من الواضح أن محاكمة صدام حسين لا تتعدى كونها جزء لا يتجزأ من ألعاب الاحتلال الرامية إلى إقناع الشارع العراقي ومن ورائه العالم العربي والإسلامي، فضلاً عن الرأي العام الدولي ومن ضمنه الأمريكي بأن لعبة نقل السيادة إلى العراقيين تتم على قدم وساق، وأن العراقيين أنفسهم هم الذين يحاكمون طاغيتهم وليس الأمريكان الذي لم تتجاوز مهمتهم إسقاطه وتسليمه لأبناء شعبه كي يقتصوا منه!! جاءت لعبة المحاكمة للتستر على حقيقة أن السيادة التي يتحدثون عنها هي مجرد مسرحية هزلية، ليس فقط بوجود 135 ألف جندي أمريكي في العراق، وإنما أيضاً بوجود خمسة مستشارين أمريكان في كل وزارة عراقية يديرونها كشركة خاصة، فيما الوزير العراقي مجرد شاهد زور على ما يجري. وتبقى مهمة القمع القذرة التي لا يحبها المحتلون، وتمت إحالتها إلى حكومة السيد علاوي مشفوعة بمكافأة مجزية لأغراض الترويج والدعاية تتمثل في تسليم صدام حسين، فقط في قاعة المحكمة، أما ما عدا ذلك فليس من حق أي عراقي، كبر أم صغر، أن يعلم بمكان احتجازه. لا شك أن كثيراً من العراقيين قد فرحوا بما جرى، لكن فرحة التعاونين مع الاحتلال بالمكافأة كانت أكبر، فهذا الصدام هو عقدة العقد، ولعل ذلك ما يجعل المحاكمة لعبة مفيدة، لعلها تنفس أحقاداً لا زالت تذهب ذات اليمين وذات الشمال، أكان ضد آخرين من أبناء الشعب العراقي، أم ضد الأمة العربية والإسلامية بدعوى مناصرتها لصدام طوال سنين. لا شك أن لجورج بوش أهدافه من المحاكمة أيضاً وهو الرجل الذي لا يرى العالم إلا من خرم ذلك الاستحقاق الانتخاب في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وحيث يطارده جورج كيري بسوط الفشل في العراق وخسارة الحلفاء الدوليين، الأمر الذي يجعل حركته السياسية تركز على هذين البعدين على وجه الخصوص. تبقى قصة العلنية والسرية في المحاكمة. وهنا يمكن القول إن القوم لن يسمحوا لصدام حسين باستخدام منصة المحاكمة للدعاية السياسية، وقد أعلن ذلك موفق الربيعي صراحة. وهم حين يفعلون ذلك فإنهم لا يدافعون عن الأنظمة العربية، أو يخشون على الأمريكان من أملف علاقاتهم السابقة مع النظام نفسه أيام الحرب مع إيران، أو يحولون بينه وبين الدعاية لنفسه ومواقفه، مع أن ذلك كله وارد وبقوة في أسباب الابتعاد عن المحاكمة العلنية، لكنهم في واقع الحال يخشون على أنفسهم، إذ أن لدى صدام حسين ما يقوله بشأن هؤلاء الذين يحاكمونه أكانوا من قادة الأكراد أم الشيعة أم السنّة ممن يقبلون على أنفسهم اليوم لعبة الوكالة على الاحتلال. في المحاكمة العلنية، وحده صدام حسين الذي لا يملك ما يخشاه، فهو هالك في كل حال، كما أن سجله القومي ناصع إلى حد ما. وتبقى ممارساته الدكتاتورية الداخلية التي لن يجد صعوبة في تبريرها، أقله من وجهة نظره كرجل يؤمن بالعنف بلا حساب، في ذات الوقت الذي يحكم فيه بلداً لا يبدو من السهولة بمكان السيطرة عليه بالأساليب الأخرى. من هنا لا يتوقع أن يكرر القوم لعبة المحاكمة العلنية، وإن فعلوا فبطريقة مبرمجة من الناحية الإعلامية، سيما بعدما ربح الرجل جولته الأولى خلافاً لأصحابه الآخرين الذين كانوا في حالة هزال لا تليق حتى بالمجرمين أنفسهم، فضلاً عن أن تليق بقادة من هذا الوزن. وبذلك يمكن القول إن أرباح المحاكمة بالنسبة للمحتلين ووكلائهم لن تكون كبيرة، ولن تتجاوز ما جرى، سيما عندما يبدأ الشارع بالتساؤل عن السبب الذي يدفعهم إلى إعادتها إلى طور السرية من جديد. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني