لا شك أن المعاصي إذا ظهرت تسبب فرقة المجتمع وانقطاع أواصر المودة بين أفراده، وتسبب الشحناء والعداوة وعدم التعاون على الخير. ومن أقبح آثار الرشوة وغيرها من المعاصي في المجتمعات: ظهور الرذائل وانتشارها، واختفاء الفضائل، وظلم بعض أفراد المجتمع فيما بينهم للبعض الآخر؛ بسبب التعدي على الحقوق بالرشوة والسرقة والخيانة والغش في المعاملات وشهادة الزور ونحو ذلك من أنواع الظلم والعدوان. وكل هذه الأنواع من أقبح الجرائم. ومن أسباب غضب الرب، ومن أسباب الشحناء والعداوة بين المسلمين، ومن أسباب العقوبات العامة كما قال النبي r: (( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ). والرشوة فعلة ذميمة منكرة، لا يقرها الشرع ولا العقل، وهي في عرف الفقه تعني:(دفع مال مقابل حاجة أو مصلحة يجب على المسؤول المكلف قضاؤها بدونه - أي بدون المال - ). وحكمها التحريم القطعي بناء على قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ). والمجتمع المغربي يعيش حملة تخليق الحياة العامة، فإن الحاجة ماسة لتوضيح الموقف الشرعيمن الرشوة كإحدى الأمراض التي تنخر كيان المجتمع ،خاصة وأن البعض تفنن في تخريج صور وتبريرات تجعل منها ضرورة لامناص منها. دفع الرشوة للموظفين هناك من لا يستطيع الحصول علىحاجته أو قضاء مصالحه الإدارية إلا بإعطاء مبلغا من المال وإذا لم يدفع هذا المبلغ فإنه يضيع عليه فرصة الحصول على مآربه، فما مدى شرعية هذا العمل وهل فيه حرمة بالنسبة له ؟ يقول الشيخ عبد العزيز بن باز:(دفع مبلغ من المال لموظف جهة حكومية أو أهلية أو شركة بقصد الحصول على فرصة معينة هي الرشوة وهي محرمة إجماعا إذا كان القصد فيها الحصول على ما ليس حقا له وينطبق عليها الحديث :(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما). ويرى البعض جوازها إذا عم الفساد وانتشر الظلم وذلك ليدفع الراشي عن نفسه ظلما أو يحفظ حقا ولا يستطيع ذلك بغيرها،وهذه تعتبر ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها لأن الأصل هو التحريم القطعي وترى هيئة الافتاء الشرعية أن على المسلم أن يأخذ نفسه بالعزيمة وأن يجتهد في ذلك ما أمكنه وتهيب الهيئة بأولى الأمر والرأي بالعمل على اجتثاث داء الرشوة والأسباب المؤدية إليها من الأمة الإسلامية لما يترتب عليها من فساد وظلم عظيمين وضياع للحقوق وعن التمويه الذي يقوم به بعض الموظفين لاستجلاب هذه الرشوة بتسميتها هدية، يقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة (لا يمكن للمرء أن يدفع ما طلب منه الموظف ليقضي حاجته، فإن ذلك رشوة أرادها في صورة هدية ليقدمه على غيره وما ضيع الحقوق وأخر زيد عليها بالطرق الملتوية اكتساب للسحت، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) رواه أبو داود. و الثابت في الحكم الشرعي في الرشوة أنها حرام بالنص والإجماع، و قد حددها العلماء فيما يبذل للحاكم ولغيره ليميل عن الحق ويحكم لصاحبها بما يوافق هواه، وقد صح عن النبي (ص)، أنه (( لعن الراشي والمرتشي )) وروي عنه (ص)،أنه(( لعن الرائش أيضاً ))، وهو الواسطة بينهما، ولا شك أنه آثم ومستحق للذم والعيب والعقوبة لكونه معيناً على الإثم والعدوان وقد قال سبحانه: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)،ولا يجوز دفع الرشوة لأي من المسؤولين سواء كانوا قضاة أو أمراء أو لجنا تفصل بين الناس أو موظفين، ولا شك أن ذلك حرام وأنه من كبائر الذنوب للحديث المذكور، ولأن ذلك وسيلة إلى ظلم وإضاعة حق من لم يدفع الرشوة، رغم أن الدافع للرشوة قد حصل على مآربه. هل يجوز دفع مال في صورة رشوة لنيل حق ثابت للدافع أو لرد ظلم حال على الدافع ؟ موقف الشيخ محمود عكام الجواب : أن فقهاءنا اختلفوا حول هذا الأمر إلى ثلاثة مذاهب : الأول: أجاز الدفع وهو قول عطاء بن رباح والحسن البصري ، واستدلوا بما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه : (أنه لما أتى أرض الحبشة أخذ بشيء فتعلق به فأعطى دينارين حتى خلي سبيله). وجاء في كتاب المجموع للأمام النووي : ( فأما الراشي فإن كان يطلب بما دفعه أن يحكم بغير الحق حرم عليه ذلك، وإن كان يطلب بما يدفعه وصوله إلى حقه لم يحرم عليه ذلك ). الثاني: لم يجز الدفع، وصاحب هذا القول الشوكاني حيث قال في نيل الأوطار:( والتخصيص لطالب الحق بجواز تسليم الرشوة منه للحاكم غير وارد، ولا أدري بأي مخصص كان، والحق التحريم مطلقا أخذا بعموم الحديث ). الثالث: أجاز الدفع للذي لا يستطيع الحصول على حقه إلا بهذه الطريقة، فإن استطاع بغيرها حرم عليه الدفع، وهذا قول ابن حزم الظاهري في المحلى وقد قال رحمه الله تعالى: (من قدر على دفع الظلم عن نفسه دون أن يدفع لم يحل له إعطاء فلس فما فوقه في ذلك، وأما من عجز فالله تعالى يقول:( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) رواه مسلم وصار في حد الإكراه وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). ما هي أشكال الرشوة المحرمة والمباحة؟ يمكن تقسيم الأمر إلى ما يلي: - من أعطى مالاً عيناً أو منفعةً ليحصل على ما ليس له بحق فهذا حرام على المعطي والآخذ . - ومن أعطى مالاً عيناً أو منفعةً على سبيل الاضطرار وتحت سوط القهر والجبر من أجل نيل حقه الثابت شرعاً فهذا حلال للمعطي حرام على الآخذ. - ومن أعطى مالاً عيناً أو منفعةً لموظف ليستميل قلبه فيخفف الثاني ما توجب على المعطي (كموظف الضرائب مثلاً ) فهذا حرام على كليهما. - من منح مالاً أو عيناً إنساناً ما قدَّم خدمة وانتهى منها على سبيل الهدية التي لا تحمل معنى الاستمالة في المستقبل فهذا حلال لكليهما ...وفي الحقيقة : فليسأل كل قلبه كما قال صلّى الله عليه وسلّم : ( استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك ) أخرجه أحمد. ولاشك أن الرشوة وسائر أنواع الظلم من البغي الذي حرمه الله. وفي الصحيحين عن النبي (ص) ، أنه قال: (( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )) ثم تلا النبي (ص) ، قوله تعالى: [ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ] . حكم دفع مال للحصول على وظيفة ونحوها ما الحكم الشرعي في من يدفع المال مكرهاً للحصول على وظيفة أو تسجيل ابنه في جامعة ونحو ذلك من الأمور التي يتعسر الحصول عليها دون دفع مال للقائمين عليها, فهل يأثم الدافع في حالة كهذه ? لا يجوز دفع المال للحصول على الوظيفة, أو الدراسة في جامعة أو كلية, وذلك لأن المدارس والوظائف معروضة لمن سبق إليها, أو استحقها بالأقدمية والجودة, ولا يجوز تخصيصها بمن يدفع مالاً, أو من يكون قريباً لمن يتولاها, فدفع المال يسمى رشوة, وقد لعن النبي (ص) الراشي والمرتشي, ولأن هذا المال يفسد القائمين على تلك الوظائف والجامعات, حيث يتحجرونها, فلا يقبلون إلا من دفع لهم مالاً حسب طلبهم, فالواجب عليهم العمل بالشروط والتعليمات التي تأتيهم من رؤسائهم, كتقديم أهل الامتياز, وأهل المؤهلات الراقية على من دونهم, وتقديم الأسبق, أو استعمال القرعة عند الاستواء, وبذلك يرضى كل مسلم بما حصل له من تقديم أو تأخير, وليس هناك إكراه على دفع المال لهذه الوظائف ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. موقع اسلاميات أون لاين حكم دفع المال لشراء الأصوات في الانتخابات: اللجنة الشرعية بجمعية الإصلاح وردت تساؤلات من بعض المواطنين حول الانتخابات البلدية والنيابية، وهل يجوز شرعاً شراء الأصوات وبيعها؟ وهل يعتبر ذلك من الرشوة التي لعن صاحبها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما هي مواصفات المرشح التي لابد أن يتصف بها؟ إن مسألة الانتخابات والترشيح لدخول المجالس البلدية أو المجلس النيابي المنتخب هي من المسائل المهمة والخطيرة والمقررة شرعاً ليس فقط باعتبارها مجرد حق بل ضرورة، إذ من خلالها يتم تحديد النواب والممثلين الذين يتولون تنظيم المجتمع ومناقشة مشاكله وقضاياه، وعن طريقهم يتم تصحيح أوضاع المجتمع وإصلاح أخطائه ومراقبة تجاوزات أفراده حفاظاً على ضرورات المجتمع الخمس: (الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال) طبقاً للقاعدة الشرعية: (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). إنها فرصة مواتية وثمينة لتقويم الأخلاق ومقاومة الفساد ونفي الخبيث ونصرة الطيب الكريم قياماً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة)) (التوبة:71). وانطلاقا من هذا فان اللجنة الشرعية بجمعية الإصلاح تدعو المواطنين الكرام إلى مزاولة حقوقهم من الانتخاب أو الترشيح واعتبار هذا واجبا شرعيا لإصلاح المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره. ولضمان تحقيق ذلك ينبغي على المرشح والمنتخب للمجالس البلدية أو للمجلس النيابي مراعاة ما يلي: 1 - أن يتّصف المرشح بالإخلاص والأمانة والنزاهة والصدق والمسؤولية، وأن يكون ذا كفاءة تؤهله للعمل من أجل تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتوفير الخدمات لهم، والسعي في قضاء حوائجهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي ذر رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ - أي : توليني عملاً عاماً - قال: فضرب على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه منها)(رواه مسلم وأحمد). 2 - ألا يستولي على قلب المرشح حب الظه، وتصدر الصفوف، والرغبة في الزعامة، واعتلاء المراكز القيادية، ولكن إذا حٌمّلها حملها واستعان بالله علىالقيام بحقها، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الناس فقال:(طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة ...)(رواه البخاري). 3 - إن التنافس الشريف بين المرشحين أمر مطلوب وهو من قبيل التنافس في الخير قال تعالى : ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)) (المطففين:26). إلا أنه من الواجب على المرشحين مراعاة المعاني الأخلاقية، فيحرم الكذب والخداع والبذاءة والفحش، وذلك لما تؤدي إليه هذه الأمور من إضرار بالآخرين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ..) (رواه الترمذي)، ويقول عليه الصلاة والسلام : (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء)(رواه أحمد في مسنده)، كما يحرم على المرشح أن يخوض في أعراض المنافسين له في الترشيح وإذاعة أسرارهم، أو رميهم بالقبائح بحجة التنافس، وذلك أن حفظ أعراض المسلمين من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام لتحقيقها، فنهى عن انتهاكها بالقول أو بالفعل، قال تعالى: ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) (النور:19). 4 - يجب على الناخب المتمسك بدينه أن ينصر الحق والعدل والإنصاف، وأن يحذر الانقياد للأهواء والمصالح الآنية والأغراض الدنيوية الزائلة، وبالتالي فلا يجوز له أخذ مبلغ من المال أو هدية مقابل إدلائه بصوته لأي مرشح، لأن التصويت أمانة بمقتضاها يختار الأكفأ ليقوم بما أسند إليه خير قيام، وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) (رواه البخاري). ولذلك فعلى الناخب أن يختار من يعتقد أنه أقوى من غيره وأكثر أمانة، ولا يجوز له شرعاً أن يختار الأضعف أو الأقل أمانة لمجرد قرابة أو مصلحة خاصة يحصل عليها منه، كما أن المرشح الذي يقدم هذه الهدية هو راش وغير أمين ويعتبر هذا كافياً لعدم انتخابه، إذ أن الرشوة تعتبر من كبائر الذنوب، ولا تفسد الحياة ولا تدمر المجتمعات إلا بمثل هذه الأمور، لأن الرشوة وقبولها خيانة عند جميع ملل أهل الأرض، وهي في دين الله أعظم إثماً وأشد مقتاً، يقول صلى الله عليه وسلم (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) - أي الساعي بينهما - وزاد في رواية :(هم في الإثم سواء) . 5 - يجب على الناخب أن يعلم بأنّ انتخاب شخص ما يعتبر شهادة له بالكفاءة وتزكية له، كما انه يعتبر توكيلاً له للمطالبة بحقوقه، فإيّاك ثم أيّاك أن تشهدلإنسان بأن تزكيه وتعطيه صوتك وتنتخبه مقابل عرض من الدنيا، فتشهد له شهادة زور، فتقع تحت طائلة ذنب عظيم وبهتان مبين، قال تعالى: ((واقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)) (الطلاق:2). فلا تشهد أيها الناخب الكريم إلاّ بما رأيت يقيناً أنه نافع ومفيد وفي مستوى المسؤولية لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله الشهادة :(هل ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد أو دع). وأخرج الشيخان في صحيحهما عن أبي بكرة، رضى الله عنه قال : كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ كررها ثلاثاً - الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس - فقال:ألا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. 6 - حذار أن تنطلي عليك أيها الناخب الكريم الوعود الكاذبة والإغراءات العاجلة، فلا تناصر وتؤيد إلا من يعمل لإعلاء كلمة الحق ويعتز بشرعة القرآن ويهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتمسك بمكارم الأخلاق، ويقوم على محاربة الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن يملك إلى جانب ذلك خططاً وأفكاراً وبرامج إصلاحية رائدة تسهم في بناء المجتمع وتدل على صدقه في توجهه، فالمعيار في هذه المسألة التقوى والعمل الصالح، والمقياس هو الكفاءة والجد والاجتهاد والإخلاص في أداء هذه المهمة وإتقان العمل كما قال عليه الصلاة والسلام:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). إعداد عبدلاوي لخلافة