من الواضح أن مسبحة الدول العربية فيما يتعلق بإرسال قوات إلى العراق قد بدأت تكر حبة إثر الأخرى، الأمر الذي يعيدنا إلى ذات السؤال المتعلق بالمقاربة السياسية العربية لما يجري في العراق وما يتصل بالمشروع الأمريكي لإعادة تشكيل المنطقة وفق تعبير كولن باول.. من المؤكد أن الدول العربية لن تأخذ خطاً واحداً في هذا السياق، لكن اعتبار الجامعة العربية قرار إرسال قوات إلى العراق "مسألة سيادية" تخص كل دولة على حدة، يعد أول الوهن كما يقال، لأن الكثيرين سيرونه ضوءً أخضر يسمح بتنفيذ المطلوب أمريكياً من دون الكثير من الحرج. في هذا السياق تبدو مسألة طلب الحكومة العراقية إرسال القوات كذريعة لاتخاذ الموقف غريبة إلى حد كبير، لأن المنطق هنا يقول إننا بإزاء حكومة تملك أمرها ويمكنها اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة، مع أن الجميع يدركون أن قراراً بهذا المستوى ليس بيد الحكومة العراقية، وإنما بيد مرجعيتها الأمريكية. صحيح أن بإمكان الحكومة بقوة دفع القوى السياسية المشاركة فيها، سيما من الشيعة والأكراد، أن يرفضوا إرسال قوات من دول الجوار، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن الاحتلال هو صاحب الولاية الحقيقة على الحكومة. وهنا لا بد أن يطرح ذلك السؤال المتعلق بما تغير بعد الثلاثين من حزيران مما يمكنه أن يدفع إلى اتخاذ موقف كان مرفوضاً من قبل؟ هل هو قرار مجلس الأمن الدولي الذي غير صيغة التواجد الأمريكي في العراق من قوات محتلة إلى قوات دولية بقيادة أمريكية؟ ثم لماذا يرفض حلف الناتو التعامل مع هذا التحول عبر إرسال قوات فيما تفعل دول عربية العكس، سيما وأن الجميع يعرف كيف اتخذ قرار مجلس الأمن ولماذا؟! إن شيئاً في واقع الحال لم يتغير فالحكومة الحالية لا تختلف في شيء عن الحكومة المنبثقة عن مجلس الحكم الانتقالي، لا من حيث التشكيلة ولا من حيث الصلاحيات، بل إنها تضيف إلى الحكومة السابقة إعلان تبني أمن قوات الاحتلال تحت مسمى محاربة الإرهاب. دعونا نسأل الآن عن موقف الشعوب العربية من قضية إرسال قوات إلى العراق؟ هل يتوقع أحد أن يوافق شعب عربي أو إسلامي على خطوة كهذه في ظل إيمان الجميع بأن واقع الاحتلال لم يتغير عليه شيء، ومعه الإيمان بأن المقاومة هي الممثل الشرعي للعراق في هذه المرحلة؟ ثم لماذا لا يؤخذ موقف تلك المقاومة في الاعتبار وهي التي ترفض رفضاً قاطعاً إرسال قوات عربية أو إسلامية إلى العراق وترى أن أية قوات ترسل ستعتبر في نظر المقاومة جزء من قوات الاحتلال. بل إن السؤال الأهم من ذلك كله هو ما الذي يمكن للقوات المذكورة أن تقدمه للإنسان العراقي، وهل ستكون أكثر فاعلية من الشرطة وقوات الأمن العراقية، وضد من ستوجه تلك الفعالية. أسئلة كثيرة لا بد أن يطرحها الشرفاء في العراق وفي الشارع العربي والإسلامي. وهي أسئلة لن تجد لها إجابة خارج سياق منظور العجز العربي لما يجري في العراق، وهو الذي يضيف إلى عدم القدرة على دعم المقاومة كخيار يدافع عن العراق والأمة، موقفاً أكثر كارثية كالذي نتحدث عنه، الأمر الذي يؤكد تلك القراءة العاجزة للمعادلة الأمريكية الإسرائيلية والتي لا ترى حجم المأزق الذي يتخبط فيه كلاً من بوش وشارون بسبب المقاومة العراقية والفلسطينية، والتي هي المعبر الحقيقي عن ضمير الشارع العربي في هذه المرحلة. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني