنفرد بالمرونة، وفسح المجال للتطوع والإبداع، والتنافس في تجهيز مأكولات رمضان، وحضور مجالس الوعظ للنساء.
تقول (ف.و)، 04 سنة، من نفس الفطاع، وبتهمة الاحتلاس أيضا « يبدأ يوم رمضان عندي بعد صلاة الفجر، حيث لا أنام بعده، وإنما أنشغل بقراءة القرآن أو بمطالعة بعض الجرائد، وعندما تشرق الشمس أبدأ بالإعداد للفطور كي أتفرغ بعد ذلك لمساعدة موظفات السجن، تطوعا مني. ولا نبخل على أنفسنا، نحن النساء، من تهييء ما اعتدناه في المائدة المغربية الخاصة برمضان من "الحريرة" و" الملاوي" و" البغرير" ، وبعد وجبة الإفطار أتابع مسلسل " العطار" ولا أضيع صلاة التراويح بعد انتهائه، والإنصات إلى المواعظ والدروس التي تتفضل بإلقائها بعض السجينات "المتدينات" في هذا الشهر الكريم، وفي غير رمضان، أهتم بالصناعة التقليدية، ولا أفتر عن ذكر ابنتي التي تبلغ من العمر سنتين ونصف، والتي تعيش بعيدا عني، حيث رفضت أن تلحق بي، وأوهمتها أنني مريضة أعالج بمستشفى ناء».
للسجن حسنات .. ولكن
وكثيرا ما يطلع السجين على واقع لم يتبصر بحقيقة أمره إلا بعد معايشته عن قرب، واقع يعكس ما كان يشاع عن وضعية السجون وانحراف روادها، وتدني مستواياتهم. لكن الطبع يغلب التطبع لتظهر مزية الرجال عند الشدائد.
ف (د.ح). 93سنة، الذي كان يعمل تاجرا، يشهد بذلك « كان اعتقادي قبل أن أدخل السجن، أنه مجرد مؤسسة تأوي المجرمين فقط، ولا فضاء يوجد بها يمنح شيئا من الحرية لبعض الوقت، بيد أن الواقع أثبت لي غير ذلك . التقيت بنماذج من المتعلمين والمثقفين، وأطر في الدولة في مختف القطاعات.وإن كان من حسنات هذا السجن بالنسبة لي أنه هيأ لي الوقت حتى ضقت درعا بالفراغ، ومن ثمة قررت متابعة دراستي، وأنا الآن أدرس الحقوق بالسنة الأولى، فضلا عن جو الإيمان الذي أعيشه هذا الشهرالكريم، تارة بالتطوع، وتارة بالإندماج في المجموعة، ولا أنكر أن جو التكافل والتعاون الذي نشهده داخل السجن هو من شيم المغاربة أينما حلو، وليس بالأمر الجديد في طباعهم ومزاياهم، ومهما تعددت مزايا السجن فإن شوقي لا يفترعن التطلع إلى الحرية». وفيما دخل (د.ح) السجن بتهمة شيك بدون رصيد دخله الموظف (ح.ب) 94 سنة بتهمة الرشوة، والذي يعتبر السجن بدوره سياج أمان عن اقتراف الذنوب والمنكرات سيما بشهر الصيام، إذ يقول « لأول مرة في حياتي أحس أني صمت شهر رمضان كما يجب وزيادة، فخارج السجن كثيرا ما يقع الإنسان في المشاجرات، ولا ينفك عن رؤية المنكرات، والآن، داخل
السجن لاتجد ما يشغلك عن صلاة التراويح، والإنصات لخطبة الجمعة، وحضور المجالس الدينية، حتى فيما يخص نوعية الأكل الرمضاني، فقد أحسست بتميز أيضا، إ ذ يقبل كل فرد من المجموعة التي أنضم إليها بما لديه من طعام يختلف في طريقة تهيئه تبعا للمنطقة التي ينحدر منها كما أني أهتم بمتابعة الدوريات الرياضية التي تنظمها إدارة السجن، وأشارك فيها كثيرا من الأحيان، ورغم هذه التسلية، فإني لا أستيطع أن أكتم تأثري البالغ وحزني الشديد لفراق أبنائي ببلاد الغربة كلما شاهدت فيلما أومسلسلا عائليا».
تعم للإدمان بعيدا عن الحرية
ويأتي فقدان الأمل في الحرية ليعزز الإقبال على الإدمان، وفقدان الأعصاب، ثم لا يتورع السجين المدمن من إظهار حالته للعيان، ومع ذلك تظل عاطفة الرحم تنبض بدواخل الإنسان، سيما عاطفة الأمومة المسجونة.
((ه.ج)95 سنة، صدر في حقها الحكم بالمؤبد بسبب القتل العمد. تشكي حالها وتقول « ندمت كثيرا، ولن ينفعني ندمي، ومهما تسليت لا أنسى حالي. هاجس وحيد يوقظ مضجعي، وهو إبنتي التي بلغت سن التمدرس ولم تجد " الحالة المدنية" التي تثبت شهادة ميلادها، حيث ظلت لحد الآ ن مخبأة بالمنزل المشمع بالشمع الأحمر، والذي كان سبب النزاع والشقاق مع أهل زوجي، وأنا الآن أبحث عن وسيلة، وأرغب من التقيت من المسؤولين بالسجن كي يساعد إبنتي، ولا أبالي بحالي وإن أحسست أني أتأخر عن الركب في هذا الشهر الكريم، ما عدا صيام النهار، فأنا أدخن بكثافة سيما بعد دخولي السجن، وأتناول دواء الأعصاب بجرعات زائدة، إن لم يكن من أجلي، فمن أجل من يعاشرني من السجينات ، حتى أحفظ توازني وأستعيد عافيتي لبعض الوقت».
وحيث يتفضل الشارع بتربية أطفال همشتهم الحياة بسبب الفقر والجهل يكون السجن أجود منه لتحط الرحال به لزمن، تم يواصل المسيرإلى حين عودة منتظرة. وهذا ما حدث مع القاصر (ب-د) التي عادت للسجن بتهمة السرقة، ولا تخجل من أن تقر بوضعها، حيث تقول « كلما قررت الامتناع عن التدخين إلا وعدت إليه وتشجعني صديقاتي على ذلك، وعهدي بالتدخين منذ أن كان عمري 9 سنين، وعملت في معمل الخياطة، وفي أوقات الفراغ والعطل أذهب مع صديقاتي إلى المقاهي والفنادق، وفندق "هيلتون" وعين الذياب بالخصوص لنبحث عن " الرزق". إلا أني لم أضبط في حياتي في قضية آداب، وإلكن "أولاد الحرام" عندما لايحققون مقصدهم منا يتهموننا بالسرقة، ولكوني تعودت التجوال والسفر، فإني لا أطيق المكوث بالسجن ولو ليوم واحد. لكنه جميل أن أتواجد هذا الشهر على الخصوص بالسجن كي أفترق عن صديقاتي حتى لا نتفق على اقتراف منكر ما. وأنا الآن أسعى لخدمة زميلاتي اللواتي يكبرنني سنا داخل الزنزانة، وأتعلم على أيدتهن القراءة والكتابة».
ولاجرم أن تنتعش بين المجرمين ثقافة الإدمان، باحتراف سابق ليس للسجن يد فيه، وتذهب حياة الطهر بماضيها ليكره على السجين أن يدخل دائرة السوء، كما
(س.ك).63 سنة، ينتظر الفرج بعد عامين بتهمة الضرب والجرح المؤدي إلى الموت، كان يعمل ضابط صف في القوات المسلحة الملكية : المعيشة صعبة داخل السجن، والاكتظاظ مازال إشكالية مطروحة بدون حل. وأيما السجن في العالم إلا ويحوي بداخله مجموعتين، مجموعة محترفة للإجرام تخرج من السجن ثم تعود إليه، ومجموعة "أولاد الناس" لايستحقون السجن.
ولا أخفي سرا إذ قلت أني داخل زنزانة المحترفين لا أشعر بجو رمضان، ولاحتى الأجواء العادية، فمن السب والقذف " تحت الحزام" إلى الإفطار في نهار رمضان وأمام هذا الجو اللا أخلاقي واللا تربوي تتفلت تنهار أعصابي فأدخل في مشاجرات ومشاحنات، ومعظمها هي في صد الأذى عن أفراد" المجموعة المؤدبة، دون أن تعلم الإدارة بذلك، ولا أخفي أني أقبلت على الإدمان بعدما ضاعت منى وظيفتي، وأصبحت عالة على أخواتي، اللواتي كنت أتكفل برعايتهن والإنفاق عليهن، ومع مرور السنوات أصبح همي الحصول على الحرية" والرزق بيد الله".
بشرى تمورو، رئيس قسم الشؤون السجنية بالرباط
الخلوة الشرعية حق والسجن عقاب
وإن مما يجهله كثير من الناس أن السياسة السجنية تعني بالجانب البيولوجي والنفسي للسجين، وترى ضرورة الشرعية والمنطقية لحفاظ على العلاقة الزوجية من الضياع والانحراف، والتعجيل في إنزل طلب السجين في الزواج إلى أرض الواقع، سواء من داخل السجن، أم من خارجه.
بشرى تمورو، رئيس قسم الشؤون السجنية بالرباط
-تشرف وزارة التربية ووزارة التكوين المهني، كل حسب، تخصصه، على السير داخل السجون، وتوجيه المكونين، وتسليم الشواهد للفائزين بغية تأهيل المساجين وفصل وصمة السجن عنهم.
- لدينا حضانات للأطفال مصاحبي أمهاتهم، داخل السجن إلى غاية ثلاث سنوات، ويمدد إلى خمس سنوات بطلب، يرفع إلى وزير العدل، وبعدها يتم إدماجهم داخل المؤسسات الخيرية في غياب من يتكفل بهم من أهلهم وذويهم.
أما الأحداث، الذين تقل أعمارهم عن العشرين سنة، فلهم سجن خاص بهم، والإناث منهم يدمجن في سجن النساء.
-في شهر رمضان يكثر عون المحسنين وإمداداتهم من مؤونة الشباكية والتمر والحليب وألبسة وألعاب للأطفال، وبدورنا نتكفل بإحياء جميع المناسبات الدينية، والحرفية، كيوم عاشوراء، ووليمة العقيقة بالنسبة لمن ولدت داخل السجن، وعملية الإعذار.
كما نشرف على عقد القران مابين السجناء أنفسهم، أو بارتباطهم بمن خارج السجن، حيث ترفع رسالة إلى وكيل الملك، ويصادق عليها بإرسال العدول لكتابة العقد، والخلوة الشرعية هي حق من حقوق السجين، سواء كان رجلا أو امرأة، يمنح له يوم كامل كل شهرين للالتقاء بزوجه.
حديجة دحمني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.