إذا ما استعرض المرء التصريحات الحكومية خلال عقدين كاملين ، سيجد أنها تتناول قضايا التشغيل وإصلاح التعليم وإصلاح القضاء وفك التهميش عن المناطق النائية ومكافحة الفقر والقضاء علي الأمية .... الخ فاذا ما بحثنا عن التقدم الذي حدث في المغرب خلال هذه المدة الطويلة في جميع هذه المجالات سنجد أن الأمور في كل منها لم يبق علي حاله وإنما ازداد سوءا عما كان عليه قبل عشرين عاما . مشكلة بطالة الخريجين تفاقمت . إصلاح التعليم رغم ما قيل عن قدرة الميثاق الوطني للتربية والتكوين على إصلاحه فإن أوضاع التعليم تزداد من بعده سوءا. إصلاح القضاء لم توجه للقضاء انتقادات ولم تثر فضائح علنية حوله مثل السنوات الأخيرة وتواصل الحديث عن إصلاحه دون انقطاع ولعله لن ينتهي أبدا. تهميش المناطق النائية ظل في معظم المناطق المنسية أو المغضوب عليها على حالة بدون طرق ومياه وكهرباء ومرافق ولم تعد ساكنتها تحتمل المزيد وعندما لم سكان مناطق تابعة لورزازات مقاطعة الانتخابات خرجت جماهيرهم الأسبوع الماضي تعبر عن سخطها، لتحرق العلم الوطني و تشتبك مع الجيش وقوات الأمن في معركة غير متكافئة. واعتقل منها عددا في حدود الأربعين لايعرف مصيره..علما بأن المنطقة التي يعيشون فيها تعد امتدادا للصحراء وذات حساسية فائقة بالنسبة لأمن التراب الوطني . إذا ما حاولنا المقارنة بين التصريحات الحكومية قبل عشرين عاما، والتصريحات الحكومية الحالية، سنجد أن الأخيرة ليست أكثر من تكرار أو إعادة إنتاج لسابقاتها ، ودون أي تغيير يذكر في المفردات والمعاني والمعاذير أو الوعود. يتضح ذلك مما نشرته الصحف المحلية عن حديث السيد/ جمال أغماني في مؤتمر صحافي عقده بالدار البيضاء الأسبوع الماضي .ردد فيه ما سبق أن سمعناه مكررا خلال عشرين عاما : الوظيفة الحكومية لايوجد فيها متسع للخريجين لأنها في غير حاجة اليهم.. ولو أنه ابتدع تعليلا ظريفا لم يسبقه اليه أحد من ، فهو فعلا وإن كان الأخير زمانه ، أتي بما لم يأت به الأوائل،فقد قال معاليه إن إخضاع التشغيل في القطاع العمومي لاعتبارات إجتماعية ، يؤدي الي تدني الكفاءات بهذا القطاع، إذ يفرض عليه توظيف كفاءات لايحتاجها فعلا ، فيما تذهب الكفاءات الحقيقية الي القطاع الخاص ، وأنه إذا استمررنا على هذه الحالة سنجد أنفسنا مستقبلا في وضع يكون فيه قطاع خاص قوي وذو كفاءات عالية ، لايجد أمامه محاورا عموميا في نفس المستوي. هل رأيتم أظرف من هذا التبرير الغير مسبوق؟..الظرف فيه هو أن المعطلين لا يجدون فرص عمل لافي القطاع العام ولا الخاص مهما كانت كفاءتهم. أو أن الفرص القليلة التي مازال يتيحها الفطاع الحكومي في الغالب بالرشوة والوساطات لا تمثل أكثر من واحد في المائة من حجم قوة العمل العاطلة. والقطاع الخاص استقال من مجال التشغيل منذ سنوات والعديد من معامله أغلقت أبوابها. يعود معالي الوزير مرة أخرى الي الحديث عن الملاءمة بين العرض والطلب ولكأن هناك طلب حقيقي ، وهو عموما مانسمعه أيضا طوال عشرين عاما ولاجديد فيه . فماذا فعلت الحكومات المتعاقبة أ و نفذت من مخططات أو برامج لإيجاد هذه المواءمة المفقودة أو الغائبة ؟..لا شيئ. لم يتم التوسع في التعليم التقني بالقدر الكافي واستمر التشديد علي شروط الالتحاق بالمدارس التقنية العليا رغم شعار 10000مهندس ،لم يتم أيضا دراسة أسباب ضعف علامات التلاميذ في الرياضيات والفيزياء التي يتم التذرع بها لتحويلهم الي الأقسام الأدبية لكي يتكدسون بعد ذلك في الكليات النظرية التي لايحتاجها سوق الشغل المغلق حاليا ، أو لو وجد من يفتحونه مستقبلا ، ولا يوجد لهم فرص عمل حتي خارج المملكة . ما يسترعي الانتباه أن معالي الوزير بشر بأنه سيفتح 02 وكالة تشغيل جديدة لكي يغدو عددها 70 وكالة دون أن يخبرنا عن كم فرصة عمل دبرتها الخمسين وكالة للخريجين العاطلين خلال العام الماضي ؟ والتي يقول أنها تقوم بالوساطة بين طالبي الشغل وأصحاب الأعمال.فإذا لم تكن حققت شيئا ذي بال فلماذا لايغلق الخمسين وكالة عوض أن يضيف خمسين أخرى اليها؟ بالطبع يمكن للسيد الوزير أن يقول بأنه غير مسؤول عن عدم وجود فرص شغل لأنه مجرد وسيط بين طالبي الشغل ، وهم يملؤون الشوارع وقد بحت أصواتهم وتكسرت أضلع الكثير منهم ، لأنهم يطالبون بحقهم في الشغل ، بينما من عندهم فرص شغل لا وجود لهم.