في الجزء الأخير من حواره مع التجديد يقول العربي العظم أنه في سنة ,1979 أصبحت الفوضى هي السمة الغالبة على تنظيم الشبيبة الإسلامية، فصارت اللقاءات بدون ضبط، وكان الشيء الوحيد الذي جمع أعضاء التنظيم ووحد صفوفهم هو المحاكمة التي أسقطت مبررات اتهام مطيع لبعض القيادات بالعملاء، ويضيف العظم أنه لما ذهب مطيع إلى الخارج اتصل الإخوة بابراهيم كمال وابوا منه قيادة التنظيم فقبل وبدأ مشواره في بعض المدن لكن بعد أن اتصل به مطيع توقف. كيف كان موقف عبد الكريم مطيع من الثورة الإسلامية في إيران؟ لم يكن موقفه واضحا، ففي البدء تعاطف معها، بل وبدأت كتب التشيع تغزو التنظيم، ووصلت بكثافة إلى القطاع العمالي، وكان عبد الكريم مطيع يجس نبض الإخوة ليرى من يستطيع أن يقوم بمهمة نشر هذا الفكر والإقناع بخط الثورة الإسلامية في التغيير، وقد حدث في هذا الموضوع الأخ إدريس شاهين لما زاره في روما، فلما أحس بأن إدريس شاهين لا يمكن أن يسير في هذا الاتجاه أظهر له أنه غير معني بالتشيع ولا بالثورة الإسلامية في إيران، لكن الأشرطة الثورية الشيعية كانت تنزل بكثافة إلى الدارالبيضاء، وقد استهدفت قطاع العمال بشكل خاص. وكيف تنزل هذه الأشرطة وهذه الكتب إلى القطاع العمالي وأنت المسؤول المباشر عنه؟ في هذه الفترة بدؤوا يتعاملون معي باعتباري واجهة فقط للعمل، أما المسؤول الفعلي الذي كان يتحرك وكان له اتصال مباشر بعبد الكريم مطيع هو أخ يسمى لحبيب. هو نفس الأخ الذي ذهب عنده في إطار التبين؟ نعم هو نفس الشخص، ولعله هو الذي كان يقوم بنشر هذه الكتب والأشرطة في صفوف العمال بإيعاز من عبد الكريم مطيع. بعد استقالة عبد الحميد أبو النعيم كيف صار الوضع التنظيمي للشبيبة الإسلامية في الدارالبيضاء، وكيف كان أثر ذلك على القطاع العمالي؟ بعد سنة 1979, أصبحت الفوضى هي السمة الغالبة على تنظيم الشبيبة الإسلامية، فصارت اللقاءات بدون ضبط، ولعل الشيء الوحيد الذي جمع الإخوة ووحد صفوفهم هو المحاكمة. تقصد محاكة قيادة الشبيبة الإسلامية في شتنبر 1980؟ نعم، هذه المحاكمة لعبت دورا في إبطاء عملية الانفصال عن الشبيبة الإسلامية. اختلف الإخوة الذين رووا لنا تفاصيل المحاكمة في الموقف الذي طلب منهم فعله في المحاكمة، ما هي روايتك؟ طلب عبد الكريم مطيع من الإخوة أن يقوموا باختطاف إبراهيم كمال من المحكمة وأن يفروا به خارج قاعة المحكمة. هل كان هذا هو التكليف الذي أمر الإخوة بتنفيذه؟ نعم. وقد جاء عز الدين العلام برسالة من عبد الكريم مطيع من مكة يطالب فيها الإخوة من جميع مدن المغرب أن ينزلوا إلى المحاكمة، ولم يكن الإخوة المسئولون على علم بذلك، إلى درجة أني أخبرت من طرف الإخوة في أحد جلسات العمال بالقرار، ولم يكن الحاج علال العمراني نفسه على علم بالقرار، وقد استأت من ذلك واستغربت وسألت الإخوة عمن يكون وراء القرار فقالوا لي إنه عبد الكريم مطيع، فقلت لهم أنا أرفض هذا القرار جملة وتفصيلا ولو كان من عند عبد الكريم مطيع، وذكرتهم بحادث الحرم وتداعياته والاعتقالات التي طالت الإخوة بمن فيهم إخوة رجال الدعوة والتبليغ، والساحة التي أصبحت ملغومة، فكيف يعقل أن نزيد في الزج بالشباب إلى السجون؟ وهل اقتنع الإخوة بوجهة نظرك؟ لم يجد موقفي عندهم قبولا. لكنهم لما نزلوا إلى المحاكمة وجدوا باب قاعة المحاكمة مغلقا ومنعوا من حضور المحاكمة، فتبين لهم أن سيناريو الاختطاف هو سيناريو حالم لا يمكن تحقيقه، وهنا بدأ الإخوة التكبير، وحاصر رجال الأمن الإخوة، ففروا، ولآن الإخوة الغرباء على مدينة الدارالبيضاء لا يعرفون جيدا مسالك منطقة الحبوس، فقد تمكن رجال الأمن من اعتقال حوالي 32 أخا، ولما أخضعوهم للتعذيب وحققوا معهم اعترفوا بمجموعة من الأسماء مما زاد في انكشاف تنظيم الشبيبة الإسلامية. وهل تم الإبقاء على هؤلاء الإخوة المعتقلين وإحالتهم على المحاكمة؟ لم يكن النظام السياسي في هذه اللحظة يريد أن يصعد الموقف، ولذلك أفرج عن الإخوة. وكيف تصرف الإخوة المسئولون بعد صدور الأحكام؟ لما صدر الحكم بالمؤبد على عبد الكريم مطيع، والإعدام في حق اثنين والبراءة في حق إبراهيم كمال والمجموعة الأخرى، اجتمعنا بعدها مباشرة في بيت الأخ إدريس شاهين، واتصل مطيع بنا يوم الخميس ليلا، وكلفنا في هذا الاجتماع الإخوة عن آخرهم بالنزول إلى المظاهرة في الغد. تقصد مظاهرة المسجد المحمدي؟ نعم. هل كان القرار هو إلقاء كلمة في المسجد أم القيام بمظاهرة؟ كان التكليف هو النزول الشامل إلى المسجد والقيام بمظاهرة بعد صلاة الجمعة. مع من كان الاتصال؟ اتصل مع الأخ إدريس شاهين. وكيف نفذ الإخوة القرار؟ في الغد، نزل الإخوة إلى المسجد، وبعد صلاة الجمعة اخذ عبد الإله بن كيران الكلمة فبح صوته، ولم يكن رجال الأمن بالمكان إذ يكن متوقعا بالمطلق أن تخرج مسيرة من هذا المسجد، وقد انطلقت المظاهرة، وقد وقع الاتصال من طرف بالعامل من أجل تدارك الموقف ومعرفة كيفية التعامل مع المظاهرة فلم يكن موجودا، في الاتصال المباشر بالرباط، فأعطيت تعليمات بالهجوم على المظاهرة وتفريقها بالقوة، فوقعت فتنة كبيرة، فمن معتقل، ومن مجروح، ومن فار ترك حذاءه، على كل حال كان الأمر عصيا عن الوصف. كم تقدر عدد الإخوة الذين شاركوا في المظاهرة؟ نحو ألفين. وهل كان لهذا الحدث من تأثير على الإخوة في اتجاه مراجعة الذات وطرح أسئلة عميقة على التجربة؟ بعد المظاهرة بدأت الأسئلة تطرح بعمق، وبدأ الإخوة يتساءل عن جدوى النزول بهذه الكثافة والتضحية بالتنظيم، بل إن بعضهم بدا يطرح سؤال الجدوى من تنظيم هذه المظاهرة أصلا، وكان من بين الأوائل الذين بدؤوا يطرحون الأسئلة على التجربة الأستاذ عبد الإله بن كيران والحاج علال العمراني والأخ عبد العزيز بومارت. لكن دعني أسألك عن إبراهيم كمال فالمفروض أنه يمثل الرجل الثاني في التنظيم، والمفروض أن يقود التنظيم بعد الحكم ببراءته، فلماذا لم يمض الإخوة في هذا الاختيار؟ اتصل الإخوة بإبراهيم كمال، وتحدثوا إليه، وقالوا له:لقد أفرج عنك، وأنت تعلم أن مطيع يعيش في الغربة وأنه من المتعذر عليه أن يباشر العمل من هناك، فلماذا لا تكون مسئولا عن التنظيم ويبقى لعبد الكريم مطيع دور التوجيه والإرشاد العام، ويكون بينكما تنسيق تام وكيف كان موقف إبراهيم كمال من هذا العرض؟ قبل العرض، واقتنع بوجاهته، وبدا في رحلات مع الإخوة إلى مدن كثيرة كالرباط وسلا وفاس، وبدا التنفيذ لهذا الاقتراح، وبدأ الإخوة يشعرون أن التنظيم بسبيله إلى أن يجد الحل بوجود هذه القيادة، لكن هذه الفرحة لم تتم، إذ اتصل عبد الكريم مطيع بإبراهيم كمال، فلزم إبراهيم كمال بيته، وإلى يومنا هذا لا نعلم ماذا قال له بالتحديد، ولماذا لم يكمل مع الإخوة المشوار وهو الذي قد تحمس لمقترحهم. وكيف تعامل الإخوة مع هذا الوضع الجديد؟ بدأ الإخوة يجتمعون في بيت إدريس شاهين ويناقشون ما آل إليه وضع الحركة، لكنهم بعد مخاض طويل قرروا أن يبقوا على قيادة عبد الكريم مطيع بحكم أن الرجل هو الذي أنشأ العمل وأن الوفاء يتطلب إبقاءه على رأس الحركة، لكن وقع الاتفاق على تعيين لجنة فيها خمسة إخوان يكون من مهمتها الاتصال بعبد الكريم مطيع، وكنت من ضمن هذه اللجنة. وما هدف الاتصال بعيد الكريم مطيع؟ كان الهدف هو وضع منهج للحركة وتوضيح موقف الحركة من جملة من القضايا كالنظام السياسي والأحزاب، وكان القصد أن يتوحد تصور الحركة عند الإخوة، وينتهي الخلاف في النظرة لهذه القضايا. وهل سافرتم إليه؟ لم نسافر إليه لأنه استبق الأمر واتهمنا في بيان له بالعملاء، ودعا عبد اللطيف عدنان أن يعقد لقاء آخر يكون ضدا على اللقاء الذي قمنا به في بيت إدريس شاهين، فانعقد بالفعل اللقاء في حي مولاي عبد الله، فحضر الإخوة لهذا اللقاء وانزعجوا من المستوى التربوي الذي انزلق إليه، إذ خرج منه الأخ العربي حفيظ في غاية القلق، وقال لي : أدركوا هذه الحركة، فإنا نشم رائحة خبيثة في هذا المجلس. وكيف تعاملتم مع بيان عبد الكريم مطيع؟ لم نلتفت إليه، ومضى الإخوة في العمل والتنسيق وكثفوا لقاءاتهم، وخرجوا بضرورة أن يكون لهذا العمل من يقوم على مسؤوليته، فكانت اللجنة الوطنية التي تألفت من 21 أخا كان على رأسهم محمد يتيم وعبد الإله بن كيران وعبد العزيز بومارت وحميد فتاح وعبد السلام كليش وعز الدين توفيق والأمين بوخبزة وسعد الدين العثماني، وبدأ الانفصال عن عبد الكريم مطيع، وبدأت هيكلة العمل في إطار الجماعة الإسلامية. وكان الأستاذ عبد الإله بن كيران يتميز علينا جميعا لأنه لم يعش الوضع الذي عشناه، فلم يرث السرية المطلقة التي عشناها مع عبد الكريم مطيع، فقد كانت بداية عمله في الشبيبة الإسلامية من خلال الكلية وكان منفتحا لا يبدو عليه أي أثر للسرية. وكيف كنتم في البيضاء تنظرون إلى العمل الذي يقوده عبد الإله بن كيران في الرباط؟ كنا بحكم ثقافة السرية التيس أشبعنا بها نعتبر عمل الرباط مائعا، ففي الوقت الذي كنا نطالب في البيضاء بهيكلة العمل في المدن كان عبد الإله بن كيران يصر على أن تكون للجماعة قيادة جديدة، وكان يستشهد بالحديث النبوي: إذا كنتم ثلاثا فأمروا عليكم وكان يلح على هذا الأمر في كل اللقاءات واستطاع أن يقنع الإخوة بذلك فجاء لقاء بوسكورة الذي حضره الشيخ محمد زحل والحاج علال العمراني وحضره قرابة خمسة وعشرين فردا، وقد تم اختيار محمد يتيم في هذا الاجتماع كرئيس للجماعة الإسلامية، وتحمل مسؤولية سفينة تسير يمينا وشمالا، وقد تسرب إلى هذا اللقاء شخص لم نكن نعرف صلته بعبد الكريم مطيع وكان يسمى صالح، ولما وصل إلى عبد الكريم مطيع وقائع اللقاء، ظهر في الساحة منشور لا ندري ماذا كان مضمونه، والبعض يقول إن فيه التهديد بحمل السلاح ضد النظام السياسي المغربي، لكننا في الحقيقة لم نعلم مضمونه، فقط الذي عرفنا هو تداعياته وآثاره، إذ أن النظام السياسي أصيب بسعار شديد مما ورد في البيان، واندلعت اعتقالات رافقها تفتيش دقيق لبيوت الإخوة وأمتعتهم إلى درجة أن رجال الأمن فتشوا في المطبخ وفي علب الدقيق كأنه كانوا يبحثون عن السلاح، وقد اعتقل إثر هذا المنشور قرابة 61 أخا، بينما لجأت مجموعة أخرى إلى الفرار، وكنت أنا ومحمد يتيم ضمن هذه المجموعة التي فرت. هذا حدث بعد صدور مجلة المجاهد؟ نعم كانت المجاهد قد صدرت قبل هذا التاريخ. لكنك لم تشر إلى موقف الإخوة في البيضاء من صدور هذه المجلة وكيف ساهمت في إحداث التحول في صفوف الإخوة؟ كان أول من جاء بمجلة المجاهد إلى الدارالبيضاء هو عز الدين العلام، وكان شديد الافتخار بها، وقد حدث أن دار بيني وبينه نقاش ساخن حولها، إذ قلت له : نحن نعاني في هذه الحركة من غياب تصور موحد يجمع الإخوة يوحد نظرتهم لمجموعة من القضايا فرفع عز الدين العلام مجلة المجاهد وقال لي هذا هو التصور الجامع فقلت له: هذا ليس تصورا، هذا مجرد صراع بين مطيع والملك الحسن الثاني وكان مما قاله الحاج علال العمراني لما أمسك المجلة في يده وبدت له في غلاف صقيل: أشم فيها رائحة الثراء. واللحظة التي ظهرت فيها المجاهد هي ذاتها اللحظة التي تزايد فيها نسبة التشكك في القيادة، وبدأ توعية الإخوة بالأمر. وكيف تعامل الإخوة مع الاعتقالات التي انطلقت في صفوفهم؟ جعل الله في هذه الاعتقالات خيرا كثيرا إذ كان الاتهام الذي يوجهه مطيع للإخوة أنهم عملاء، فلما امتحنوا ودخلوا السجون وعذبوا أسقط في يده فلم تعد اتهاماته تسمع من أحد، ونال هؤلاء الإخوة شرعية كبيرة. وقد كنت أتصل بالأخ محمد يتيم في الفترة التي امتحن فيها الإخوة، وكنت أنزل للقائه في الرباط كل أحد، واستطعت مع مجموعة من الشباب بفضل توجيهاته أن أهيكل الدارالبيضاء كاملة. من كان معك في هذه المهمة؟ كان على رأس هؤلاء الشباب عبد الكريم حميم، هذا الشاب لما اقتنع بخط الإخوة الذي اختاروه بعد مفاصلة مطيع استطاع أن يحرك كل طاقاته من أجل إرساء هيكلة كاملة لمدينة البيضاء، فاتصلنا بالمسئولين في الحي المحمدي فتم هيكلته ، ثم تهيكل البرنوصي فالحي الحسني، وكان هذا الشاب في قمة الحركية، إذ كان يكتفي بأخذ التوجيهات ثم ينطلق مباشرة إلى الميدان، بحيث كان يتصل بما تبقى من الإخوة في الأحياء، وينسق معهم ثم يهيكل الحي كاملا، ولما خرج الإخوة من السجن وجدوا البيضاء قد هيكلت كاملة.