أيا كان القول في اتفاقية الوقف الشامل لإطلاق النار في سورية فإن إنجاز ذلك الاتفاق بصورة ثنائية بين تركياوروسيا وبمنأي عن بقية الأطراف يسجل نجاحا تاريخيا للدولة التركية في " فرملة " ماكينة الإبادة اللعينة التي تحصد الشعب السوري علي امتداد خمس سنوات ، وقتلت منه ما يقرب من المليون برئ وشردت غالبية الشعب وسجنت بقيته خلف قضبان الجبروت البعثي الطائفي . سقوط حلب بين أنياب الوحش الطائفي أسالت لعابه لمزيد من القتل والإبادة والتشريد وأصابته بسعار الشوق للدم ، وأعلنت طهران بكل بجاحة أن حلب باتت خطها المتقدم في المنطقة، في إشارة إلي مواصلة التقدم والتهام مزيد من أراضي المنطقة ، وتحقيق حلمها الإمبراطوري القديم ، بتغاضي أمريكي صهيوني حينا ودعم كامل احيانا أخري ، لكن تلك الاتفاقية التي تم إنضاجها بهدوء بين موسكو وأنقرة " فرملت " ذلك إلي حين . كانت مفاجأة الإعلان عن الاتفاقية مدوية وصادمة لكل من واشنطنوطهران ، وهو ما حدا بواشنطن إلي طرد 35 دبلوماسيا روسيا عقب الإعلان عن تلك المبادرة وإن كان السبب المعلن من طرف واشنطن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية . الاتفاقية خرجت للنوربضمان الدولتين بعيدا عن بقية الأطراف ، وبعد تكتم شديد علي مجريات المفاوضات في هذا الخصوص ، وهو ما يؤكد أن روسيا هي صاحبة الكملة الاولي في سورية ، وأن تركيا صاحبة كلمة علي معظم فصائل المعارضة السورية . روسيا تسابق الزمن قبل حلول العشرين من يناير القادم ، موعد استلام الرئيس الامريكي الجديد للسلطة ، ليصل ترامب وقد وجد وضعا جديدا في سورية وعلي أساسه يكون التواصل بين واشنطنوموسكو. تركيا بهذا الاتفاق حققت معظم أهدافها في سورية ، وأهمها منع قيام كيان كردي مستقل في سورية يتواصل مع أكراد العراقوتركيا وبالتالي يهدد تماسك الاراضي التركية ، وهو الكيان الذي تدعمه أمريكا علي الملأ. تمكين تركيا بهذا الاتفاق من تقديم الإغاثة والمعونات اللازمة للسوريين علي نطاق أوسع وإقامة مخيمات لهم في داخل الأراضي السورية ، وبالتالي وقف نزيف النزوح للأراضي التركية . كما اأن تركيا بهذا الاتفاق تستطيع إعداد الارض السورية لعودة اللاجئين إلي بلادهم وبالتالي تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عليها. أرادت روسيا وبالطبع تركيا بهذا الاتفاق توصيل رسالة للعالم بأنهما قادرتان علي حل المشكلة بمعزل عن واشنطن ، وبالتالي فإن المرحلة القادمة ستشهد تحقيقد شبه إزاحة للنفوذ الأمريكي من هناك . تفاصيل الاتفاق تؤشر إلي ما يلي : 1- تركياوروسيا اللاعبان الرئيسيان في الاتفاق . 2- النظام السوري تابع وليس صاحب كلمة ومصير الأسد بات غامضا بينما المعارضة المسلحة طرف أساسي . 3- إيران حاضرة ، ولكن الكلمة الأولي مازالت لروسياوتركيا .. والسعودية وقطر ومصر في الصورة . 4- استثناء داعش والنصرة من الاتفاق يبقي الطريق مفتوحا علي مصراعيه لتركيا لمواصلة حملتها ضد داعش ، وفتح الطريق لروسياوإيران والنظام للحرب علي النصرة وتلك ثغرة يمكن أن تتسبب في انهيارالاتفاق لكن ذلك يعتمد علي قوة مراقبة تنفيذه . 55- المعضلة الأكبر تكمن فيما نص عليه الاتفاق من انسحاب الميليشيات الشيعية والذي تصر إيران علي عدم تنفيذه اإلا بعد انسحاب كل الميليشيات والاشخاص الأجانب من البلاد . وهكذا ..تبدأ سورية اليوم مرحلة جديدة ، تكون الكلمة الأضعف فيها لنظام بشار الأسد ، وتكون الكملة لروسيا التي تحاول إزاحة الدور الإيراني المنافس لمصالحها أو علي الأقل إضعافه . وفي الجهة المقابلة تكون لتركيا كلمة قوية لصالح اللاجئين والمقاومة الوطنية والأهم إزاحة أي خطر يهدد أمنها ووحدة أراضيها . لكن إيران لن تبقي صامته دون تحقيق مصالحها في الإبقاء علي نظام الأسد والقضاء علي المعارضة ، وإضعاف المكون السني الذي يشكل غالبية الشعب لصالح المكون الشيعي العلوي الذي تعتبره عاملا من عوامل تحقيق مشروعها الفارسي الاستعماري . ما وصلت إليه سورية اليوم هو نتيجة طبيعية للحكم الفاشي الدكتاتوري ..إبادة الشعب وتقديم الدولة لقوي الاستعمار لنهش أراضيها وثرواتها وتحويلها لغابة يكون البقاء فيها للأقوي . وبعد .. ظلت الأزمة السورية منذ بداية الأزمة ، ورقة ضغط من قبل الولاياتالمتحدة والمتحالفين معها ضد تركيا ، تهدد بها وحدة أراضيها ، وتدفعها للتورط في الحرب بصورة غير مدروسة ، ولكن تركيا بسياستها المتأنية والمدروسة تمكنت من أخذ تلك الورقة من واشنطن وتحويلها إلي ورقة ضغط لصالحها ، لحماية أمنها ووحدة أراضيها ولحماية الشعب السوري من استمرار مسلسل الإبادة اللعين ، وتلك عبقرية السياسة التركية التي حولت كثير من ورقات التهديد إلي فرص لصالحها . مدير تحرير جريدة الشعب ومجلة المجتمع – سابقا