هل يكشف الاستماع اليوم الأربعاء لشهادة مسؤولي الأمن والصحة والوقاية المدنية ببني ملال، أطراف قضية مقتل ليلى الراشدي, عن تفاصيل جديدة ومفاجآت تفتح آفاق البحث، أم يضع حدا لمسلسل حير المتتبعين وشغل الرأي العام المحلي والوطني؟ سؤال يردده المتتبعون ببني ملال لقضية مقتل مواطنة اختفت أكثر من شهر عن عائلتها، التي تقدمت ببلاغ عن اختفائها، قبل أن تفاجأ بوجودها في مستودع الأموات في انتظار بمن دفنها تحت اسم مجهول رغم وجود وثائقها الثبوتية بحوزتها، ويتم إخبارها بأنها تعرضت لحادثة سير بالمدينة. «المساء» تعيد تجميع تفاصيل قضية شغلت الرأي العام المحلي والوطني، وينتظر أن يحسم فيها القضاء اليوم ببني ملال. قبل سنتين ونصف ربما تكون ليلى الراشدي، في حياتها، سمعت بقصة حزينة وتنهدت بسبب أحداث مؤلمة اهتزت لها مدينة بني ملال، على وقع اكتشاف أطراف جثة متناثرة ومدفون بعض أجزائها بأرض خلاء. كان ذلك في فاتح ماي، حيث لم يتعرف رجال الأمن على الضحية, كما لم تسعف محاولاتهم التوصل إلى بصماتها في معرفة هويتها، لكن القدر كان يترصد بمن قام بالجريمة وحاول إخفاء معالمها عن الجميع ليتم كشف خيوط أبشع جريمة شهدتها مدينة بني ملال في السنوات الأخيرة. اسم الضحية كان هو ليلى الشطيبي، لم يكن قاتلها سوى جارها الذي عهدت إليه متبنية الفتاة برعايتها قبل وفاتها. استعان الجار بجزار قطّع برفقته أطراف الضحية إلى أجزاء وضعها في أكياس متفرقة، وتم دفنها في ساحة خلاء قبل أن تهتز المدينة لجريمة كشف أول خيوطها مقدم الحي وبلغ رؤساءه ليكتشف الجميع أن الجار تقدم في وقت سابق ببلاغ عن اختفاء الضحية بعد تنفيذ الجريمة. بكت آلاف العيون مقتل ليلى الشطيبي وتحولت قصتها إلى مأساة عاشت فصولها مدينة بني ملال. ولأن للأسماء علاقة غريبة ببعض حامليها، اهتزت مدينة بني ملال على قصة لا تقل عن الأولى غرابة. الضحية هذه المرة كانت ترقد في مستودع الأموات ببني ملال لمدة جاوزت الشهر بخمسة أيام رغم وجود كل الدلائل التي تقود إلى إخبار عائلتها، ورغم الهاتف الذي كان بحوزتها، وكان يرن ثلاثة أيام, متتالية. ليلى الراشدي التي قد تكون في حياتها تنهدت بحسرة على مقتل ليلى الشطيبي ببني ملال بعدما سمعت بقصتها، لم تكن تعرف أن آلاف الناس سيذرفون دموعهم لخبر موتها وتركها بمستودع الأموات مدة شهر ونيف، غير بعيد عن أفراد عائلتها بمدينة مجاورة كلفوا ذات يوم أنفسهم عناء التبليغ عن اختفائها في نفس المدينة التي توفيت بها قبل ذلك بعشرة أيام. نهاية زيارة عادية تتحول إلى كابوس لدى الأسرة عمة ليلى سيدة عجوز كانت أكثر الناس تأثرا وحنقا يوم إخبار العائلة بوجود ليلى بمستودع الأموات ببني ملال، فابنة أخيها التي كانت في ضيافتها كانت ترقد على بعد مئات الأمتار من مسكنها منذ شهر دون أن يسأل عنها أحد بالمستشفى الجهوي ببني ملال. لم تجد العمة رغم كل المحاولات ما تسكن به لوعة الفؤاد وحرقة فراق ابنة أخيها التي خرجت من بيتها سالمة في طريق عودتها إلى مدينة خنيفرة قبل أن تنقل إلى مستشفى بني ملال ويتم بعد ذلك نقلها لمستودع الأموات جثة هامدة. العمة تتساءل عن السبب في عدم إخبارها، هي القريبة بمدينة بني ملال، وألا تعرف ملابسات قضية تكشف كل يوم عن مفاجآت لا تنتهي. تحكي عمة ليلى الراشدي أن «ليلى خرجت صباح 05 غشت الماضي متوجهة إلى بيت والديها بمدينة خنيفرة. جمعت حاجياتها وودعتني واتجهت إلى حال سبيلها، وتلقيت بعد ذلك اتصالا هاتفيا من شقيقها يستفسرني عنها فأكدت له في جوابي أن ليلى توجهت في صباح ذلك اليوم إلى خنيفرة ولم تعد للبيت» قلق العائلة الذي بدأ يطغى على اهتمام كل أفراد الأسرة زاد من حدته رنين هاتف ليلى ثلاثة أيام متتالية دون رد، انتظر بعدها أفراد العائلة واستفسروا كل قريب يعرفونه يحتمل أن تتوجه إليه الضحية، لكن دون جدوى وكانت الوجهة بني ملال لتحرير بلاغ عن الاختفاء. اختفاء ليلى وبحوزتها وثائقها الثبوتية يوم 18 غشت وبعد قرابة أسبوعين عن اختفاء ليلى، تقدم أفراد أسرتها ببلاغ عن اختفائها بمدينة بني ملال، وأكد أحد مسؤولي الأمن بالدائرة الأولى للشرطة ببني ملال على حرصهم على اتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة في مثل حالات الاختفاء التي سبقت ليلى. لكن لم يخبر أفراد الأسرة بوجود فتاة ترقد منذ أيام بمستودع الأموات تحت نفس الاسم وبنفس المواصفات. خرج أفراد العائلة وهم يأملون أن يكون بلاغهم عن الاختفاء إجراء عاديا سرعان ما سينسون أمره بمجرد الوصول إلى أي خبر عن ليلى أو إيجادها على قيد الحياة، وتحول منزل الأسرة بحي السلام بمدينة خنيفرة إلى قبلة لكل عائلة الراشدي للسؤال عن أخبار ليلى. كان الأمل في وجودها يتضاءل كلما حل أحد أقارب الأسرة للسؤال عن أي جديد. انتظرت العائلة مرور شهر من البحث عنها قبل أن تتوصل بخبر كان وقعه كالصاعقة على جميع أفراد أسرتها وأقاربها: لقد توفيت ليلى ببني ملال إثر حادثة سير وتوجد جثتها بالمستشفى الجهوي ببني ملال. مواجهة الفاجعة عندما وصل أفراد أسرة الراشدي صباح السبت 11 شتنبر الماضي ومباشرة بعد تعرفهم على ملامح ابنتهم تساءلوا عن السر في عدم تبليغ الأسرة بخبر الوفاة في حينه، خاصة أنها تملك بطاقة تعريفها وكان هاتفها يرن في الأيام الثلاثة الأولى لوقوع الحادثة. رفضت عائلة الراشدي تسلم جثمان ليلى إلى حين إجراء تشريح وفتح تحقيق في موضوع وفاتها قبل أزيد من شهر. وجود صحفية قريبة من العائلة دفع باقي أفراد الأسرة إلى الاتصال بممثلي الصحافة ببني ملال، وفي دقائق كان فضاء مستودع الأموات بمستشفى بني ملال تعمه جلبة كبيرة اختلط فيها رجال الأمن برجال الصحافة والهيئات الحقوقية. كانت توسلات بعض عناصر الشرطة بتسلم الجثة كافية لأن تزيد من حنق العائلة وتتمسك «بضرورة إجراء تشريح وفتح تحقيق في ظروف وفاة ليلى، لكي تباشر العائلة ما تراه مناسبا من إجراءات على ضوء نتائج التشريح والتحقيق في الموضوع»، يؤكد شقيقها عبد الرحيم. «رجال الشرطة توسلوا لأفراد العائلة بتسلم الجثة وعدم إخبار الصحافة لأن ذلك من شأنه أن يهدد المستقبل المهني للعديد من عناصر الشرطة»، يؤكد خال الضحية، إذ أن «ليلى كانت بحوزتها بطاقتها الوطنية وهاتفها النقال ومذكرة تحمل عناوين وأرقام عائلتها ولم تكن مجهولة الهوية، بل أكثر من ذلك تم إخبار الشرطة بواسطة بلاغ لدى الدائرة الأولى للأمن من طرف العائلة عشرة أيام بعد الحادث ولم يتم إخبارنا بأنها توفيت، إلا بعد مرور شهر وخمسة أيام على وفاتها». كانت الأم تائهة لا تلوي على شيء غير مصدقة وفاة ابنتها، هي التي قطعت عشرات الرحلات بين أقسام الشرطة ومستشفيات مدينتي بني ملالوخنيفرة بدون جدوى، كانت ترقب الوضع في صمت غريب، فيما كان أقرباء آخرون يتمرغون أمام باب مستودع الأموات، بينهم عمة الضحية ليلى التي كانت في ضيافتها ببني ملال قبل حادث مقتلها. المستشفى ينفي مسؤولية التقصير مدير المستشفى الجهوي ببني ملال أكد في تصريح للصحفيين الذين حلوا بالمستشفى أن «مصالح المستعجلات توصلت يوم 5 غشت الماضي بشابة في الثانية والثلاثين من عمرها مصابة بجروح خطيرة في الرأس، وبكسور في ركبتها اليمنى، وبنزيف داخلي، تدخل على إثره الطبيب المداوم لإجراء الإسعافات الأولية، لتتم إحالتها بعد ذلك على قسم الإنعاش بالمستشفى نظرا لحالتها الخطيرة، وقد فارقت الحياة يوم 6 غشت متأثرة بجروحها وإصابتها البليغة». وعن سبب عدم إخبار العائلة، أكد الدكتور محمود برحال أن «المسطرة العادية المتبعة هي إخبار الشرطة التي قامت بمعاينة الحادثة، والتي كانت تحتفظ ببطاقة تعريف صاحبة الجثة وبعنوانها لإجراء المساطر العادية، خاصة أن الأمر يتعلق بجروح وكسور». بين الخطأ المهني وشكوك العائلة عندما قررت الإدارة العامة للأمن الوطني تنقيل أربعة من عناصر الشرطة إلى مدن أخرى بمن فيهم رئيس فرقة حوادث السير، تساءل متتبعون عن توقيت العملية، خاصة وأن الملف معروض على القضاء ولم يقل كلمته بعد. مفتش وضابط شرطة تم استدعاؤهما للمحكمة للإدلاء بشهادتهما، في حين لم يتم استدعاء رئيس فرقة حوادث السير، ومسؤول أمني تلقى بلاغ العائلة عن اختفاء ليلى الراشدي. رواية مصدر أمني تؤكد أن «حادثة سير وقعت بشارع 20 غشت في بداية شهر غشت الماضي كانت ضحيته ليلى الراشدي وتم على إثرها معاينة الحادثة. وقامت مصالح الأمن بواجبها في إدخال ضحية حادثة السير للمستشفى». نفس الرواية تضيف «لم نقصر في واجبنا. تتحمل إدارة المستشفى مسؤولية عدم إخبار العائلة. لقد تم إخبار الشرطي الذي جاء لإنجاز بحث تفصيلي أنها غادرت المستشفى أثناء ذلك واحتفظ ممرض بوثائقها، لكن بعد توصلنا ببلاغ من إدارة المستشفى قمنا بإخبار العائلة». عائلة الضحية لا تكتفي بذلك مثلما أكد دفاعها في قاعة المحكمة، إذ اتهمت على لسان محاميها جهات لم تسمها بمحاولة طمس معالم جريمة قتل تعرضت لها ليلى، واعتبرت العائلة بلاغها عن الاختفاء الحجة الدامغة على تخطيط جهات ما لمحاولة دفن ليلى تحت اسم مجهول لإنهاء القضية، بعد انصرام الآجال القانونية ليتمكن من قتلها بالخروج من المطب سالما. شكوك العائلة تضاعفت بعد وصول خبر نشره المركز المغربي لحقوق الإنسان يؤكد أن أحد أقارب المتهم يشتغل بكتابة النيابة العامة ببني ملال. منظر ليلى في الصور التي التقطها أحد أفراد العائلة ونشرتها بعض الجرائد الوطنية زاد من حنق المتتبعين الذين اعتبروا ذلك انتهاكا لحرمة الأموات. مفاجآت لا تنتهي عندما جلس القاضي عبد الخالق المسناوي بالمحكمة الابتدائية ببني ملال يستمع خلال الجلسة الأولى لمحاكمة «م، ك» المتهم بقتل ليلى، كانت مفاجأة الحاضرين كبيرة عندما تناقض المتهم في تصريحاته، وقال الكثير عكس ما هو مدون في محضر الشرطة، وعندما أمر القاضي باستدعاء مفتش وضابط للشرطة على علاقة بالقضية، لم يكن أحد ينتظر أن تتوالى المفاجآت في الجلسة الثانية، ليأمر القاضي باستدعاء الدكتور محمود برحال المدير السابق للمستشفى الجهوي، واستدعاء الطبيب الذي تكلف بإجراء التشريح الطبي والطبيب المكلف بقسم الإنعاش الطبي والموظفين المكلفين بمستودع الأموات، وإحضار أفراد الوقاية المدنية الذين تكلفوا بنقل جثة الضحية إلى المستشفى الجهوي ببني ملال، وإعادة استدعاء مفتش وضابط الشرطة اللذين تغيبا عن الجلسة بعد تنقيلهما إلى كل من برشيد وبن جرير من أجل حضور جلسة اليوم الأربعاء. كشفت إجابات المتهم في الجلسة الثانية عن تناقضات جديدة في أقواله وعن ظهور عنصر لم يتم الكشف عنه مسبقا، سواء في محاضر الشرطة أو أثناء الاستماع إليه في الجلسة الأولى قبل أسبوع، وأعلن المتهم وسط قاعة المحكمة أنه كان مرفوقا بشخص ثان لتجريب توازن السيارة قبل أن تقع الحادثة، وأضاف أنه تذكر بعد مكوثه بالسجن تفاصيل جديدة، منها أن مرآة السيارة قد أصيبت بشقوق، وأن «الضحية كانت تتمايل أمامه ولما صدمت بالسيارة ضربت بالواقية الأمامية ثم المرآة الارتدادية والواجهة الأمامية للزجاج ثم تدحرجت فوق السيارة لتسقط خلفها»، وأكد أنه صرح لرجال الشرطة أنه مهاجر بالخارج ولم تتم مطالبته بجواز سفره، كما هي العادة في حوادث السير، بل تم الاحتفاظ فقط برخصة سياقته. دفاع المتهم طالب بالسراح المؤقت للمتهم المعتقل منذ نشر خبر ليلى الراشدي، واعتبر القضية لا تخرج عن حادثة سير عادية مثل عشرات الحوادث المسجلة في ربوع المغرب كل يوم، وأوضح دفاع المتهم أن الحديث عن كون الأمر يتعلق بجناية قتل بعيد كل البعد عن تفاصيل وملابسات هذه القضية. أرحال: القضاء سيتحمل مسؤوليته إزاء قضية مقتل المواطنة ليلى الراشدي - ما رأيكم في مسار قضية مقتل ليلى الراشدي؟ > مسار المحاكمة إلى حد الآن يبعث على الأمل في استجلاء خيوط وفاة المواطنة ليلى الراشدي، ولا يمكن التكهن بما سيؤول إليه الملف. وللإشارة، فإننا في المركز المغربي لحقوق الإنسان نرفض مبدئيا كل ما من شأنه التأثير على مجريات المحاكمة سلبا أو إيجابا - ما هي التخوفات التي من المنتظر أن تنتج عن مصير ملف ليلى الراشدي؟ > ليست لدينا أي مخاوف بخصوص مآل الملف، إيمانا بأن القضاء سيتحمل مسؤوليته إزاء قضية مقتل المواطنة ليلى الراشدي، وما يستلزمه الأمر هو الثبات على موقفنا، على ضوء المعطيات والدلائل التي بحوزتنا، وكذلك ثبات ذوي الفقيدة من أجل كشف خيوط مقتلها. - ماذا ينتظر المركز المغربي لحقوق الإنسان فرع بني ملال من إجراءات تجاه المتورطين في هذه القضية؟ > الملف برمته بين يدي القضاء، وقد بدأ التحقيق مع المتورطين المحتملين، بالإضافة إلى الاستماع إلى الشهود. مطلبنا واضح هو إنزال العقوبة في حال ثبوت الجريمة على المتورطين مهما كانت مواقعهم. - ألا تعتقدون أن هناك جهات تحاول تبسيط الملف وجعله حادثة سير عادية، واتهام رجال الشرطة بالإهمال فقط؟ > هذا الموقف نعتبره في المركز سابقا لأوانه، والمركز المغربي لحقوق الإنسان ببني ملال يتابع مجريات المحاكمة عن كثب، وسيعلن عن موقفه بعد البت في الملف بصفة نهائية. - ما سر تغييب علاقة المتهم بأحد الموظفين بالنيابة العامة. وما سر سكوت المركز المغربي لحقوق الإنسان – فرع بني ملال، ر غم إثار ذلك من قبل؟ > لقد قام المركز المغربي لحقوق الإنسان بتزويد السيد الوكيل العام للملك بكل المعطيات والمعلومات المؤكدة حسب تحرياتنا من أجل فتح تحقيق عاجل في القضية، وحيث إنه تم تحريك الملف من قبل القضاء، فإن دورنا يقتصر على متابعة ومواكبة أطوار المحاكمة إلى حين إصدار الحكم، التزاما منا بما تمليه علينا القوانين والضوابط النضالية التي يتبناها المركز المغربي لحقوق الإنسان.