في إطار الهجمة الجديدة على مادة التربية الإسلامية التي تشنها بعض الأوساط في وزارة التربية الوطنية ،والتي عملت في وثيقة صادرة عن مديرية المناهج على تقليص حصصها وجعلها مرة كل خمسة عشر يوما في الشعب العلمية والتقنية وحصتين فقط في بعض الشعب الأدبية ضدا على ما كان مسطرا في الكتاب الأبيض،يسر التجديد أن تستضيف على صفحاتها الأستاذ الدكتور محمد عز الدين توفيق عضو المجلس العلمي للدار البيضاء وخطيب بأحد مساجدها،ليناقش هذا الأمر من زاوية العلماء وبيان موقفهم من هذا الاستهداف لهوية الأم. سمعتم أستاذ عن الحيف المتمثل في تقليص حصص مادة التربية الإسلامية بالنسبة لمسالك الباكالوريا، من طرف وزارة التربية الوطنية وتراجعها عما كان مسطرا في الكتاب الأبيض؟ بصفتي أستاذا جامعيا وأبا ورب أسرة ومواطنا ينتمي إلى بلد مسلم، لا يمكن إلا أن أتأسف لأي تقليص لحصص التربية الإسلامية في أي سلك من المسالك، لأنها مادة تحظى بأهمية قصوى، وتلخص موضوعات الإسلام وعلومه، ومن خلال محادثاتي مع عدد من المفتشين والمرشدين التربويين، يقولون إن 7 سنوات من حصة التربية الإسلامية لا تسمح إلا بجولة موجزة في مختلف موضوعات الإسلام وأقسامه الكبرى: عقائد وأخلاق وعبادات ومعاملات، ويقولون إن هذه الموضوعات مختارة لأن المادة تجمع العلوم الإسلامية تحت عنوان واحد. وكان المنتظر أن يزاد في حصصها لا أن يتم التراجع عما سطر في الكتاب الأبيض باعتبارها حدا أدنى. ولست من الذين فوجئوا بهذا القرار، لأنني أعلم أن هناك تيارين، وكل تيار يحمل تصورا خاصا، فهناك التيار الأول الذي يحمل تصورا مفاده أن التربية الإسلامية ليست مادة من المواد التخصصية كالكيمياء أو الهندسة، ولكنها القاسم المشترك بين جميع التلاميذ والطلبة بغض النظر عن تخصصاتهم ويتعلمون بها دينهم الذي هو فن الحياة وهو الهوية والفلاح والنجاة في الدنيا ويوم الآخرة. والتصور الثاني هو الذي يريد فصل الدين عن الحياة فهو يرى أن هذه المادة تضايق هذه الأقسام التخصصية في مرحلة من المراحل فلذلك لا يرون لها دورا، هذا إذا أحسنا الظن واعتبرنا أن مثل هذه القرارات تصدر انطلاقا من هذا التصور، أما إذا كان هناك حقد على هذه المادة وتبرم منها ومؤامرة عليها، فإننا نجد فلسفة تقود في هذا الاتجاه ومواقف نفسية تتخذ من هذه الفلسفة إطارا ومنطلقا. لذلك، لابد من التأكيد أن مادة التربية الإسلامية تلخص لأبنائنا علوما إسلامية كثيرة فيها الحديث والفقه والسيرة وغيرها. وبالتالي عندما نعمد في كل مرة إلى تقليص الحصص تمهيدا لحذفها بالمرة في بعض الأسلاك والمستويات، فإننا نحرم هؤلاء التلاميذ من حقهم في معرفة دينهم، وبما أنهم في سن لا يعرفون فيها مصلحتهم، فإن القائمين على التخطيط والمقررات والبرامج يتحملون مسؤولية عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى ويجب أن يتجردوا من أي نوازع حزبية أو إيديولوجية أو سياسية، وأن ينصفوا ويعدلوا. فمادة التربية الإسلامية مكتسب وطني وامتداد تاريخي وصلة وصل بين أبناء هذا الوطن ورجال غده، فإذا كان البعض يتصور أنه بتقليص حصص التربية الإسلامية أو حتى حذفها، سيساهم في نشر اللادينية، ويدفع باتجاه العلمانية فإن تدريس الإسلام تحت الإشراف والمراقبة خير على المدى البعيد من أن يشيع بأن المدرسة المغربية لا تعطي الكفاية في العلوم الإسلامية مما يفتح المجال لأشكال أخرى من التأطير الديني التي لا تخضع للإشراف ولا للمراقبة، لذا على الذين يتخذون مثل هذه القرارات أن يستحضروا بعد مراقبة الله عز وجل أنهم مؤتمنون على ألوف وعشرات الألوف من أبناء المغاربة، وأعود فأقول أنني لست مفاجئا، ولكني مصدوم، لأنني أعلم أن من يرى هذه المادة مجرد مادة تخصصية فلا شك أنه سيطالب ويسعى لحذفها من أسلاك التعليم، وحصرها في كليات يتخصص فيها الطلبة في العلوم الدينية. وهذا خلاف النظرة الأولى التي ترى بأن قدرا من المعرفة بالدين لابد أن يعمم على أبنائنا في مراحل التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي، ومن أراد أن يتعمق بعد ذلك في العلوم الإسلامية وأن يكون متخصصا فيها فعندئذ ينتسب إلى شعب الدراسات الاسلامية وشعب الشريعة الاسلامية وغيرها. وأدعو إلى التراجع الفوري عن قرار كهذا حتى تبقى للقائمين على هذه الوزارة مصداقيتهم ومكانتهم في قلوب الآباء والأمهات والطلبة والتلاميذ، خاصة عندما نرى أن مادة أخرى تشكل التصورات والأذهان وهي مادة الفلسفة لم يقع أي تقليص في حصصها. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبصر القائمين على هذه الوزارة الحساسة بالأرشد والأنفع والأقوم. ما هي كلمتكم إلى جمعيات الآباء وإلى العلماء وهيئات المجتمع المدني، أي ماهو الموقف الأرشد في مثل هذه المواقف إذا ما أصرت الوزارة على السير في هذا المسار؟ الآباء والأمهات مسؤولون عن أبنائهم وبناتهم، ومن حقهم أن يطالبوا بما يرونه مفيدا لهم، وينكروا ما هو مضر بهم من خلال جمعيات أولياء التلاميذ، فالأسر تهيء الظروف المناسبة لأبنائها من تغذية ورعاية وسهر ثم يرسل الآباء أبناءهم إلى المدارس والمؤسسات التعليمية و من حقهم إبداء رأيهم خاصة في مثل هذه القضايا، وأعتقد أنه إذا كانت الأقلية ستنظر إلى الأمر بنوع من اللامبالاة، وقلة أخرى بجهلها وعدم اهتمامها لا تكترث للأمر، فإن قلوب الأسر والعائلات معظمها مع ما يثبت هوية أبنائهم وما ينشئهم النشأة الإسلامية الصحيحة، فإذا التقى رأي أساتذة المادة مع رأي جمعيات الآباء والمهتمين بالشأن الاجتماعي والثقافي في البلاد، فإن هذا سيعكس بحمد الله رأي المجتمع ككل، لأن هذه القرارات تتخذ، غير أن المجتمع هو الذي يتحمل تبعاتها، وانعكاساتها لا تعود بالضرورة على من اتخذها وبث فيها. ومن حق أية مؤسسة اجتماعية سواء كانت أسرة أو حيا أو قرية أو قبيلة أن تناقش أمرا سيطبق عليها، فقد مضى الزمن الذي تفرض فيه القرارات ويلزم بها الناس ولو كانوا كارهين، فإذا احتاج الأمر إلى هذا الاستفتاء غير المباشر فينبغي أن يجري وهو أن يبدي جميع الأطراف المهتمة بالعملية التربوية أن تبدي رأيها فهذا شكل من أشكال المشورة، وسيتبين أن هذا القرار معزول عن رغبة الأكثرية الغالبة في مجتمعنا. بخصوص العلماء ماذا ينتظر منهم في مثل هذه المواقف؟ العلماء دائما يضطلعون بمهمة اجتماعية تتمثل في نشر العلم النافع، والإجابة عن الأسئلة الفقهية وتوجيه الناس وإرشادهم، ومهمة سياسية، إن صح هذا التعبير، وهي إظهار وإبداء الحكم الشرعي في التصرفات ذات الصلة بالشأن العام، لهذا فالعالم في الاسلام هو ذلك الرجل الذي زاد من علمه ومعرفته بالدين، وأخذ موقعه في المجتمع موجها ومعلما وخطيبا وداعيا، يخالط الناس ويتفاعل مع قضاياهم ومنها تلك التي لها صبغة عامة، فالعالم هو رجل عامة، كما يوصف كثير من العلماء في التاريخ الإسلامي. ولا يمكن أن يقف العالم صامتا أمام مثل هذه القرارات، ولذلك ننتظر من العلماء بهيئاتهم الرسمية وجمعياتهم وآحادهم وأفرادهم أن يبينوا بأن مادة التربية الإسلامية هي القاسم المشترك في منظومتنا التعليمية، وبأن الدول التي تحرص على تنشئة أبنائها تنشئة إسلامية تعطي أولوية لهذه المادة وتعلي من شأنها ومن معاملها ومن حصصها. والتجربة الواقعية التي يحملها هؤلاء العلماء تجعلهم يؤكدون أن ما يحمله الطلاب بعد التخرج عن دينهم محدود وقليل، فكيف إذا تم الإجهاز على هذه المادة اليتيمة التي تصلهم بالإسلام وعلومه، فلاشك أن هذه المحدودية والقلة وهذا الضعف في التكوين الشرعي سيستفحل. إن مجتمعنا ينبغي أن يكون مجتمع علماء، فيه العالم والأعلم منه، وليس مجتمع علماء وجهلة. وإذا كنا نسعى لمحاربة أنواع من الأمية مثل أمية القراءة والكتابة والأمية الثقافية والطبية، والأمية التكنولوجية واستعمال الآلات والوسائل الحديثة، فإن هناك أمية دينية، وهي أخطر أنواع الأمية كلها، لأن الانسان الذي يجهل دينه، فهو لا يعرف كيف يأكل أو ينام وكيف يسافر وكيف يصلي ويقرأ القرآن وكيف يعامل والديه، فالدين هو فن الحياة، إلا إذا كنا نريد تنشئة غير إسلامية فهذا شأن آخر، أما إذا كنا نريد أن نجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الدين والدنيا، وبين النجاح في الحياة العلمية والمهنية والنجاح في الاستقامة والطهارة والخلق الرفيع فإن أقصر الطرق هو أن نعلم أبناءنا دين الاسلام، ويكون واهما من يظن أنه يستطيع أن يبني أخلاقا عالية وضميرا نظيفا من طريق غير الاسلام، قد يحقق بتربية علمانية لادينية شيئا من الخلق والاندماج الاجتماعي، لكن يبقى النموذج الإسلامي أرقى ما تملكه البشرية في مجال التخليق والاندماج والأمن الروحي والاجتماعي داخل المجتمع. نعلم أن العلماء أبلوا بلاء حسنا في معركة ما كان يسمى بخطة إدماج المراة في التنمية حيث قاموا بواجبهم أحسن قيام على الأقل بإرجاع الأمور إلى نصابها، فهل ننتظر إذا ما أصرت الوزارة على خطتها نفس التفاعل وردود الأفعال، باعتبار التعليم أخطر شأنا ويهم مستقبل المجتمع بكامله ؟ لنعلم أن هذه الخطوة إذا مرت بدون احتجاج ستتلوها خطوات أخرى في نفس الاتجاه، وهذا متوقع لأن الذين سعوا إلى تمرير ما عرف بالخطة بأجزائها الأربعة تراجعوا عن جزء من مكونات هذه الخطة بسبب النقاش الذي حصل في المجتمع، والتراجع عند تبين الخطأ فضيلة خاصة عند من يملك القرار؛ لذلك نخشى إذا لم تحصل مناقشة واسعة ولم يقع إبراز الرأي الآخر في هذه القضية، أن تتلوها خطوات أخرى تنتهي لا قدر الله باختفاء التربية الاسلامية من الشعب العلمية والتقنية والاقتصادية، وقد يأتي اليوم الذي تطرح فيه فكرة أن تكون اختيارية في جميع أسلاك التعليم أو بأن توضع مادة إلى جانبها تحمل اسما آخر، على غرار ماهو موجود في بعض البلاد الأوروبية التي يختار فيها التلميذ إما مادة تحت مسمى التربية الدينية أو مادة تحت مسمى التربية اللائكية أو لا يختار شيئا من ذلك. ولا أستطيع أن أتنبأ بموقف العلماء وغيرهم من مكونات المجتمع المدني، ونحن نرجو أن يجري نقاش في صحافتنا الوطنية ومن خلال هيئات المجتمع المدني، على الأقل حتى نجيب على السؤال: هل هذا قرار في صالح البلاد وهل ينسجم مع طموحاتنا وما نريده لأبنائنا أو أنه غير ذلك؟ هل تعتقدون بوجود علاقة ما بين هذا القرار وما يسمع عن ضغوط خارجية من أجل تغيير مناهج التعليم؟ أستبعد هذا نظرا للخلفية الايديولوجية التي يعرف بها من هم الآن في الحكومة ممن يمسك ملف التعليم، وحتى لو لم تكن ضغوطات خارجية، فإن مثل هذه القرارات تنسجم مع توجهاتهم للأسف، ولا أظن أن الضغوط الخارجية تصل إلى مثل هذه التفاصيل المتعلقة بتحديد الحصة وتقليصها، وحتى لو كانت هناك ضغوط خارجية، فشيء من الجرأة ومن الرجولة وشيء من الاستقلالية أمر مطلوب، كيف أن واحدا في أمريكا أو فرنسا يقرر لتلميذ ولأسرة في المغرب، هذا غير معقول، وغير مقبول. فالواجب على الوزير إذا تعرض لشيء من هذه الضغوط أن يعلن ذلك ويصرح به ويستنكر وأن يقول: نحن أبناء قرارنا، وبما أننا لم نسمع منه هذا، فإننا نسبنا إليه وإلى البطانة التي يستعين بها المسؤولية في اتخاذ مثل هذه القرارات، وأقول مرة أخرى: إذا كان القصد هو تجفيف المنابع وقطع الطريق على الفكر المتطرف والفكر الإرهابي، فإن دعم المادة وزيادة حصصها هو السبيل إلى ذلك، لأن المواد والدروس التي تدرس هي في وضح النهار ويتضمنها الكتاب المدرسي ويقرأها الجميع، لذلك لا أظن أن هناك ضغوطا خارجية تصل إلى حد التفاصيل، وإذا كانت موجودة فيجب الإعلان عنها والإخبار بالجهة التي تمارسها لأننا نخشى أن يتخفى من يريد سوءا بهذه المادة وراء الضغوط الخارجية وإن لم تكن، فنحن ننتظر معطيات ومعلومات وإن كنا لا نرى أن هذا مبررا، ففي كثير من الأحيان تمارس ضغوط خارجية، ولكن بشيء من الثبات والصمود ينتصر الخيار الوطني. في هذا السياق سمعنا تصريحات بخصوص نية التراجع عن تعريب الشعب العلمية بحجة أن هناك تناقضا بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، ووزير التربية الوطنية صرح مرارا أن هذا الوضع غير مقبول والاتجاه يسير نحو التراجع عن التعريب والعودة مرة أخرى إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية .. من المطالب التي كانت ترفع قبيل الاستقلال وجعلت أهدافا لمرحلة ما بعد الاستقلال في مجال التربية والتعليم: التعريب والمغربة والتعميم ومجانية التعليم، ففي مثل هذه الاختيارات المصيرية، يجب أن توسع المشورة داخل الوطن وأن يستدعى أكبر عدد من المهتمين من الأساتذة الذين مارسوا التدريس بالطريقة الأولى، ومارسوه بعد تلقيهم تكوينا في التعريب في المراحل الثانوية ، وأن يستدعى خبراء من دول أخرى لها نفس التجربة وعندها رصيد يمكن الاستفادة منه في هذا المجال، وأن يتم استحضار تجارب الدول غير العربية كالدول الاسكندنافية بحيث أنه أحيانا تكون الدولة لا يتجاوز سكانها 3 ملايين ومع ذلك تكون اللغة المحلية والوطنية هي المستعملة في التعليم والصحافة والإعلان، ثم ينبغي استحضار أن التعريب طموح المغاربة، وأن التراجع عنه لا يكون إلا بعد أن نثبت بالدراسات العلمية والميدانية والمشاورات الموسعة أن مصلحة البلاد ومصلحة الأجيال في هذا التراجع، أما أن يكون قرارا منفردا أو قرارا مبيتا أو تقف خلفه جهات لا تريد هذا التعريب ولا تفرح به، وربما أبناؤهم لا يدرسون فيه بل في البعثات الأجنبية والدول الخارجية فأعتقد بأنه سيكون جناية على تجربة يجري إجهاضها قبل أن تظهر نتائجهاوالمفروض أن يستمر التعريب ليشمل التعليم العالي لا أن ننقض غزلنا وننقلب على التعريب في الثانوي .