تشييع جنازة الراحل محمد الخلفي إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء بالبيضاء    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد (الجزء الأول)
نشر في التجديد يوم 15 - 01 - 2008


بتواضع كبير، يسجل المقرئ الإدريسي أبو زيد شهادته التاريخية، وينسب الفضل لأصحابه، فلم يكن الرجل – كما يصرح نفسه – من الصف الأول من القيادة الذي اضطلع بمهمة التنظير وإبداع الأفكار، ولم يكن من الصف الثاني الذي اهتم بصياغة الأوراق وبناء المناشط التربوية والثقافية والاجتماعية، وغنما كان من الصف الثالث، أو بعبارة أدق كان يمثل رجل الميدان الذي يمسح الوطن، ويلتقي بكل القواعد ويشرح الأفكار وينزلها ويقنع الإخوان بالتحولات الجديدة معتمدا في ذلك على ثقافته الواسعة ورصيد قراءاته العريضة واطلاعه الواسع على تجارب الحركات الإسلامية في العالم. - أربعة نقاط دفعتنا إلى إعلان المفاصلة عن الشبيبة الإسلامية استنكار واقعة اغتيال المناضل الاتحادي عمر بن جلون، وتوزيع المجلة الرعناء المجاهد و الخط الصدامي ضد النظام، والكلام الملتبس حول الصحراء المغربية. - كان استمراري مع الإخوان من باب الدفء النفسي والإيماني لأني أعرفهم منذ سنوات، ووجدت فيهم حماية لي من الانحراف وكنت أتلقى تربويا من الأستاذ عز الدين توفيق وفكريا من الأستاذ عبد الإله بن كيران زادا يملأ علي نفسي، وكان سعد الدين العثماني بديناميكيته، ويتيم بعمقه الثقافي، يشدانني إليهما، فكان لهؤلاء الأربعة دور كبير في صياغة فكري ونفسي. - الخط الأول كان هو خط إبداع الأفكار، وهذا تقريبا كان بارزا فيه الأستاذ عبد الإله بن كيران، والخط الثاني كان هو التأطير القيادي على المستوى التنظيمي والثقافي والتربوي وكان بارزا فيه أمثال محمد يتيم وعز الدين توفيق والأمين بوخبزة، وأنا كنت ضمن الخط الثالث، الذي هو خط تنزيل هذه الأفكار و المفاهيم إلى الواقع والاحتكاك بالقواعد ومجالستهم. - بعد صلاة الجمعة، ابتدرنا أبواب المسجد، فإذا بإخوة موزعين بكل إحكام في المسجد التمسوا منا بكل لطف أن نبقى في أماكننا، فإذا بشاب يقف أمام المنبر، يتحدث بفصاحة وصوت جهوري، ويتحدث عن المناكر والمفاسد في الوطن، ويتحدث أيضا عن مظلمة الحركة الإسلامية وكان هذا الأخ هو الأستاذ عبد الإله بن كيران. - كنت داخل الجلسة التربوية التي أؤطرها أذكر للإخوة البعد الرباني الذي جاء به الأستاذ عبد السلام ياسين، فلم يمر وقت طويل حتى وجدت الجلسة التنظيمية في نهاية السنة تنقسم إلى قسمين وأنا مسئول عن هذا الانقسام بسبب الانفتاح المبالغ فيه ، فنصف التحق بالعدل والإحسان، والنصف الآخر بقي مع الجماعة الإسلامية. *هل يمكن أن تحدثنا عن بداياتك الأولى؟ · ولدت سنة 1960 بمدينة مراكش،انتقلت فور ولادتي إلى مدينة برشيد، حيث كان والدي يدرس، وقضيت هناك أربع سنوات، وفي سنة 1964 انتقلت إلى مدينة الجديدة، والتحقت بالكتاب القرآني مثل كل أطفال ذلك الوقت، ثم بالتعليم الابتدائي سنة 1966، ونلت سنة 1978 شهادة الباكلوريا لآداب عصرية برتبة الأول على الصعيد الوطني ، والتحقت بالرباط حيث تابعت دراستي بكلية الآداب ست سنوات، فحصلت على الإجازة في الأدب العربي، ثم دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات، وتخرجت إثرها أستاذا بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء في شعبة اللغة العربية (تخصص اللسانيات)، وفي سنة 1997 التحقت بمجلس النواب في أول مجموعة نيابية لحزب العدالة والتنمية. ترعرعت في أسرة متدينة. حفظت من القرآن على يد والدي ووالدتي اللذين يحفظانه كاملا. نشأت في أسرة، جل رجالها ونسائها متدينون يحفظون أجزاء كبيرة من القرآن ولهم حظ من العلم الشرعي، فتحت عيني على خزانة والدي وفيها أمهات الكتب، ونشأت في بيئة، تعتبر الصلاة وكذا الشعائر الدينية، من المسلمات. · وكيف كانت بدايتك الأولى في الحركة الإسلامية؟ · دخلت التنظيم دون أن أعرفه سنة 1976، حيث التحقت بمجموعة كان يؤطرها شاب قادم من الدار البيضاء وكان يدرس الرياضيات بمدينة الجديدة، وكانت هذه المجموعة تابعة لجماعة التبين التي انشقت عن الشبيبة الإسلامية، ولم أكن أعرف شيئا عن هذا كله، وعندما قدمت بعد ذلك بسنتين إلى الرباط أي في سنة 1978، التقيت بالأساتذة الأمين بوخبزة ومحمد عز الدين توفيق وأحمد كرامي، وبالأخوين محمد الحمزاوي ومحمد بوبلي، وكان لهؤلاء جميعا الفضل في إدخالي إلى أول جلسة تربوية ما زلت أذكرها بالتفاصيل، وكان ذلك في مارس 1979، في غرفة بالحي الجامعي كان يقطن بها الأستاذ عز الدين توفيق، وما زلت أعي، كما اليوم بعد ثمانية وعشرين سنة، كيف تناول الأستاذ عز الدين توفيق درسا عن تفسير مقطع من سورة القيامة، وأحسست أن ذلك اليوم كان يوم ولادة جديدة بالنسبة إلي، وبعد التحاقي بالجلسة التربوية لمدة وجيزة، تقلدت مسؤوليات طلابية وتنظيمية داخل العمل الإسلامي، ثم شهدت تحول سنة 1981 إلى الوضوح والعلانية ومفاصلة خط الشبيبة الإسلامية والعمل الناضج، وما زلت أعيش هذه التحولات وأواكبها إلى اليوم. · نود أن نعرف تفاصيل المرحلة التي انتميت فيها إلى الشبيبة الإسلامية؟ · في سنة 1976، جمعنا شاب متحمس كان أستاذا للرياضيات، وفد على مدينة الجديدة، وبدأ يعطينا دروسا في الفقه من كتاب فقه السنة للسيد سابق، ودروس في التفسير من كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، ودروس في العقيدة، دون أن يفصح لنا عن الانتماء، ولم يكن أحد في المجموعة التي كانت تجلس إليه يعرف شيئا عن التنظيمات الإسلامية العاملة في الساحة وقتها، فقد كنا تلاميذ في الثانوي، وكان هذا الأخ متعاطفا أو منتميا إلى جماعة التبين التي انفصلت عن الشبيبة الإسلامية. · ألا تتذكر اسمه؟ · لا أذكر اسمه بالكامل، فأذكر فقط أن اسمه أحمد ، وأنه من مدينة بن أحمد ،، وعندما غادرت الجديدة سنة 1978 إلى الرباط من أجل الدراسة انقطعت علاقتي به، ولكن عند مجيئي إلى الرباط، التقيت بالإخوة الأمين بوخبزة وعز الدين توفيق وأحمد كرامي ومحمد بوبلي والحمزاوي، وبدأت التردد والانتظام في الجلسات التربوية، ولم أكن أعرف في المرحلة الأولى أن الأمر يتعلق بتنظيم، ولم يذكر لي اسم الشبيبة الإسلامية ولا اسم عبد الكريم مطيع، فقد كان نشاطي في هذه المرحلة مقتصرا على الجانب التربوي التأطيري، وكان معي في هذه الجلسة نخبة من الطلبة الملتزمين والمتدينين والمتفوقين دراسيا من كلية الآداب ومن شعبة الأدب العربي على الخصوص. وفي سنة 1981 نفاجأ بعقد لقاءات ماراطونية في بيوت خاصة ومجيء الأساتذة عبد الإله بن كيران والأمين بوخبزة ومحمد يتيم لإقناعنا بمفاصلة عبد الكريم مطيع والانفصال عن الشبيبة أو إخراج مطيع من الشبيبة الإسلامية وتحويلها إلى اسم الجماعة الإسلامية، وتم انتخاب محمد يتيم رئيسا غير معلن (شبه سري) وكذا التبرؤ من أساليب مطيع ومن إشكالياته وسمعت لأول مرة الحديث بنوع من الاستنكار عن واقعة اغتيال المناضل الاتحادي عمر بن جلون، وعن توزيع المجلة الرعناء المجاهد وعن الخط الصدامي ضد النظام، وكذا الكلام الملتبس حول الصحراء المغربية. فكانت هذه هي النقاط الأربعة التي لقيت صدى في نفوسنا، ودفعتنا بقوة نحو إعلان المفاصلة. · وكيف كان موقفك من هذه التحولات؟ · شخصيا لم أومن قط بخط عبد الكريم مطيع، فلم أومن بالسرية ولا بالانقلابية ولا علم لي بحكاية اغتيال عمر بن جلون إلا من جريدة المحرر ، قرأتها وأنا تلميذ في الثانوي، وعندما جاء الأستاذ عبد الإله بنكيران بكل قوته الإقناعية وحماسته الفكرية والإيمانية كنت من أوائل من أعلن مبايعته للخط الجديد وانخراطه فيه، ولم تكن لي أدنى صلة بالقيادة السابقة ولا أدنى معرفة بعبد الكريم مطيع ولا بالستة أو التبين ولا بتلك التداعيات الدراماتيكية التي حصلت ما بين 1975 و 1978، فقد عشت مرحلة 1978 إلى 1981 في صفوف الشبيبة الإسلامية وكان العمل يسير بشكل هادئ حيث كان يركز جهوده على الجانب التربوي والثقافي والاجتماعي، وفي سنة 1981 بدأت المفاصلة، فعشت هذا التحول دون أن أعرف الحمى التي كانت تواكبه. · هل يصح أن نقول بان الانتماء الحقيقي للمقرئ الإدريسي أبو زيد يبتدئ سنة 1981؟ · نعم وهو الانتماء الذي أعلنته، لأني قبل ذلك لم أخاطب باسم تنظيم، ثم إن هذا الانتماء الجديد هو الذي وافق روحيا وفكريا توجهي وعقليتي فانخرطت فيه بحماس. · ألم تشعر في تلك المحطة أنه لم يكن هناك توجه واضح يقود القطيعة مع الشبيبة الإسلامية اللهم ما كان من الرغبة في مفاصلة الخط الصدامي الذي كاد أن يجهز على كسب الحركة الإسلامية؟ · في الحقيقة كان استمراري مع الإخوان من باب الدفء العاطفي والنفسي والإيماني لأني أعرفهم منذ سنوات، ولأنني أرى فيهم حماية لي ولأمثالي من الانحراف مع فورة الشباب واندفاع السن، وكنت أتلقى تربويا من الأستاذ عز الدين توفيق وفكريا من الأستاذ عبد الإله بن كيران زادا يملأ علي نفسي، وكان سعد الدين العثماني بديناميكيته، ويتيم بعمقه الثقافي، يشدانني إليهما، فكان لهؤلاء الأربعة دور كبير في صياغة فكري ونفسي، فوجدتني مستمرا معهم لهذا الدفء النفسي والعاطفي ولما ذكرت، ثم لمفاصلتهم لخط فيه مخاطرة ومقامرة ورعونة وأنا لا علم لي به أصلا إلا من رواياتهم، ولتبنيهم لخط وإن لم تتضح تفاصيله بعد، إلا أن معالمه الرئيسة كان الأستاذ عبد الإله بن كيران فارسا في شرحها وكان يستخرج لها ويستنبط الأدلة والشواهد من السيرة النبوية ومن سيرة السلف الصلح ومن تاريخ العلماء الأماجد، وكان يزيد إلى ذلك تقدير المصلحة وترجيح الوضع وتبني خط وسطي اعتدالي رغم أن كلمة الوسطية والاعتدال لم تكن واردة وقتها على ألسنتهم، فوجدتني ممتلئا فكريا ونفسيا وروحيا وعاطفيا بهذه التحولات، وساهمت فيها بما أستطيع. · وكيف كانت مساهمتك في هذا التحول؟ · كان دوري يقتصر على التأطير الجاد للخلايا التربوية التي كنت مسئولا عنها، ولما غادر مجموعة من الإخوة كلية الآداب، تسلمت مسؤولية هذه الكلية، وكنت حريصا على أن أقوم بعملي التربوي والثقافي والاجتماعي والتنظيمي في الحدود القصوى التي أطيقها وأن أكون مبادرا ومستجيبا لكل المبادرات التي تعرض علي. · هل يمكن لكم أن تفصلوا لنا أهم المفاهيم التي سعيتم لتأصيلها لبناء التوجه الجديد على أساسها؟ · لم أكن من المؤصلين ولا أدعي ذلك، فأنا دائما أقول أني في الخط الثالث من القيادة، فالخط الأول كان هو خط إبداع الأفكار، وهذا تقريبا كان بارزا فيه الأستاذ عبد الإله بن كيران، والخط الثاني التأطير القيادي على المستوى التنظيمي والثقافي والتربوي وكان بارزا فيه أمثال محمد يتيم وعز الدين توفيق والأمين بوخبزة، وأنا كنت ضمن الخط الثالث، الذي هو خط تنزيل هذه الأفكار وهذه المفاهيم إلى الواقع والاحتكاك بالقواعد ومجالستهم وإلقاء المحاضرات والسفر إلى الأركان الأربعة للوطن، ومتابعة التنفيذ والحرص على أن أكون متواصلا مع القواعد وأن أنزل لهم هذه الأفكار، ولا أدعي لنفسي أني كنت في أي مرحلة من المراحل مبتكرا لفكرة أو مبادرا إلى تصور أو واضعا لورقة، ولكني كنت دائما الشارح لهذه الفكرة، أو المفصل لتلك الورقة، أو المنزل لمجموعة من المبادرات التنظيمية والفكرية، وأيضا الباحث عن سند في تجارب الحركات الإسلامية بحكم اطلاعي الواسع وقراءاتي العريضة وقدرتي على الإقناع ونفسي في المحاضرات الواسعة، وكنت ألزم نفسي التزاما صارما بالواجبات التنظيمية والمالية والأخلاقية تجاه التنظيم. · التقيتم بالأستاذ عبد الإله بن كيران مبكرا، وقلتم عنه بأنه كان هو المنظر للأفكار الجديدة التي قادت عملية التحول، كيف بدأت معرفتك به؟ · كان أول لقاء لي بالأستاذ عبد الإله بن كيران بمسجد الحي الجامعي السويسي الأول، حيث كنا نصلي الجمعة هناك، وعندما انتهى الخطيب من الخطبة وصلينا وسلمنا، ابتدرنا الأبواب، فإذا بإخوة موزعين بكل إحكام في المسجد التمسوا منا بكل لطف أن نبقى في أماكننا، فإذا بشاب يقف أمام المنبر، لا يصعد إليه، ولكنه يقف أمامه، يتحدث بفصاحة وصوت جهوري، ويتحدث عن المناكر والمفاسد في الوطن، ويتحدث أيضا عن مظلمة الحركة الإسلامية وكان هذا الأخ هو الأستاذ عبد الإله بن كيران، وقد شدني منطقه وقوته في الكلام وأعجبت كثيرا بحديثه، فخرجنا بعد ذلك في مسيرة داخل الحي الجامعي وكنت من المساهمين فيها في الصف الأول، وتعرفت عليه بعد ذلك في مثل هذه المحطات وكان يخطب بطريقة عنترية يشد إليه الأبصار والآذان ويؤثر في الجموع، فكنت مشدودا إلى هذا النوع من الحديث بحكم سني وتوجهي، فأساسا أعجبني في شباب الحركة الإسلامية هذه الروح الإيمانية وهذا النفس الإيماني وهذه العقلية البطولية التي تتصدى لنقد الواقع وتتحدث عن التغيير بنوع من الطهرانية، بحيث تعلن رغبتها في إزالة الفساد والمنكر والمعصية وما يغضب الله وأن تأتي بالعدل والشورى وما يرضي الله عز وجل وبالاستقامة وسيادة وكرامة الوطن. · ألم يكن لك في هذه المرحلة أدنى احتكاك بالعدل والإحسان وبمرشدها عبد السلام ياسين؟ · أول زيارة لي للأستاذ عبد السلام ياسين كانت في صيف سنة 1982، وكانت بداية الاحتكاك بالعدل والإحسان وكانت يومها تحمل اسم أسرة الجماعة والسبب هو شاب كان معي في نفس الجلسة التربوية ثم أعجب بالأستاذ عبد السلام ياسين ثم انصرف إليه، ولأنني كنت أومن ولا أزال بأن العلاقة الأخوية هي فوق العلاقة التنظيمية، فقد احتفظت بصلة طيبة معه ورفضت مجافاته لمجرد أنه لم يعد في الجلسة التربوية. وقد جالست الأستاذ عبد السلام ياسين في أحد المجالس فشدني حديثه الإيماني والرباني، وقدرته على الإقناع، وكانت المرحلة عنده مرحلة تربوية محضة، وشده إلي أيضا جديتي وحسن استماعي إلى حديثه، واهتمامي فقربني إليه، وكنت في الزيارات القليلة التي زرته فيها موضع اهتمام منه وتقريب، وكنت عندما أعود إلى الهيئة التي كنت مؤطرا فيها أحدث الإخوة بكل موضوعية عن الأستاذ عبد السلام ياسين وعن البعد الإيماني والرباني الذي جاء به، وأعطيهم بعض كتبه ومطبوعاته مثل مجلة الجماعة وأخيرهم بين أن يبقوا في الإطار الذي كانوا فيه أو يلتحقوا بالأستاذ عبد السلام ياسين، وكانت المرحلة مرحلة تحول جد صعبة حيث كانت القيادة وقتها في السجون والمخابئ، وكانت هناك حالة من الاضطراب وأحاديث وشوشرة من الذين بقوا في الشبيبة ولم يلتحقوا بالجماعة الإسلامية ، وكلام عن منشورات تأتي من أوربا وعن أحوال غير مرضية، وتشكيك في علاقة الشبيبة الإسلامية باغتيال عمر بن جلون فكنا حقيقة نعيش حالة من الضعف والتردد ما بين 1981 و1984 وهي الفترة التي تألق فيها عبد السلام ياسين ونشط كثيرا في بيته بسلا، وشدني إليه ما شدني إلى إخواني وحضرت لإحدى محاكماته فتأثرت كثيرا، وبهذا وجدت الجلسة التنظيمية في نهاية السنة تنقسم إلى قسمين وأنا مسؤول عن هذا الانقسام بسبب الانفتاح المبالغ فيه الذي ما زال معي وأنا مرتاح به، فنصف التحق بالعدل والإحسان، والنصف الآخر بقي مع الجماعة الإسلامية واذكر أننا كنا وقتها في هذه الجلسة اثني عشر فردا. · أنت تتهم انفتاحك بأنه السبب في تقسيم الجلسة التي كنت تؤطرها؟ · أنا كنت أتحدث في الجلسة عن اختياراتنا الفكرية والتنظيمية، وكنت في نفس الوقت أتحدث عن البعد الرباني والإيماني عند الأستاذ عبد السلام ياسين ، وكنت أقول لعل الله أرسل إلينا الأستاذ عبد السلام ياسين في تلك المرحلة الحرجة كجرس إنذار يقرع في آذاننا لينبهنا إلى ضرورة الرفع من معنوياتنا ونحن نعيش وقتها حالة من الاضطراب النفسي، فجاء الرجل ليقيم في أنفسنا ذلك البعد التربوي ويلفتنا إلى أهمية قيام الليل وفضل الذكر وإلى الإكثار من العبادات وهو أمر لم نعد ننشط فيه كثيرا كما كنا من قبل، فكانت هذه هي صلتي بالأستاذ عبد السلام ياسين وببعض الوجوه التي ظلت سنين طويلة ترجو التحاقي بالأستاذ عبد السلام ياسين وبجماعته، وتراني أقرب الناس إليه، وتتصور أنني في يوم من الأيام سأعلن انتمائي إلى هذا التنظيم، ولعلي أكون وجها بارزا فيه، وهو ما لم أحسمه قط لا مع ولا ضد، وبقيت إلى اليوم أحتفظ بتعاطف كبير مع بعض وجوه الربانية والإيمانية في جماعة العدل والإحسان وأحتفظ بتعاطف كبير أيضا مع الأستاذ عبد السلام ياسين لكني أحتفظ بولائي كلية للتنظيم الذي أنتمي إليه، ولقياداته ولخطه الفكري والسياسي. في الحلقة القادمة: المقرئ يشرح تفاصيل المراجعات التي قادت التحول نحو الجماعة الإسلامية

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.