يعيش العزوزي الحسين الفلاح البسيط الذي تحول إلى كمشة منسية تتجرع الآلام، وسط ركام من الأثاث القديم في بيته القصبي، فلم يكن ليتوقع أن البيت الوحيد الذي بناه عبر سنين حياته ليأويه وأسرته من برودة الشتاء وحرارة الصيف سيضيع في غفلة منه، ليبدأ من الصفر أخرى، لكن هذه المرة مع كومة من الأبناء العاطلين عن العمل.. يعيش العزوزي وعائلته الآن في بيت من قصب بمنطقة تماسينت، بعد أن ضاعت كل آماله في ملاذ أفضل منه ليستقر فيه، فـالدريهمات التي حددتها الحكومة لإعادة بناء ما هدمه الزالزال والمتمثلة في 30 ألف درهم، (وزعت على ثلاث دفعات كما يلي: مبلغ 10 آلاف درهم نقدا وما قيمته 14 ألف درهم من المساعدات العينية، وفي المرحلة الثانية بعد التأكد من سير الأشغال تضيف مبلغ 6 آلاف درهم نقدا) يقول عنها العزوزي، وبابتسامة مريرة يردد العزوزي أنها لم تكفيه لإتمام بيت بسقف وبيوت محددة تفصله عن أبناءه، وطيلة سنة ونصف السنة ظل الحلم عبارة عن جدران فارغة من الداخل تستغلها زوجته في نشر الغسيل بعيدا عن التراب. كان هذا نموذج عن عشرات الحالات من ضحايا زلزال الحسيمة، فكيف استمرت المعاناة؟ سوء الحظ بما أن الحظ لم يحالف أحد أبناء الحسين للهجرة إلى الغرب، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الأسر الأخرى التي استطاعت أن تشيد بيوتا وفقا لمعايير البناء المضاد للزلزال بعيدا عن المساعدات الحكومية، سيظل مصيره وأبناؤه الأربعة في بنايتهم القصبية. واستبشر العزوزي خيرا من زيارة التجديد لبيته، لقد ألح علينا في تصوير كل أركانه عسى أن تكون هذه السطور رسالة حقيقية للمسؤولين لإعادة النظر في مصير الضعفاء الذي لا حول لهم ولا قوة، وبدون مساعدة حكومية حقيقية لن يستطيعوا إتمام ما بدؤوه من البناء. هكذا تعيش المئات من الأسر بالحسيمة التي أعلنت كمنطقة منكوبة منذ مايناهز الأربع سنوات على إيقاع جملة من الإكراهات التي تلت الزلزال الذي ضرب المنطقة سنة 4002, مخلفا ما يزيد عن 268 قتيلا فيما جرح نحو 926 آخرين إضافة إلى تشريد أكثر من 15 ألف شخص، حيث استهلك البعض المبلغ المالي الذي قدمته الدولة كمساعدة له في إعادة البناء لسد جوعه، في حين رفض البعض الآخر المساعدة على اعتبار أنها غير كافية، وبين هؤلاء وأولئك تضل المنهجية التي اتخذتها الحكومة لإعادة الإعمار بمنطقة الحسيمة مجال تساؤل الرأي العام المحلي، والجمعيات الحقوقية بالحسيمة على الخصوص. الجشع يمدد المأساة وفي إطار المساعدة التلقائية التي قدمها السكان لبعضهم البعض بعد الأحداث المأساوية للمدينة، لم يستطع أقلوش عبد الحميد أمين جمعية المقاولين بالحسيمة أن يبقى مكتوف اليد، وبالرغم من المبلغ الزهيد الذي منح للمقاولين لبناء البيوت المهدمة، والذي لم يتعدى 7 ألاف درهم للبيت الواحد (لليد العاملة فقط)، إلا أن العديد منهم قدم تضحيات واضحة في سبيل إعادة إعمار المنطقة، ومن بين 068 بيتا استطاعوا إتمام بناء 005 بيت فقط خلال سنة وستة أشهر، في حين لا تزال البيوت الأخرى عبارة عن أسوار فارغة .وبحرقة المواطن الشريف كان عبد الحميد يصف لنا الشجع الذي أصاب بعض المسؤولين، وذلك من خلال تقديمهم لمواد بنائية غير كافية و مغشوشة، مما دفع أحد المقاولين للانسحاب بعد أن تعهد ببناء 03 بيتا بمنطقة ازفزافن . وفي غفلة من المقاولين البسطاء، يقول عبد الحميد، اغتنى بعض المهندسين، والجمعويين الذين منحتهم الحكومة مسؤولية توزيع المساعدات بالعدل بين المنكوبين، إلا أن المآسي التي خلفتها الزلزال لم يستطع أن تحيدهم عن الغش والسرقة. مما جعل ساكنة منطقة تزاغين، تقبل وبدون تردد المساعدات الأمريكية لإعادة إسكانها، ومرت العملية في هذه المنطقة بشكل منتظم بفضل الدعم الأجنبي المباشر. الأمل في الإعلام الصادق إن أجمل ما في ريف الحسيمة طبيعتها وجبالها، لكن لفترة من الزمن فقط، فلا يستطيع المار منها الصمود أمام مظاهر الخراب التي تظهر عليها، وكأن الزلزال حديث العهد، ناهيك عن بعض ساكنتها التي تبدي استعدادها للحديث إلى التجديد وفي عيونهم شكر للجريدة الوحيدة التي فكرت أن تخرج لعين المكان وترصد الوضعية الحقيقية بدون تزييف بعد مرور أربع سنوات، الشيئ الذي عبر عنه بشكل مباشر منسق لجنة تقصي الحقائق لزلزال 42 فبراير 4002 فيصل أوسار ، الذي صرح لـالتجديد أن الجولة التي قامت بها الجريدة في جل المناطق المنكوبة إيجابي، سيما وإن رصدت بأمانة الأوضاع المزرية التي يعيشها البعض ممن هدمت بيوتهم تحت خيام لا تكاد تحميهم برودة الصقيع، وأمطار الشتاء، فماذا لو حدتث مأساة أخرى والمنطقة زلزالية، واعتبر أوسار أن إبراز الحقيقة كما هي هو دعم للجنة تقصي الحقائق وصوت آخر لتوضيح ما آلت إليه الأوضاع بعد مرور سنين ليست بالقليلة . شعور عام بالغبن سيسجل التاريخ ما يحدث من اختلالات في مسألة إعادة إعمار منكوبي الزلزال بمداد من الغبن هذا ما عبر عنه الأهالي لـالتجديد، فقد ظل الشعور بالغبن والظلم، يسيطر على معظم سكان المناطق المنكوبة، خاصة سكان تماسينت وآيت قمرة الذين التقتهم التجديد، سيما الذين أبوا أن يأخذوا المساعدات المالية والعينية التي قدمتها الحكومة لهم كغيرهم من المتضررين من الزلزال على اعتبار أن المبلغ الممنوح (61 ألف درهم نقدا،و41 ألف درهم عينا) غير كاف لإعادة بناء منزل بالإضافة إلى تحفظ هؤلاء على الطريقة التي تمت بها إحصاء البيوت المهدمة، فالكثير من الأسر لم تدمج في لائحة المستفيدين . ففي منطقة آيت قمرة من بين 2811 منزلا مهدما، أقصت لجنة الخبرة 93 حالة، الشيء الذي استنكرته اللجنة المحلية لمتابعة آثار الزلزال بالجماعة ذاتها، و التي رفضت في بيان لها نتائج ما أسمتها بـالخبرة المغشوشة واللاعلمية التي شابتها خروقات في تحديد حجم الأضرار التي لحقت بالبنايات، ولإقصاء لأغلب المنازل رغم ما رصد من أموال لهذه العملية. وبصفة عامة وحسب تقرير أولي حول تبعات زلزال 42 فبراير 4002 أعدته ست جمعيات حقوقية، فقد تم تعويض بعض أصحاب المنازل المهجورة منذ سنين عديدة تصل في بعض الأحيان إلى عشرين سنة، كما تم تعويض منزلين لشخص واحد، وحتى ثلاث في حالة معينة . وفيما يندد فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة بالخروقات التي طالت إحصاء عملية وتصنيف المنازل المتضررة ويحمل المسؤولية في ذلك للمختبر العمومي للدراسات والتجارب جذ وأعوان ورجال السلطة وبعض المنتخبين، استنكرت اللجنة المحلية لمتابعة آثار الزلزال بإمزورن عن الأرقام الغير الدقيقة للمنازل المنهارة حيث ذكر التصريح الحكومي 33 منزلا مبنيا بالإسمنت في حين بلغ عددها في إيمزورن وحدها 53 منزلا فضلا عن تلك المبنية بالطوب إضافة إلى منزلين في بني بوعياش، هذا مع التغاضي عن المنازل التي كانت في طور القابلة عن الإصلاح والتي أقصتها لجنة الخبرة. مسيرة الغضب تخللت السنوات الأربع التي مضت على نكبة الحسيمة احتجاجات عارمة، وتذمر حاد من جراء الوضعية التي يعيشها معظم السكان سيما الفقراء منهم، دخل إثرها العديد من المحتجين والنشطاء الجمعويون والحقوقيون للسجن، وأجبرت السلطات المعنية بعض الرافضين على تسلم المساعدات بالقوة . ففي يوم 41 أبريل 5002 تم تنظيم مسيرة من جماعة امرابطن إلى الدائرة الإدارية لبني ورياغل غطت النهار كله، وقطعت مسافة 82 كلومترا، وفي 91 ماي 5002 انطلقت مسيرة على الأقدام من جماعة امبراطن إلى مقر الولاية بالحسيمة، إلا أن القوات العمومية أوقفتهم على بعد مسافة 5 كلمترات فقط قرب سيدي يوسف، ولتفادي المواجهات تحولت المسيرة إلى اعتصام مفتوح، إلا أن القوات العمومية منعت إمداد المعتصمين بالمواد الغذائية مما تسبب في مواجهات عنيفة ترتب عليها اعتقال العديد من الرجال والنساء وبعض أعضاء جمعية تماسينت لمتابعة آثار الزلزال. الحاجة تلتهم حلم السكن ولايزال لحد الآن بعض سكان هذه المنطقة لم يتسلموا المساعدات الحكومية، وحسب تصريح لرئيس جمعية تماسينت لمتابعة آثار الزلزال لـالتجديد، فعملية إعادة إسكان منكوبي زلزال 4002 تشوبها مجموعة من المشاكل بداية من عدم وجود الحديد المناسب إلى جرافة الحفر التي عملت ليوم واحد فقط، فالتمويل ضعيف، يقول معتصم، ولا تزال العديد من الأسر تقطن مساكن غير صالحة ومشققة من جراء الزلزال، ولا يزال المستفيدون من المساعدة يسكنون في الخيام، في هذا البرد القارس، ولاتزال الحالة النفسية لمعظم الساكنة مزرية مخافة هزة أرضية جديدة قد تودي بما تبقى منهم. وأضاف معتصم، أنه في ظل الفقر والحاجة لم يجد بعض المستفيدين من المبلغ المالي بدا من صرف بعضه أو كله في الأكل والشرب، وبينهم من باع حتى المساعدة العينية التي تتمثل في الرمل والاسمنت مادامت غير كافية، في حين لا يزال آخرون يحتفظون بها في جنبات الخيام، في غياب مورد مادي قار من شأنه أن يساعدهم على تشييد بيوت تقيهم البرد والحر والزلزال مادامت المنطقة زلزالية. وبكل عفوية كانت ميلودة سيدة طاعنة في السن تتحدث عن الحقوق والاختلاسات والحق في السكن، وعن الاحتجاج والسجن التعسفي، والخطاب المولوي الذي أعطى الانطلاقة لحماية المنكوبين وتأمين سكن مريح لهم يقيهم مغبة هزة أرضية أخرى إلا أن الخوت كما تقول ميلودة، سرقوا حقنا واغتنوا على حسابنا، كانت هذه الأخيرة وبالرغم من الصعوبة التي وجدتها في التحدث بالعربية، فوجدتني أسبح في أن للزلزال بعض الحسنات، فقد جعل السكان الأميون يتحدوثون في أمور السياسة بشكل عفوي، ويفرقون بين الحقوق والواجبات. عين الحقوقيين ترصد من المرتقب أن تنظم لجنة لتقصي الحقائق حول إعادة إعمار الحسيمة بعد الزلزال الذي ضربها في فبراير 4002 ندوة صحفية في غضون الشهر الجاري، وذلك لإماطة اللثام على الإشكاليات الكبيرة التي عرفها ملف إعادة إعمار المنطقة المنكوبة، منذ اليوم الأول للزلزال وواقع تدبير الدولة للملف، كما سيكشف عن سوء تدبير المبالغ المالية الكبيرة التي رصدت لمشروع إعادة إسكان ضحايا الزلزال التي أسندتها السلطات إلى فريق مدني مكون من جمعيات مدنية، مهمتها الإشراف على بناء المنازل وتوزيع المساعدات الدولية الكبيرة. وتتركب اللجنة من الهيئات التالية:( الكونكريس العالمي الأمازيغي، شبكة جمعيات شمال المغرب للتنمية والتضامن، منظمة الدفاع الدولية، الهيئة الوطنية لحماية المال العام، جمعية أوسان الثقافية، جمعية الريف لحقوق الإنسان)، وينتظر أيضا أن ترفع نتائج بحثها إلى منظمة الأممالمتحدة، وقد عمدت هذه الجمعيات إلى اعتماد هذه المبادرة بعد التقرير الذي أعدته منظمة الأممالمتحدة حول زلزال الحسيمة وإعادة إسكان المتضررين، وهو التقرير الذي وجه ملاحظات محرجة إلى الدولة المغربية وطلب منها العمل على تجاوز الاختلالات في حدود 9002, ويرتقب أن يرفع المغرب تقريره للرد على هذه الملاحظات قبل حلول هذا التاريخ. ومما جاء في ملاحظات لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنبثقة عن منظمة الأممالمتحدة والمجتمعة في دورتها 63, وبالتحديد في النقطة72 من تقريرها، ما يلي: وتلاحظ اللجنة مع القلق أن الدولة الطرف لم تتخذ تدابير كافية لمحاربة الآثار السلبية التي ألحقتها الزلازل بالحق في السكن، في بعض المناطق مثل الحسيمة . أما النقطة 15, فقد أضافت: ..وينبغي للدولة كطرف أن تضاعف الجهود لإعادة إسكان المنكوبين من سكان مدينة الحسيمة.. وبناء على التقرير الأولي الذي صاغته هذه الهيئات، توصلت التجديد بنسخة منه، فإن عددا كبيرا من الأطفال الذين تيتموا على إثر الكارثة الزلزالية والذين منحهم الظهير الملكي صفة مكفولي الأمة لضمان اندماجهم من جديد في المجتمع من خلال منحهم الامكانيات المادية والمعنوية لا يزالون لحد الآن مجهولي المصير وتتناوب على تربيتهم أكثر من أسرة. اتهامات يجمع الشارع الحسيمي وكذا لجنة التقصي وبعض الجمعيات على أن الخبرة التي قام بها المختبر العمومي للدراسات والتجارب ـ الذي عهد إليه بمهمة رصد الأضرار أقصى بعض المساكن التي اعتبر أنها غير متضررة، مما جعل السكان يرفضون التجاوب مع مشروع إعادة التأهيل. وحسب معطيات رسمية، فقد مكنت العملية التي قام بها الخبراء التابعون للمختبر العمومي للدراسات والتجارب من وضع لائحة بالبيوت والمنازل التي تعرضت للهدم وتلك التي كانت آيلة للسقوط وتتطلب إعادة إصلاحها، وبلغ عدد المنازل التي كانت موضوع الخبرة 91 ألفا و323 سكنا، منها 71 ألفا و584 سكنا في الوسط القروي و838,1 في الوسط الحضري، وتم وضع ملف خاص عن كل سكن يتضمن تقريرا مفصلا عن إحداثياته الجغرافية ونوعية الأضرار التي لحقت به. وأستنكر التقرير العمل الميداني الذي قام به الفريق المدني متعدد الاختصاصات المكلف بإعادة إسكان المنكوبين دون أن يعرف إطاره القانوني الذي يمكن أن يحاسب من خلاله، إلى جانب بروز بعض مظاهر البذخ على عدد من أعضائه بالنسبة لوضعيتهم التي عهدوهم عليه قبل إحداث الفريق حسب التقرير ذاته، وهو السبب الذي جعل المجتمع المدني ينعته بـ متعدد الاختلاسات.