شذرات من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة بالمغرب الامتداد الوطني والخروج للمسح الدعوي للمغرب في هذه الحلقة سنتوقف عند الجوانب المرتبطة بامتداد الحركة في المغرب والآليات التي اعتمدت عليها، خاصة بعد التأسيس والاستقرار الأولي للعمل بالدارالبيضاء، وذلك من خلال شهادات للحاج علال العمراني رحمه الله مع تعزيزها بشهادات أخرى لكل من الشيخ محمد زحل وذ عبد اللطيف عدنان رحمه الله، وتكشف الوقائع التي سنعرضها عن منهجية محكمة وحركية دائبة لتأسيس العمل ومسابقة الزمن. الدارالبيضاء... أم القرى بالمغرب لقد كان انطلاق عمل الحركة من مدينة الدارالبيضاء، والتي يذكر الشيخ زحل أنها كانت عند قيادة الحركة بمثابة أم القرى بالنسبة لباقي مدن المغرب، فأي شيء ينجح فيها يمتد لباقي المغرب، وهي ملاحظة تصدق حتى بالنسبة لباقي الحركات والهيئات الإسلامية التي ظهرت بالمغرب حيث كان الانتشار الكبير لها يتم بعد الارتكاز بالدارالبيضاء، وبالرغم من التركيز القوي لقيادة الحركة على العاصمة الاقتصادية، فقد حرصت على الامتداد نحو بقية المدن وتأسيس بذور العمل الإسلامي من جهة والتواصل مع الجمعيات والهيئات الإسلامية المحلية الموجودة بها، خاصة وأن المغرب عرف منذ بدايات الستينيات تأسيس جمعيات دعوية تحت إشراف العلماء في جل المدن، دون أن تنتظم في مشروع حركي للعمل الإسلامي، وهي الإضافة التي حملتها قيادة الحركة بالمقارنة مع التوجهات التي كانت سائدة آنذاك والتي وصفت في بعض أدبياتها بالتيار الإسلامي الإصلاحي ( وثيقة المغرب في دوامة الصراع- 1973)، وسنعالج في هذه الفقرة الشق المتعلق بالامتداد الوطني على أساس معالجة الشق الثاني في الحلقة المقبلة. وعملية الامتداد الوطني اعتمدت آليات عدة، كان الأستاذ الحاج علال العمراني أحد المساهمين بفعالية في عدد منها، وسنتوقف عند آليتين، الأولى تمثلت في القيام بجولة دعوية وطنية قامت بتغطية جل مدن ومناطق المغرب في يوليوز ,1975 والثانية في الارتكاز على العملين التلمذي والطلابي من أجل تأسيس عمل الحركة بمدينة محددة من خلال توجيه مجموعة من التلاميذ أو الطلبة للانتقال للدراسة بتلك المدينة، هذا بالإضافة إلى دور المعلمين سواء من خلال الرعاية التربوية للعمل الناشيء بالدارالبيضاء، والذي كان يتم من خلال مجلس موسع للمعلمين (محمد عصامي، محمد زحل، الرامي محمد، عدنان عبد اللطيف، علال العمراني، الزيدوني، الفرسيوي، النجمي، أخريف، الزيداني، الوزاني، الزيدوني الثاني، وغيرهم) سواء من خلال الإشراف التربوي المباشر أو من خلال فتح المنازل للطلبة من أجل تنظيم جلساتهم بأنفسهم دون إغفال الجلسات الخاصة بالمعلمين، وتوجيه المعلمين لتحمل مسؤولياتهم في التأطير، ومما يرويه الحاج علال العمراني بتأثر عن هذا الأمر صدور قرار بتغطية كافة دور الشباب في البيضاء بالمحاضرات في شهر رمضان 1393(الموسم الدراسي 1974/1973) حيث وجه في البداية إلى القيام بحجز القاعات الخاصة بالمحاضرات وبرمجة مواعيدها بشكل متناسق وبعد القيام بذلك أخبره عبد الكريم مطيع بمن سيقوم بالمحاضرات هو الحاج علال العمراني وليس غيره ودفعه للقيام بإعداد نصوص المحاضرات بالاستناد على المراجع الإسلامية المتوفرة آنذاك. كما كانت هناك واجهة أخرى اشتغل عليها مطيع وهي العناصر المتدينة والتي كانت معه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتجديد الاتصال بها خاصة وأن بعضها كان قد انخرط ذاتيا في الدعوة والإرشاد مثل حالة إبراهيم كمال الذي كان يلقي الدروس في جامع ابن حجر بدرب غلف بعد أن كان في سنوات مضت مسؤولا عن الحزب في درب غلف، بل إن ذ.عبد الكريم مطيع بقي يحرص على الاتصال بأصدقائه ورفاقه القدامى في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من أجل ربطهم بالحركة الإسلامية وإقناعهم بمشروعها، ومن ذلك توظيفه للرسالة الصوتية التي بعث بها الفقيه البصري إلى المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يناير 1975) لكن لم تقع تلاوتها على خلاف رسالة عبد الرحمن اليوسفي التي تليت واستثارتهم بذلك، وقد نشرت رسالة الفقيه البصري بلبنان، ومما يذكر أن بعضا من قيادة الاتحاد الاشتراكي حرص من جهته على ربط عبد الكريم مطيع بمشروع حزب الاتحاد الاشتراكي بعد التطورات التي عرفها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد محاكمة مراكش 1971 والأزمة مع الاتحاد المغربي للشغل، ومن ذلك اتصال عبدالرحيم بوعبيد بعبد الكريم مطيع من أجل سؤاله عن موقفه واختياره بعد قرارات يوليوز 1972 وذلك لسابقته في النقابة الوطنية للتلاميذ ودوره كقيادة ميدانية بالدارالبيضاء خاصة بعد اختطاف المهدي بنبركة، هذا مع العلم أن عددا من أطر الاتحاد بدأت تستشعر تبلور توجه مغاير عند مطيع منذ مجيئه من مناسك الحج في سنة 1389ه-1969م واعتكافه على قراءة في ظلال القرآن لسيد قطب في منزله بالبيضاء حتى تخوفوا عليه من غيابه، ثم ترسم ذلك بوضوح بعد التصريح الذي صدر عن مصطفى القرشاوي بعد حضوره لجنازة الأخ سعيد في ربيع 1971 (كان يعد من مؤسسي العمل مع مطيع وكان يقال سعيد أول شهيد) حيث ألقى في الجنازة الشيخ زحل موعظة تطرق فيها لحديث السفينة والآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكانت هناك كلمات أخرى سارت في المسار نفسه فقام مصطفى القرشاوي وقال هذه مؤامرة وانسحب، ومما ذكر عبد اللطيف عدنان رحمه الله أثناء سرده لبعض من جوانب هذا اللقاء اعتباره له بداية الإعلان الفعلي عن تشكل الحركة. الخروج للمسح الدعوي للمغرب مع نهاية الموسم الدراسي ل 1975/1974 قررت قيادة الحركة إرسال وفود دعوية في عملية استطلاع يمكن تسميتها بالمسح الوطني لواقع الدعوة والعمل الإسلامي بالمغرب، وهي عملية شبه مجهولة لدى الجيل الحالي من الحركة الإسلامية، وكانت تنبئ عن طريقة ومنهجية حركية في الاشتغال، ترتكز على معرفة الواقع والحرص على استثمار ما فيه من عناصر من أجل المشروع العام، وعدم الارتهان للمعطيات التي تطرح أو تثار في اللقاءات الوطنية أو المؤتمرات الدعوية، مثل مؤتمر 1975 والذي حضرته حوالي 11 جمعية إسلامية بالمغرب آنذاك فضلا عن قيادة الحركة (من الجمعيات التي حضرته هناك جمعية البعث الإسلامي، جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جمعية الدراسات الإسلامية، جمعية قدماء القرويين، جمعية الدعوة الإسلامية، جمعية الثقافة الإسلامية، جمعية خريجي دار الحديث الحسنية، رابطة علماء المغرب، جمعية العروة الوثقى، عباد الرحمن...)، كما لا يقصد بعملية الامتداد تلك الرحلات التربوية والتأطيرية للشباب من الدارالبيضاء والتي بلغ بعضها مدينة طانطان في حافلة علقت عليها لافتة جمعية الشبيبة الإسلامية وفق ما يذكر الحاج علال العمراني. كانت عملية المسح بهدف الإعداد لمؤتمر وطني دعوي ينظم في الدخول الدراسي الموالي، مع التركيز على العنصر الشبابي ووضعية التدين في المجتمع وأحوال المساجد والاستعدادات الدعوية الموجودة في المدن، والسؤال عن الدعاة والعلماء وآثرهم، وانطلقت بتوجيه أربع وفود إلى الجنوب والشمال والشرق والوسط، وتقرر أن يمضي كل وفد عشرة أيام في جولته وإذا ما أنهاها فعليه أن لا يعود إلى الدارالبيضاء بل يبقى خارجها حتى تنتهي المدة، نذكر من هذه الوفود وفد الجنوب وضم كل من ذ.عمر عصامي وعبد الله أخريف رحمهما الله والشيخ محمد زحل وذ محمد الفرسيوي، وكان ضمن وفد الشمال القاضي برهون والأخ أموس، أما وفد الشرق فقد ضم كل من الإخوة علال العمراني وعبد اللطيف عدنان رحمهما الله والأخ أحمد الديني، وقد قام هذا الوفد بهذه الجولة في إطار جمعية خريجي مدارس المعلمين، وقد غطت جولة هذا الوفد بالأساس كل من فاس و وجدة وتازة والحسيمة، ومما يذكره الحاج علال العمراني عدة معالم، منها لقاؤهم بالأستاذ مصطفى بنحمزة والذي تصادف مع محاضرة له بالبلدية، وقد نصحهم ذ. بنحمزة بالاعتدال في العمل. ووقوفهم على النشاط الحيوي لجماعة التبليغ في صفوف الشباب. أما جولة وفد الجنوب فقد ذكر الشيخ زحل أنها غطت مدن أسفي والصويرة وأكادير وتارودانت وتزنيت ومراكش (رغم أنه لم يكن فيها أي لقاء) وصولا إلى هسكورة قرب وارزازات. وفي هذه الجولة تم اللقاء مع عدة فعاليات ودعاة وفقهاء كمحمد عصامي مدير المعهد الإسلامي بتارودانت آنذاك وعضو جمعية علماء سوس، وامبارك المتقي الذي أصبح مديرا للمعهد فيما بعد، والفقيه أحمد الباز رحمه الله بتزنيت، كما تمت زيارة الشيخ الحسن العبادي واللقاء مع ذ. محمد العثماني عم د.سعد الدين العثماني، فضلا عن عدد من الأساتذة والمدرسين بمختلف المدن، وقد تمت صياغة تقرير مفصل عن كل بلد وإرهاصات الدعوة فيه، والموقف المتوقع من الناس في حالة تأسيس عمل بها وموقف الفعاليات الموجودة، ومن الخلاصات أن الزوايا أخذت تضعف تدريجيا لكن ليس بفعل النشاط الدعوي للحركة الإسلامية، بل إن الأرض كانت جرداء. المؤلم هو ما جرى فيما بعد، حيث يذكر ذ.الحاج علال العمراني بمرارة، أن حدث الاغتيال الذي تعرض له عمر بنجلون في دجنبر 1975 جاء لينسف كل شيء. الامتداد نحو المدن الأخرى وتمثل النموذج الثاني في منهجية الامتداد الوطني القيام بتأسيس عمل مرتبط بالحركة من خلال التعرف على داعية يشتغل لوحده في مجال الوعظ والدعوة سواء في المساجد أو المؤسسات التعليمية بحيث يقع الاتصال بكل من يبرز ويتم العمل على ربطه، أو القيام بتوجيه عدد من تلاميذ الحركة من أجل الانتقال الدراسي للمدينة المراد تأسيس العمل بها، أو من خلال الاتصال بالشباب ذوي الاستعدادات الدعوية على هامش الأنشطة الوعظية والعلمية للعلماء، وهي عمليات كانت تتلو عملية التعرف الميداني من لدن قيادة الحركة على واقع العمل فيها وفق العناصر المثارة آنفا. النماذج المتوفرة كثيرة، ويصعب أن تجد أحد أبناء الحركة في تلك الفترة لا يحدثك عن تجربة مر بها في تأسيس عمل بهذه المدينة أو تلك القرية أو في ذلك الحي، بل إن هذا الأمر كان من الهموم المركزية للحركة بهدف تأسيس تيار إسلامي شعبي مرتبط بالحركة الإسلامية، ومن الأمثلة التي ارتبطت بالأستاذ.الحاج علال العمراني ذهابه رفقة عبد الكريم مطيع مع مجموعة من التلاميذ في أكتوبر 1975 والذي صادف شهر رمضان من أجل تأسيس عمل بفاس عبر تيسير عملية الانتقال الدراسي لهؤلاء التلاميذ وتسجيلهم بداخلية إحدى الثانويات، وهي رحلة جاءت بعد فشل محاولة سابقة مما اضطر إلى أن تشرف قيادة الحركة بنفسها على الأمر، ومما جرى في الرحلة القيام بزيارة للمسجد الذي يخطب فيه ذ.عبد السلام الهراس حتى لا يقع الاصطدام به أثناء العمل، لكن رغم ذلك حصل التعارف فيما بعد، في حالة مكناس اختلف الأمر حيث كانت الأرضية خصبة بفعل النشاط الدعوي للشيخ تقي الدين الهلالي وخاصة الشباب الذي ينشط بمسجد أجانا بحمرية ويحضر للقاءاته، حيث تم التعرف على بعض الشباب عن طريق الأخ حمادي والذي ربط الاتصال بعبد العزيز بومارت ثم أشرف نورد الدين ذكير على متابعة العمل باتصال مع عبد العزيز بومارت وبقية الشباب، ويذكر الحاج علال العمراني أن قيادة الحركة قامت بتوجيه كل الإخوة زحل وعدنان والعمراني والزيدوني للقيام بزيارة خاصة للشيخ تقي الدين الهلالي في رمضان 1398 / 1978 من أجل شكره على مساندته للشبيبة. مصطفى الخلفي