اجتاز الملك محمد السادس، يوم أول أمس الخميس، حاجز العشر سنوات من جلوسه على عرش المملكة المغربية، وهي فترة مناسبة، حسب رأي الكثير من الملاحظين، لإعطاء وجهة نظر متكاملة عما تحقق من مكتسبات في العهد الجديد، كما أطلق عليه في مرحلة البدايات، وأيضا من أجل تسليط الضوء على الأشياء التي لم تتحقق، فابتداء من ملف حقوق الإنسان، عبر إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة والسماح بعودة السرفاتي ورفع الإقامة الجبرية عن عبد السلام ياسين، ومرورا بمدونة الأسرة التي حققت مكتسبات عدة للمرأة المغربية، واتساع هامش حرية التعبير عما كان عليه الأمر من قبل، ووصولا إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وسعيها إلى القضاء على واقع الفقر والتهميش الذي تعيشه مناطق كثيرة في المغرب، كل هذا إلى جانب أوراش كبرى عديدة تم فتحها، مثل إصلاح القضاء وهيكلة الحقل الديني ودعم المشاركة السياسية..إلخ. ومع ذلك لا يمكن القول إن المغرب قد قطع أشواطا كبيرة مبتعدا عن واقع «التخلف»، خاصة على المستوى الاجتماعي الذي يبقى المعضلة الكبرى التي يعاني منها المغاربة، من قبيل قلة فرص الشغل والتمدرس والصحة والطرق وندرة الماء الصالح للشرب والكهرباء بالقرى والمداشر ..إلخ. وإذا كان المغرب قد قطع أشواطا مهمة في العشر سنوات الماضية، فإنه لازالت تنتظره أشواط أخرى أكثر أهمية في مستقبل الأيام. إصلاح القضاء.. متى وكيف؟ شكل موضوع إصلاح القضاء قضية ذات أولوية في عهد الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يشدد على ضرورة المضي قدما في هذا الورش وتنفيذ المخططات العاجلة الكفيلة بجعله يقوم بدوره على الوجه الأكمل في خدمة المواطنين. وأكدت الحكومة من جانبها في أكثر من مناسبة على «التزامها القوي وانخراطها التام في إنجاح الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، باعتباره توجيها ملكيا ساميا وأسبقية أساسية في البرنامج الحكومي». في هذا الإطار حرص وزير العدل عبد الواحد الراضي منذ أبريل الأخير على التواصل مع الأحزاب الوطنية والجمعيات المعنية التي مدته في نهاية المطاف بمقترحاتها لإصلاح القضاء بناء على طلبه. ولم تفصح الوزارة منذئذ عن مصير تلك المقترحات، كما لم تتحدث عن أجندة زمنية لتقديم تصورها العام عن إصلاح ورش القضاء. وأوضح الراضي أن النهوض بالأوضاع الاجتماعية للقضاة وموظفي المحاكم وتوفير بنود تضمن استقلالية القضاء، إلى جانب توفير الوسائل المادية والتقنية هي الأسس العامة التي تلخص رؤية الوزارة للإصلاح. مقابل ذلك، وبتزامن مع مبادرة الراضي، كشفت 10 جمعيات مغربية معنية بمجال الحقوق والقضاء يوم 6 أبريل الأخير النقاب عن مذكرة أعدتها تضم بنودا خاصة بإصلاح القضاء. المذكرة تهم ابتداء الحديث عن تدبير وتسيير شؤون المحاكم والبنايات بغرض تأهيلها لأداء دورها في ظروف مناسبة، وضمت بنودا تتحدث عن تكوين القضاة واقترحت أن يكون المحامي حاصلا على شهادة الماستر لولوج المعهد العالي للقضاء، بعد أن يقضي عشر سنوات كاملة في ممارسة المهنة، تتم تزكيته من طرف نقيبه واجتياز مقابلة مع لجنة مشتركة بين المجلس الأعلى للقضاء وجمعية هيئة المحامين حتى يصبح قاضيا، ويستعمل خبرته الطويلة والغنية في خدمة المهنة وأدائها بشكل أفضل. وبخصوص استقلالية القضاء التي تثير جدلا واسعا في المغرب، دعت الجمعيات العشر إلى إعادة النظر في صلاحيات وزير العدل التي تمنحه حق تعيين القضاة والتحكم في تنقيلاتهم وترقيتهم وإحالتهم على المجلس التأديبي والحكم عليهم بالتوبيخ أو التنبيه، وإن كان الملك هو الذي يصدر قرار الشطب في حقهم. كذلك يتدخل وزير العدل في القضاء بشكل غير مباشر من خلال تعيين رؤساء المحاكم. وترى الجمعيات المدنية أن تأسيس جهاز مستقل عن الحكومة يتكلف بمراقبة القضاة ومحاسبتهم، إلى جانب تحصين القاضي وحفظ مقامه الاعتباري، كفيل بتوفير المناخ الصحي لاستقلالية القضاء. بالإضافة إلى ذلك، يبقى «التعذيب» إحدى أهم النقاط التي تثير النقاش المرتبط بالقضاء، وقد أعلنت 12 منظمة حقوقيةً الخميس الأخير خلال لقاء صحافيٍ في الرباط، تشكيل اللَجنة المغربية لمكافحة التعذيب، معتبرة التعذيب جريمة إنسانية ولا يجب أن تمارس في بلد عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ويشغل منصب نائب رئيس اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب. الحكم الذاتي ورمال الصحراء المتحركة جسد مشروع المغرب باقتراح حكم ذاتي لإنهاء النزاع في الصحراء منعطفا نوعيا في مسار الملف الذي عمر أزيد من ثلاثين سنة. ويرتكز المشروع على منح الأقاليم الجنوبية مؤسسات جهوية منها حكومة وبرلمان يضطلعان بمهامهما العادية باستثناء ما يتعلق بالسيادة في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية، إلى جانب الاختصاصات الدستورية والدينية للملك والعلم الوطني والعملة. وعمل المغرب على إقناع الدول العظمى الممثلة في مجلس الأمن الدولي بقوة مشروعه ونجاعته وفعاليته في إنهاء النزاع، وقام عدد من المسؤولين برحلات مكوكية عبر مدن العالم والتقوا بالمسؤولين لهذا الغرض، وحقق المشروع نوعا من «التجاوب» لدى أغلب الدول والمنظمات، منها مجلس الأمن، الذي وصف الجهود المغربية ب«الجادة وذات المصداقية». وقد صادق مجلس الأمن الدولي في 30 أبريل 2009 على القرار رقم 1871، يؤكد فيه دعم مقتضيات القرار 1813، الصادر عام 2008، الذي دعا الأطراف إلى إجراء «مفاوضات جوهرية أكثر تعمقا» و«التحلي بالواقعية وبروح التوافق» من أجل إحراز تقدم ملموس في المفاوضات، وهي المصطلحات ذاتها التي استخدمها المبعوث الأممي السابق «بيتر فان فالسوم»، وهو ما أغضب البوليساريو والجزائر، ليتم بعدها استبعاده وتعويضه بالسفير الأمريكي السابق في الجزائر كريستوفر روس. وتصر البوليساريو ومعها الجزائر على رفض أن تكون بنود المبادرة المغربية إطارا للمفاوضات بين الطرفين لحل مشكل الصحراء، لذلك ما لبثت الجولات الأربع في مانهاست الأمريكية أن فشلت في تحقيق الأهداف التي كانت متوخاة منها. ويحاول المبعوث الأممالمتحدة الجديد أن يبعث تلك المفاوضات من جديد عبر التوافق مع الأطراف المعنية على أرضية مشتركة لبدء النقاش، وقد بدأ في هذا السياق زيارة إلى المنظمة منذ أسابيع، حيث نقل عنه قوله إنه «متفائل بخصوص إمكانية الاستئناف السريع للمفاوضات حول مستقبل هذه المنطقة». حرية التعبير تعترضها «زرواطة» المخزن برهنت الإهانات اللاذعة التي سمعها الصحافيون وسط العاصمة الرباط من موظف في وزارة شكيب بنموسى على أن أوضاع حرية الصحافة في المغرب وهي أحد الأوراش المهمة في عهد محمد السادس. ما تزال تفتقر للكثير من المقومات. حقيقة زكاها منع أصحاب مهنة المتاعب من تغطية جل العمليات الانتخابية الخاصة بتشكيل المجالس البلدية، إلى جانب سلسلة المحاكمات القضائية للصحف والصحافيين على حد سواء، والغرامات الخيالية التي حكم بها على بعض الجرائد وفي مقدمتها «المساء». بينما تؤكد الحكومة من جهتها على لسان وزير الاتصال خالد الناصري أن العمل الصحافي يتمتع بأكبر قدر من الحرية وأن ما تنشره التقارير الدولية من حقائق عن تردي الوضع الإعلامي في المغرب مجرد «مزايدات لا تراعي التقدم الذي يعرفه المغرب في المشهد الإعلامي». وتميزت العشر سنوات الماضية مما عرف ب«العهد الجديد» بمنع عدد من الصحف والمجلات منها «لوجورنال» ودومان» و«دومان ماغازين»، إلى جانب اعتقال عدد من الصحافيين، من بينهم علي المرابط ومصطفى حرمة الله ومصطفى العلوي. وبالإضافة إلى الاعتقالات ومنع الصحف، برزت إلى السطح الغرامات المالية الخرافية التي شكلت أهم «تحول» في تعامل الدولة مع الصحف في السنوات الأخيرة. فبعد حكاية المليون درهم التي طالبت الغرفة الجنحية بالدار البيضاء مجلة «تيل كيل» بأدائها لفائدة نائبة برلمانية عام 2005، فوجئ الرأي العام الوطني بحبل ال 600 مليون سنتيم الذي لف حول عنق «المساء» لفائدة الأربعة وكلاء للملك في قضية «زواج الشواذ» بالقصر الكبير. ولم يكد المواطن المغربي يستوعب ما جرى حتى اندلعت قضية العقيد الليبي معمر القذافي حيث رفعت «سفارته» بالرباط دعوى قضائية ضد كل من «المساء» و«الجريدة الأولى» و«الأحداث المغربية» تطالب بأداء الجميع 90 مليون درهم. كل ذلك حدث وسط تراجع الحديث عن مشروع قانون الصحافة الجديد الذي بشرت به وزارة الاتصال منذ عام 2007، حيث أكد وقتها خليل العلمي الإدريسي - مدير الدراسات والتخطيط والتوثيق بوزارة الاتصال- أن «القانون يعزز الضمانات الأساسية لممارسة صحافية احترافية، من خلال النص الصريح على عدة حقوق، منها الحق في الوصول إلى الخبر، حيث إن الصحافي بإمكانه الحصول على جميع المعطيات العامة وتحليلها ونشرها». وبحسب المسؤول نفسه، فإن القانون المرتقب يعتبر أن أي رفض لإعطاء المعلومات غير مكتوب وغير معلل من طرف مسؤولي القطاع العام يعتبر شططا في استعمال السلطة، ويعرض صاحبه للمساءلة. وشرحت وزارة الاتصال أنها حذفت بعد نقاشات مع «المهنيين». عقوبة الحبس من 16 مادة ولم يتم الاحتفاظ بها إلا في 6 مواد، تتعلق أساسا بجرائم تمس إما ثوابت الأمة أو السلامة الداخلية أو الخارجية للبلاد أو تتعلق بالتحريض على الإرهاب أو على العنف أو على الكراهية والتمييز العنصري أو تتعلق بالسب والقذف والمس بكرامة الأشخاص وحياتهم الخاصة. ومقابل «حذف» العقوبات الحبسية، تم التنصيص على الرفع من قيمة الغرامات المالية بدعوى أن الصحف تمتلك رصيدا مهما من المداخيل المالية تسمح لها بتسديد ما عليها من غرامات. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. هل تكفي؟ برزت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كأحد أهم ملامح العشرية الأولى من عهد محمد السادس بعدما كشف عنها النقاب عام 2005، مستهدفة محاربة الفقر ومساعدة الطبقات الفقيرة في الوسط القروي والحضري، على حد سواء، على النهوض بأوضاعها المادية والاجتماعية، عبر دعم الأنشطة المدرة للدخل، وتنمية الكفاءات البشرية. إلى جانب تحسين وضعية الولوج إلى الخدمات والتجهيزات الأساسية (تعليم، صحة ، شأن ديني، طرق، ماء صالح للشرب، تطهير، حماية البيئة...). وحسب المسؤولين عن تنزيل أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن أهدافها «تتماشى ومبادئ احترام كرامة الإنسان وحماية وتعزيز حقوق المرأة والطفل وبث الثقة في المستقبل لدى المواطن مع إشراك وإدماج المواطنين في المسلسل الاقتصادي». وقد تم رصد حوالي 250 مليون درهم لتمويل البرنامج الأولي خلال العام نفسه، ساهمت فيها الميزانية العامة للدولة بمبلغ 50 مليون درهم مقابل 100 مليون درهم لكل من الجماعات المحلية وصندوق الحسن الثاني. وخصص مبلغ 73 مليونا و423 ألف درهم لمحاربة الفقر في الوسط القروي، مقابل حوالي 95 مليون درهم لمحاربة الإقصاء الاجتماعي، وما يناهز 76 مليون درهم لمحاربة الهشاشة والتهميش. وبخصوص برنامج المبادرة الممتد من 2006 إلى 2010 تم تخصيص مبلغ مبالي قدره عشرة ملايير درهم، منها 2.5 مليار درهم خصصت لمكافحة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري، ويستهدف 250 من الأحياء الحضرية، مقابل 2.5 مليار درهم خصص لمحاربة الفقر في القرى ويستهدف 360 جماعة قروية. ولم تسلم هذه الأرقام الرسمية من انتقادات عدد من الخبراء الذين أكدوا أن تقييم نتائج المبادرة ينبغي أن يتم على مستوى الواقع ودراسة عدد المشاريع التي نجحت وحققت الأهداف المرجوة منها، موضحين أن عددا من الاختلالات شابت تنزيل بنود المبادرة. وبلغ عدد المشاريع المسجلة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر المبادرة حسب الأرقام الرسمية 12 ألفا و133 مشروعا، وصلت الاعتمادات المخصصة لإنجازها إلى 6 ملايير و600 مليون درهم، وهي مشاريع استهدفت بصفة مباشرة 3 ملايين شخص.