رغم ضيق منزله، ورغم عدد أفراد أسرته الذي كان في حدود الثمانية، والذي كانت تضيق بهم جنبات البيت، ورغم ضيق ذات يده، حيث كان مستخدما بشركة في القطاع الخاصة.. رغم كل ذلك، كان قلبه الكبير الذي يسع لكل الناس، يرأف لحال أبناء أقربائه الذين كانوا يقطنون بالبوادي، ولا يجدون مأوى لمتابعة دراستهم بالمدينة، مما كان يهدد بتوقيف عدد منهم، وحتى ينقذ بعضهم من هذا الخيار الصعب، فقد فتح أبواب بيته المتواضع في وجههم، سيما الفتيات منهم، والمتصلات به عبر قرابة رحمية كأبناء إخوته وأخواته، وهكذا، فقد عاش ببيته ووسط أبنائه وبناته، عدد منهم، ولم يكن يسمح لآبائهم بإلحاقهم بالأقسام الداخلية للإعداديات والثانويات، وكان يراقبهم ويتابع مسيرتهم الدراسية، بل ويفرض عليهم ما يفرض على أبنائه من قواعد صارمة في التربية واحترام الأخلاق، كيف لا وهو العم والخال، وسمعتهم من سمعته، ونجاحهم وتفوقهم من نجاحه وتفوقه، ومن بين هؤلاء الذين تربوا بين أحضان أسرته، ثلاث أخوات هن بنات أخيه المقيم بالديار الفرنسية، وكلهن تمكن من اجتياز امتحانات الباكالوريا بنجاح، وابن أخت له تخرج مهندسا، ومنهم من تفوق في التعليم وتابع دراسته بمعاهد متخصصة، والغريب أن هاته الأسرة لم يشاهد بيتها في يوم من الأيام منذ سنوات، إلا وهو يستضيف ولو فردا واحدا من أفراد العائلة الكبيرة، بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهذا الرجل الغيور على عائلته، تربى في بيته أخ له صغير، وعندما لم يفلح في استكمال دراسته، ألحقه بحرفة يدوية أصبح فيها مع مرور الوقت من روادها بالمدينة، واستمر في العيش ببيته إلى أن تزوج واستقل بنفسه، كما تربت ببيته أخته (آخر العنقود)، ولم تفارقه إلا في اتجاه بيت الزوجية. دون الحديث عن استقباله لكل من كان يمر بأزمة صحية أو مشكل قانوني، أو أي غرض يحتاج إلى قضائه بالمدينة، فبيته كان يتسع للجميع وبدون استثناء، فهو يؤمن بأنه أينما توضع يد توضع عشرة، قنوع لدرجة تثير الاستغراب، وحتى زوجته وأبناؤه تعودوا على طبعه، ولم يكن ير منهم ما يعبر من تذمرهم من الوضع.