بسبب تحكم المعلنين وقلة التمويل: من المتتبع لأعداد المجلات النسائية المتخصصة في المغرب خصوصا والعالم العربي عموما يكاد يجزم أن هذه المجلات في أغلبها رغم جودة ورقها وجمال ألوانها، فإن مضمونها التثقيفي يكاد ينعدم وسط الكم الهائل من الصفحات المخصصة للإشهارات الاستهلاكية الخاصة بالموضة، وغيرها من مواد المعلنين المتحكمين في سير هذه المجلات. "" ولا يستطيع القارئ أن يشبع نهمه الثقافي الأسري وهو يتصفح هذه المجلات، لا لشيء إلا لأنها ملئت بكل شيء إلا بالنزر القليل من مواد تهم أفراد الأسرة إن لم تكن تهدم أفكارهم في بعض الأحيان. صفحات ثقيلة بلا قضية اجتماعية صرحت سعاد لعماري كاتبة صحافية وعضو المجلس الإداري لمنظمة تجديد الوعي النسائي بأن: "المجلات النسائية المغربية والعربية عموما هي في غالبيتها عبارة عن صفحات ثقيلة وملونة، لكنها بلا قضية اجتماعية حسب معظم الدراسات التي تناولتها، وعندما تتناول قضايا الأسرة فمن باب الإثارة والفرجة وليس بغاية المعالجة والرصد والتأطير للقراء والقارئات، أو بناء قيم إيجابية تخدم التماسك الأسري، بل على العكس من ذلك ؛ القيم المروجة في هذه المجلات تحدث صراعا داخل الأسرة، فمثلا هذا الإعلان يشحن الفتيات بمواقف متطرفة حول تحقيق الذات والطموح لا تنسجم مع أدوار الأمومة الطويلة والمتشعبة، كما تشحن الشباب والمراهقين بصور نمطية عن المرأة يمكن أن تلعب دورا خطيرا في تدمير حياتهم الزوجية مستقبلا". وأضافت العماري أن "هذه المجلات التجارية لا تستطيع أن تزرع ثقافة أسرية تقدس الوفاء الزوجي ، لأنها لا تدافع عن العفة بل تتناولها في بعض الأحيان تناولا قدحيا، وتعتبرها ضمن القيم المتقادمة، وهكذا ففي مجال العلاقات الأسرية لا يمكن أن تصنع الصحافة النسائية الحالية في معظمها، أسرا متماسكة لأنها تشكك ليل نهار في سلطة الأب والأم، وتشبع الشباب بمفاهيم مضطربة عن الحرية والسعادة والنجاح والحقوق والواجبات والمسؤولية، كما تساهم في صنع مشاكل إضافية للأسرة، في الوقت الذي نعلم فيه أن حماية الأسرة وتمتين أواصرها هو السبيل للأمن الاجتماعي". الكسب التجاري إن سبب تهميش القضايا الأساسية للأسرة في المجلات النسائية، تقول سعاد لعماري يكمن في ارتباط هذه المجلات بجهات إشهارية يهمها الكسب المادي قبل أي شيء آخر، والدليل على ذلك أن الجزء الأكبر من هذه المجلات يكون مخصصا للإشهار، أما قضايا الأسرة فتبقى هامشية ضمن اهتمام القائمين على مشاريع تجارية أكثر منها تثقيفية. وفي نظر سعاد لعماري لم يتم بعد تأسيس إعلام أسري هادف قائم بذاته. ولا يمكننا حسب لعماري، إغفال بعض التغييرات الطفيفة التي بدأت تطفو على السطح مثل مجلة "نجمة" المغربية التي يختلف خطها التحريري عن المجلات الأخرى، لكن هذه المجلة في حد ذاتها لم تتخلص من العقلية التجارية مما جعل أعدادها تتضمن كثيرا من الإشهارات، ورغم ذلك يمكن القول إنها ما تزال تحافظ على التوازن من خلال القضايا الأسرية التي تتناولها بمهنية. ويمكن القول لحد الآن إنها تحاول المزاوجة بين التثقيف الأسري والكسب التجاري، رغم أنها سقطت في فخ صورة الغلاف التي تكون دائما لامرأة بلباس معين، إضافة إلى صفحات كثيرة تتناول موديلات اللباس والإكسسوارات النسائية. "الأصيلة" مبادرة الثقافة الأسرية البانية مجلة فتية لم تجاوز سنتها الثالثة فقد صدر العدد الأول من مجلة "الأصيلة" في يوليوز 2006 يديرها محمد البنعيادي وترأس تحريرها نادية المديوني، معتبرين هذا المنبر وسيلة لصياغة برنامج تربوي علمي للأسر المتوازنة، ومرجعا قانونيا وأخلاقيا في إدارة الأسرة والتواصل الأسري، في وقت أصبحت الكثير من القضايا الأسرية مرتبطة بالمجلات الانحلالية التي تخضع للتوظيف الإشهاري، هذا ما أكدته رئيسة التحرير في أول افتتاحية للمجلة الفتية. إلا أنه بعد إصدار أعداد قليلة لم تتجاوز العشرة بدأت سطور الافتتاحية للمجلة تكشف عن تحديات إصدار إعلامي هادف يصطدم بالواقع وهو ما حاول مدير المجلة شرحه لنا في حديث معه عن هذا المشروع إذ قال: "كان هدفنا الأساس إشاعة ثقافة أسرية أصيلة تهدف إلى إعادة تأهيل الأسرة المغربية وبنائها على أسس متوازنة من خلال تقديم رؤى وتصورات علمية وأخلاقية وثقافية متوازنة". والمتتبع لأعداد المجلة يلاحظ أنها تكاد تخلو من الإشهارات والإعلانات إذا استثنينا إعلانات عادية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ليجد غزارة في المادة العلمية الموجهة للأسرة من مختلف التخصصات القانونية والاجتماعية والصحية والتربوية. صعوبات في الطريق وعلى رأس الصعوبات التي اعترضت مجلة "الأصيلة" يقول مديرها محمد البنعيادي: "هناك عدم القدرة على التنافسية على مستوى الجودة في الشكل الذي يتطلب عبئا ماليا إضافيا، فالمال عنصر أساس- إلى جانب المضمون الجيد الذي يشيع الثقافة الأسرية البانية - في نجاح أي مشروع ملتزم بمعالجة أوجاع الأمة. ولكن شعاع الأمل لا يكاد يخبو لدى الساهرين على مجلة الأصيلة، حسب البنعيادي الذي يقول: "ورغم تواضع إمكانياتنا وتجربتنا الفتية فنحن متفائلون جدا، ومازلنا نجتهد في تأدية رسالتنا الأسرية لتبقى الأصيلة أصيلة في طرحها، ومواكبة لتطورات المجتمع المحلي والدولي في تعاطيه مع موضوع الأسرة. وقد حاولنا تنويع إصداراتنا، حيث بدأنا إصدار سلسلة كتب ثقافية تنهض بالثقافة الأسرية كان آخرها كتاب: "بناء الأسرة المسلمة طريق النهضة الحضارية" للدكتور الطيب برغوث حفظه الله، في طبعته الأولى بالمغرب. دور الغيورين أكدت سعاد لعماري على أهمية الإعلام الأسري منبهة في الوقت ذاته إلى أن التمويل يلعب دورا مهما في التأثير على مسار هذا الإعلام، وبالتالي يجب على الحركات الإصلاحية والجمعيات والهيئات التي يهمها الحفاظ على تماسك الأسرة أن تفكر جديا في تمويل مشاريع الإعلام الأسري حتى لا يسقط في فخ الاستغلال من قبل أصحاب الإعلانات والإشهارات، الذين يتحكمون في سير المجلات المتخصصة؛ حتى تنحاز عن الدور الذي وجدت من أجله لدور دعائي تجاري محض. لها أونلاين