في الوقت الذي تشهد فيه بعض الأسر تفككا وانحلالا أخلاقيا يهدد ما تبقى من كيانها، نجد أسرا تسعى بكل ما في وسعها للحفاظ على لحمة أسرها، اعتقادا منها أن الأسرة فعلا هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع والحصن الأخير الذي بفقدانه تفقد الحياة طعمها، وينذر المجتمع بخرابه. التجديد حاولت تسليط الضوء على بعض مشاكل الأسرة المغربية مستعينة بمهتمين بالشأن الأسري، وصفوا بعض الأساليب للحفاظ على خلية المجتمع الأولى. وإذا كان يحلو للبعض استيراد حلول دخيلة إن على مستوى التشريع أو غيره، فإن غالبية الشعب المغربي تتشبث بهويتها وترى فيها الحل المناسب. الصابرة على أولادها الصابرة على أولادها عبارة متداولة في الشارع المغربي كما في الشارع العربي، تطلق وصفا للمرأة التي تتحمل الصعاب والإهانات، وقد تشمر عن ساعديها لكسب الرزق وزوجها المعيل يناوب بين النوم والجلوس في المقاهي. إنه حال كثير من النساء بالمغرب صابرات، لا لشيء إلا حفاظا على عش أبنائهن. فهذه تعاطت للصناعة اليدوية وأخرى دقت باب شركة صناعية وأخرى رضيت أن تكون خادمة لسيدة حالفها الحظ في الحياة وأخرى.. وأخرى.. لسان حالهن جميعا يقول: أن أعمل لأجل أولادي في كنف أبيهم خير لي من أعمل لأجلهم وأنا مطلقة أو أتركهم لزوجة الأب التي لن تكون أرحم مني بهم. ربيعة إحدى هؤلاء النسوة قالت: إنني أعمل في شركة للخياطة من أجل أبنائي الثلاثة بعد أن تخلى زوجي عن دوره في الحياة بسبب رفاق السوء، فقد كان تاجرا للثوب ويوفر لنا حاجياتنا إلا أنه بعدما تعرف على رفقاء أفسدوا أخلاقه وأصبح مدخنا ومتكاسلا عن الصلاة وتراجعت أرباحه بسبب كثرة نومه الناتجة عن كثرة سهره مع رفاقه. وصبت ربيعة جام غضبها على ما يسمى ب التيرسي أو القمار الذي جعل زوجها يلهث وراء السراب إلى أن ضحى بمتاعه وعياله. وأضافت ربيعة وعلامات التعب بادية على وجهها: لقد فكرت في الطلاق، لكن أدركت أنه لن يأتي بنتيجة مرضية على الأطفال، خصوصا وأن زوجي لا يملك دخلا يوفر به نفقة أبنائه، وأخيرا فكرت في التشمير عن ساعدي وإعالة أبنائي بعد أن تخلى زوجي عن مهمته. انفتاح غير مبرر ترى خديجة مكوار بلفتوح (المنسقة العامة لمنظمة المرأة الدستورية) أن الأسرة المغربية تعيش أزمة حقيقية تهدد استقرار المجتمع ككل. ولعل أكبر تجلياتها هو التفكك الخطير الذي يعتريها، وتسرب مجموعة من الممارسات والأفكار جعلت الأسرة المغربية تفقد الكثير من مميزاتها وخصائصها، وتسقط في فخ الانسلاخ. وعزت خديجة مكوار هذا التدهور الذي تعرفه مؤسسة الأسرة إلى سببين رئيسيين: الأول، هو إقصاء الجانب الاجتماعي من عملية التخطيط والسياسات الاقتصادية. والثاني: الانفتاح غير المبرر على الآخر. ولعل السبب الأخير، تقول خديجة، يشكل العنصر الأكثر أهمية، فما آل إليه حال الأسرة المغربية لا يمكن فصله بحال من الأحوال، عما يعرفه المغرب من اختراق ثقافي وفكري يروج له بعض المثقفين الذين جعلوا من أنفسهم أبواقا للدعاية لكل ما هو وافد. وأكدت خديجة مكوار أن مستقبل الأسرة المغربية، ومن ثم مستقبل البلاد ككل، رهين بالعمل على تطويق هذا الاختراق وحصره في الحدود الحالية ومواجهته، وما دامت الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، إن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع. لابد من وضع استراتيجية متعددة الأبعاد، وخاصة على مستوى التربية والتعليم، تعتمد الحفاظ على خصوصيتها المغربية. الأخلاق سبب المشاكل الأسرية قالت لطيفة ويرزكان مسؤولة مركز الترشيد الأسري التابع لمنظمة تجديد الوعي النسائي: بعد أربع سنوات من مزاولتي للعمل داخل مركز الترشيد الأسري يمكن أن أقول إن الجانب المادي لا يكون دائما هو السبب في تأزم وضع الأسرة المغربية، وأرجع السبب الحقيقي إلى الجانب الأخلاقي، لأن بعض الأسر تعيش تشتتا رغم توفر الإمكانات المادية، وقد يعلق الطرفان المشجب على الجانب المادي، ولكن حينما نسأل الزوج وحده ونسأل الزوجة وحدها نجد أن هناك أمورا لا علاقة لها بالجانب المادي تكون هي السبب في تأزم الوضع الأسري. وأضافت لطيفة: أسجل أيضل أن الزواج المكوكي (السريع) يكون سببا في تفاقم المشاكل، فبمجرد ما يتقدم الرجل للزواج يتم قبوله دون تريث أو تحرٍّ عن صفات هذا الزوج وإمكاناته. ويمكن أن أقول كذلك إن لدينا زواج المتعة ولكنه مغلف بعقد، إذ يصرح الزوج لمن يرغب في الزواج بها بأنه سيتزوج بها مع احتمال عدم الاستمرار، كما أننا نجد أن المبادرة غير متوفرة لدى الأزواج لبحث سبل تجاوز المشاكل المطروحة داخل الأسرة، بل يتنافس الأطراف على العناد وشد الحبل والضحية هم الأبناء. التشبث بالتوابث رغم تهافت المتهافتين إذا استثنينا بعض الساعين إلى استنساخ التجارب الغربية في معالجة قضايا الأسرة والذين يركزون على مضامين المواثيق الدولية ولو كانت منافية لما جاء به الشرع، وهؤلاء بالمناسبة لا يلقون تأييدا من غالبية الشعب المغربي الذي ما يزال يفتخر بانتمائه الحضاري الإسلامي، فإننا نجد أن الساعين للحفاظ على كيان الأسرة يجمعون على أهمية توابثنا الحضارية وأولها المرجعية الإسلامية، على اعتبار أن أمة الإسلام تنهج التربية الصالحة لكل زمان ومكان، إذ هي ربانية المصدر، عالمية الشمول، ثابتة الأصول، مرنة التطبيقات، تشمل الحياتين الدنيا والآخرة في توازن واعتدال، تعد الإنسان لعبادة الله حق عبادته، وعمارة الأرض وفق منهجه. وقد دعت المهندسة سمية بنخلدون رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية جميع الجمعيات المهتمة بالمرأة والأسرة لتضافر الجهود انطلاقا من ثوابتنا الحضارية والاستفادة من إيجابيات التجارب العالمية من أجل تقوية النسيج الأسري. وركزت الأستاذة جميلة مصدر فاعلة جمعوية من جانبها على المعاني السامية للأسرة المسلمة مؤكدة على ضرورة الدفع إلى تماسك الأسرة والتي تمتاز في نظرها بمميزات قائمة على التكافل والتراحم والمودة، داعية إلى تجنيب الأسرة التفكك والانحلال الأخلاقي، والذي يبقى في نظر جميلة مصدر رهينا بتفعيل دور المؤسسات المجتمعية والمسؤوليات وتأهيل كل من الزوجين بحسن التعاون الإيجابي والابتعاد عن ظاهرة الصراع النفسي والفكري بين المهتمين بالشأن الأسري. وترى الأستاذة زهور الحر عضو اللجنة الملكية لتعديل مدونة الأحوال الشخصية سابقا أن مشاكل الأسرة ليست قانونية فحسب، وإنما هي مشاكل اجتماعية واقتصادية وثقافية وإعلامية وتربوية وتعليمية. وقالت: إن آباءنا عاشوا بدون مشاكل لتمسكهم بالأخلاق والدين. وقالت الأستاذة نعيمة بنيحيى، مستشارة كاتبة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والاشخاص المعاقين: إن أي تغيير في الاتجاه الإيجابي يمر عبر تربية الأطفال على قيم المواطنة وحب الوطن والافتخار بالانتماء إلى وطنهم وبهويتهم الدينية. احتياجات روحية للأسرة سألنا مجموعة من النساء أعضاء في المجالس العلمية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن احتياجات الأسرة المغربية في الجانب الروحي فأجابت الأستاذة جميلة زيان عضو المجلس العلمي المحلي بفاس: من خلال اتصالنا بالنساء وسماعنا لمشاكلهن واحتياجاتهن في المساجد وقاعات المحاضرات والندوات، لاحظنا أن حاجة الأسرة المغربية، والمرأة خاصة ماسة إلى العلم بالله ومعرفة طريق عبادته؛ لأن هذا العلم هو الذي سيقضي على الجهل الذي فرخ في عقول نسائنا ورجالنا وشبابنا، فنجمت عنه مشاكل تنخر أسرنا وتوشك أن تجهز على مجتمعنا؛ مثل: جفاف المشاعر وسوء المعاشرة بين الأزواج، وعقوق الأبناء وانحراف الشباب، وانقطاع الصلة بين الأرحام، إلا ما رحم ربي، وانتشار كثير من العادات والتقاليد والأعراف التي ما أنزل الله بها من سلطان. وأجابت حسناء داود عضو المجلس العلمي بتطوان: الأسرة المغربية أسرة لها مقوماتها الأساسية التي لم تخضع ولن تخضع أبدا لما يمكن أن يزعزعها ويشتت كيانها بإذن الله، ومن أهم هذه المقومات الكيان الديني القائم على وحدة العقيدة والمذهب، والاتفاق على جمع الشمل وتوحيد الكلمة والثبات على المبادئ وتقدير المثل العليا، ولا أدل على هذه الوحدة ما يلاحظ على جميع مكونات الشعب المغربي من تآزر وتلاحم إذا ما مسه ضر أو أصابه مكروه لا قدر الله. وفي الجانب الميداني قالت حسناء داوود: إننا أنشأنا خلية أطلقنا عليها اسم خلية أمهات المؤمنين، وذلك تأسيا بهذا الجيل العتيد من النساء. وقد انبثقت عن اللجنة المذكورة لجان ثلاث: لجنة سيدتنا خديجة رضي الله عنها للدعوة والإرشاد. لجنة سيدتنا عائشة رضي الله عنها للأعمال الثقافية. لجنة سيدتنا زينب بنت جحش رضي الله عنها للأعمال الاجتماعية. التواصل بين الزوجين أدلى الدكتور لطفي الحضري الأخصائي النفساني بدلوه في موضوع علاج الأدواء الأسرية مؤكدا على أهمية الحوار في الدراسات النفسية ودور الحوار داخل النسق الزوجي، والقدرة على التكيف، ومعاول هدم التواصل الأسري. وقال الحضري: من أجل الحفاظ على التوازن الأسري الدائم رغم كل ما يصيبه من ضغوطات خارجية عائلية واجتماعية، ينصح المختصون في التواصل احترام قاعدتين: - الإنصات المتميز - فسح المجال للتعبير عن العواطف. وهاتان القاعدتان تتداخلان فيما بينهما حيث يمكن القول بأنه في هذا السياق يجب طلب توضيح الموقف، وتوضيح الهدف من السلوك، فطالما تناقض السلوك الظاهري مع النية، ولطالما خان التعبير اللغوي مكامن القلب. لهذا فالتعامل على أساس من المرونة مع السلوكات الظاهرية يساعد على تجاوز الكثير من الصراعات الأسرية، خاصة حينما يتعامل الإنسان مع الطرف الآخر دائما. لذا لا يمكن للفرد أن يكون دائما رقيبا على ألفاظه، الشيء الذي نستطيع القيام به مع الأجانب. كما يمكن ربط قاعدة أخرى بما سبق، وهو أن يتصف التواصل الأسري بعدم الاتهام بمعنى أن لا تتسرع في اتهام الآخر بسوء النية لوجود فلتات اللسان وفلتات السلوك، وهنا أيضا أعطي مثالا لتقريب الفكرة للقراء: كلما استطعت أن تستعمل لفظ أنا بدل أنت وضعت نفسك على طريق التواصل الإيجابي وحافظت في نفس الوقت على التوازن الأسري. مراكز الترشيد الأسري صحوة مدنية أكدت عائشة العسري نائبة رئيسة مركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا وهي رئيسة خلية الاستماع في المركز، قالت: لقد أصبح لمراكز الاستماع والإرشاد الأسري دور أساسي وفعال في المجتمع المغربيّ، وذلك لمساهمتها في تفادي تفكك الأسر وانهيارها. وبالنسبة لمركز الوئام فقد تأسس نظرا للحاجة الماسة لهذه المدينة لمثل هذه المراكز واخترنا أن يكون دوره دور تجميع الأسر وليس تشتيتها وذلك يبدو من خلال التسمية الوئام، وحتى على المستوى العملي نعمل ما في وسعنا لجمع شمل الأسرة بنشر قيم المحبة والمودة، ونحن نعتبر لجنة الاستماع هي أهم لجنة بمركز الوئام. وأوضحت عائشة دور اللجنة بأنها تعمل على استقبال جميع أطراف الأسرة ولا تكتفي بالاستماع للمرأة وحدها. وفي معالجتنا للمشاكل الزوجية نجعل الطلاق آخر محطة في المعالجة لا نطرقها إلا في حال تعذر استمرار الحياة بين الزوجين. ومن جهة أخرى أشارت عائشة إلى أن المركز في نظرته إلى قضايا الأسرة لا يقتصر على حل المشاكل وانتظار وقوعها بل يرى العاملون فيه أن الوقاية يجب أن تكون قبل حصول مشكلة معينة لذلك تم إنشاء نادي الوئام وهو مفتوح أما النساء يطرحن كل ما يرينه سيكون وقاية من السقوط في المشاكل المستعصية التي قد تعصف باستقرار الأسرة. مشاريع منقذة لأسر محرومة اختارت جمعية أم البنين للعناية بالأسرة بالرشيدية أن يكون تدخلها لحل مشاكل الأسر الوافدة على مركزها عمليا، لذلك أختارت جعل الخبز البلدي والكسكس والحلويات مشاريع لنساء فقيرات فقد استطاعت هذه الجمعية بإمكانياتها البسيطة، حسب ما ذكرته رئيستها فاتحة الشوباني، أن توفر ل 28 امرأة توجد في وضعية صعبة دخلا ماديا مناسبا عبر مشروع إنتاج الخبز البلدي والكسكس والحلويات، كما تقوم الجمعية بالعديد من الأنشطة من قبيل الترشيد الأسري حيث فتحت الجمعية مركز استماع تعرض فيه النساء حالاتهم الاجتماعية، وعلى ضود ذلك تعمل الجمعية على حل الخلافات الزوجية في إطار الصلح ما استطاعت إلى ذلك، لكن إذا استعصى الأمر فإنها لا تتردد في مباشرة المسطرة القانونية عن طريق محام تابع للجمعية. وكما تنشط الجمعية في مجال محو الأمية والتوعية النسوية. وقد تأسست جمعية أم البنين في 17 دجنبر من سنة 2000وجعلت من بين أهدافها العناية بالأسرة ورفع مستوى الوعي بالحقوق والواجبات داخلها ورفع مستوى التعليم والتربية لأفرادها والعمل على العناية بالأسرة في وضعية صعبة.