السجن المدني هو أحد السجون التي استرعت اهتمام أنشطة المجلس العلمي بمدينة الجديدة، وجناح النساء حظي بالاهتمام الأكبر، حيث نتردد عليه كثيرا بحلقات منتظمة من الدروس والمواعظ والتوجيهات في كافة المجالات المتعلقة بالدين والدنيا، والتي لقيت قبولا واستحسانا من لدن إدارة السجن، وشغفا وتعلقا من لدن السجينات، اللواتي يرغبن في المزيد من الذكرى والتذكر، والاعتبار والتبصر بما قد ينير لهن طريق الهداية والتوبة. إنها لحظات مؤثرة ومثيرة، وأنت تلقي محاضرة بين أيديهن في موضوع تربوي أو توجيهي تجد هؤلاء النساء يتلقينها بكل اهتمام ومزيد إقبال وكثرة تركيز، وحين نفتح باب السؤال نجد الأسئلة تختلف من سيدة لأخرى، فمنهن من تسأل كيف الطريق إلى التوبة وكيف يرضى عنها ربها عن زلة فاحشة الزنى، أو جريمة قتل، أو تعاطي مخدرات، أو سرقة وما شابهه من الزلات والأخطاء التي أدانتهن وجعلتهن وراء هذه القضبان، فعلا يمكنك أن تصنع برحمة الله من الضالة مهتدية، ومن المذنبة تائبة، ومن المخطئة صائبة، ومن الجاهلة مدركة، ومن التاركة لصلاتها معتكفة، كل ذلك بأسلوب فيه رقة ولطف وخفض للجناح. بل قد يتجاوز الحديث أطراف المحاضرة إلى مدارسة أوضاعهن الاجتماعية والسلوكية، حيث وجدنا بين هؤلاء النسوة السجينات طالبات راغبات في العودة إلى الدراسة، وأخريات مدمنات على التدخين أقلعن عنه، والنماذج كثيرة أذكر منهن سيدة في عمر الأربعينات انقطعت عن التدخين بعد أن كانت مدمنة لمدة تجاوزت 11 سنة، وكان ذلك عقب محاضرة في موضوع التدخين. والجميل في الأمر أنك تخاطب السجينة كأنها في مؤسسة عادية أو مدرسة تعلم تزرع في روحها أملا متجددا، وعزما رائدا يجعلها تخرج إلى غد الحرية بنفس جديد وعزم أكيد إن شاء الله.. إنها أعمار مختلفة وراء هذه القضبان، فتيات في مقتبل العمر، وأمهات مرضعات، وأخريات تجاوزن الخمسينات، خليط من الأعمار والثقافات يأويهن سقف واحد. فلأجل هؤلاء وهؤلاء يتوجه المجلس العلمي بهذه الدروس التربوية والمحاضرات التحسيسية لأجل المساهمة في بناء مجتمع صالح والمساهمة في إعادة إدماج وتأهيل نزلاء ونزيلات هذه السجون والأخذ بأيديهم جميعا. كيف لا وهم جزء من هذا الوطن الحبيب، لذلك ينبغي ألا يكونوا نسيا منسيا.