حرم الوفد الصحافي المدعو لتقاسم وجبة الإفطار مع النساء النزيلات بسجن عكاشة بالدار البيضاء، الثلثاء الأخير، من «الاقتراب» من السجينات، رغم أن الحفل نضم بمناسبة شهر رمضان المبارك في إطار تنفيذ وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن لسياسة «القرب»، بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، وهو الإفطار الذي حضرته الوزيرة نفسها وقدمت خلاله مجموعة من الهدايا على النزيلات. فبعد الإجراءات الأمنية المعهودة العادية والمتعلقة بالتأكد من الهوية وتسلم البادج، رافقنا أنا والمصور أحد موظفي المؤسسة السجنية إلى سجن النساء. وببابه وجدنا مجموعة من الرجال والنساء من موظفي السجن، تلقفتنا إحدى الموظفات وتوجهت بنا نحو الداخل. ونحن نسير رفقتها، لفتت انتباهنا مجموعة من النساء بملابس النوم والموائد من ورائهن مبثوثة، قصدناهن، فاعترضت طريقنا مرافقتنا قائلة: «لا. ممنوع الدخول هنا، وتوجهت بنا إلى قاعة مجاورة أقيمت فيها الموائد، مجموعة على اليمين اصطفت من وراء سياج ومجموعة على اليسار بدون سياج. كانت القاعة فارغة إلا من بعض الصحفيين يعدون على رؤوس الأصابع وعدد كبير من موظفي المؤسسة السجنية من الذكور والإناث في أعلى درجات الاستنفار... حاولت وزميلي المصور استغلال الفرصة قبل حضور باقي المدعوين وتوافد أفواج الصحفيين وموكب الوزيرة، وتوجهت، مرة أخرى، إلى حيث كانت السجينات واقفات في انتظار الأمر بدخول القاعة المجاورة. لكن كل محاولة لنا أو لغيرنا من الصحفيين كانت تجد من يصدها والكل يردد جملة واحدة: «ممنوع الاقتراب من السجينات أو الحديث إليهن إلا بأمر من مديرة سجن النساء أو من مدير المؤسسة السجنية»! وإذا ما غافلنا الحراس ونجحت إحدى المحاولات، كان الرفض جوابنا من السجينات أنفسهن... هن كذلك روبوهات مبرمجة على الرفض والتزام الصمت، خصوصا أن العيون مبثوثة والآدان مترصدة! وقد نالت إحدى السجينات حظها من الإهانة والنهر من طرف مديرة سجن النساء، لأن أحد الصحافيين اقترب منها وحاول الحديث إليها. وعندما قصدنا مديرة سجن النساء ومدير المؤسسة السجنية للحصول على الإذن، كان جوابهما كل واحد على حدة: «لا يمكن ذلك إلا بإذن من السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالرباط»... (وسير تضيم!)... لم نفقد الأمل، ومنينا النفس بفرصة على مائدة الإفطار بعد أن بدأت أفواج السجينات تدخل صفا صفا، واحدة وراء الأخرى وقد أمسكت كل واحدة منهن بيدي زميلتين لها واحدة أمامها والأخرى وراءها كسلسلة متماسكة تحيط بهن موظفات السجن من كل جانب وتحذرهن من الاقتراب أو الحديث إلى الحضور. وسريعا ما تأكدت خيبة الأمل واستحال تحقق المراد عندما قادتهن حارسات السجن يمينا نحو الموائد المسيجة، بينما فرض على باقي الحضور التوجه إلى اليسار. بلغ هذا الاستفزاز من الصحافيين حدا جعل الأجواء تتوتر وأعلنت شخصيا احتجاجي للوزيرة الداعية لحفل الإفطار بمجرد حضورها، فهذا إفطار جماعي من المفروض أن يجلس فيه الحضور مع السجينات على مائدة واحدة. فقد جئنا لنفطر معهن ونشاركهن هذه المبادرة الإنسانية لا أن نتفرج عليهن وهن يفطرن بعيدا عنا... وعدتنا الوزيرة بطرح الأمر على المدير لحل المشكل. لكن لم يشفع لنا تدخل الوزيرة نفسها! فقد كان جواب مدير المؤسسة السجنية متوترا وصارما وبحدة قال لها: «لا بد من إذن من السيد المندوب. ونحن نرفض الحديث والاقتراب من السجينات لأسباب أمنية»! أسقط في يد الوزيرة الضيفة... وهكذا خلت كل موائد المدعوين لحفل الإفطار من السجينات باستثناء مائدة الوزيرة ومدير المؤسسة السجنية! لم أيأس وقررت تدبر الأمر بنفسي. فبعد انتهاء وجبة الفطور، وانشغال الحضور بحفل توزيع الهدايا على السجينات، غبت عن الحضور حوالي الساعة التقيت خلالها مجموعة من السجينات القاصرات. وهذا ما سننشر تفاصيل وقائعه غدا. لكن عند محاولتي الالتحاق بباقي الحضور، كانت الصدمة... فقد وجدتني معتقلة مع السجينات والمديرة والحارسات داخل سجن النساء (حي النساء) وقد غادره الكل حتى مدير المؤسسة السجنية والحراس وموكب الوزيرة والصحافيون. كانت المديرة والحارسات خلف قضبان باب السجن المغلق. وأنا من ورائهن وقد أغلقن الباب، وكانت المديرة تحاول إقناع بعض الصحافيين الذين تخلفوا عن الجمع وتسمروا خلف القضبان في الجهة الخارجية للباب في محاولة أخيرة لإقناع المديرة بالسماح لهم بالحديث لبعض السجينات، لكنها كانت تكلمهم من خلف القضبان طالبة منهم مغادرة المكان ومؤكدة استحالة تنفيذ طلبهم. وفجأة، ظهرت للجميع، فنظروا إلي باستغراب، فإذا بالمديرة والطاقم المرافق لها يلتفتن نحوي مشدوهات. توجهت نحو الباب، ففتحت لي المديرة وقد بدت الدهشة في عينيها وغادرت السجن أمام دهشة الجميع في صمت وخلصت نجيا.