يحكي مصطفى الرميد تجربة طلابية فريدة داخل كلية الحقوق والحي الجامعي بالدارالبيضاء، ويذكر بالتفصيل السياق الذي تم فيه تنظيم أول مهرجان طلابي إسلامي وموقف اليسار منه، والمساندة التي لقيها من بعض المكونات الإسلامية وخاصة من الأستاذ عبد السلام ياسين وعبد السلام بلاجي والجمعية الإسلامية بالقصر الكبير وجمعية جماعة الدعوة الإسلامية بفاس، ويسجل بدقة تفاصيل موقف الشبيبة الإسلامية من هذا النشاط الطلابي، وكيف استعدته في البداية وكيف اتخذت خطوة خطيرة للإيقاع بجماعة الطلبة المصلون لدى السلطة من خلال توزيع منشورات تستهدف النظام ورموزه. وكيف كان مسار عملك الدعوي بعد ترك تنظيم الشبيبة الإسلامية؟ بدأت أنشط داخل الجامعة، وسعيت في تمكين الطلبة المصلين من قاعة للصلاة، وبدأت أؤمهم في صلاة الجمعة والصلوات الخمس بالحي الجامعي، وكنا وقتها قلة نعد على رؤوس الأصابع في حين كان التيار الماركسي اللينيني والتيار الاشتراكي قويا ومهيمنا على الساحة الجامعية، بحكم أن الحي الجامعي بالدارالبيضاء كان يستقطب وقتها طلبة كلية الحقوق وطلبة كلية الطب، وكان معظمهم من جنوب المغرب ووسطه، وهي مناطق لم تكن الحركة الإسلامية قد وصلتها بعد بخلاف الحركات الإيديولوجية الأخرى، فقد كان لها نشاط كبير بها. وكيف استطعت في خضم هيمنة اليسار أن تحصل على قاعة للصلاة في الحي الجامعي؟ إن أنسى فلن أنسى تلك الليلة التي انقطع فيها التيار الكهربائي عن طلبة الحي الجامعي، إذ خرجت مع المحتجين، فلما جاء مدير الحي الجامعي بدأ الطلبة يستعرضون عليه مطالبهم، وفي هذه اللحظة، تدخلت وطالبته بقاعة للصلاة ضمن مطالب أخرى، فكانت سخرية أغلبية الطلبة الحاضرين بي كبيرة، بل إنهم ارتكبوا في حقي استفزازات أستحي من ذكرها، وهو ما أقنعني مرة أخرى بأن هؤلاء القوم (يقصد اليسار الراديكالي) لا سبيل إلى أن تكون لحركتي أي موقع قدم في محيطهم إلا إذا تسلحت برجال أقوياء أشداء قادرين على رفع التحدي ومواجهة مثل هذا الاستفزاز، والتصدي لمن يسخر من الدين ويضايق المتدينين، وهو ما حصل بالفعل. وقد استطعت بحمد الله تعالى أن أدخل مع طلبة اليسار في نقاشات كانت تمتد بالليل والنهار، واستطعت أن أستقطب العديد من الشباب الذين كانوا محتارين كما كنت من قبل وكانوا يطرحون نفس الأسئلة التي سبق وأن طرحتها على نفسي في مرحلة متقدمة. ولم تمض سنتان (أي عند سنة 1980) في عمري الجامعي، حتى كان إلى جانبي إخوة من أمثال عبد المالك زعزاع وعبد الرزاق العروشي ورشيد عبد اللطيف ومجموعة أخرى. وهل كان لكم تنظيم خاص بكم؟ لم نسع إلى تكوين تنظيم، لكنا كنا جماعة، وكنا نطلق على أنفسنا الطلبة المصلون. وكيف تعامل إخوة الشبيبة الإسلامية مع قرارك بترك التنظيم واختيار العمل الإسلامي بهذه الصيغة المستقلة؟ لم يرق الشبيبة الإسلامية انفصالي عنها، فكان أن دخلت على الخط عبر مجموعة من الإخوة في البيضاء وعلى رأسهم الأخ سعد الدين العثماني، وكان يحضر من خارج الحي الجامعي لتأطير الطلبة القاطنين بالحي لفائدة الشبيبة الإسلامية، وكنت أشتكي له من صنيع بعض الإخوة من الشبيبة الإسلامية والذين كانوا لا يستنكفون عن الإساءة إلى العمل الذي كنا نقوم به، لكنه كان دائما يرفض فتح الحوار معي إلا في قضية واحدة كان يركز عليها وهي موضوع البيعة وانتمائي للجماعة. وكيف كان موقفك مما يطرحه بخصوص هاتين النقطتين؟ كنت أؤكد له أن هذا الموضوع قد انتهى بالنسبة إلي، وأني قد حسمت أمري فيه ولا سبيل إلى إعادة طرحه من جديد. وكيف كانت تنظر الشبيبة الإسلامية إلى نشاطكم الدعوي داخل الحي الجامعي؟ في سنة 1980 نظمنا أول مهرجان إسلامي بالجامعة المغربية، وكنت قد التجأت إلى الإخوة في الشبيبة الإسلامية أطلب عونهم ومساندتهم لإنجاح هذا المهرجان، وكنت طلبت ذلك أيضا من الأستاذ عبد السلام ياسين وكان أصدر مجلة الجماعة لكنه لم يؤسس بعد جماعة العدل والإحسان، كما التمست مساندة الإخوة في الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير وجماعة التبين بالرباط، وجمعية جماعة الدعوة بفاس إضافة إلى الأخ عبد السلام بلاجي باعتباره كان يمثل مجموعة من الإخوة انتدبت نفسها لتوحيد الصف الإسلامي. وكيف كان تجاوب هذه المكونات مع المبادرة التي أعلنت عنها؟ رفضت الشبيبة الإسلامية المشاركة في المهرجان بحكم خروجي عنها، أما الأستاذ عبد السلام ياسين فقد اعتذر عن الحضور بصفة شخصية، لكنه انتدب كل من الأخوين محمد البشيري وأحمد الملاخ، وقد شاركا في هذا المهرجان بإلقاء محاضرات، وحضر عن الجمعية الإسلامية الأخ محمد الدكالي كما حضر عبد السلام بلاجي وألقى محاضرة بالمناسبة. وكان الذي ينسق بيني وبين الإخوة في جمعية جماعة الدعوة بفاس هو الأخ عبد الله الشيباني قبل أن يتزوج الأخت نادية بيت الشيخ عبد السلام ياسين ويلتحق بجماعة العدل والإحسان، وقد شاركت الأخ فاطمة القبلي (أم نوفل) في هذا المهرجان بمحاضرة، وحضرت معها عشرات الأخوات، هذا في الوقت الذي لم تكن في كلية الحقوق بالبيضاء أية أخت ملتزمة بالزي الإسلامي مما خلق جوا جديدا فتح آفاقا جديدة وشجع بعض الطالبات على الالتزام بالحجاب وما هي الأنشطة التي ركزتم عليها في هذا المهرجان؟ إلى جانب الأنشطة الثقافية والمحاضرات، فقد كان قصدنا هو الترويج للكتاب الإسلامي على أوسع نطاق داخل الأوساط الطلابية، وقد تعاقدنا لهذا الغرض مع بعض المكتبات التي أمدتنا بالكتب المطلوبة دون أن تأخذ منا حسابا مسبقا، وقد كان الإقبال على هذه الكتب عظيما، كما تعاقدنا مع أحد الإخوة ويسمى (محطن) وكان خياطا، على أساس أن يعد لنا مجموعة من أغطية الرأس والألبسة الخاصة بالزي الإسلامي، وكان قصدنا هو دفع الطالبات إلى اكتشاف هذا الزي بجميع مكوناته. وكيف كان موقف الطلبة اليساريين من تنظيم هذا المهرجان؟ ووجه هذا النشاط برفض قاطع ممن كانوا يعتبرون أنفسهم ممثلين شرعيين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، إذ ما إن سمعوا بخبر تنظيم هذا المهرجان حتى عقدوا اجتماعا على الفور ، إلا أن حضورنا المكثف مساندين بطلبة غير ملتزمين لكنهم كانوا ضد الحدي الإلحادي جعلنا نحوا دون ظهور تيار الرفض لمظهر ممثل الأغلبية الطلابية وقرروا فيه منع النشاط بدعوى أنه ليس له مشروعية. وهل استسلمتم لهذه القوى اليسارية التي كانت تعتبر نفسها ممثلة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب؟ لقد هددنا كل منع هذا النشاط بالمواجهة الشاملة، وقد استعنت في ذلك بإخوة من الدارالبيضاء كانوا بدورهم تركوا الشبيبة الإسلامية، فلن يبخلوا علي بالعون والمساندة، وكان منهم الأخ الشرقاوي رحمه الله الذي توفي في فرسنا منذ سنوات في حادثة سير غامضة. وقد كان رحمه الله شعلة من النشاط والحيوية. ولم يستطع الطلبة اليساريون أن يقدموا أو يؤخروا في الموضوع، خاصة وأنني كنت أؤم الطلبة في صلاة الجمعة بالحي الجامعي، وكانت خطبي النارية تسمع عبر مكبر الصوت ويصل صداها خارج الحي الجامعي، وكان المئات من المصلين من داخل الحي الجامعي وخارجه يصلون خلفي، وكانوا بعددهم ومنظرهم المهيب يخلقون الرعب في نفوس الطلبة اليساريين، ولذلك لم يقتربوا من المهرجان ولم يقوموا بأي استفزاز من شأنه أن يؤثر على مسار هذه الأيام الثقافية. وماذا عن موقف الشبيبة الإسلامية؟ هل اكتفى الإخوة بمجرد رفض المشاركة؟ أم كان لهم موقف آخر؟ في الوقت الذي كنا نحذر هجوم الشيوعيين والماركسيين إذا بنا نفاجأ بطعنة قاسية من بعض إخواننا الذين تجرأوا ليلا على تعليق ملصقات بكلية الحقوق تتهمني والأخ عبد الرحيم أقوام بالعمالة للإدارة، ولم يكتف عبد الكريم مطيع بذلك، بل إنه كتب مقالا مطولا بمجلة المجتمع الكويتية مهد له بالحديث عن الأوضاع السياسية في المغرب وموقع الشبيبة الإسلامية ضمن هذه الأحداث، وخصني بفقرة طويلة لا زلت أحفظها بالحرق جاء فيها: أفلا تيأس الدوائر المسؤولة من أسلوب شراء الذمم، خاصة بعد إفلاس المهرجان الاصطناعي التافه الذي شارك فيه اتحاد الطلبة وبعض المنافقين والمتياسرين والمتأسلمين، والذين أرادوا أن يضفوا الصفة الإسلامية ببيع العطر والدشادش المشرقية (في إشارة منه إلى الزي الإسلامي). وكيف تعاملت مع هذا البيان؟ ألم يصدر منك رد فعل اتجاهه؟ العجيب أنه بعد صدور هذا البيان، حضر إلي عبد الحميد أبو النعيم، وكان حديث عهد بترك الشبيبة الإسلامية، وطلب مني ألا أرد على عبد الكريم مطيع لأنه كان يصور للمشارقة أن حركته هي التي تقوم بكل المبادرات الإسلامية في المغرب، وأخبرني أن عبد الكريم مطيع جد متضايق من المهرجان الذي نظمناه لأنه يظهر للجهات الخارجية التي يتعامل معها أن هناك مبادرات عديدة ليست محسوبة على الشبيبة الإسلامية، وهو ما سيكشف زيف ادعاءاته، وأكد لي عبد الحميد أبو النعيم أنني إذا رددت على عبد الكريم مطيع فإنه لن يتورع عن الانتقام مني. وفي الوقت الذي تعامل فيه مطيع بهذه الطريقة الفجة، نشر الأستاذ عبد السلام ياسين مقالة مطولة في مجلة الجماعة، تضمنت كثيرا من الإطراء والثناء على هذا المهرجان. وقد كان حقا فاتحة خير على التيار الإسلامي داخل الجامعة، لكن بعده مباشرة حاول الإخوة في فاس والرباط أن ينظموا مهرجانات مماثلة، غير أن الطلبة اليساريين كانوا يقومون بالاعتداء عليهم ويمنعونهم من ذلك لكونهم كانوا يعتبرون الجامعات المغربية هي قلاعهم المحصنة التي لا يجوز لأحد أن يشوش على وجودهم فيها. وهل أعدتم مرة أخرى تنظيم أيام ثقافية بكلية الحقوق بالبيضاء؟ في السنة الموالية، أي في 1981, نظمنا المهرجان الإسلامي الثاني، والذي كان أكثر إشعاعا وإثارة للاهتمام من المهرجان الأول. وقد حصلت في هذه المرحلة مواجهات بيننا وبين الطلبة اليساريين، إذ بعد التزام أختين بالزي الإسلامي في الحي الجامعي، بدأتا تتعرضان لاستفزازات ومضايقات من طرف الطلبة اليساريين، حتى اضطررنا أن نوفر لهما طلبة حراسا يمنعون الإساءات والمضايقات أن تلحق بهن، وحدث أن زارت الأخت نادية ياسين الحي الجامعي لتلتقي بأحد هاتين الأختين، وكانت صديقتها، فإذا بأحد الماركسيين يستفزها بألفاظ نابية وقبيحة، وما إن وصلني الخبر حتى دعوت الإخوة للاجتماع في غرفة 09, وكانت مقرا للاجتماع الإخوة لا تفتر فيه الاجتماعات ليل نهار، وقد قام أحد الإخوة عقب الاجتماع الذي تنادينا له إلى تأديب الطالب اليساري الذي استفز الأخت بما يستحق، وجدير بالذكر أن هذا اليساري تخرج لاحقا واشتغل قاضيا، وضبط متلبسا في حالة ارتشاء، وفصل من مهامه. وقد حاول الماركسيون الانتقام له، فنشبت بيننا وبينهم مواجهات خفيفة، وكنا وإياهم نقدر بأنه ليس من المصلحة أن تتطور هذه المتناوشات إلى مواجهة شاملة. وكيف تعامل اليسار هذه المرة مع قرار تنظيم المهرجان الإسلامي الثاني؟ في هذه السنة ، 1891, وقع تغير في تركيبة مجلس القاطنين، إذ خلف القاعديون فصيل الاتحاد الاشتراكي، وحاولوا بدورهم أن يمنعونا من حقنا في تنظيم المهرجان لكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا. وهل أعادت الشبيبة الإسلامية إنتاج نفس الموقف السابق من هذا المهرجان؟ هذه المرة، كان الأسلوب أكثر خطورة، إذ فوجئنا بعد صلاة الصبح بشعارات ملأت جدران كلية الحقوق، وكانت كلها استهداف للدولة ورموزها، وكان على رأس هذه الشعارات الآية قرآنية: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون في إشارة منهم إلى الملك والنظام الملكي. كانت الشبيبة الإسلامية تريد توريطك بحكم أنكم المجموعة التي تتبنى المفردات الإسلامية؟ نعم كان ذلك مقصودا، ورفعا لأي التباس قمنا بأخذ الورق الذي كنا نلف به الكتب وأحضرنا اللصاق وطفقنا نغطي تلك الشعارات المكتوبة في الجدران تبرئة لذمتنا، وذهبت إلى مدير الحي الجامعي ألتمس منه أن يمدنا بالصباغة حتى نزيل أثر هذه الشعارات من الجدران، وقد استجاب لطلبي وقدم لنا يد المساعدة، واستطعنا قبل الساعة الثامنة صباحا أن نبطل مفعول هذا الكيد الذي كان يقصد الإيقاع بنا لدى السلطة، وإفشال المهرجان الإسلامي الثاني. وكيف كانت السلطة تنظر إلى حركيتكم في هذه المرحلة؟ بالنسبة لمدير الحي الجامعي وهو السيد أحمد القانت، فقد كان رجلا فاضلا ومتعاطفا مع نشاطنا الإسلامي، وكان حلمه وحكمته قد وسعت جميع الطلاب، ولم يكن يبخل علينا بالدفاع عن كل أنشطتنا غير أني في سنة 1981 تلقيت استدعاء من شرطة المعاريف، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أستدعى فيها من قسم للشرطة. وقد أبلغت من أحد العمداء بقرار والي الدارالبيضاء (الفزازي) منعي من إمامة المصلين، ومنعي أيضا من دخول المسجد بالحي الجامعي. وماذا كان تبرير القرار؟ كان تبريرهم أني أمارس نشاطا دينيا متطرفا. وهل التزمت بالقرار؟ نعم التزمت به، لكن بشكل جزئي، إذ تركت الإمامة في المسجد، والتزمت بقرار عدم الدخول إلى المسجد، لكني لم أقطع نشاطي الدعوي داخل الجامعة والحي الجامعي، إذ كنت أمارسه في الغرف. وكيف وقع تدبير أمر المسجد بعد تركك للإمامة فيه؟ تم الاتفاق بيننا أن يخلفني الأخ عبد الرزاق العروشي في إمامة المصلين على أساس أن يبقى نشاطي الدعوي مستمرا بغرف الحي الجامعي.