فاطمة المرنيسي فجأة، اتضح لي لغز الحريم الأوروبي (1)، داخل معبد للاستهلاك، أقصد ذلك المتجر الكبير بمدينة نيويورك، حينما أخبرتني البائعة بلهجة كاهنة عدم وجود تنورة على مقاسي لأن جسمي يحمل وركين واسعين جدا، تضيف مفسرة الأمر. «على امتداد كل هذا المحل التجاري، والذي يضاعف مائة مرة بازار أسطنبول، ومع ذلك لا توجد لديكم تنورة تتناسب ومقاسي ؟ ربما تمزحين !». أشك بقوة، أن تكون هذه السيدة الأنيقة كسولة. شيء إذن، يمكن فهمه. لكنها، ستلح على النفي بصيغة متعجرفة : - إنك ضخمة جدا... أنا ضخمة جدّا قياسا إلى ماذا ؟ أجبت، وأنا أركز عليها انتباهي، مدركة في نفس الوقت إمكانية أن أتواجد بغثة بجانب هوة ثقافية حقيقية. مقارنة مع القياس 38 (سيأخذ صوتها نبرة فتوى غير قابلة للاعتراض). فإن القياس 36 و 38 يمثلان المعيار، أو بشكل دقيق النموذج الأمثل، تواصل حديثها تحت تحفيزات نظراتي الاستفسارية. فالمقاسات اللانموذجية، كما هو الأمر معكم، غير متوفرة قط إلا في محلات تجارية خاصة. كانت المرأة الأولى التي استمعت فيها لبلاهة كتلك : في الشارع المغربي، الضخامة السخية لقطر خصري، بل، وحتى عهد قريب (على الرغم من العمر !)، تثير تعليقات إعجاب مستفيضة. ومن فرط، سماعي للمدائح التي تلاحقني مثل عطر داخل كل المدن، ظننت بأن الكون بأكمله يقتسم نفس الإجلال. ولم، تتح الفرصة أمامي كي أتساءل عن وجود منطقة ما في العالم تقطع مع هذا التصور. بالتأكيد، تمر الأعوام ويضعف حجم التعليقات. واليوم، حينما أسير وسط المدينة، فلا أصادف أحيانا إلا الصمت الأصم. أحدد، مع ذلك بأن الإطراءات تتجه إلى طيفي عبر نظرة من الخلف، بينما يتغير الأمر حينما يكون الوضع من الأمام، مادام أن وجهي لم يتجاوب في يوم من الأيام مع المعايير الرائجة عندنا. أُ جبرت، باستمرار على مواجهة ملاحظات مزعجة، من قبيل (الزرافة !)، فقد تبين لهم بأن عنقي طويل جدا. أكثر من ذلك، اكتشفت حينما قدمت إلى مدينة الرباط قصد الدراسة، أن جمالي الكبير يتأتى تحديدا من وضع التحدي الذي تبنيته كي أقطع مع كل ابتزز جمالي. رفاقي، يصابون بالدهشة لعدم اكتراثي بمدائحهم. لازلت، أذكر جوابي لأحدهم : «أتدري، يا عزيز كريم، فكل ما أحتاجه لكي أعيش قليلا من الخبز والزيتون والسردين. وإذا اعتبرتَ، بأن عنقي طويل جدا، فذلك شأنك». على أية حال، فلا شيء كان قطعيا بالمطلق في شوارع المدينة، بل كل أمر قابل للتفاوض. أما، داخل محل تجاري راق بنيويورك، فالوضع مختلف ! يجب، الاعتراف بأنني فقدت كل طمأنينتي. ليس لاعتيادي، على تقة دائمة في نفسي. لكن، وأنا أسير بين أروقة جامعة محمد الخامس، لم أكن استفسر كل لحظة عن ما يعتقده الناس اتجاهي، وحينما أسمع غزلا مخادعا، فلا أصده، لكن ذاتي تنتفخ على الفور مثل منطاد. وعموما، لا أنتظر شيئا من الآخرين. هكذا، أجد نفسي دميمة حينما أكون متعبة أو مريضة. بينما، أحس بأنني فاتنة حينما يكون الجو صحوا أو أتمكن من كتابة صفحة متميزة بشكل خاص. لكن في هذا اليوم، وأنا متواجدة بالمحل التجاري الذي دخلت إليه بهدوء زبونة متسيّدة، مستعدة لإنفاق النقود، أتدمر فجأة، فقوام خصري، الذي شكل حتى ذاك الحين علامة نضج متألقة، انخفضت قيمته إلى درجة التشوه. «من يحدد النموذج ؟» سألت، البائعة الأنيقة، سعيا إلى استعادة شيء من الثقة، بالطعن في القواعد. لا أمنح الآخرين، قط فرصة أن يفرضوا علي ما يجب أن أكونه. لقد، صادفت باستمرار أشياء من هذا القبيل، وأنا فتاة صغيرة. ففي مدينة فاس، إبان العهود الماضية، كانوا يبدون إعجابهم بالمراهقات السمينات، وتكررت دائما هذه اللازمة، بأنني طويلة ونحيفة جدا، بوجنتين بارزتين كثيرا، وأعيني، جد مائلة. لذلك، استحوذ على أمي هاجس أن أفشل في العثور على زوج، تمسّكت بضرورة توجه اهتمامي إلى الأدب أقصى ما يمكنني الأمر، بالموازاة مع فن التطريز، حتى أكون دائما قادرة على الاكتفاء بنفسي. ثم، أصرخ متمردة : «أمي العزيزة، بما أن الله أرادني هكذا. فكيف، يمكنكم القول بأنني دميمة؟». وفي الحال، تنزوي المرأة المسكينة إلى الصمت. كيف، تتجرأون على انتقاد مخلوق إلهي ؟. وجراء، اقتناعي بمظهري الغريب كعطاء ما فوق طبيعي، فقد عشت كل لحظة مع هذه الفكرة، وسط مدينة فاس التي تخنقها النزعات المحافظة (وهي كذلك دائما، من خلال الأصداء)، لكن دون أن تتزعزع جذور ثقتي في نفسي، والتي كان من المهم ترسيخها على الرغم من عجزها للوصول إلى صلابة الأطواق الفضية الملتصقتان دائما بيداي، في مواجهة مع كل اختبار للمعايير. الثقة بالذات تشبه بالأحرى ضوءا صغيرا متذبذبا. يجب، أن تتعهد به دون توقف، وتكفيه شتيمة لإثارته. "ومن قال بأن كل العالم، يتحتم عليه البقاء عند حدود خصر، مقاسه 38 ؟". أصر، بلهجة تهكمية وأنا أهمل قصدا الإشارة إلى الرقم36. فابنة أخي، والتي لها من العمر 12عاما وفخذي وقواق، يبلغ نطاق خصرها 36 !. تأملتني البائعة، بشيء من الاضطراب "المعيار أو بالأحرى القوام المثالي، نصادفه في كل مكان بين صفحات المجلات وعبر شاشات التلفاز وعلى الملصقات فبالتأكيد، تعرفون : كالفان كلين Calvin Klein، رالف لورينRalph lauren فيرساس Versace ، أرماني Armani، فالونتينو Valentino، كريستيان لاكروا Christian Lacroix، جون بول غولتيي Jean paul Gaultier، فكل المجلات الكبيرة، تمتثل للنموذج، ولو تبنت مقاييس ما بين 46 و 48 مثلما تفعلون، فأعتقد بأنها ستنتهي إلى إعلان إفلاسها". سكتَتْ لحظة، ثم تطلعت نحوي بفضول. "حقا، أنا متأسفة". لقد كانت صادقة كما يظهر ومنشغلة أيضا. لذلك، أسرعت اتجاه زبونة تستفسر عن معلومة، ثم عادت إلي : "من أين قدمت ؟ ". هنا، لاحظت بأنها تقاربني سنا، تناهز عقدها السادس، غير أن جسدها تميزه رشاقة فتاة في السادسة عشرة من عمرها. فستانها، بلون أزرق غامق، من منتوجات شانيل Chanel يزينه طوق صغير على طريقة : كلودين في المدرسة. حزام، ترصعه لآلئ يرسم رشاقة خصرها. شعرها القصير، اللامع، أما معالم وجهها فتكشف عن تطرية ملائمة، كل ذلك اختزل عمرها إلى النصف. أجبت قائلة : "لقد أتيت من بلد، تخضع فيه الملابس إلى قياس ثابت. ذلك، أنني أبادر بشراء قطعة ثوب، ثم تصنع منه الخياطة أو الحرفية ، الفستان أو الجلابية التي أبتغي ودون معرفة مسبقا بمقاسي. في المغرب، لا شخص يهتم بالأمر، بما أنني أؤدي واجباتي الضرائبية. بل، لا أستطيع أن أحدد لكم بالضبط مقاسي، فأنا أجهله كليا. انفجرت ضاحكة، وهي تؤكد، بأن بلدي يوحي حقا بكونه جنة للنساء المتعبات. فسألتني، بصوت يلفه الارتياب : "تريدين، كذلك القول، بأنكم بكل بساطة لا تقمن بعمليات للوزن ؟ هنا، توجد نساء فقدن وظائفهن نتيجة لذلك". إنها تمزح، لكن ملاحظتها تخفي حقيقة قاسية، مست الجوهر : الخصر 38، هو أيضا عقال حديدي زجري، مثله مثل الحجاب الأكثر سُمكا. بسرعة، استأذنت بالانصراف، كي لا أرغم هذه البائعة اللطيفة على توثيق حدة اعترافاتي التمييزية، كما عبرت عنها داخل وسطها المهني. ربما، التقطتنا كاميرا للمراقبة... . نعم، أظن بأنني قد توصلت إلى حل لغز الحريم، وأنا أسير فوق هذا الممشى المغطّى بالموكيت. فعلى، النقيض من المسلم الذي يحد اضطهاده في الفضاء العمومي، نقف على تلاعب الإنسان الغربي بالزمان والضوء. فهو، يؤسس بالاعتماد على أضواء كاميرات تركز الجمال المثالي على ملايين الصور وكذا رسائل إشهارية، بحيث يظل في حدود سن الرابعة عشرة. أما، إذا بدت المرأة في الأربعين وأسوأ الحالات الخمسين، فإنها تتلاشى داخل الظلمة. فحينما، يسلط أضواءه على مراهقات مُغريات والارتقاء بهن إلى مستوى المثال الأعلى. يلقي، في المقابل بالأكثر سنا ناحية الظل والنسيان. الماكرون من رجال الغرب، يتغنون بالديموقراطية لنسائهم صباحا، لكن مساء يتأوهون إعجابا أمام فتيات جميلات وصغيرات جدا، ابتسامتهن مشعة بقدر ما هي فارغة، من خلال استعادة ثانية وبصيغ أخرى للشعار الذي تغنى به كانط Kant : جميلة وبلهاء أو ذكية ودميمة !. يقينا، نحن أكثر ذكاء في سن الأربعين مقارنة مع العشرين، كما يقول حقا المثل العربي : "من عاش ليلة قبلك، فإن جيبه ينطوي على حيلة زائدة". لكن في الضفة الأوروبية للبحر الأبيض المتوسط، قرر الرجال شيئا آخر، فحينما تكشف امرأة عن حس أكثر نضجا وتثق بشكل كفاية في ذاتها، فإنهم يتربصون لها بانقلاب. إن امرأة واثقة من إمكانياتها، لا تلجأ إلى عمليات للوزن كل ربع ساعة...، بمعنى ترفض التحكم في مسألة اتساع حجم ردفيها ، بُمْ!! . ثم، تنتهي إلى هاويات الدمامة. تقيم، أسوار الحريم الغربي حاجزا خطيرا بين شباب جذاب ونضج يبعث على الاشمئزاز. في الغرب، الأسلحة الموظفة من قبل الرجال لخداع النساء، هي عمليا غير مرئية : تلاعبهم بالزمان. الصور، عبارة عن زمان متمركز. لا يجبرون، أية امرأة على التقيد بصورة مثالية وتوفرهن على خصر في حدود مقاس 38، وتوجيه الشرطة إلى حقائبهن كما يصنع آيات الله، وبعدها يندسون إلى خمارهن. إنهم، لا يجبرونك على فعل أي شيء، فقط في اليوم الذي تقررين فيه شراء تنّورة، يصرخون في وجهك، بأنك متوحشة. بعدها، يتركونك وحدك لتجرع الهزيمة. يجبرونك، على تأويل وضعيتك ثم تفسيرها مثلما يرغبون : مع أن الشيخوخة قدر لا مفر منه، فهو حكم آثم. "هكذا ! أصبحت من الديناصورات البغيضة !". أفكر في الوضع، وأنا أسير بمحاذاة القوالب الخشبية المخصصة للفساتين الضيقة جدا، وفق مخطط سري ألا وهو البرهنة للبائعة على زلتها. لكن، الستار الذي ينسجه الزمان المنقضي، كان أكثر كثافة وعبثية أيضا من نقاب آيات الله وضبطهم للمكان. نعم، صحيح لم أحس داخل متجر الموضة هذا بأنني دميمة، ولكن انتفى وجودي، بالتالي أرغمتني سعة خصري الواسعة على التوجه نحو باب الخروج. بينما الأضواء، مسلطة على نطاق رقمه 38. في حين، أنا المرأة اليانعة فقد تلاشيت وصرت عدما بالرغم مني. انتابتني، رعشات، فهذا الحريم يندرج ضمن جسد رسخته السنوات التي تتوالى، فلا يمكننا التخلص منه. إن عنف الحريم الغربي، قليلا ما يكشف عن نفسه، نظرا للتمويه الذي تقوم به الاختيارات الجمالية. فالأمر، يشبه حكاية أقدام الصينيين: فقد قرر رجال الصين بأن أجمل النساء، هن اللواتي يتوفرن على أرجل صغيرة تشبه تلك التي للأطفال. لذلك، شرعت الفتيات في الضغط بشدة على أقدامهن سعيا للاحتفاظ لها بالمقياس المطلوب، فالمرأة المثالية، هي من تنساق وراء البحث عن الجمال إلى درجة التشويه الذاتي مبرهنة بأن إغراء الرجل، يبقى أهم طموحها. على المنوال ذاته، تكبح هذه المرأة المثالية حمولة خصرها في أفق احتفاظها على المقاس المثالي، نحن المسلمون، نصوم شهرا واحدا في السنة، مقابل إثنى عشرة شهرا عند الغربيين. "أي هول !". أحدث نفسي وأنا أشاهد من حولي، هؤلاء الأمريكيات بمظهر صور صبية صغار، بلغن بالكاد سن الرشد. حسب الكاتب "نومي وولف" Noami wolf، فإن الوزن الذي حددته النماذج العليا للموضة، أي الصور المعاصرة للجمال المثالي، يستمر دائما في الابتعاد عن الوزن العام لفئة النساء : "منذ جيل، كان وزن عارضة أزياء عادية، أقل ب %8 مقارنة مع أمريكية أخرى عادية. أما اليوم، فقد ازداد الفارق إلى %23 (...). سينخفض، إذن وزن ملكة جمال أمريكا. كما انتقل وزن الفتيات اللُّعب أو الدُّمى، في ظرف ثمانية سنوات قياسا إلى أمريكية عادية، من فارق 11 % إلى %17». شكل، هذا التقلص في الرشاقة المثالية حسب الكاتب، أصل ارتفاع حالات فقدان شهية الطعام إلى جانب مشاكل صحية أخرى : "ازدادت اضطرابات التغذية بطريقة سريعة، وارتفعت أعداد العُصَابيين، بحيث تحولت لديهم التغذية والوزن، إلى عنصرين لتدهور الصحة الذهنية". يأخذ، الحريم الغربي آنيا كل دلالته. إنه، فضاء في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. ثم، زمان على امتداد ضفة الشمال. بينما، الموضوع دائما ذاته : إعطاء النساء شعورا عميقا بالضيق والتردد والعار. يعمل الرجل الغربي، على تلقين المرأة مجموع القواعد التي تحدد مظهرها الفيزيائي. يضبط، كل صناعة للموضة، ابتداء من مفهوم التجميل وحتى انتشار صدرية النهدين. من تم، يشكل الغرب المنطقة الوحيدة في العالم، حيث اللباس النسائي صناعة ذكورية بامتياز. أما، في بلد كالمغرب، فالموضة قضية محض فردية، مادمت تصمم أنت بنفسك ملابسك وتراقب صناعتها. تهيمن الفردانية على مجالات الحياة في الغرب، إلا حينما يتعلق الأمر بالموضة، هنا ينقلب الوضع إلى قاعدة للعشيرة : لابد من الامتثال للنزعة المحافظة. ويضيف "وولف" Wolf في عمله : le mythe de la beauté ، بأن، الرجال تمحوروا على آلة قدسوها بشكل مذهل : «صناعات قوية 33 مليار سنويا، مخصصة للمنتوجات المتعلقة بالحمية، و 20 مليار سنويا لمواد التجميل، ثم 300 مليون بالنسبة للجراحة التجميلية، و 7 مليار للبورنوغرافية انبثقت كلها من خزان الاضطرابات اللاواعية. إنها، تخلق وتبلور هذيانا جماعيا، كما لو في لولب جهنمي». حينما رويتُ إلى كمال عبر الهاتف، الإشكال وكذا النظرية المستنتجة، تغيرت لهجتي بعد أن طرح إشكالا بقدر بساطته فهو مفخخ : "كيف يمكن لهذا أن يتحقق ؟ ولماذا يقبله النساء ؟". وعلى الفور، عاهدت نفسي بعدم الالتفات نحو رسائله لأسابيع عديدة. كم هو قاس، مواجهة باحث عند حدود نظريته الناشئة ! دخلت بهذا التأمل غمار صمت طويل، أنهته برقية فاكس إلى كريستيان Christiane. فوحدها، الباريسية يمكن الإبقاء على كرامتي، باعتباري باحثة اخترقتني حقا شكوك كمال. هكذا، توصلت منها بكتاب شكل بالنسبة إلي انتصارا شبه ثابت فيما يخص حواراتي مع كمال : يتعلق الأمر، بكتاب "بيير بورديو" Pierre Bourdieu : La domination masculine. وظف بورديو Bourdieu مفهوما عبقريا، سماه ب "العنف الرمزي" وهو "شكل من السلطة يمارس على الأجساد مباشرة، كما لو بصيغة سحرية دون أي احتكاك فيزيائي. مفعول هذا السحر يرتكز على ميول تنطوي على ما يشبه دوافع إلى أعمق ما يكون في الأجساد". بقراءة، بورديو Bourdieu، أحسست بأنني قد فهمت بشكل أفضل النفسية الغربية. فصناعات الموضة، حسب الفيلسوف تمثل فقط تلك النقطة البارزة في جبل الجليد. شيء ما، يحدث في الأسفل ويبقى مضمرا، بمعنى ثان لماذا يتقبل النساء ببساطة الإذلال ؟ ويخترن تفضيل رجال يتجاوزهن سنا ؟ إنهن، ضحايا لتلاعبات العنف الرمزي السحرية. يخضعن بكل تلقائية "لمميزات التراتبية الجنسية القائمة" : العمر والقامة والنقود. مثل، هذه الطوعية يحددها بورديو Bourdieu كنتاج لنوع من "السحر". مناهج أولية للهيمنة، حتما فعالة جدا : فأن أحرم نفسي من التغذية، يمثل أفضل طريقة كي أمسك عن التفكير ثم تنعدم تقتي في ذاتي. فمع الجوع، أحس على الفور بالوهن وأُتهم بكل المساوئ. لقد توصل «وولف» wolf وبورديو Bourdieu، إلى خلاصة مفادها، أن هذه «القوانين الجسدية» تشل بدهاء أهلية النساء للتباري من أجل السلطة، حتى ولو بدا لهن العالم المهني، منفتح بشكل واسع. قواعد اللعبة، تختلف حسب الأجناس. فموارد النساء اللواتي دخلن المنافسة، ترتبط بالرهان على مظهرهن الفيزيائي، مما يدحض مشروعية التكلم عن مساواة للحظوظ. يقول "وولف" Wolf : "إن التركيز الثقافي على الرشاقة النسائية، ليس تعبيرا عن هوس بالجمال النسائي، بل يتجه نحو إخضاع النساء. نظام الحمية، هو الأكثر فعالية من بين جميع المسكنات السياسية التي أفرزها تاريخ المرأة. إن مجموعة بشرية تظل هادئة بين طيات جنونها، تعبر بالضرورة عن انقيادها". ثم يتوسع مضمون الفكرة : "أغلب النساء، يدركن جدا، أن التقدير المبالغ فيه للرشاقة يقود إلى " افتقاد حقيقي لكل تقدير شخصي وكذا دلالة الفعالية". (...) أما "التحديد الحراري، سواء بطريقة دورية أو متواصلة" فينمذج، شخصية تتميز بسمات خاصة، مثل : الفتور، الاضطراب، والانفعال". بنفس الكيفية، فإن بورديو Bourdieu الذي ركز بالأحرى على الطريقة التي تندرج بها، هذه الأسطورة ضمن الجسد ذاته، يقر بأن استدعاء النساء الدائم لمظهرهن الفيزيائي، يزعزع استقرارهن ويختزلهن إلى رتبة أشياء معروضة : "فالهيمنة الذكورية، التي حولت النساء إلى موضوعات رمزية، ترتب عنه موضعة الكائن المدرك لهن، داخل حالة مستمرة من اللا أمان الجسدي، أو بشكل أفضل الخضوع الرمزي : يتواجدن أولا، بنظرات الآخرين ومن أجلهم، باعتبارهن موضوعات سهلة المنال وفاتنة ثم جاهزة". فالتحول، إلى موضوع يتحدد مصير وجوده بنظرة من مالكه، جعل من المرأة المعاصرة عبدا حريميا. أشكرك، يا إلهي. أقول ذلك، وأنا على متن الطائرة التي تقلني اتجاه الدارالبيضاء، فقد نجوت من حريم مقاس 38. شريطة، أن ألا تنطلي مثل هذه الحيلة على أعناقنا. لنتصور، تخليا عن الحجاب لحساب هذا المقاس الجهنمي : 38 ! كيف إذن، نمارس معركة سياسية معقولة، وننظم مثلا تظاهرة مدوية في الشارع تصاحبها صرخات قوية وأعلام، حينما لا نعثر على تنّّورة تناسب مقاساتنا ؟ " (1) Fatéma Mernissi : le Harem européen , éditions le Fennec, 2003, PP 229/240.