يكتسي الجزء الأول من هذا الحوار أهمية جد بالغة لأنه يؤرخ لفترة من أهم فترات الشبيبة الإسلامية، فترة التأسيس، كما يؤرخ لنشأة أحد قطاعات العمل فيها، وهو القطاع العمالي، هذا فضلا عن أنه ينقل صورة واضحة لنشاط جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي كانت تستغل كواجهة للعمل الدعوي، وتستثمر من جهة الشبيبة الإسلامية كمحيط للاستقطاب. الحوار يبين أن عبد الكريم مطيع كان يهتم بهذا العمل، ويضعه ضمن أهدافه ومخططه، لكنه لم يكن يتصور أن القطاع العمالي يمكن أن تتشكل نواته وتتأسس قطاعاته ويتهيكل بشكل كامل في الدارالبيضاء وفي سنة واحدة. ولما كان الشك قائما من جهة مطيع في قيادة غير مجربة مثل قيادة الأخ العربي العظم كان الاختيار التنظيمي الأنسب الذي لجأ إليه عبد الكريم مطيع هو ربط هذا الرجل الذي جاء برصيد جديد في الدعوة والحركة بالأساتذة والمعلمين. لكنه مطيعا سرعان ما سيفكر في طريقة أخرى تبعد العربي العظم عن فضاء المعلمين والأساتذة وتجعله أقرب إلى فضاء العمال، لكن دون الثقة فيه كقيادة، وإنما كان يتم ذلك دائما من خلال واسطة، وهي في حالة محاورنا : الحاج علال العمراني الذي كان يحضر جلسات العمال ويساهم في تأطيرها ويرفع التقارير إلى اللجنة القيادية للشبيبة الإسلامية التي كان يرأسها مطيع. ما يلاحظ على هذه التجربة أنها ابتعدت تماما عن التأطير السياسي والنقابي، وبقيت مرتبطة فقط بالتربية الروحية والفكرية وتكثيف الاستقطاب. وهو أمر يستغرب في محيط الشبيبة الإسلامية التي يعتبر مؤسسها من المتأثرين بالفكر اليساري الذي يعتبر طبقة العمال مركزية في أي فعل تغييري. ما الذي جعل عبد الكريم مطيع إذن لا يولي الأهمية اللازمة لهذا العمل الناشئ؟ وما الذي جعله ينأى عنه وهو الذي يقترب شخصيا من أي عمل له علاقة بالمواقع الحقيقية للتغيير؟ الظن الراجح أن عبد الكريم مطيع لم يكن مطمئنا تمام الاطمئنان لقيادة الأخ العربي العظم، وهو ما ستؤكده الوقائع التي سيرويها العظم في أجزاء الحوارالمتبقية، إذ لو كانت الثقة حاصلة، لكان مطيع هو المؤطر الفعلي لهذه الفئة، ولنزل إليها وحاول تأطيرها سياسيا. اليقين أنه رأى أن التكوين النفسي والتربوي لهؤلاء العمال لم يكن يسمح له بالتدخل لتغيير نموذح التأطير الذي اختاره العربي العظم ورفقاؤه، ولذلك فاختيار الأخ علال العمراني كمراقب لهذا العمل، وربط العمل بالمعلمين كان يخفي نظرة مطيع لهذا القطاع الذي لم يتأسس على عينه ومنهجيته.