في مثل هذا الوقت من كل سنة يواجه التلاميذ الحاصلون على الباكالوريا مشكلة تؤرقهم وتشغل بالهم تتمثل في مشكلة اختيار الشعبة التي يواصلون فيها تعليمهم العالي. وفي هذا السياق فإن من أولى أولويات شروط الاختيار لأي شعبة يختارها المعنيون، بغض النظر عن صعوبتها أو سهولتها، بالإضافة إلى النظر في آفاقها المستقبلية ومدى استجابتها لحاجة الوطن إليها ومستوى معرفتهم بها، حبهم لها وشغفهم بها، ذلك أنهم متى أحبوا شعبة من الشعب إلا وكان تفوقهم فيها وإدراكهم لخفاياها مرغوبا فيهما. ويبقى دور وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر في التعريف بهذه الشعب أساسا وضروريا من خلال ما تمتلكه من وسائل وأدوات، مثل أن تقوم بتنظيم حلقات تعريفية بمواد كل شعبة من الشعب قبل انتهاء الفترة القانونية للتسجيل، وبعلاقاتها بالشعب الأخرى وبإطلاع الطلبة على حقيقة موقف المعنيين في التعليم العالي من كل شعبة على حدة لإعطائهم صورة حقيقية عما هم مقبلون عليه. إن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، إن تيسر لها التعريف بطبيعة وخصائص الشعب التي تتوفر عليها الجامعات المغربية، فإنها لا تملك إطلاقا أن تحبب أي شعبة من الشعب للطلبة الجدد، ولا أن تجعلهم أسرى لها، لكن متى استحضر المقبلون على التعليم العالي شرط الحب للتخصص في تحدي كل الصعاب التي تعترضهم، وما أكثرها، سواء ما تعلق منها باللغة أو بالمعرفة أو بالمنهج المتبع أو بغير ذلك، استطاعوا فعلا أن يحققوا التميز في مسيرتهم الجامعية. إن التميز في الدراسة الجامعية ليس إلا استمرارا وتتويجا للتميز نفسه في الدراسات الثانوية والإعدادية وما قبلها. فقد لخص ليوفيليس بوسكا جليا، وهو أحد الكتاب الأمريكين الذين قدموا كتابات وافرة في سبل تحقيق النجاح، سبب حبه لعمله كمدرس وأرجعه إلى مرحلة طفولته حين أشار في أحد كتبه إلى أن أباه كان يطلب منه يوميا أن يخبره بالشيء الجديد الذي تعلمه مهما كان تافها، وكان فيليس يستعد قبل الجلوس على المائدة للإجابة على سؤال والده المحقق، فكان يسرع إلى الموسوعة ليستخرج معلومة ما لإرضاء والده، هذا الأخير الذي كان دائما يثني عليه ويعتبر ما أخبره به والده عظيما وجديدا لم يكن له به اطلاع ولا سابق معرفة، وهكذا استمر الحال عدة سنين، ليجد فيليس نفسه بعد عقود من الزمن مخلصا لما علمه أياه والده، ذلك أنه ما آوى إلى فراشه ليلة إلا ومد يديه إلى أي كتاب بجانبه ليضيف معلومة جديدة إلى رصيده المعرفي ما لم يتحصلها خلال النهار. لقد نجح فيليس في أن يحب البحث عن المعلومة الجديدة، وفي أن يبقى وفيا لمنهج تعلمه في طفولته، وهو ما جعل منه واحدا من أهم رجالات التربية والتكوين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وصاحب نظرية تقر بأن شرط النجاح في العملية التعليمية أن يحب الطالب المادة والشعبة التي يدرسها. عبد الرحمان الخالدي