أن تنفذ المقاومة العراقية ما يزيد عن 34 ألف عملية خلال العام 2005، وبزيادة 30 في المئة عن 2004، فذلك يعني أننا إزاء حالة لا ترفض التراجع فحسب، بل تواصل التقدم أيضاً، وتلك ولا شك مسألة بالغة الأهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار تطور القدرات الاستخبارية للقوات الغازية، إلى جانب تطور الفعل الميداني للقوات العراقية العاملة إلى جانبها. إننا نتحدث عن رقم مهول في واقع الحال، فالمتوسط هو 93 هجوماً في اليوم الواحد. صحيح أن عدداً من تلك الهجمات يطال الشرطة وقوات الأمن العراقية، لكن الثابت أن الجزء الأكبر منها قد وجه للقوات الغازية، بصرف النظر عن حجم الخسائر في صفوفها. واللافت أننا نسمع يومياً من خلال وسائل الإعلام عن جميع الهجمات التي تطال القوات العراقية، أو تصيب المدنيين العراقيين، لكننا لا نسمع سوى القليل من أنباء الهجمات الموجهة للقوات الأمريكية، فهل يتم ذلك بمحض الصدفة؟ كلا بالطبع، في حين تعجز قوى المقاومة عن تقديم صور وبيانات تشير إلى هذا العدد الكبير من العمليات، إذ تكتفي بعملية مصورة كل بضعة أيام، لأن ما سوى ذلك سيتطلب توفير مصور مع كل خلية مسلحة، الأمر الذي يبدو مستحيلاً في واقع الحال. معظم العمليات التي تطال القوات العراقية، وأحياناً الأهداف المدنية العراقية عادة ما تنفذ بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وتشير الإحصائية الأمريكية إلى أن عمليات الأحزمة الناسفة لم تكن سوى 67 عملية مقابل سبع فقط خلال العام 2004، أما عمليات السيارات المفخخة فكانت 411 مقابل 133 في العام السابق، مع العلم أن كثيراً منها قد وجه للقوات الأمريكية. ما تؤكده هذه الأرقام هو أننا أمام تيار جارف من المقاومة الحقيقية التي تستهدف قوات الاحتلال، وليس العنف الذي يطال الأبرياء، من دون أن ينفي ذلك وقوع هجمات من هذا النوع الأخير ترفضها معظم قوى المقاومة، والنتيجة أن إنكار بعض القوى السياسية لمعادلة المقاومة وإصرارها على أن ما يجري محض إرهاب هو في حقيقته فعل سياسي معروف الأهداف لا يغير من حقائق الواقع على الأرض. لا قيمة هنا لحديث المسؤولين الأمريكيين عن تراجع فاعلية الهجمات العراقية رغم كثرة أعدادها، إذ أن المقاومة مستمرة وفاعلة في آن، أما أرقام الخسائر المعلنة فليست سهلة على رغم ما تخفيه من حقائق، فرقم القتلى حتى نهاية العام هو 2237 مقابل 16472 جريح لن يعود معظمهم إلى ميدان المعركة من جديد، وهؤلاء وأولئك هم جزء من الأعباء المالية على الولاياتالمتحدة، بل ربما كان الجرحى أكثر كلفة من القتلى، مع العلم أن أرقام القتلى ليست حقيقية إذ أنها لا تشمل غير المجنسين من الجنود، كما لا تشمل المتعاقدين المدنيين. أيا يكن الأمر فنحن إزاء أرقام تؤكد أن المقاومة العراقية ليست خيار أقلية يمكن التعاطي معها كما يتم التعاطي مع حوادث السير وجرائم القتل التقليدية، بل هي مقاومة فعلية وفاعلة تصيب العدو في مقتل، فيما تربك عملاءه، بل وتفشل خططه الرامية إلى الخروج من مواقع المدن والركون إلى قواعد عسكرية يتحكم بالبلاد من خلالها. بقي أن نذكّر أولئك الذين دأبوا على هجاء المقاومة والتشهير بها بأن ما حصدوه من مكاسب سياسية إلى الآن لم يكن إلا بسبب بطولات المقاومة التي دفعت القوات الغازية إلى تقديم التنازلات لهم، غير أن الأهم من ذلك هو أن أية صيغة لا تنطوي على طرد قوات الاحتلال لن تكون كافية لإخراج البلاد من أزمتها.