إن اختيار بناء الجدار الأمني وهو عبارة عن مرتفع رملي يصل ارتفاعه إلى نحو ثلاثة أمتار ويربط بين مواقع محصنة وأجراس (مواقع للمراقبة) تبتعد عن بعضها البعض بحوالي 2 إلى 3 كيلومترات تجوبها دوريات هو نتيجة العمل بقاعدة استراتيجية كبرى: تلك التي تريد أن تجعل من استراتيجية الأعداء في فرض ميدان القتال على الطرف الآخر ذات امتياز، والامتياز هنا مزدوج، ففي إطار حرب غير تقليدية بين جيش تقليدي وقوات لحرب العصابات الخفيفة والمتحركة، فإن الامتياز يكون لحرب العصابات. من المؤكد أن هذه الأخيرة نادرا ما تقود إلى الانتصار، ولكن ضرباتها المتواصلة وغير المتوقعة باستمرار تشوش على الخصم وتضعفه عبر مراكمة خسائره التي تكون غير مهمة نسبيا، ولكن تواليها يجعلها مهمة(مبدأ التآكل). لقد قررت القوات المسلحة الملكية إذن أمام عجزها عن حماية المدن والتجمعات السكانية وضمان أمن خطوط الارتباط اللجوء إلى مقاربة أخرى: بناء الجدار الأمني الذي يجعل الصحراء الغربيةمعزولة من خلال تسويرها بخط دفاعي يزعج كتائب الأعداء ويصد هجوماتها. وأمام عدم قدرة قوات جيش تحرير الشعب الصحراوي (ج.ت.ش.ص) على مضايقة القوات المغربية بدأت تحاول خرق الجدار، الأمر الذي يتطلب إمكانات بشرية أكبر وتقنيات وآليات ضخمة، وهو خيار يتناقض تماما مع قواعد حرب العصابات. ولكن القوات المسلحة الملكية لم تعد بعد بناء الجدار تتوفر على قدرة فرض ساحة المعركة على الخصم بل أيضا تتحكم في الشكل الذي تتخذه المعارك: أي الحرب التقليدية التي يعود فيها الامتياز إلى الجانب الأكثر أهمية والأكثر تزودا من ناحية الدعم العسكري المساند(الرشاشات والطائرات). لقد بُدئ في بناء الجدار في يناير 1980 وانتهي منه في .1987 وهو يمتد من محاميد الغزلان(على بعد 90 كيلومترا جنوب زاكورة في داخل الحدود المغربية الدولية المعترف بها) إلى كركارات على الساحل الأطلسي، على طول 2200 كيلومترا بمحاذاة الحدود الجزائرية ثم الموريتانية على مسافة تتراوح ما بين بضعة أمتار إلى بضع كيلومترات، وهو يعين بذلك منطقتين: الصحراء الغربيةالداخلية المحمية بالجدار، وقطعة من الأرض من عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة التي تشكلأرضا غير مأهولة أو أرضا خلاء وفق الأمر الواقع يبقى لوحدات البوليساريو حرية التحرك فيها كما تريد. وينبغي أن نسجل هنا أن هذه الوحدات تبقى مضطرة إذا أرادت النزول من الشمال نحو الجنوب للمرور عبر موريتانيا والسير مسافات طويلة أحيانا. ولكي يتجنب الجيش المغربي الاصطدام مع القوات الجزائرية واختراق الحدود الموريتانية زود بناء الجدار الأمني وحراسته بعد ذلك بنظرية جديدة لتحديد مجال ملاحقة قوات البوليساريو بإرادته. لقد شعرت البوليساريو والجزائر منذ 1980 بأن بناء الجدار الأمني سوف يقلب المعادلات الاستراتيجية المحلية الموجودة، وقد فعلت الأولى ما بوسعها لتأخير عملية بنائه بل للحيلولة دون ذلك. ومنذ ماي 1980 شرعت وحدات (ج.ت.ش.ص) في اختراق المناطق المبنية من الجدار وقتل الجنود المغاربة الذين يشرفون على بنائه وأفراد الحراسة، وزرع الألغام لإزعاجهم في حال أرادوا التراجع. وفي مارس 1981 دمرت بطاريات مدرعة مضادة للصواريخ من النوع الذي يمشي على الأرضسام6 غاينفل التي كانت تتوفر عليها كتائب البوليساريو الموجودة تحت قيادة الحبيب أيوب حاملة كبيرةسي130 وطائرتينإف5(من النوع الذي كان يسمى فيردم فايتن النيران الحرة لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت تزود بها حلفاءها آنذاك) وطائرة هيلوكوبتر حربية. وبين 1982 و1984 شن (ج.ت.ش.ص) هجمات على المجموعات المتفرقة حول الجدار ولكنه لم يتمكن من عرقلة استكمال بنائه. يقول مصطفى بوه في شهادته:لقد فعلنا كل شيء من أجل إحراز انتصارات حاسمة من شأنها أن تحدث حالة من اللاأمن في المنطقة وتعرقل بناء الجدار، ثم قمنا بمحاولات اختراق بوحدات خفيفة. وقد استمر الجزائريون في تشجيعنا، وكنا نشعر بأنهم يريدون من خلالنا نحن الانتقام لهزيمتهم في حرب الرمال قبل عشرين عاما من ذلك التاريخ، ولكننا انتهينا إلى الرضوخ لحكم الواقع: فقد فرض علينا الجدار نوعا مختلفا من الحرب. لقد طور المغاربة استراتيجيتهم، وكان علينا أن نقوم بالمثل. من 1987 إلى 1991 إعادة التنظيم، بارود الشرف ووقف إطلاق النار: بعد 1987 لم تنجح سوى غارات قليلة جدا خلفجدار الدفاع. واضطر (ج.ت.ش.ص) إذن لتغيير استراتيجيته ليتحول إلى ما كانت تريده القوات المسلحة الملكية المغربية، أي نوع من الحرب لم يخلق له، فقد بدأ يحاول التصدي للتحصينات المغربية من خلال حشد قوات ضخمة. كان جيش البوليساريو يتكون في ذلك الوقت من عشرات الآلاف من المقاتلين، ومنقسما إلى سبع مناطق عسكرية، ثلاثة في الشمال وثلاثة في الجنوب وواحدة في تندوف. في الشمال نجد المنطقة العسكرية الخامسة(قرب بير لحلو) والرابعة (قرب مريس) مسنودة، في الوسط، بالمنطقة الثانية التي تسندها تيفاريتي. وفي الجنوب نجد المنطقة الثالثة والأولى المدعومتين من المنطقة السابعة. وأخيرا قريبا من تندوف نجد المنطقة العسكرية السادسة للبوليساريو التي تضم القيادة واللوجيستيك العام(من لقاء مع ضابط عسكري فرنسي كبير، أنجز في باريس في 25 يوليوز 2005 ، وآخر مع ضابط سام مغربي في 8 غشت 2005 بالرباط). وبالإضافة إلى الهجمات الليلية التي كانت تقوم بها البوليساريو(والتي أصبحت ممكنة عبر تقنيات الأشعة ما تحت الحمراء ) مرفوقة بزرع الألغام، زادت البوليساريو بعض العمليات الاستعراضية التي كانت بمثابة بارود الشرف من طرف(ج.ت.ش.ص). لقد اعتمدت على مؤهلات ضباط شباب تلقوا تدريباتهم في المدرسة العسكرية تشرشل في الجزائر وكذلك في يوغوسلافيا وكوبا للتأقلم مع الحرب التقليدية التي فرضها عليها المغرب. وكانت أول معركة كبيرة للحبيب أيوب فيكلتة زمور في أكتوبر ونوفمبر ,1989 حيث هاجم بعشرات من المدرعات الجدار الأمني وأحدث فيه ثقبا ولكنه اضطر للتراجع أمام رد سلاح الطيران المغربي. وأخيرا في 6 سبتمبر 1991 جاء وقف إطلاق النار تطبيقا لاتفاق تم التفاوض عليه عام 1988 تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة.