لم تسعف الدقائق الستون التي استغرقها الحوار الذي أجرته التجديد مع الناشط الحقوقي المغربي، وأحد أبرز الوجوه الوطنية الداعمة لصمود الشعبين الفلسطيني والعراقي، للإحاطة بكل الجوانب المتعددة لقضيتين مصيريتين للأمة العربية والإسلامية، وضمنهما الأمة المغربية. وقد كان اللقاء مناسبة لمعرفة جديد تحركات مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين الرامية إلى إرجاع تفاعل الشارع المغربي مع معاناة وهموم الشعبين إلى سابق عهدها وأكثر، بالدعم المادي والمعنوي، كما تم التطرق إلى مواضيع أخرى وثيقة الارتباط بما سبق كثقافة المقاومة، وضمنها مقاومة التطبيع ومقاطعة البضائع والمؤسسات الأمريكية، ومصير الرئيس السابق صدام حسين... سكرتارية العمل الوطنية أصبحت مجموعة السكرتارية الوطنية لمساندة العراق وفلسطين في الآونة الأخيرة من أبرز الهيآت المدنية المغربية الداعمة للقضيتين. فما نظرتكم وتقييمكم لأدائها منذ نشأتها؟ وما هي مبادراتها المقبلة؟ أولا كانت مجموعة العمل، والتي تضم جميع مكونات المجتمع المغربي، في البداية مجموعة عمل لمساندة العراق، وبعد أن عرفت الساحة المغربية فتورا في دعم كفاح الشعب الفلسطيني والتفاعل مع مقاومته ضد الاحتلال، اضطرت المجموعة إلى أن تضيف إلى نشاطها موضوع فلسطين، وقامت بمبادرات متعددة في هذا الشأن. وإن عمل المجموعة يحتاج فعلا إلى تقييم، ونحن عازمون على تنظيم لقاء خاص في شهر شتنبر الجاري يخصص لتقييم أساليب عملها وبرامجها، ومحاولة التعرف على مكامن الخلل، والسعي إلى الخروج بخلاصات تهدف أساسا إلى إعادة الحياة للساحة المغربية بالشكل الذي كانت عليه دائما لفائدة فلسطين وأيضا للعراق. وربما أسبق الأحداث إن قمت بتقييم شخصي في هذا الموضوع، وأفضل أن يبقى الأمر للاجتماع، وما تنتج عنه من خلاصات. في ما يتعلق بالمبادرات القادمة، فإننا نعمل الآن على تأسيس الهيأة الوطنية لدعم الأسرى في سجون الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي في إطار خطة عربية تهدف إلى تأسيس الهيأة العربية، ثم الهيأة الدولية لدعم الأسرى في سجون الاحتلالين، وهو موضوع نعطيه أهمية بالغة في هذا الظرف، ومن جملة نقط برنامجنا المستعجلة أيضا ما أعلنا عنه من البحث عن دعم حقيقي مادي طبي لإخواننا في الفلوجة وفي الرمادي وغيرها من المدن العراقية، لأنه وصلتنا نداءات استغاثة في موضوع الأدوية والآليات الطبية، بحيث إن إخواننا هناك لم يعودوا يجدون الخيط لخياطة الجروح، وإن وجد فإن الخياطة تتم بدون استخدام مادة التخدير، لأنهم لا يتوفرون على مادة البنج، بالإضافة إلى الخصاص المسجل في المضادات الحيوية التي أصبحت شبه مفقودة، وهي أساسية للجرحى، ولذلك طلبنا من إخوتنا في اللجنة الصحية المغربية لدعم العراق أن تجتمع، وهو ما تم وأصدرت بيانا في هذا الشأن معلنة البدء في حملة لجمع الأدوية والآليات الطبية كما وقع قبل العدوان على العراق، إذ أرسلت كميات كبيرة منها إليه، ومعها وفد مهم من اللجنة الطبية من أطباء وصيادلة ومرضين، ونريد اليوم أن نقوم بهذا العمل بالقوة نفسها، خاصة وأن هذه الهيأة كما تعلمون قامت بمجهود جبار ومشهود به عندما وقع زلزال الحسيمة. هناك أيضا مبادرات أخرى، من بينها ما كنا أعلنا عنه من تنظيم ندوة بين رجال الإعلام وبعض الفعاليات الحقوقية والطبية في موضوع مقاطعة البضائع والمؤسسات الأمريكية والبريطانية، ومقاطعة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو موضوع نعتبره أساسي وجوهري لأن هناك محاولات للتغلغل الصهيوني في الجسم المغربي، وفي الجسم العربي والإسلامي عامة، وهناك أيضا محاولة لبث ثقافة خاصة من طرف المحتل وقادة الإرهاب الأمريكي والصهيوني، الهدف منها خلق قيم جديدة تقلب بشكل كامل القيم الحقيقية التي يجب أن نتشبع بها، قيم تحاول تشويه وجه المقاومة سواء في فلسطين أو في العراق، بجعل من المقاومة إرهابا ومن الاحتلال تحريرا (...)، وبالتالي فإن مناقشة هادئة وموضوعية للمقاطعة ومقاومة التطبيع، سياسيا كان أو إعلاميا أو غيرهما، أمر يفرض نفسه لوضع مخطط مدروس وليس في إطار ردود الأفعال ضد مبادرات معينة، وهذا بالإضافة إلى مبادرات سيعلن عنها في حينها، وتتعلق بالتفاعل مع المقاومتين الفلسطينية والعراقية. الشارع العربي والإسلامي إذا انتقلنا إلى الشارع المغربي والعربي والإسلامي عموما رأينا أن نبضه مع هموم إخواننا في العراق وفلسطين، لكن نلاحظ بالمقابل أن تحركه لمد يد المساعدة لهم بشكل قوي، وكذا ضغطه على الحكومات لتبادر إلى الشيء نفسه، تحرك باهت وضعيف إن لم نقل منعدم، فما السبب في ذلك؟ بالنسبة إلى المغرب فإن مجموعة من المعطيات أدت إلى فتور نوعا ما في التفاعل مع ما يجري في الساحتين، من بينها أحداث 16 ماي وما ترتب عنها من محاولة خلق سور كبير بين مكونات المجتمع المغربي، ثم جاءت بعد ذلك الانتخابات لتضيف إذا أمكن القول شرخا جديدا، ولكن استطعنا تجاوز كل ذلك وإعادة الحياة إلى مجموعة العمل التي بدأت عملها وقامت بمبادرات متعددة، بيد أنه عندما تمر فترة من الركود يحتاج المرء إلى مدة معينة لكي يعود إلى الوتيرة نفسها المتفاعلة في الساحة، وطبعا ما دام الشعب المغربي مؤمنا بقضاياه القومية إلى النخاع فلن يكون من الصعب على المجموعة أن تعيد الحياة إلى الشارع المغربي بالشكل الذي كان عليه، وربما بشكل أقوى خاصة وأنه اتضح بأن ما يجري في العراق وفلسطين له ارتباط كامل ويشكل معركة واحدة عنوانها الإرهاب الأمريكي والصهيوني، والمشروع الأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية، وفي العالمي بصفة عامة، مما يعطينا إمكانات كبرى لنعيد الحياة لمواجهة هذا المشروع الذي يستهدفنا أيضا. الدعم الرسمي نعيش أيضا في السنين الأخيرة حالة خطيرة من الوهن والضعف في الدعم الرسمي العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية ماديا ومعنويا، مع العلم أن مسؤولي الدول العربية والإسلامية ما فتئوا يرددون بأن القضية مصيرية وذات أهمية كبرى، فلماذا هذا التناقض بين القول والعمل؟ الأمر لا يتعلق بتراجع أو فتور الأنظمة العربية والإسلامية، بل هو وضع قائم منذ مدة، ويرجع خضوع أغلب الحكام العرب للإملاءات الأمريكية إلى أنهم لم يستشعروا بعد بشكل كامل ما يتهددهم في المخطط الأمريكي الصهيوني، بل لم يقتنعوا بعد بأن أمريكا لا صديق لها إلا الدولار الذي تكسبه من أي عمل تقوم به، وأنها يمكن أن تعصف بأي شخص يعتقد أنه صديق لها مهما خنع وخضع، وهذا أمر أعتقد أن الحكام العرب مدعوون إلى مراجعته والتفكير في مخطط للفعل لكي يواجهوا الإملاءات والمخطط المذكور، ولن يتم ذلك إلا بالمصالحة مع الذات ومع الجماهير العربية والإسلامية في كل الساحات، وبإقرار نوع من الحرية والكرامة للمواطن العربي والمسلم، والاعتماد على حماية الشعوب للأنظمة وليس حماية الإرهاب الأمريكي، وما يجري للسودان ولإيران ولسوريا ولبنان يؤكد أن الأمر ليس مقتصرا على العراق وفلسطين، والمشروع الذي سبق أن قدمه جيمس بيكر لمجلس الأمن والذي يستهدف الوحدة الترابية المغربية يؤكد أن بلادنا ليست بعيدة عن مخطط التقسيم والهيمنة المطلقة ومخطط الخضوع للإملاءات، ونهب الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لثروات المنطقة. وأود أن أشير في موضوع العمل الشعبي إلى أن ثمة تحركات على المستوى القومي مهمة جدا، فبالإضافة إلى مؤسسة القدس التي تضم كل المكونات وتعمل على إنجاز مشاريع في القدس، وتسعى إلى دعم صمود المقدسيين على أرضهم ووطنهم في وجه المخططات الصهيونية الرامية إلى تهجيرهم من المدينة وتطويقها، وإلى هدم المسجد الأقصى والهيمنة الأبدية على القدس، فهناك صندوق العون القانوني للفلسطينيين الذي تأسس بوصفه صندوقا دوليا ومقره بيروت، ويضم مناضلين من خيرة أبناء هذه الأمة، ويهدف إلى أمرين: دعم الأسرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتهيئ ملفات حقيقية لمحاكمة قادة الإرهاب الصهيوني على جرائمهم في حق الإنسانية. وقد تأسست أخيرا الهيأة العربية الشعبية لمساندة العراق، والرامية إلى تنسيق وتوحيد المجهود العربي في دعم الشعب العراقي في مقاومته للاحتلال، والتي تضم كل الاتحادات العربية، بالإضافة إلى المؤتمر القومي والمؤتمر القومي الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، وإلى ممثلين عن الهيآت الوطنية العاملة لفائدة العراق، هذه الهيأة سينعقد اجتماعها الموسع في الأسابيع القادمة بعد أن عقد اجتماعها التأسيسي في بيروت، وبعد أن عقد اجتماعات للجنة المتابعة المنبثقة عن الاجتماع التأسيسي، وسيكون الاجتماع القادم للمصادقة على نظامها الأساسي والداخلي، ولهيكلتها بشكل مستمر في القاهرة إن شاء الله، وهذا فضلا عما أطلقت مجموعة العمل من مبادرة طرح محاكمة دولية لبوش وبلير وشارون على اتحاد المحامين العرب، والتي نحن بصدد الإعداد لها، وستعقد في الغالب في شهر نونبر القادم، وستكون محاكمة دولية واسعة تضم العديد من رجالات القانون الدولي ومن محامين ومفكرين، ونتوخى منها أن تكون منطلقا لوضع صك اتهام دولي ضد قادة الإجرام في هذه المرحلة، وهم الثلاثة المذكورين آنفا. أوضاع التطبيع تحدثت قبل قليل عن موضوع المقاطعة ومقاومة التطبيع، حبذا لو تعطونا تقييمكم لأوضاع هذه المقاطعة عربيا وإسلاميا في ظل وقوع أحداث سارة كرفض البطل الإيراني في الجيدو منازلة غريمه الصهيوني في دورة أثينا الأولمبية، وأخرى غير سارة كالأرقام التي كشف عنها معهد التصدير الصهيوني بأن مبادلات الكيان المحتل مع الدول العربية ارتفعت في الشهور الأولى للسنة الجارية مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية؟ ما يجري هو ما يفرض تنظيم هذه الندوة الهادئة والموضوعية والعلمية في هذا المجال، وكان طبيعيا في ظل الفتور الذي عرفته الساحة المغربية والعربية والإسلامية عموما أن تنمو مبادرات التطبيع، ولذلك كان هناك سباق ضد الساعة من طرف المطبعين مثلا في المغرب في تلك الفترة التي ابتدأت من النصف الثاني من سنة 2002 واستمرت إلى عهد قريب، ولكن بمجرد تحركنا من جديد استطعنا أن نصل إلى نتائج باهرة جدا في مقاومة التطبيع، ويكفي نموذجا لذلك ما وقع من إلغاء لندوتين خطيرتين كانتا ستعقدان في المغرب، أولهما تلك التي كان سيحضرها الإرهابي يوسي بلين، ورفيقه ياسر عبد ربه في فاس ضمن مهرجان الموسيقى الروحية، والتي استطعنا من خلال تحركاتنا أن نقنع المنظمين بضرورة إلغائها، وهو ما تم فعلا وأشعرنا به واعتززنا بذلك، وهنأنا إخواننا الذين استجابوا لدعوتنا، وعبروا عن إيمانهم الراسخ في دعم قضيتهم الأم. والإلغاء الثاني يتعلق بمؤتمر الأئمة والحاخامات بإفران، والذي كان سيكون كارثيا إن نظم، وذلك لاستدعاء منظميه لغلاة الصهاينة الذين يطالبون بهدم الأقصى، والذين كانوا سيحلون ببلد ملكه هو رئيس لجنة القدس، مما كان يشكل كارثة حقيقية، وكان اعتزازنا كبيرا عندما أدت اتصالاتنا ومواقفنا إلى الشعور بخطورة تنظيم هذا المؤتمر، ولربما كان هناك من حاول إخفاء حقيقة الحضور بالإدعاء بأن المؤتمر سيكون للحوار بين الإسلام واليهودية، في حين أنه كان مؤتمرا لمحاولة زرع أكبر حقنة من التطبيع مع كبار غلاة الصهاينة الذين يعارضون إخلاء المستوطنات، وحتى الحلول المهينة التي تقدم للشعب الفلسطيني، وقد اعتبرنا عند توصلنا برسالة تخبر بإلغاء المؤتمر أنه بإمكان جماهير الأمة أن تنبه مسؤوليها ومثقفيها والفاعلين فيها إلى مثل هذه الأشياء، وأن تصل إلى نتائج. الأمر لم يقتصر على هذا فمثلا المنتدى الاجتماعي الذي نظم في الرباط كان سيحضره بعض الصهاينة اليساريين المساندين للفلسطينيين، ولكن نبهنا إخواننا المنظمين إلى أن الموضوع لا يتعلق بيساري أو يميني، ولكنه يشكل خطورة من حيث إنه يفتح الباب لحضور اليميني إذا حضر اليساري، وكان منظمو المنتدى رائعين عندما لم يستقبل أي صهيوني، وثمة مبادرات أخرى كانت تصب في الاتجاه نفسه استطعنا بالحوار أساسا وبالتنبيه والاتصال أن نعيق حضور أي إسرائيلي إلى بلدنا، ثم إن الأمر يحتاج إلى نضال. والجديد الذي نريد أن نتلمسه من خلال الندوة التي نعتزم تنظيمها هو كيفية خوض معركة دائمة لا تقتصر على ردود الأفعال ضد كل أشكال التطبيع الاقتصادي أو الثقافي أو الرياضي أو السياسي أو الفني، وهو أمر ممكن يحتاج تحقيقه إلى مجهود وقناعة جماعية، كما لا بد من مقاطعة المؤسسات الأمريكية لأنه يجب أن تشعر الإدارة الإرهابية الأمريكية بأن جماهير أمتنا أصبحت تتخذ مواقف عملية في مواجهتها بسبب ما ترتكبه من جرائم في العراق وفلسطين، وأصبح من الضروري أن يعلم الشعب الأمريكي، الذي نكن له كل التقدير، بأن إدارته الحالية تقوده إلى عداء مع شعوب الكرة الأرضية، وبالتالي عليه أن يفرض تغيير في سياستها في اتجاه العدل وكرامة الإنسان. الإعلام وثقافة المقاومة لنبقى دائما في موضوع دعم الكفاح الفلسطيني والعراقي، ومكانة الإعلام فيه باعتباره وسيلة تأثير قوية. كيف تتصورون الدور الذي ينبغي أن يؤديه الإعلام المغربي في هذا الصعيد، سيما الإعلام السمعي البصري؟ دور الإعلام وخاصة السمعي البصري دور أساسي في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، وذلك لأن له تأثير كبير في الرأي العام، وأعتقد أن إعلامنا العربي والمسلم، طبعا المغربي يندرج ضمنه، مطلوب منه أن ينتبه إلى ما تنتجه المختبرات الإعلامية الأمريكية بأموال طائلة، وألا يسقط في مطباتها أولا، ثم أن يدعم ثقافة المقاومة لدى المواطن العربي والمسلم، وألا يكون لديه حرج في دعم هذه الثقافة بدعوى أن النظام الأمريكي سيعتبر أن في ذلك دعما للإرهاب، لأننا يجب أن نميز بين الإرهاب والمقاومة، فننبذ الأول وندعم الثانية، ونعتبر أن أكبر إرهاب في العالم هو الإرهاب الأمريكي الصهيوني، وبعده ما يقع هنا وهناك، وأن نميز في تعابيرنا وما نقدمه من أخبار بين المخدوم والموضوعي، فما تسوقه الولاياتالمتحدة عن مشروع الشرق الأوسط الكبير والديمقراطية يكفي أن ننظر ما تقوم به هذه الدولة في العالم لنتأكد بأنه غير جدي (...). نعم نحن نطالب ونناضل ونعمل من أجل تقدم بلداننا العربية وتطورها الديمقراطي المنسجم مع مكوناتنا ومجتمعاتنا، ولكن نرفض بشكل مطلق أن تملى علينا أشياء باسم الديمقراطية، والإعلام ينبغي أن يؤدي دوره في التنبيه إلى حقيقة ما يجري في العراق وفلسطين من تقتيل وجرائم يومية ضد إخواننا هناك ومقدساتهما باسم الحرية والديمقراطية، وكذا التنبيه إلى حقيقة الأهداف الأمريكية الصهيونية من خلال وقائع ملموسة، وليس من خلال التحليل فقط، فما يجري في السودان مثلا يجب أن نعالجه بكثير من الحكمة والموضوعية، وألا نسقط في فخ الإعلام الأمريكي، وكذلك ما يجري مع إيران. وعندما نتحدث عن أسلحة الدمار الشامل فإنه أصبح من المسلم به أن أمريكا يجب أن تحتل كل دولة تمتلك أسلحة دمار شامل، ولا يتساءل إعلامنا: ولماذا الولاياتالمتحدة بحوزتها كل أنواعها؟ ولا يتساءل لماذا هي الدولة الوحيدة التي استعملت القنبلة الذرية ضد آلاف البشر وأبادتهم؟ كما لا يتساءل إعلامنا بشكل واضح ومستمر عن سبب السماح لقادة الإرهاب الصهيوني الذين يرتكبون جرائم يومية بالتملك كل أسلحة الدمار، ويمنع على العرب والمسلمين أن يمتلكوها؟ فهذه الأمور ينبغي للإعلام أن يؤدي الدور المطلوب منه فيها، وأنا لا أدعو إلى أن يكون هو المحرض، بل أن يتعامل بموضوعية، ولكن في الوقت نفسه بشكل غير محايد، فالإعلام الذي تديره الإدارة الأمريكية غير محايد، ولا يمكنه أن يكون كذلك، والأمر نفسه ينسحب على الإعلام الصهيوني، بل إنهما يأخذان منحى التشويه والإيهام وقلب الحقائق، فعلى الأقل يجب أن نتشبث بالحقائق كما هي، ونكون إلى جانب الطرف الضعيف الذي يناضل من أجل الحرية والكرامة والاستقلال لوطنه (...)، وذلك حتى نواجه ما تحاول الإدارة الأمريكية أن تزرع فينا من ثقافة مضادة، ثقافة الخنوع والاستسلام والهزيمة، تقول أمريكا سيدة العالم فيجب أن نخضع لها، والكيان الصهيوني سيد العالم فينبغي أن نخضع له. مصير صدام باعتباركم عضوا في هيأة الدفاع عن صدام حسين، ما مدى صحة ما راج عن أخبار بأنه مات موتا سريريا؟ إني متخوف جدا من وجود مؤامرة لاغتيال صدام حسين، ولحد الآن ليس هناك موت سريري أو غيره، لكن منع المحامين من زيارته، والترويج بأنه مريض وفي كل مرة بنوع من الأمراض، والتوقف عن أي إجراء ضده، وخلق مبرر من خلال فتح ملف كان الاحتلال يعرفه عندما عُين الجلبي المتعاون مع الصهيونية رئيسا للمحكمة (حيث يحاكم صدام)، وإن فتح ملف له في هذا الظرف حول تهم كانت معروفة من قبل يراد من ورائه تبرير عدم القيام بأي إجراء، ما دام رئيس المحكمة متابع جنائيا. وكل هذه الأشياء تجعلني أحس بوجود مؤامرة لقتل الرئيس السابق، لسبب بسيط هو أن الولاياتالمتحدة وعملاءها في العراق لن يحتملوا محاكمة علنية لصدام لأنه سيفضح أشياء كثيرة، فهي أي الولاياتالمتحدة جربت تجربة بسيطة، وهي عرض التهم واستطاع خلالها صدام أن يظهر بقوة، وأن يفرض عليهم بألا تسجل الصحافة تصريحاته التي دامت 54 دقيقة إلا دقيقتين، مما يؤكد أن الكلام الذي قيل في أول مقابلة، وبعد ما قاموا به من أشكال التعذيب ضده، كلام غير محتمل بالنسبة إلى النظام الأمريكي وعملائه في العراق ومن هنا يأتي التخوف. وبطبيعة الحال فالأمر يحتاج إلى تحرك من أجل صدام ومن أجل كل الأسرى في سجون الاحتلال، فبغض النظر عن كل ما قام به صدام فإنه ليس من حق دولة أن تحتل أخرى وتعتقل رئيسها، ولا يوجد بند في القانون الدولي يسمح بذلك، وليس من حق المحتل أن يعين محكمة لمحاكمة ذلك الرئيس، وحتى في القانون المسمى دستورا مؤقتا للعراق فإن ثمة فصلا يمنع تأسيس محكمة خاصة، في حين أنشأ هذا النوع لمحاكمة صدام، واتضح أن من عُينوا فيها من ذوي السوابق الجنائية، وممن لهم علاقات مع أعداء الأمة من الصهاينة، وقلنا دائما إنه إذا كان من محاكمة فيجب أن يحاكم بوش وبلير عن الجرائم التي نراها في العراق يوميا، والذين يساعدونها على ذلك، أما صدام فإنه إذا كان من ضرورة لمحاكمته فإن الأمر لن يختلف عن حالتين: أولا إذا تعلق الأمر بقضايا ذات طابع دولي فما على المنتظم الدولي إلا أن يؤسس محكمة جنائية دولية محايدة ومستقلة، على غرار ما فعل مع ملوزفيتش، وآنذاك إذا ثبت على صدام أنه ارتكب جرائم معينة فيمكن أن يلقى جزاءه بشكل عادل، وثانيا إذا تعلق الأمر بقضايا داخلية فلا يمكن محاكمته من أجلها إلا إذا جرت انتخابات ديمقراطية غير مطعون في نزاهتها، وتمخض عنها حكومة وطنية واستقلال كامل للعراق، وحينئذ إذا أراد الشعب العراقي أن يحاكم صدام أو علاوي أو الياور أو أي أحد ممن تعاقبوا فمن حقه ذلك، شريطة أن تكون محاكمة عادلة وعلنية، ولن يتدخل وقتها أحد في شؤون العراقيين. حاوره: محمد بنكاسم