مديرية الأرصاد تحذر من امطار رعدية قوية بعدد من أقاليم المملكة    الخزينة العامة للمملكة: النقاط الخمس الواردة في التقرير الفصلي حول تنفيذ قانون المالية برسم سنة 2024    طنجة المتوسط.. توقيف مهاجر مغربي ببلجيكا حاول تهريب 209 ألف قرص إكستازي    إعلان الميزانية المخصصة لتوسيع سعة مطار الحسيمة ومطارات أخرى في المملكة    نشرة إنذارية: أمطار رعدية ورياح مصحوبة ب"تبروري" بعدد من مناطق المملكة    إسكوبار الصحراء.. النيابة ترفض استدعاء "البارون" كشاهد في قضية الفساد    الغافولي يعيد إصدار "المعفر" بتوزيع جديد        كندا تقرر تخفيض عدد المهاجرين القادمين إليها اعتبارا من العام المقبل    عدد زبناء "اتصالات المغرب" يتجاوز 79 مليون زبون    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. قائمة المشاريع والأفلام المختارة في ورشات الأطلس    بورصة البيضاء تفتتح التداولات ب "ارتفاع"    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بهبات رياح اليوم الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "سان جرمان" يرفض دفع مستحقات مبابي    هل ينجح الميداوي في إيجاد الحلقة المفقودة التي ضيعها الميراوي في ملف أزمة طلبة الطب؟    المغرب في المرتبة 92 عالميا في مؤشر سيادة القانون لعام 2024    تأجيل لقاء بولونيا وميلان بسبب الفيضان    "أمو تضامن".. تحويل 15,51 مليار درهم من طرف الدولة إلى الضمان الاجتماعي    استشهاد ثلاثة صحافيين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    لا بَيْتَ في الدَّارْ!    جورجينا رودريغيز تستعيد عافيتها بعد تغلبها على أزمة صحية خطيرة    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة ضمن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بجنيف    بايتاس يستعرض استراتيجية الحكومة لضبط أثمان اللحوم الحمراء    تفاصيل اجتماع المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب        مهنيو أرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب في وفقة احتجاجية جديدة على قرارات CNSS    سبع ترشيحات مغربية ضمن القوائم الأولية لجوائز "الكاف 2024"    زياد فكري.. قصة بطل انطلق من أكاديمية محمد السادس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    لامين يامال يرد على مشجع لريال مدريد سخر من أدائه أمام بايرن    ماسك يتبرع بملايين الدولارات الإضافية لحملة ترامب في أكتوبر    الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني تترأسان بمراكش حفل العشاء لتظاهرة 'فاشن تراست أرابيا'    كيوسك الجمعة | المغاربة أجروا 164 مليون عملية أداء بواسطة البطاقات البنكية    العمال الكردستاني يتبنى "هجوم أنقرة"    الصورة والأسطورة في مواجهة الموت        حفل عشاء بمناسبة "فاشن تراست أرابيا"    مقتل 3 صحافيين في جنوب شرق لبنان    الجيش الإسرائيلي يٌعلن مقتل 5 من جنوده في جنوب لبنان.. وحصيلة خسائره ترتفع إلى 890 قتيلا وأكثر من 12 ألف مصابا    التهمت ميزانية ضخمة من المال العام.. فشل ذريع لأسواق القرب بمدينة الجديدة    الموثقون الموريتانيون يطلبون الاستفادة من الخبرة المغربية في مجال الرقمنة    ندوة علمية تقارب "الفلسفة الوسيطية"    مغاربة الإمارات يحتفون ب"أبطال القراءة"    باريس: المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووقف كامل لإطلاق النار    "لارام" ترفع أسعار تذاكر الخط الجوي بين الحسيمة وتطوان رغم دعم الدولة    لا أريد جوائز    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يفطرون في الأزقة ويفضلون أبواب المساجد
نشر في التجديد يوم 06 - 11 - 2003


متسولون في رمضان
يفطرون في الأزقة ويفضلون أبواب المساجد.. لكن دخلهم اليومي تراجع هذه السنة
عندما يحين وقت الإفطار، يهرع الناس إلى بيوتهم، حيث تنتظرهم جلسة الأسرة الحميمية حول مائدة صففت عليها أشكال وألوان من الأطعمة، في الوقت ذاته ينزوي شباب وشيوخ إلى أركان الأزقة، كل ينتظر سخاء وجود سكان الحي الموجود به، هذه الفئة تنقسم إلى صنفين صنف يملك مأوى غير أن الرغبة في عدم تفويت فرصة تحصيل بعض الدراهم تدفعه لتفضيل البقاء في الشارع، وفئة مأواها الأصلي الزقاق والشوارع. التجديد استطلعت أحوال المفطرين في الشارع في شهر رمضان.
أناس ذوو أجسام نحيفة تكسوها ثياب بالية، يأوون إلى جنبات المساجد، يلفحهم البرد القارس، يمدون أيديهم صباح مساء لأعطيات المحسنين... في شهر رمضان يقع اختيار المتسولين على المساجد كأمكنة مفضلة لجمع الصدقات، مستعملين طرقا مختلفة في جلب المارة إليهم، منهم من يتفنن في تلاوة الأدعية حسب كل مار وعلى قدر الهبة الممنوحة، ومنهم من يؤثر الصمت ويجلس منحني الرأس، وأمامه أوراق كارطونية وضعت عليها بعض السنتيمات. وجوه المتسولين يطبعها البؤس الظاهر على محياهم، فإذا تأملتها أيقنت أن كل واحد منهم وراءه سره الدفين، ليس من السهل التواصل معهم فحديثك إليهم سيفوت عليهم لا محالة بعض الدراهم، كما أن احتمال بوحهم بالحقيقة أمر مشكوك فيه، لأن كل واحد منهم يريد إقناعك بوجود مبررات لتسوله، خاصة أن منهم الشيخ والشاب، المرأة والرجل، المعاق والسوي، الأعمى والمبصر، القوي والسقيم...
كنت فدائيا
عبد القادر يفترش أوراقا كارطونية، يرتدي جلبابا أسود اللون ويضع فوق رأسه طاقية زرقاء، تجلس ابنته الصغرى التي تنشغل باللعب بين الفينة والأخرى إلى جانبه... ينادي بصوت منخفض على الله آلمحسنين، لجأ إلى التسول بعد أن أصيب بأمراض متنوعة، لما سألناه عن دوافع اعتماده التسول موردا للعيش، أجاب عبد القادر بنبرة احتجاجية: أنا لم أولد متسولا، كنت أشتغل صباغا مع المقاوم علال بن عبد الله، غير أن صحتي لم تعد تقوى على العمل، فلم أجد غير التسول سبيلا.
عبد القادر ينتظره في آخر اليوم سبعة أفراد لإطعامهم، أكبرهم يدرس بالسنة الثانية جامعي، هذا الأخير يعلق عليه والده أملا كبيرا ليحفظ ماء وجهه مستقبلا، حتى يقضي بقية عمره في المساجد، فهو يشعر بالحسرة لما يرى الناس يتوجهون إلى المسجد وهو جالس بالطريق يطلب إحسانهم، إنه شعور بالذل والهوان لا يدركه إلا من يعاني مثله.
يتذكر عبد القادر لحظات من أيام الاستعمار متحسرا على ما مضى من فترات الشباب دون أن يذخر مالا للأيام السوداء، انسجاما مع المثل الشعبي القائل: الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود، لقد كان فدائيا أيام الاستعمار، يحكي عن بعض بطولاته قائلا: لقد حرقت سيارة من نوع جيب ورميت قارورة غاز لتفجير المين، وألحقت خسائر بالمستعمر الفرنسي... وتابع قوله بأسى: نحن من أسقطنا الاستعمار... وهذه هي نهايتي.
يحمل عبد القادر المسؤولية للحكومة التي لم تهتم بأحواله، فقد اشتكى كثيرا ووجه طلبا لتوفير سكن له يعفيه من أداء ثمن الكراء، فتلقى وعودا من بعض المسؤولين، غير أن كل الأحلام التي نسجها تبخرت، ليجد نفسه في غرفة شبهها ببيت الكلاب، يؤدي ثمن كرائها عن كل يوم 20 درهما بالفندق، مؤكدا أن حاله ليس أسوء حالا من باقي جيرانه، فالكل هناك يعاني البؤس والشقاء، يصف عبد القادر بيته قائلا: لو رأيت بيتي لما صدقت أننا ننام فيه، ومع ذلك فبيتي مزين بصور جلالة المغفور له محمد الخامس، ولدي علم وطني كبير احتفظت به منذ المقاومة، وأوصيت أهلي بأن يكون لي كفنا يوم وفاتي.
تراجع في المدخول اليومي
يكاد يجمع كل من التقيناهم من المتسولين أن الصدقات تكثر في شهر رمضان، غير أن دخلهم لرمضان هذه السنة قد انخفض مقارنة مع السنة الماضية، يقول السيد (ح.م) وهو غاضب: تراجع دخلنا اليومي في شهر رمضان لهذه السنة، فرمضان السنة الماضية لم يكن دخلي ينخفض عن 70 درهما يوميا، أما في هذا اليوم على سبيل المثال لم أستطع أن أتمم جمع ثلاثين درهما. تشاطره الرأي متسولة أخرى بقولها: هاد العام عيان، ولا ندري ما السبب، لقد انخفض مدخولي مقارنة مع شهر رمضان الماضي، فمنذ الصباح لم أحصل إلا على 25 درهما.
الدخل قد يرتفع أو ينخفض حسب مكان وزمان المسألة، فمحمد لم يشعر بأي نقص في دخله اليومي، فهو يعتبر أن شهر رمضان شهر العطاء والإحسان، لدرجة أن أشخاصا يمرون عليه في الأيام العادية ولا يمدونه ولو بسنتيم، غير أن في شهر رمضان تتغير أحوالهم وترق قلوبهم، فيدخلون أيديهم إلى جيوبهم ليخرجوا درهما أو نصف درهم، يقول محمد: في شهر رمضان يرتفع دخلي اليومي خاصة في العشر الأواخر وليلة العيد.
رغم أن محمد لم يشعر بانخفاض دخله في شهر رمضان، غير أنه يتفق مع باقي المتسولين في أن حصيلة التسول بصفة عامة تنخفض سنة بعد سنة.
المحسنون كثر
تجلس (ن ر) وهي امرأة في سن الخمسين على قطعة من حجر، ملابسها نظيفة، الحديث إليها شيق وممتع، فالابتسامة لا تفارق وجهها الوضاء، لم تكن متسولة في يوم من الأيام، فزوجها كان يشتغل بناء غير أن بلوغه من العمر عتيا، دفعها للتجارة في الخضر، إلى أن أصيبت بمرض السل ودخلت المستشفى مرتين، وعند خروجها لم تعد تقوى على بذل أي مجهود عضلي، فكان التسول هو الحل الوحيد في نظرها، رغم أن لها ابنا يبلغ من العمر ثلاثين سنة ولا تعرف عنه أي شيء منذ سنتين، تقول السيدة (ن ر): زوجي لم يعد يقدر على العمل، وبعد خروجي من مستشفى مولاي يوسف لم أقدر على العودة للتجارة في الخضر كما كنت سابقا، وما جعل حالي يزداد سوءا هو أن ابني الأكبر القادر على تحمل تكاليف معيشتنا ذهب للعمل بمدينة وجدة ولم يعد.
امتهانها للتسول لم يتعد بعد ثلاث سنوات، في أولى هذه السنوات كان رمضان مختلفا تماما عن باقي الأيام، و(ن ر) لا تعود لمشاركة زوجها وابنتيها التلميذتين مائدة الإفطار بالبيت، فالوقت بالنسبة إليها ثمين، وبيتها يوجد بمدينة سلا في حين أن مكان تسولها بالرباط، فتضطر للإفطار في الشارع، عن مائدة إفطارها تقول (ن ر): في كل يوم من شهر رمضان يقدم لي أحد ساكنة الحي طعاما متنوعا من حريرة وحلويات وحليب وغيرها من المأكولات، فالمحسنون كثر، ودعناها وكلها أمل أن يأتي يوم تشارك أسرتها مائدة الإفطار، وتطبخ لهم ما لذ وطاب من الطعام، خاصة إذا عاد ابنها وتحمل أعباء وتكاليف العيش الباهظة.
لست متسولا ولا مشردا
ينزوي (ن ب) في ركن قرب حائط بإحدى أقواس المدينة العتيقة بالرباط، يفترش الأرض ويلتحف السماء، شدة العياء تظهر على وجهه ذي اللحية الكثيفة، أجابنا بصوت مبحوح: أنا لست متسولا ولا متشردا، أنا إنسان أعشق الحياة في الشارع، احترمنا إرادته وعدم استعداده للحديث إلينا، فأجابنا أحد الجالسين على بعد أمتار منه: إنه حديث عهد بهذا المكان، فهو لا يمد يده للتسول، غير أن سكان هذا الحي يجلبون له بعض الطعام.
حالة (ن ب) هي حال العديد من الآدميين الذين يتسكعون في الطرقات دون مأوى، قصصهم تختلف من شخص لآخر، ثيابهم المتسخة تشعرك بالتقزز، رائحتهم الكريهة تدفعك للغثيان، إحساسك بمعاناتهم تجعلك لا تملك إلا دعاء الله بأن يعجل بشفائهم إن كانوا مرضى عقليين، ويسخر لهم من يشفق عليهم ويحميهم من التشرد والضياع، حالتهم تؤدي بك إلى إدراك نعمة العقل والصحة، فتحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به، عالمهم الخاص يجعلك لا تتواصل معهم بشكل جيد، بعضهم يردد كلمات غير مفهومة، منهم من يردد أسماء معينة غالبا ما تكون نسائية أو يسب بعض المهن.
حالهم في رمضان كسائر أيام السنة، تجد بينهم من يفطر ويصوم خاصة من يعي أن رمضان شهر الصيام فلا يفطر رغم أن القلم رفع عنه.
أحلم أن يتخرج منهم الطبيب والمهندس
ترملت فاطمة منذ سبع سنوات، وأصبح إلى جانبها خمسة أبناء أيتام، كلهم ما زالوا يتابعون دراستهم، تكتري بيتا بجماعة بولقنادل بنواحي القنيطرة، كانت تشتغل بمعمل الزرابي لكنها لم تعد تقوى على العمل فاختارت التسول مرتين في الأسبوع بمدينة الرباط. حصيلة الاثنين والخميس تساعدها على إتمام نفقات البيت الباهظة. تحدثنا فاطمة عن حالها وعيناها مغرورقتان بالدموع: أنا لا أرضى أن أمد يدي بالشارع، والظروف التي أعيشها هي الدافع الحقيقي للمسألة، لم يكن المحسنون ببولقنادل يتركونني أحتاج لأي شيء، غير أن استمرارهم في العطاء بدأ يقل، فلجأت للتسول ليكمل أبنائي دراستهم ولكي لا أدفعهم لحياة التشرد، فأنا أحلم أن يتخرج منهم الطبيب والمهندس، وهذا ليس بشيء مستحيل.
تشارك فاطمة أبناءها في رمضان مائدة الإفطار كل يوم، باستثناء يومي الاثنين والخميس، فتعد لهم الطعام وتراقب أحوالهم الدراسية بمساعدة أبناء الجيران.
وعن مصدر إفطارها في مدينة الرباط تقول فاطمة: سكان هذا الحي يقدمون لي طعام الإفطار، فشهر رمضان شهر الكرم والجود.
تركنا المتسولين لحال سبيلهم، وأسئلة كثيرة تداهمنا من كل جانب، حاولنا أن نلتمس بعض الأجوبة أو بعض المسوغات للتناقضات الصارخة التي يعج بها الواقع المغربي.. والسؤال المؤرق لكل من في قلبه مثقال حبة من إنسانية هو: إلى متى ستظل فئة منا تعيش على البقية الباقية من ضمائرنا؟وإلى متى سنبقى نرمي نصف طعامنا في المزابل ونترك نصفنا يموت جوعا؟
وضع هؤلاء يجسده مثل شعبي ذكره أغلبهم: اللي ماخرج من الدنيا ماخرج من عقايبها.
خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.