يواصل العربي العظم استعراض موقع القطاع العمالي في مسيرة عمل الشبيبة الإسلامية، ويناقش في هذه الحلقة مشاركة القطاع العمالي في توزيع المنشورات والملصقات، والأسلوب التنظيمي الذي كان يتعامل به مع هذا القطاع، ويحكي بالتفصيل المواقف التي اتخذها هذا القطاع في فترة الفتنة، وكيف وتعامل مع استقالة عبد الحميد أبو النعيم من الحركة، واستمر في العمل بقناعة راسخة. وهل كان لكم في القطاع العمالي نشاط آخر غير العمل التربوي والدعوي وما ذكرت من تحرك في انتخابات 1976 للإقناع الناس بعدم التصويت لصالح الاتحاد الاشتراكي؟ كان مشاركة القطاع العمالي في توزيع الملصقات والمنشورات قوية، وأذكر أنه كلفنا بتوزيع ملصق من حجم كبير كتبه الطلبة بخط أحمر عريض، وكان موضوعه حول الظلم الممارس على الحركة الإسلامية والفساد المنتشر، وقد أحضر لنا الطلبة حصتنا التي كلفنا بتوزيعها في أماكن محددة مثل السوق المركزي والكرة الأرضية وطلبوا منا أن نوزعه أيضا في مجموعة من المساجد عند صلاة الجمعة مع الواحدة ظهرا، فقمت باستدعاء المجموعة القيادية، وكانت تضم أربعة عشر فردا، فحضروا إلى بيتي، ووزعت عليهم الحصة التي كلفنا بتوزيعها، وبينت لهم المناطق التي طلب منا التوزيع فيها، وقلت لهم لن أفرض على أي واحد أين يوزع الملصقات، وتركت الأمر على الاختيار، وكان حماس الإخوة كبيرا، فصار كل واحد يختار المنطقة التي يوزع فيها إلى أن غطينا معظم المناطق المطلوبة، ومن لم يحضر من الإخوة لعذر أوصلنا إليه حصته من أجل توزيعها في المناطق المتبقية، والغريب أنه قبل أن نشرع في التوزيع وعلى الساعة الثامنة صباحا فاجأني الحارس العام وقال لي: إن بعض الملصقات غزت الساحة في الدارالبيضاء وكانت أعطيت تعليمات أن نوزع هذه الملصقات في توقيتين: على الساعة الحادية عشر نهارا والواحدة ظهرا، وطبيعي أن رجال الأمن إذا وصلهم خبر توزيع ملصقات مثل هذه في الفجر فإنهم سيكونون في حالة التأهب القصوى. وكيف تصرفتم؟ هل أصررتم على تنفيذ التعليمات؟ لم نكن لنتراجع عن التوزيع ما دام لم يصلنا تكليف آخر ينفي التكليف الأول، فلم يبال الإخوة برجال الأمن ومضى كل واحد إلى المنطقة التي كلف بها ووزع حصته ورجع. ألم يعتقل منكم أحد؟ كان رجال الأمن يملئون المكان، وكانوا يتواجدون قرب المساجد، فكان الحل الذي اختاره الإخوة هو التوزيع عند إقامة صلاة الجمعة، والغريب أننا في المساء وعند اللقاء التي اتفقنا أن نجتمع فيه لنعرف حصيلة التوزيع ومن اعتقل ومن لم يعتقل، حضر الإخوة جميعهم ولم يعتقل منهم أحد. ولماذا في نظرك وقع اختيار ثلاثة مواقيت للتوزيع مع العلم أن التوزيع في ساعة الفجر كاف لتنبيه رجال الأمن وجعلهم على أهبة الاستعداد؟ ربما كان من قصد عبد الكريم مطيع تكليف السداسيين بالتوزيع في هذه المواقيت أن تحصل اعتقالات واسعة في صفوف الإخوة ليحقق من خلال ذلك جملة من الأهداف. أية أهداف تقصد؟ إرباك النظام السياسي أولا، ثم إعطاء وزن للحركة، إذ كانت الثقافة السائدة وقتها أن الحركة التي ليست لها معتقلين لا يكون لها أي وزن سياسي، ثم كان يقصد أن يعطي لزعامته شرعية أكبر، فالرجل كان مستقرا في الخليج، وكان يريد أن يظهر في صورة الزعيم المضطهد الذي تمارس على حركته شتى أنواع الاضطهاد، وهو ما يعني أن يحظى بكامل التأييد والتعاطف والنصرة. وكان من رحمة الله تعالى بنا في البيضاء أنه لم يعتقل أحد لا من الطلبة ولا من القطاع العمالي. وهل كانت عملية توزيع المنشورات تتم بهذه الطريقة الهرمية حيث يأتي القرار من عبد الكريم مطيع عبر السداسيين إلى مسئول القطاع العمالي إلى الجلسة القيادية ثم إلى العمال؟ هذه صورة من صور الاشتغال، وإلا فقد كانت هناك صور لا تحترم هذه الطريقة الهرمية، فقد كان الطلبة أحيانا ينزلون إلى جلسات العمال بدون استشارة مع المسئول، ويسلمونهم المنشورات، ويطلبون منهم دراجاتهم النارية لاستعمالها في هذه المهمة دون أن أكون على علم بذلك. وكيف عرفت ذلك؟ مرة نزلوا إلى جلسات العمال، والتمسوا دراجة نارية من أحد العمال، وفي الوقت الذي كانوا يوزعون فيه المنشورات، أقفلوا زر البنزين في الدراجة النارية، فلما جاءت دورية الأمن أرادوا الفرار فلم تتحرك الدارجة النارية، وتصوروا أنها عاطلة ففروا وتركوها هناك، فلما حضرت الصلاة في مسجد عمر بن الخطاب بعد الحادث أشار إلي أحد الإخوة في المسجد، فأحسست أن شيئا ما قد وقع، فطلبت منهم أن يلتحقوا بي في البيت بعد الصلاة. فلما جلسنا أخبرني العمال بما جرى، وطرحوا علي مشكلة الدراجة النارية، فقلت لهم: انسوا هذا الموضوع مطلقا، وقمنا بالتطوع لجمع المال لشراء دراجة نارية للعامل الذي فقد دراجته. لما وقع الخلاف بين السداسيين وبين مطيع كيف صار الوضع التنظيمي للقطاع العمالي؟ لم نكن بمنأى عن الفتنة، وكنا منذ البدء نستشعر أن الخط الذي يريد مطيع أن تسير بالحركة فيه لا يمكن أن يصمد طويلا. في البدء كنا خاضعين لقيادة مطيع حين كان يباشر هذا العمل شخصيا، ولما غادر المغرب أصبح السداسيون هم المشرفون على متابعة هذا القطاع، وقد عرف العمل على عهدهم انتشارا عدديا وتوسعا تنظيما ملحوظا، ولما وقعت الفتنة جاء الخط الثاني بقيادة مصطفى الرميد وعبد الحميد أبو النعيم وابن حجر وعبد اللطيف بكار هل كان مصطفى الرميد من قيادات الخط الثاني؟ كان مصطفى الرميد من المجموعة الثانية التي تحملت المسؤولية بعد السداسيين مباشرة، وقد احتكت هذه المجموعة مع عبد الكريم مطيع، إذ كانت تزوره بشكل مستمر في مكة. في البدء، أي سنة 1978, جاؤوا من مكة مشحونين من طرف عبد الكريم مطيع، وقد اتصلوا بنا وقالوا لنا إن الأستاذ عبد الكريم مطيع مظلوم وأن ما يرد على لسان السداسيين لا أساس له من الصحة، ولذلك فقد أصدر بيانا في حقهم وفصلهم عن الحركة، فلما بدؤوا في ممارسة مهامهم تأكدوا بأن مطيع ليس كما كانوا يدافعون عنه، وأنه يتناقض في تصريحاته وأقواله وأنه يقول لهذا ما لا يقول لذاك ويضرب هذا بذاك. وكيف تم إعفاء هذه المجموعة؟ حكا لي الأستاذ عبد الحميد أبو النعيم أنه كان في مكة مع الأستاذ محمد بيرواين، وقد جاء أبو النعيم خصيصا إلى عبد الكريم مطيع لطلب إعفائه من مسؤولية الحركة، فلما سمع مطيع مطلب أبي النعيم أصيب بالإغماء أو أظهر إصابته بذلك، فقام عبد اللطيف بكار وقد كان صديقا حميما للأخ عبد الحميد أبو النعيم غاضبا على صديقه، فلما هدأت الأحوال بينهما، قال مطيع لعبد الحميد أبو النعيم: لقد فكرت لك في مهمة تريحك وتعين بها الدعوة وهي خير لك من التخلي عن المسؤولية في الداخل. وماذا كان العرض الذي عرضه على عبد الحميد أبو النعيم؟ عرض عليه الاستقرار في سنتيتيان وتحمل مسؤولية الحركة في فرنسا. وهل استجاب عبد الحميد أبو النعيم؟ في هذه الرحلة تآخى عبد الحميد أبو النعيم مع محمد بيرواين، واتفقا على أن يخبر كل واحد منهما الآخر بما قال مطيع له. فصار يخبر بعضهما بعضا بما جرى له مع مطيع، واكتشفا في تلك الرحلة أن مطيع رجل متناقض وأن ما يقول لأحدهما هو نقيض ما يقوله للآخر، فصغر في عينيهما. وماذا كان موقف عبد الحميد أبو النعيم من العرض الذي قدمه له مطيع؟ كان قصد مطيع أن يتخلص من عبد الحميد أبو النعيم لما طلب الإعفاء من المسؤولية، لكن عبد الحميد لم يكن يتمتع بالذكاء السياسي الذي يجعله يستوعب مقاصد مطيع، فكان الرجل لا يدخل هذه الاعتبارات إلى الدعوة ويجعلها بعيدا عن ساحتها، بينما كان محمد بيرواين بحكم تجربته السياسية والفكرية مع اليسار كثير الحذر من مطيع، ولما قال عبد الحميد أبو النعيم لبيرواين أن مطيع يريد منه أن يكون مسئولا تنظيميا عن فرنسا وأنه يريد منه في السنة الأولى أن يرسل إليه أخوين من فرنسا للتعرف عليهما، وأن يتصل بفوزي في السنة الثانية، وأن يبحث عن عبد العزيز النعماني في السنة الثالثة وأن يبلغه بآخر أخباره في فرنسا، وطلب منه أيضا أن يكتب بيانا باسم الشبيبة الإسلامية من فرنسا يستنكر فيه التضييق على الشبيبة الإسلامية والظلم الممارس على قيادتها. فماذا كان موقف محمد بيرواين؟ فقال له الأخوان اللذان سترسلهما إليه هما اللذان سيتحملان المسؤولية في فرنسا بعدك، والاتصال بفوزي يصنفك مباشرة في خانة الإرهابيين، أما البحث عن النعماني فتوريط لك في حادث اغتيال عمر بن جلون. وماذا عن البيان؟ قال له محمد بيرواين سيكلف مطيع الإخوة في الداخل بأن يصدروا بيانا من الداخل يتبرأ من هذا البيان ويبين ألا صلة للشبيبة الإسلامية في الداخل بهذا البيان وأنه لا يمثل الداخل في شيء. فماذا كان موقف عبد الحميد أبو النعيم بعد هذا التأويل لكلام مطيع؟ أطبق صامتا ولم يزد بكلمة، وغادر مطيع إلى فرنسا ومنها إلى الدارالبيضاء، ولم يمض وقت طويل حتى وصلت رسالة من الخارج تبين أن بكار عبد اللطيف وعبد الحميد أبو النعيم لا علاقة لهما البتة بالشبيبة الإسلامية ولا بالدعوة إلى الله تعالى. متى صدرت هذه الرسالة؟ صدرت في أواخر السبعينات، وكنت قلبها التقيت عبد الحميد أبو النعيم في المسجد الذي كان تقي الدين الهلالي رحمه الله يقيم فيه الدرس، ، فسألت عنه، فأخبرني أنه قرر الانسحاب من الشبيبة الإسلامية، فقلت له: إن الدعوة تنزف دما، فاحتفظ بهذا الكلام ولا تجهر به لأحد، فالإعلان عنه ليس فيه مصلحة للدعوة لكنه لم يأخذ بكلامي ونشره في صفوف الإخوة، وبدأ يبث في الإخوة ما وقع له مع مطيع، ولما بدأ يتصل بالإخوة الذين يتأطرون في جلسات العمال والذين هم تحت مسؤوليتي المباشرة، تدخلت وقلت للإخوة: نحن الآن نسمع من طرف واحد، والإنصاف يتطلب منا أن نسمع من الطرف الآخر وتدخلت بقوة لوضع الأمور في نصابها وقلت للإخوة: هذا العمل بنيناه جميعا، ولا ينبغي أن نخرج منه أو أن نقدم استقالتنا منه، فهذا العمل ليس ملكا لعبد الكريم مطيع، بل هو ملك لجميع الإخوة، وسنبقى فيه حتى ولو أعلن مطيع الخروج منه وكيف صار الوضع التنظيمي للحركة بعد ذلك؟ من حسن حظ الإخوة أن عبد الكريم مطيع أرسل أحد الإخوة السوريين- سوري الأصل كان يعيش في الكويت خ وهو صاحب كتاب وجاء دور المجوس وكان أعطيت للمجموعة الثانية التي خلفت السداسيين أن يلقي ثلاثة دروس وألا يزيد عنها، على أساس أن يكون الدرس الأول لفائدة العمال والثاني لفائدة الطلبة والثالث لفائدة الأساتذة والمعلمين، لكن عبد الحميد أبو النعيم ورفاقه اجتهدوا وخرجوا عن نص التكليف، فقاموا بتوسيع دروس هذا الرجل فصال وجال في مدن المغرب. وماذا كان الهدف من إرساله؟ ولماذا فقط ثلاثة دروس لا غير؟ كان مطيع يريد أن يثبت لأهل الخليج أن حركته قوية وعاملة وتنشط بفعالية في المغرب، ولعل العينات الثلاثة: الطلبة والعمال والأساتذة كافية لأخذ صورة عن الحركة الإسلامية ومدى توسعها في المغرب، وهو ما يضمن التأييد والعطف والنصرة من الخارج. وكان من ذكاء مطيع أن لا يطلعه إلا على عينة ضيقة، لكن الإخوة وسعوا هذه الدائرة، وكان الرجل من أهل العلم، فبدأت الأسئلة تطرح عليه من طرف الإخوة، وكان من بين الأسئلة التي وجهت إليه: هل يجوز تأديب من أساء إلى الإسلام أو سب ثابتا من ثوابته؟ وهل يجوز ممارسة العنف لرد الاعتبار للإسلام؟ وكان الرجل يستغرب من هذه الأسئلة ويقول: من قال لكم هذا؟ فبدأ يصحح التصورات من خلال إجاباته عن مجموعة من الأسئلة التي كان يطرحها الإخوة من صميم معاناتهم وتجربتهم الدعوية، فصارت قناعات الإخوة تتغير، وأتذكر أني سألته شخصيا لما كان له مع القطاع العمالي لقاء، فقلت له: فقلت له لقد سمعنا بالثورة الإيرانية ونحن لا نعرف شيئا عن الشيعة ولا عن الخميني، وأنتم بحكم قربكم من المنطقة وسعة اطلاعكم، من يكون هؤلاء الشيعة ومن يكون الخميني؟ فأجابني قائلا: لا تتعبوا أنفسكم، اليهودي أفضل من الشاه، والشاه أفضل من الخميني فوصل به الكراهية للخميني إلى هذه الدرجة. وكيف كان تأثير هذه الزيارة على الشبيبة وماذا كان موقف مطيع من تداعياتها؟ كان زيارة الرجل بمثابة تلقيح فعال للإخوة ضد التشيع وضد ثورة الخميني، وفي نفس الوقت لعبت دورا كبيرا في تغيير مجموعة من القناعات والمفاهيم التي كانت مستقرة في أذهان الإخوة وبخاصة تلك التي لها علاقة بممارسة العنف، أما بالنسبة لعبد الكريم مطيع فإن هدفه قد تحقق إذ ضمن مزيدا من الدعم الخليجي ومزيدا من العطف والنصرة والتأييد.