ظاهرة تمتزج فيها الغرابة بالطرافة "بدأ الجني أولا برشق المنزل بالحجارة بشكل متواصل لمدة ثلاثة أيام. كانت الحجارة تأتينا من كل ناحية وتستهدف أي مكان يجتمع فيه أفراد العائلة.. بعد ذلك توالت حوادث اشتعال النيران في نوادر التبن وأكياس الزرع ثم في الملابس والأثاث.. دون أن يكون هناك فاعل أو مسبب لاندلاع الحرائق". هذه ليست لقطة من أحد أفلام الخيال العلمي، بل هي شهادة من الواقع يرويها أحد أبناء عائلة (س) بمنطقة حد السوالم (إقليمسطات)، الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب ظاهرة غريبة يعيشون أحداثها منذ عشرين يوما. يقول إبراهيم (في الأربعينات) وهو يشير إلى كوم الرماد الذي خلفته الحرائق المتوالية على المنزل الذي يؤوي أزيد من 15 فردا: "لقد تعرض بيتنا في ظرف ثلاثة أسابيع إلى أزيد من 15 حريقا أتى على 6 نوادر تبن واشتعل 7 مرات داخل الغرف.. كما أحرق محصول الزرع مرتين.. والغريب في الأمر هو أننا كلما أخمدنا حريقا إلا ونشب آخر بالقرب منه". مخلفات حريق وسط حوش ويضيف إبراهيم وهو يفرك بأصابع يده اليمنى جبهته، معبرا عن استغرابه هذه الظاهرة: "بسبب توالي الحرائق أصبحنا نعيش في خوف دائم.. إذ نبيت ونصبح وقلوبنا على أيدينا خشية نشوب حريق جديد في مكان ما من البيت.." وبالرغم من الخسائر المادية الفادحة التي ألحقتها الحرائق المتوالية بمزرعة عائلة (س)، رفع إبراهيم كفيه ناظرا إلى السماء ولسانه يلهج بحمد الله على أن هذه الحرائق لم تتسبب –حتى الآن- في أية خسائر في الأرواح، "لأن الجني لا يضرمها لحسن الحظ إلا في الأماكن الخالية من أي بشر أو حيوان"، وقال موضحا: "إن كلبا كان مربوطا إلى أحد نوادر التبن، وعندما أشعل الجني النار في التبن كان أول شيء احترق هو الحبل الذي رُبط به الكلب لكي لا يصاب هذا الأخير بأذى، كما أن الأحجار التي كانت تتقاطر على البيت لم تصب أحدا من أفراد الأسرة رغم كثافتها، إذ كانت تقذف بجانب الشخص دون أن تؤذيه". ما العمل؟ لم يستدع أهل هذه الدار السلطات المحلية ولا رجال المطافئ للتحقيق ومعرفة مصدر هذه النوازل. لكنهم انجروا جميعا وراء إعطاء تفسيرات "غيبية" لا يجد لها العلم تفسيرا. "كل الفقهاء الذين أحضرناهم إلى الدار يقولون إن هذه الحوادث من عمل الجن"، يقول إبراهيم مؤكدا أن "شخصا ما يحسد أفراد هذه العائلة المتلاحمة في ما بينها ويسعى إلى تفرقتهم بشتى الوسائل، هو الذي سلط الجني على الدار ليرعبنا ويرغمنا على التفرق". بنادر تبن محترقة وبقدر ما يتشبث إبراهيم وآله بهذا الاعتقاد، فإنهم يصرون أيضا على الصبر ومواجهة هذه "المصيبة" على أنها قضاء وقدر لا يملكون لتجاوزه إلا التوكل على "بركة الفقهاء" في انتظار "فرج من الله". وصل عدد الفقهاء الذين حاولوا طرد "الجني" من هذا البيت إلى خمسة، أربعة منهم لم يفلحوا في ذلك والخامس لم يثبت ما إذا كان عمله "ناجعا" أم لا، لكن الرجم والنيران توقفت منذ يوم الجمعة الأخير، بحسب إبراهيم الذي أكد أن الفقيه وزع عدة "حجابات" على مداخل الدار، بعد أن تلا على هذه الأخيرة سورا من القرآن الكريم. وفي تعليقه على هذه الظاهرة، يقول عبد السلام كاموني، فقيه معالج بالرقية بمنطقة أزمور، أنها لم تعد غريبة بعدما أصبحت متكررة. وأوضح كاموني أن أسبابها تكمن أساسا في "عمل السحر" الذي يقوم بتسليط الجن على الإنس لغرض من الأغراض. وقال إنه مر على كثير من الظواهر من هذا النوع واستطاع أن يعالجها عن طريق قراءة القرآن وترديد دعاء "ترحيل الجن" في مدة تتراوح ما بين 3 و7 أيام. وأضاف أنه عالج مؤخرا حالتين مماثلتين بكل من صخور الرحامنة وقرية أولاد موسى، مشيرا إلى أنهما كانتا أصعب بكثير نظرا للخسائر التي تكبدها الضحايا. غرابة وطرافة لا تخلو الأحداث والوقائع التي حدثت ولا تزال في هذه الدار من طرافة رغم غرابتها. يقول إبراهيم إن "الجني" الذي يقف وراء هذه الأحداث يتجاوب مع أفراد الأسرة، إذ يسمع حديثهم ويفعل ما يطلبونه منه في الحال دون تردد. ويحكي أن أحد الشبان (ابن الأخ) كان كلما توقفت عملية الرشق بالحجارة إلا وهتف مناديا "الجني" داعيا إياه إلى أن يواصل إرسال الأحجار.. فتبدأ هذه الأخيرة بالتقاطر عليه من كل جهة... وعندما تذكر إبراهيم طريفة أخرى لم يستطع أن يغالب الضحك، ثم قال: "حدث مرة أن خاطب أحد إخوتي ذلك الجني قائلا: لماذا لا تقذفنا بكيس مليء بالمال عوض الأحجار؟ وبعد هنيهة سقط أمام أخي كيس بلاستيكي محشو بأوراق وخرق بالية.." وقال إن والده أحضر أحد الفقهاء ليقوم بطرد "الجني" من المنزل، وبعد أن مارس الفقيه طقوسه في كل أركان البيت، خرج إلى بهو الدار ونادى قائلا: "أتحداك أيها الجني أن تبرح مكانك بعد التحصين الذي عملته"، لكن "الجني" لم ينتظر أن يتمم الفقيه كلامه حتى هوى عليه بفردة حذاء. وأشار إبراهيم بأصبعه صوب حبل غسيل بالقرب من غرفة يصدح منها صوت قرآن مرتل، موضحا أن "الجني قام بجمع غسيل منشور فوق الحبل وأضرم فيه النيران، فاحترق كل شيء إلا سجادة الصلاة لم تمسسها النار". لعنة متوارثة؟ طيلة الوقت الذي قضيته معه ظهر أمس الأول، لم يكف إبراهيم عن توجيه أصابع الاتهام إلى "جني" يقول إنه وراء كل الأحداث التي أصبحت الدار مسرحا لها هذه الأيام، ولا يقبل إبراهيم -استنادا إلى قناعاته الإيمانية- حتى مجرد الشك في أن تلك الحرائق يمكن أن يكون وراءها إنسي وليس جنيا. "لكن، ما يدريك أن مفتعل هذه الحرائق ليس إلا واحدا من أفراد عائلتك؟" سألت إبراهيم، فأجاب بلهجة الواثق من نفسه الذي لا يسايره أي شك بأن هذه الظاهرة لا يد للإنسان فيها، وقال وهو يفتح دولابا خشبيا داخل غرفة نومه تفحمت أبوابه البيضاء بسبب ألسنة النيران: "انظر إلى هذا الدولاب.. لقد كان مقفلا.. ورغم ذلك اشتعلت النار في الأغطية التي كانت بداخله.. فكيف لإنسي أن يضرم النار داخل مكان مغلق ينعدم فيه الأكسجين؟"!. ومضى إبراهيم يبرر سبب اعتقاده بوقوف كائنات خفية وراء هذه الحرائق، حيث قال إنهم حاولوا إحراق ما تبقى من تلك الأغطية خارج البيت لكن النار لم تتقد فيها إلا بعد استعمال مواد تؤجج الاشتعال. واستطرد إبراهيم محاولا إزالة الدهشة عن محاوره، وشرع يحكي تفاصيل واقعة مماثلة عاشها أحد أفراد عائلته قبل أشهر، حيث قال: "طيلة فترة الانتخابات التشريعية الأخيرة (شهر يونيو 2009)، عاش ابن عمتي وأسرته بمنطقة دار بوعزة حربا عنيفة بطلها عفريت من الجن لم يترك شيئا ولا مكانا بالبيت إلا وأضرم فيه النيران، مما ألحق بالدار أضرارا فادحة إلى درجة أن جدرانها بدأت تتشقق بفعل بألسنة النيران.." وقال إن شاحنات رجال المطافئ لم تكن تغادر المكان حتى تضطر للعودة إليه مرة أخرى، تعبيرا عن نشوب الحرائق بشكل متواصل وبدون أسباب. وأضاف أن رب البيت استدعى السلطات المحلية للتحقيق في مصدر تلك النيران التي حولت حياته وأهله إلى جحيم لا يطاق، لكن التحقيقات التي أجريت لم تتوصل إلى أي شيء يفيد، باستثناء بعض الشكوك التي نسبت إضرام النيران إلى خادمين اثنين بنفس البيت، ليتأكد أن تلك الشكوك خاطئة بعد أن تم صرف الخادمين إلى حال سبيلهما وعودة الأحداث بنفس الوتيرة. وحسب إبراهيم فإن ابن عمته، الذي كان يخوض آنذاك حملة انتخابية لنيل كرسي رئاسة المجلس الجماعي، لم يجد بدا من طرق أبواب الفقهاء والمشعوذين طلبا لإنقاذه من "لعنة النيران" التي لاحقت بيته وأحرقت كل شيء بداخله. وقال إن هؤلاء أخبروه بأن "صاحب دعوته" ليس إلا مرشحا منافسا له أقدم على "عمل سحر" له يتمثل في "تسليط جني على داره" لإلهائه وإفشاله في الفوز في الانتخابات، "لكن وبفضل صبرهم على المصاب الذي لحقهم، فإن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد شهرين من الحرب، وفوق ذلك فاز في الانتخابات.." حالات مماثلة أبطالها الإنس فقط يروي أحد الفقهاء الممارسين للرقية الشرعية أنه صادف حالة مشابهة تكاثرت فيها حوادث الرشق وإضرام النيران. وبعدما قام بجميع الطرق التي اعتاد أن "يطرد" بها الجن من بيوت الناس، استمرت الحجارة في التقاطر على الدار، مثلما واصلت ألسنة اللهب أكل أثاث البيت. مما أثبت للمعالج أن تلك الأفعال ليست بسبب "جني" وإنما هي مفتعلة. وأول ما قام به الفقيه، حسب ما رواه بنفسه، هو إحضار زوجة صاحب البيت من أجل قراءة ما تيسر من القرآن عليها، بعد أن أمرها بدهن يديها بشيء يشبه المسك. وبعد انتهاء العملية وانصراف الزوجة سمع صوت ارتطام حجر جديد، إيذانا بأن العملية لم تفلح، لكن الفقيه التقط الحجر وشمه فإذا برائحة المسك تفوح منه. عندها استدعى المرأة وواجهها بالحقيقة، فاعترفت أمام زوجها بأنها هي من كان وراء كل المصائب التي عاشوها من حرائق ورشق بالحجارة، والسبب هو رفضها البقاء في ذلك البيت! وفي حادث مماثل بالمملكة السعودية، لم يجد مواطن سعودي يقطن في المدينةالمنورة مناصا من اللجوء إلى بعض المشايخ، ظنا منه أن الجن تقف وراء مصائبه، عقب تعرض منزله للإحراق 8 مرات بشكل متواصل، فما كان من أولئك المشايخ إلا أن نصحوه بأن يقرأ آيات من القرآن الكريم في كافة أركان شقته قبل أن ينتقل إلى الشقة المقابلة، غير أن الحريق تكرر ثلاث مرات في شقته الجديدة الكائنة بنفس العمارة. ولم يتمكن الدفاع المدني من الوصول إلى أسباب الحريق، وبعد التحقيقات التي أجراها في الحريق الثالث بالشقة الجديدة أحال القضية على الشرطة، في حين أكد المشايخ الذين استعان بهم المواطن أنها من فعل الجن ونصحوه مجدداً بأن عليه إما ترك العمارة أو الحفاظ على قراءة الأذكار وتلاوة القرآن الكريم بشكل مستمر داخل الشقة، وذلك وفقا لتقرير نشرته جريدة "عكاظ" سابقا. وبعد أيام استطاع عناصر الشرطة كشف اللغز الغامض، حيث وجدوا علبة كبريت بين آثار آخر حريق اندلع في الشقة الجديدة، مما أثار شكوكهم في أن وراء هذه الحرائق شخص من داخل الأسرة. وبعد إجراء التحقيقات تم التوصل إلى حقيقة مذهلة وهي أن الجاني لم يكن سوى أحد أبناء رب البيت. وأوضح مصدر أمني أن الوصول إلى الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاماً جاء بعد مراقبة المنزل، حيث شوهد وهو يشتري علبة كبريت من محل البقالة المجاور لمنزل أسرته وتم القبض عليه. وأثناء التحقيق معه، اعترف بأنه أحرق الشقتين 11 مرة احتجاجا على بخل والده على أسرته، وقال إن والده الثري لا يشتري لهم ملابس مناسبة ولا يعطيهم مصروفاً وأنه يقتر عليهم بشكل لافت للنظر. وأضاف المصدر أن التحقيقات أثبتت ذلك، خاصة بعد زيارة المحققين لمدرسة الطفل حيث تبين أنه يأتي بملابس رثة رغم أن والده قادر على كسوته بشكل لائق، كما اتضح لفريق التحقيق أن أثاث الشقة ووضع الأسرة غير مناسب رغم الحالة المادية الممتازة لرب الأسرة، مشيراً إلى أن الطفل سجل اعترافاته كاملة وتمت إحالته إلى دار الملاحظة الاجتماعية. منشور بجريدة أخبار اليوم المغربية يوم 07/01/2010