من لا يعجبه دينه، ويقبل بأحكامه، ويلتزم بحلاله، وينأى عن حرامه، من حقه أن يبحث عن دين آخر، فلا اكراه في الدين، بعد أن تبين الرشد من الغي. ولكن ليس من حقه أن يفسد دين غيره، ويطالبه بأن يحل ما حرمه عليه ربه، من أجل مكسب دنيوي، بإمكانه أن يحققه تحت مظلة طاعة الله ورسوله. يوجد في اتصالات المغرب صديق لي ملتزم بطاعة الله ورسوله، وغير منتم لأي جماعة أو حزب، تمكن هو وجماعة، ممن يشتركون معه في التقوى، من شراء شقة سكنية لكل منهم بالتقسيط، دون اللجوء إلى الاقتراض بالربا. لقد نجح هؤلاء الأتقياء في تطبيق مبدأ التكافل الاسلامي فيما بينهم، بحيث يتمكن كل منهم، بتعاونهم معا، سداد الأقساط السنوية كاملة في موعدها، دون اللجوء إلى التعامل بالربا الذي تحرجوا منه، وأوفى كل منهم بما التزم به قبل زملائه، وسارت الأمور على النحو الذي يرومونه، دون الوقوع في شبهة حرام، إن لم يكن حراما مطلقا. لقد أثبت هؤلاء عمليا أن من يتق الله يجعل له مخرجا، وأن الدين كل لا يتجزأ، إما أن تأخذه كله أو تتركه كله، فإن أخذته كله وجدت لكل عقبة تواجهك في التزامك به ما يذللها بإذن الله، أما إن جزأته، وقفت مع كل جزء منه في حيرة وضلال. إن الكتابة في الدين مسؤولية كبيرة، لا تقبل الرعونة ولا الشطط، ولا أقول مثل الفقهاء القدامى إن للاجتهاد شروطا صارمة، ولو أن ذلك صحيح فيما يتعلق بالافتاء، أما في غير الافتاء فإن لكل مسلم أن يجتهد في دينه بشرط ألا يحرم حلالا، أو أن يحل حراما، أو يضر بمصالح المجتمع المسلم، أو يبتدع في الدين بدعة يغير فيها ما علمه لنا الله ورسوله، سواء في المعاملات أو العبادات، وهذا ليس فقط حق المسلم، بل هو واجبه إزاء دينه ونفسه وعموم المسلمين، وهو في هذه الحالة إن أصاب له أجران وإن أخطأ له أجر، أي في الحالتين مأجور من الله. وإذا كان الله يهدي من يشاء من عباده، فقد يهدي الله عبدا من عباده، لا يعد في زمرة الفقهاء، إلى أفكار عملية إجرائية لم يهتد إليها فقيه عالم، ويكون ما هداه الله إليه نور على نور، أي هدى يضاف إلى ما اهتدى إليه سواه من قبل، طالما كان الهدى من نور الله يستقى. وقد يتوسع مؤمن في تنزيل معنى آية من القرآن الكريم، تزيد من انتفاع المسلمين بما تهدى إليه. يستطيع إذن كل مسلم أن يجتهد بما هداه الله إليه من حق، وعليه أن يعلنه ولا يكتمه، وإلا كان كمن كتم الشهادة، ويدخل اجتهاده ضمن نطاق الشورى، حيث من خصائص المسلمين أن أمرهم شورى بينهم، فإن استحسنوا اجتهاده قبلوه، وإن لمسوا فيه خطأ نبهوه إليه وردوه عليه. إلا أنه من غير المقبول عقلا وشرعا أن يقول الله تعالى إنه (أحل الله البيع وحرم الربا)، وأن يتعزز التحريم بأقوال الرسول الكريم، ثم يأتي من يقول إن تحريم الربا فيه إضرار بمصالح من يلتزمون بذلك، بينما غيرهم ممن أباحوه لنفسهم، ولم يلتزموا بما حكم به الله ورسوله، يحققون منه نفعا، وأن تلكم: قسمة ضيزى، لذا علينا ترك حكم الله وعدم الالتزام به! متغافلا عن أن من لم يحكم بما أنزل الله كافر أو فاسق أو جاهل، أو جامع لثلاثتهما، وأن نقيض ما حكم به الله هو حكم الجاهلية، أي ارتكاس لعالم الكفر والشرك والفسوق الذي كان سائدا قبل الاسلام. كما أن الصمت على قول مثل هذا، نشر في غفلة، يمكن أن يفسر بأنه قبول به، وهو ما لا يقبله مسلم غيور على دينه، لذا وجب الرد عليه، ردا لزيغ وباطل، جاء في مقال مرتبك، لا هو من الاقتصاد ولا من الدين، أو منتم لأي منهما.