نشر معهد تشاتام هاوس (المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية) تقريرًا حديثًا تناول الدور الاستراتيجي للمغرب في خضم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. التقرير ألقى الضوء على موقع المغرب المتقدم كحلقة وصل محتملة بين الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية والأسواق الغربية، مما يضع المملكة في موقع محوري ضمن التنافس التجاري المتصاعد بين القوى الكبرى. يشير التقرير إلى أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة للمغرب تُبرز الأهمية التي توليها الصين لتعزيز وجودها في أسواق السيارات الكهربائية، وهي صناعة تشهد نموًا هائلًا في ظل التحولات نحو الطاقة النظيفة. يمتلك المغرب ميزة تنافسية كبرى في هذا السياق، إذ يضم أكثر من 70% من احتياطيات الفوسفاط العالمية، وهو عنصر حيوي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. كما يتمتع المغرب بموارد طبيعية أخرى ومعادن استراتيجية تسهم في هذه الصناعة. إلى جانب الموارد، طوّر المغرب بنية تحتية متقدمة تشمل موانئ عالمية، طرق سريعة، شبكات نقل بري حديثة، ومنطقة طنجة الصناعية التي أصبحت مركزًا رئيسيًا للصناعات التصديرية. هذه العوامل، إلى جانب استقراره السياسي والاجتماعي، تجعل منه شريكًا جاذبًا للصين التي تبحث عن أسواق جديدة وآمنة لتصدير منتجاتها. يرى التقرير أن المغرب يواجه تحديات معقدة نتيجة تصاعد التوترات بين الصينوالولاياتالمتحدة، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية. بينما تسعى الصين إلى تعزيز صادراتها، فرضت الولاياتالمتحدة قيودًا حمائية على المنتجات الصينية، بما في ذلك السيارات الكهربائية ومكوناتها. وقد يشمل ذلك فرض عقوبات أو قيود جديدة تستهدف الشركات الصينية التي تعمل في بلدان ثالثة مثل المغرب. على سبيل المثال، تنظر إدارة بايدن في اتخاذ تدابير ضد السيارات الكهربائية الصينية التي تُجمع خارج الصين، بحجة المخاوف الأمنية المتعلقة بالبيانات. الاتحاد الأوروبي بدوره قد يفرض إجراءات مماثلة، مما يجعل من الصعب على المغرب إدارة التوازن بين الحفاظ على شراكاته مع الصين وتجنب الاصطدام بالمصالح الغربية. بينما قد يجد المغرب نفسه في قلب هذه التوترات الجيوسياسية، يوفر هذا الوضع فرصة لتعزيز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي. فاستراتيجية المغرب القائمة على تنويع الشراكات الاقتصادية وحماية مصالحه الوطنية قد تمكنه من تحقيق مكاسب كبيرة إذا أدار التوازن بذكاء. يُظهر التقرير أن المغرب يمكن أن يقدم نموذجًا يحتذى به للدول النامية الأخرى، حيث يسعى إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية الناشئة دون الانحياز لطرف على حساب الآخر. في الوقت نفسه، قد يتطلب هذا الدور اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية دقيقة للحفاظ على استقراره ومكانته الاستراتيجية. في ظل السباق العالمي للسيطرة على سوق السيارات الكهربائية، يُنظر إلى المغرب على أنه أكثر من مجرد سوق ناشئ أو مركز إنتاج؛ بل كجسر محتمل بين الشرق والغرب. ومع ذلك، فإن هذا الدور المحوري يضعه أمام تحديات كبيرة، تتطلب رؤية استراتيجية لتحقيق التوازن بين الطموحات الاقتصادية وحماية المصالح الوطنية.