لا يخرج المؤتمر الدولي الذي اقترحه وزير الخارجية الأمريكي كولن باول عن دائرة الدعم التقليدي لفرص رئيسه في الفوز بالانتخابات القادمة، ومعها آليات البحث عن سبل للخروج من المستنقع العراقي بأقل التكاليف من دون التنازل عن الفرص التي انطلق الغزو من أجل تحقيقها، وعلى رأسها وضع اليد على النفط العراقي، ومن ثم استخدام العراق منصة انطلاق لإعادة تشكيل المنطقة، وفق تعبير باول نفسه، الذي يوصف بأنه الحمامة الوحيدة بين فريق من الصقور المتطرفين. يحدث ذلك في ظل جدل لا يتوقف حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المقرر قبل نهاية شهر كانون ثاني/ يناير القادم، وهي الانتخابات التي يعوّل عليها كمحطة مهمة للإيحاء بأن العراق قد خرج من دائرة الاحتلال وصار حراً مستقلاً له حكومته المنتخبة، حتى لو كانت حكومة على مقاس الاحتلال تمدد له وجوده العسكري، وتحافظ بالضرورة على مصالحه العليا في البلاد. من هنا فإن هدف المؤتمر في واقع الحال هو توفير الأجواء اللازمة لإجراء انتخابات عراقية تسمح بإفراز المعادلة المشار إليها آنفاً، وذلك تحت شعار دعم العراق من أجل تشكيل حكومته المنتخبة وإقرار دستوره الدائم، وذلك عبر توفير الدعم المتعدد الأشكال الذي يساهم في عزل القوى الرافضة للانتخابات، فيما يعزز من نفوذ القوى المتعاونة مع الاحتلال، سيما تلك التي لا تجد حرجاً في الإبقاء على وجوده لأمد بعيد. ولما كانت الأزمة الأساسية التي تواجه لعبة الانتخابات هي المقاومة التي لفتت الأنظار بتصاعدها الكبير خلال الشهرين الماضيين، فإن المطلوب هو العمل الحثيث على عزلها إعلاميا وسياسياً مع مطاردتها أمنياً وبأقصى درجات القوة. وضمن حدود هذه المهمة سيكون بوسع كل طرف أن يقدم جهده على هذا الصعيد. في هذا السياق تأتي الاعتراضات الفرنسية، والتي تتلخص في تحديد ضرورة موعد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، إضافة إلى مشاركة المقاومة في أعمال المؤتمر . والحال أن شيئاً من ذلك لن يحدث، فلا المقاومة ستشارك لأن ممثليها يرفضون، فضلاً عن كونهم لا يعلنون عن أنفسهم، هذا بفرض أن اللعبة ستستوعب مشاركة الجناح الشيعي منها "مقتدى الصدر"، والآخر السني "هيئة العلماء ومجموعات المقاومة. أما تحديد موعد لخروج القوات الأمريكية فليس وارداً أيضاً لأن المحتلين لم ييأسوا بعد من كسب المعركة أو بعضها في أقل تقدير، الأمر الذي لن يحدث لو خرجوا تماماً من المشهد. من غير المتوقع أن يتوقف الفرنسيون كثيراً عن شروطهم، وسيرتهم خلال المرحلة الأخيرة تؤكد ذلك، ومعهم الألمان، فيما يبدو أنهم جميعاً يتبنون مقاربة سياسية ترفض انتصار الولاياتالمتحدة في المعركة، لكنها ترفض بالمقابل انتصار المقاومة التي تمثل قوىً تصعب السيطرة عليها، وهي ذات المقاربة التي يبدو أن معظم الأنظمة العربية تتمناها. على أن ذلك كله لا يعني أن المؤتمر الموعود سيحقق المطلوب منه، حتى لو حقق تحديد موعده في نوفمبر الشق الأول ممثلاً في تحسين فرص بوش في الانتخابات، والسبب هو أن المقاومة لا زالت تتصاعد وتتوسع، بل وتجد أمامها أفقاً واسعاً للانتصار، الأمر الذي يعني أنها لن تدخل دائرة التدجين. أما في حال أدت اللعبة القائمة إلى خروج الاحتلال وتحقيق السيادة الحقيقية كما يبشر المنخرطون فيها ، فإن ذلك سيكون انتصاراً للمقاومة أيضاً أكثر من كونه انتصاراً للمتعاونين مع الاحتلال، حتى لو سلمهم هم الراية قبل خروجه. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني