من الواضح أن احتفالات نقل السيادة والسلطة إلى العراقيين كانت جزء لا يتجزأ من المشاركة الأمريكية في قمة حلف الناتو، فيما تبدو اللعبة من أولها لآخرها فيما يتصل بالشأن العراقي مرتبطة ارتباطاً عضوياً ومباشراً بالانتخابات الأمريكية التي ستبقى المحرك الرئيس لإدارة بوش حتى تشرين ثاني/نوفمبر القادم. لم نر في واقع الحال من حكاية نقل السيادة إلا تسليم بروتوكولي لرزمة من الأوراق من قبل بريمر لرئيس الحكومة إياد علاوي، فيما أضيف صدام حسين إلى العملية لإعطاء الانطباع بأن التسليم قد تم بالفعل، بدليل أن رأس الدولة السابق قد غدا بيد الشعب العراقي يقرر فيه ما يشاء. بعيداً عن الخطوة التالية، ممثلة في التعاقد بين الحكومة العراقية "ذات السيادة" والقوات الأمريكية على التواجد في الأرض العراقية بصيغة قوات دولية تحت قيادة أمريكية، بدل البقاء بصيغة قوات الاحتلال، كما كان الحال في السابق، الأمر الذي لا يغير من حقيقة الاحتلال، إلا في الجانب الشكلي.. بعيداً عن ذلك فإن أسئلة نقل السيادة تتعلق عملياً بملفين، الأول هو الملف الأمني، أما الثاني فهو ملف الإدارة اليومية لحياة العراقيين. في السياق الأول يمكن القول إن نقل الملف الأمني لحكومة علاوي لم يأت كعنوان عملي لنقل السيادة، وإنما جاء لأن بوش في حاجة ماسة للخروج من مأزق أخبار الجنود الأمريكان الذي يسقطون يومياً في العراق، ويمكن أن يستخدمها خصمه في الانتخابات حتى لو بقيت مجرد أخبار لا تسعفها الصور الممنوعة بالأوامر الصارمة. ومع ذلك فقد جاءت عملية النقل تبعاً للقناعة بضرورة توريط العراقيين في لعبة مطاردة المقاومة، سيما تحت إمرة بعثي سابق مثل علاوي له سجله على صعيد ممارسة القمع. وبالطبع من دون أن يتحول الملف إلى عنصر قوة للحكومة في المستقبل ببقاء قوات الاحتلال حاضرة في طول المشهد وعرضه باستثناء ما يتعلق بالصدامات اليومية مع رجال المقاومة ومن يساعدونهم من الناس حتى لو كانوا متوجهين في الأصل لضرب القوات الأمريكية وليس شيئاً آخر. تبقى الملفات الأخرى المتعلقة بحياة العراقيين اليومية، وهنا لا بد من التذكير بجحافل المستشارين الأمريكان الذين سيعملون في الوزارات العراقية وستكون لهم اليد الطولى في مختلف القرارات المتعلقة بالإدارة العامة وبالأموال وصرفها، وإلا فأين ستذهب كل تلك العقود التي رتبتها القوات الأمريكية لحساب شركاتها الكبرى، وهل سيكون من حق حكومة علاوي أن تتساءل عن تلك العقود أو تغير فيها، أو حتى في الجديد منها إذا كان من النوع المهم؟! أما الآليات الأخرى المرتبطة بلعبة نقل السيادة من تشكيل مؤتمر وطني ومجلس استشاري ودستور وصولاً إلى الانتخابات التشريعية، وكل ذلك سيجري وفق لعبة مدروسة هدفها الإبقاء على الجهات المتعاونة مع الاحتلال في صلب المشهد والحيلولة دون مجيء القوى الأخرى التي يمكن أن تفكر في طرد الاحتلال أو حتى مطالبته بالرحيل عن البلاد. قد يرى البعض أن المراهنة على نوايا الاحتلال لا زالت تؤتي أكلها وتترجم خطوات باتجاه عودة السيادة الحقيقية للعراقيين، لكن هؤلاء يتجاهلون أمرين؛ الأول وهو قوة الضغط التي شكلتها وتشكلها المقاومة على المحتل. أما الأهم فهو قصة الانتخابات الأمريكية الضاغطة على بوش، والتي تراهن على نزع قصة خسارة الشركاء الدوليين التي يستخدمها منافسه بشكل يومي، الأمر الذي يستدعي تنازلات لا بد منها لتحسين العلاقة معهم. بعد ذلك ستختلف اللعبة وسيكتشف المتعاونون مع الاحتلال أن خروج القوات الأمريكية وإعادة السيادة الحقيقية وليس الشكلية للعراقيين ليس وارداً من دون استنزاف متواصل للاحتلال، الأمر الذي يعيدهم إلى ما عاد إليه كل الذي راهنوا على الاحتلال في التاريخ، أكان بالانحياز لخيار المقاومة أو القبول بدور التعاون المفضوح مع المحتل ضد من اختاروا مقاومته. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني