في بنايات قديمة، بالمدينة العتيقة بسلا، تآكلت جدرانها من شدة الرطوبة، تعيش أسر فقيرة، معظمهم يعانون البطالة، يمتهنون مهنا بسيطة، أغلبها هامشية، من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم.. إنهم يقطنون ب"الفنادق"، مساكن انشئت منذ عقود من الزمن ولا تزال آهلة بالسكان.تصوير: كرتوش القيام بجولة بالمدينة العتيقة بمدينة سلا، يجعلك تكتشف العديد من "الفنادق" القديمة أغلبها أنشئت منذ الاستعمار حسب بعض قاطنيها، من الشيوخ، الذين عايشوا تلك الفترة، من بين هذه "الفنادق" التي صمدت في وجه الزمن، وفي وجه كل المؤثرات الطبيعية، "فندق السمن"، نموذجا، زارته "المغربية" وتحدثت إلى قاطنيه. أول ما تطأ قدماك هذا "الفندق"، ستظن للوهلة الأولى أنك في مكان مهجور، بناية قديمة، بها غرف صغيرة متراصة مثل علب السردين، تقطنها أسر ينهشها الفقر والعوز. بساحة الفندق وأمام تلك الغرف توجد عربات مجرورة، وركام من النفايات والأثاث القديم، الذي لم يعد صالحا للاستعمال، بهذا المكان تعيش أسر متعددة الأفراد معظمهم عاطلون عن العمل، منهم أطفال لا يزالون يدرسون، وآخرون غادروا الدراسة مبكرا، وانضموا إلى لائحة العاطلين دون مستوى دراسي، يؤهلهم للحصول على شغل، أما الأزواج فأغلبهم أميون، يعانون بدورهم البطالة، يعرضون خدماتهم في "الموقف"، يوما يبتسم لهم الحظ فيحصلون على عمل، ومرة يخيب أملهم فيعودون أدراجهم يجرون ذيول الخيبة..والنساء تحاولن مساعدة الأزواج بالعمل كخادمات في البيوت، أو من خلال مساعدة أصحاب الدكاكين في إعداد بعض السلع أو المواد الغذائية قبل عرضها، من خلال إزالة بعض الزوائد منها، كما هو الحال بالنسبة لمادة الثوم، وغيرها، يحصلن على القليل من الدراهم يساعدهن في توفير ما يلزم لإعداد وجبة غذاء أو عشاء متواضعة. أغلب الغرف التي يستأجرها هؤلاء السكان صغيرة الحجم، لا تكفي في الظروف العادية والطبيعة حتى لشخص واحد، لكن بسبب الوضع المعيشي المتردي لهذه الفئة، فهي تأوي أسرا يتراوح عدد أفرادها ما بين 6 و9 أشخاص، إذ يبيت الجميع أجسادهم ملتصقة بعضها البعض، مثل سمك السردين، يفترشون أثاثا متواضعا، وأغطية بالية، أحسنهم حظا امرأة وزوجها لم يرزقا بأولاد، لكنهما يعانيان الأمرين نتيجة وجود غرفتهما مباشرة فوق محطة تجميع المياه العادمة، ورغم تحويلها إلى مكان آخر، إلا أن العملية لم تجر بالشكل المطلوب، مما يجعل قاطني هذه الغرفة معرضون للروائح الكريهة باستمرار، فضلا عن أن المكان يتآكل من الأسفل، تحت الأرض، نتيجة الرطوبة، ما ينتج عنه تعرية سطح الغرفة، لتحدث وسطها حفرة، ما يضطر الزوجين إلى ملئها بمادة الاسمنت بشكل متواصل، كلما عادت للظهور من جديد. وضع متردي فقر مدقع، ومساكن تفتقر لأبسط شروط الحياة الكريمة، ضيق المكان، ورطوبته، وبدون ماء ولا كهرباء. السكان لا يخفون أنهم يسرقون الكهرباء من أجل تنوير الظلام، الذي يخيم على هذه الغرف بسبب عدم مدهم بهذه المادة، لأنهم لا يؤدون الفاتورة، في حين يضطرون إلى جلب الماء من "السقاية"، ومرحاض وحيد تتقاسمه 10 أسر بجميع أفرادها، حتى الغرباء عن الفندق من المارة والباعة المتجولين وأصحاب الدكاكين بالحي، والمتسكعين من المنحرفين يستعملونه لقضاء حاجاتهم طوال النهار وحتى في الليل، تقول سيدة تدعى خدوج تقطن بالفندق "ما جعل الأخير متسخا طوال الوقت، تنبعث منه روائح كريهة، تزكم الأنوف، رغم أن نساء الفندق يقمن بتنظيفه من حين إلى آخر، كلما ساء الوضع أكثر، بحيث إنه في غالب الأحيان يختنق بسبب كثرة الوافدين عليه، ما يزيد من تعقيد الأمور. إلى جانب ذلك، تعاني جدران معظم غرف "الفندق" الرطوبة، ما أدى إلى تآكلها، نتيجة قدم البناية التي لم تعد تتحمل الصمود سنوات أخرى أمام المؤثرات الطبيعية، خاصة الأمطار التي تدخل عبر السقف الخشبي دون استئذان، ما جعل أغلب الأسر تعمل على تغليف جدران غرفها بقطع كبيرة من البلاستيك، من أجل إخفاء آثار الرطوبة والتراب، الذي يتساقط منها في كل وقت وحين، وقد أصبح هذا "الفندق" مصنفا من ببين البنايات القديمة الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة بسلا. قاطنو هذه الغرف يستأجرونها من صاحب "الفندق" منذ سنوات طويلة مقابل سومة كرائية بسيطة، تغيرت طوال فترة وجود الفندق منذ أزيد من ستين سنة، إلى أن أصبحت قيمتها تتراوح حاليا ما بين 45 درهم و300 درهم، حسب حجم الغرفة. رغم أن قيمة الكراء بسيطة إلا أن قاطني هذه المساكن لا يؤدونها باستمرار، بسبب عوزهم وفقرهم، فمنهم من توقف عن أدائها، ومنهم من يؤدي جزءا منها كلما توفر لديه القليل من المال، وصاحب الفندق يتساهل معهم، على حد قولهم، مراعاة لظروفهم الاجتماعية الصعبة. جرذان ضخمة توجد بأغلب غرف الفندق جحور متعددة في أسفل الجدران تؤدي إلى باطن الأرض، فتحاتها واسعة، تسمح بإدخال جزء من اليد فيها، هنا تعيش العشرات من الجرذان الضخمة والمتوحشة، تخرج كلما أحست بالجوع أو العطش، سواء في الليل أو النهار، تبحث بين أغراض السكان الأصليين لهذه الغرف، عن الطعام، تلتهمه، وتخرج إلى ساحة الفندق بحثا عن الماء، ثم تعود إلى جحرها، لدرجة أنها أصبحت تتقاسم الغرف مع أصحابها. ويحكي السكان ل"المغربية" أنهم يعانون الأمرين، بسبب كثرة الجرذان الضخمة، التي لا تخشى شيئا، تقول خدوج "إننا نتحسسها وهي تمر فوق أجسادنا ونحن نيام، ففي أحد المرات مرت إحداها فوق رأسي وعضتني، مخلفة جرحا غائرا، لم أجد سبيلا لمعالجته بسبب عدم توفري على المال، لذا كنت أعالجه باستعمال مادة "جافيل" بعد أن أخرج ما بداخلها من تعفنات، وبقيت على هذا الحال لفترة طويلة إلى أن شفي الجرح من تلقاء نفسه". دون دعوة من أحد، تزور العشرات من الثعابين سكان الفندق كل صيف، لدرجة أنه أصبح تقليدا سنويا، تتسلل إلى داخل الغرف عبر السقف المكون من الخشب، وما يساعد في كثرتها قدم البناية، وكثرة التصدعات في السقف تجعل منها هذه الأخيرة مساكن لها ولصغارها، الذين يتساقطون على رؤوس السكان، كلما فقدت إحداها توازنها وهي تزحف بين ثنايا الخشب، ولا ترحل إلا بعد أن تغزو برودة الشتاء المكان، هنا يستريح السكان، إلى أن يأتي الصيف المقبل، وتتكرر المعاناة. لعنة الفندق يشعر أبناء الأسر المقيمة ب"فندق السمن" بالتحقير من طرف زملائهم في المدرسة، حيث إن هؤلاء يرفضون القدوم لرؤيتهم بمكان سكناهم، بدعوى أن الفندق مكان غير لائق للسكن، هذا الأمر خلف عقدة لدى الصغار، كما هو الحال بالنسبة إلى الكبار، وأصبحت الإقامة في هذا الفندق لعنة تطارد قاطنيه، أينما حلوا وارتحلوا، حيث إن الأشخاص، الذين يتعاملون معهم سواء في المدرسة التي يتعلم فيها أبناؤهم أو بعض الإدارات العمومية التي يقصدونها لطلب وثيقة معينة، يشعرونهم بأنهم أقل شأنا منهم، وينظرون إليهم نظرة الاحتقار، تقول نعيمة إن "بناتي يدرسون جيدا، ومن بين الأوائل، لكن حين تأتي زميلاتهن لرؤيتهن يرفضن الدخول إلى الفندق، وكأنه مكان حقير، إذ يظلون في الخارج، وهذا التصرف يجعل بناتي يشعرن بالاستياء والتذمر".