الذي يقارن الأسلوب الذي كتبت به رسالة جماعة التبين والأسلوب الذي كتب به رد مطيع على الرسالة يخلص إلى نتيجة فيها كثير مفارقة كبيرة. فرسالة جماعة التبين تنضح بالمعاني التربوية بحيث إنها تتضمن كل العبارات الحانية التي تحمل تقديرا كبيرا للقيادة، وتطرح الإصلاح كأولية لترص الصفوف، وتقترح التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواجهة مطيع بالستة بحضور إخوة ثقات يشهدون نتائج ما آل إليه المواجهة. الغريب أن الرسالة لا تنسى أن توضح طبيعة المجموعة التي قامت بهذه المبادرة وأهدافها حتى لا يقع الالتباس، فهي لست تكتلا تنظيميا وإنما هي طائفة من الإخوة قصدوا أن يظهر لهم الحق فيلتزموا به ويعلنوا بعد ذلك استمرارهم في الحركة. رد عبد الكريم مطيع في المقابل طافح بالمناورات السياسية، إذ لم يتعامل مع هذه المبادرة بحسن نية، بل إنه اعتبرهم أولا خارج الجماعة، وشرط لقبول الحور معهم أن يكونوا أعضاء في الحركة، وأنه ليس من حق أحد خارج الحركة أن يتدخل في شؤون الحركة الداخلية، وأن المدخل لقبلوا الحوار هو الالتحاق بالجماعة وما يقتضيه هذا الالتحاق من تقديم البيعة للأمير، وهو ما يعني التحيز له ضد الستة بموجب أن للبيعة مقتضيات وأولها طاعة الأمير ونصرته وحمايته، بل إنه اشترط عليهم قبل أن يطلبوا الالتحاق بالجماعة أن يقطعوا الصلة بالجهات الأخرى (ويقصد في ذلك الستة) لأن ذلك يعتبر منهم انخراطا في إثارة البلبلة وحملات التشكيك ضد القيادة. خطابان متناقضان داخل حركة واحدة، خطاب تربوي مستند إلى أصوله الشرعية، يريد الإصلاح ولم صف الجماعة الممزقة، وخطاب سياسي بعيد عن الأصول الشرعية، يوظف المفاهيم الشرعية (البيعة والخروج على الجماعة) في غير سياقها، ويسلك المناورات السياسية لرفض المواجهة والحوار (شرط المدخل الشرعي لقبول الحوار). السؤال المطروح والذي يحتاج إلى بحث تاريخي، هو كيف أنتجت حركة قيادتها تتقن المناورات السياسية قاعدة عريضة تلتزم بالخطاب الشرعي بمفرداته وأصوله، وتتخلق بأخلاق الدعوة، وتتحمس لخدمتها إلى درجة أن الحركة توسعت بشكل مثير للاهتمام في كل مدن المغرب؟ المؤكد أن التربية الروحية كان لها دور كبير في إعداد الإخوة تربويا، وأن مطيع كان يقصد من ذلك إعدادا جيل التنفيذ الذي يسمع ويطيع، والمؤكد أيضا أن الستة بعد خروج مطيع قد أكدوا على الجانب التربوي، وأن قضية المناشير والملصقات ومهاجمة اليسار والاتحاد الاشتراكي كان بتوجيه من مطيع، وأن كثيرا من الإخوة كان لهم مؤاخذات على هذا الأسلوب في العمل، وأنهم كانوا ينأون بأنفسهم عن اعتماد أسلوب المناشير في الدعوة (تجربة القنيطرة، تجربة أكادير على سبيل المثال.) إنه لمن المثير للبحث حقا أن تتربى القاعدة على نسق تربوي يخالف تماما أساليب القيادة، ثم يأتي اليوم الذي تحاكم فيه القاعدة القيادة بناء عليه، ويكون جواب القيادة هو ذات المناورة السياسية المكشوفة.