دفاعا عن وزير الثقافة دبجت يومية ليبراسيون، التي يرأسها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي ويدير تحريرها محمد الكحص، يوم الخميس الماضي، افتتاحية كلها اتهامات وتهديد ووعيد لجريدة التجديد وحركة التوحيد والإصلاح، حاشرة في ذلك حزب العدالة والتنمية، وهي الافتتاحية . الافتتاحية المذكورة كتبت بقلم ينهل من معين التعميم والتغليط والخلط لصرف الأنظار عن حقيقة الأشياء، فبعد أزيد من أسبوع على رد التجديد على الخرجة التهجمية لمحمد الأشعري، التي استهدف من خلالها حركة التوحيد والإصلاح على صفحات أجوردوي لوماروك، كان حريا بلبراسيون في دفاعها عن وزير حزبها أن ترد على أسئلة واضحة طرحتها التجديد، وأن تقول لنا لماذا سكت الوزير عندما صدع بجوهر انتقاد بيان التوحيد والإصلاح مثقفون وفنانون وصحف، ومنهم من قال أكثر مما ورد بالبيان، من قبيل ما صدر بيومية الاتحاد الاشتراكي؟ ولمزيد من البيان نسجل على افتتاحية ليبراسيون الملاحظات التالية: أن تهمة تصفية الحسابات السياسية الضيقة التي أطلقتها الافتتاحية في حق التجديد والهيأة التي تصدرها، تهمة مهزوزة، وعلى العكس من ذلك تصدق في حق من لم يجب على انتقادات الكثيرين، لكنه تكلم لما أصدرت الحركة بيانا حركتها فيه رغبة في النصح رغم أن جوهر الانتقادات واحد. أن عمل وزارة الثقافة وحصيلة عشر سنوات لم يكن موضوع نقاش، فذاك مجال واسع لا ينحصر في المهرجانات وسنفتحه إن شاء الله بكل وطنية ومهنية، وبعيدا عن أي حسابات سياسية أو عقلية تآمرية لنرى عن أي سياسة ثقافية يتحدثون، ومن حصر الثقافة داخل آفاق ضيقة. أن افتتاحية ليبراسيون وما شاكلها من افتتاحيات ومقالات وحوارات في جرائد أخرى لا ندري ما الذي جمع بينها على التغليط والتشكيك في كل مبادرة تقوم بها حركة التوحيد والإصلاح أو رأي تكتبه التجديد أصرت على الخلط وقلب الحقائق، ذلك أن جوهر الانتقاد للمهرجانات لم يوجه لها كمهرجانات ولا لكل المهرجانات مطلقا، بل لبعضها ولبعض ما لابسها من سلوكات، ولمضامينها ولطرق تدبيرها وبرمجتها التي شابتها الشوائب، وهو ما اعترف به وزير الثقافة نفسه في حواره مع يومية الأحداث المغربية في عدد أول أمس السبت لما قال: >أريد أن أؤكد على مسألة جوهرية، فليست كل المهرجانات التي تقام مهرجانات يجب التصفيق لها، هناك نقد كثير يجب أن يوجه إلى مضامين المهرجانات في طريقة تمويلها وفي طريقة تنظيمها، وهذا المنتوج يحتاج للنقد والنقد البناء الذي يرفض كل تنازل عن الجودة الضرورية ...<. نحن لسنا ضد كل ما يرفه ويفرح ويبهج الشعب المغربي، ولكننا ضد كل رغبة لمسخ الأذواق وإقصاء وتهميش الفن والفنان المغربي، وصرف المال العام بشكل غير مرشد، وضد سلوكات مشينة وانحرافات أخلاقية لابست بعض المهرجانات. وهذا لا يعني، كما ادعت افتتاحية ليبراسيون، وكذلك وزير الثقافة للأسف، أننا نفسق الشباب المغربي ونتهمه بالانحلال الأخلاقي، حيث يقول الوزير في الحوار المشار إليه: >لا يمكن أن نقول بكل جرأة وبكل استخفاف بأن الشباب الذين يأتون إلى المهرجان، يأتون من أجل تعاطي الرذيلة، يأتون للتحرش بالنساء وتناول المخدرات...<، فهذا تحريف واضح وقلب للحقيقة، ولكن التجارب علمتنا أن الشعب المغربي فطن وذكي، شبابه وشيوخه، نساؤه ورجاله، لا يحتاجون لمن يقلبون الحقائق والحديث باسمهم كما فعلت الافتتاحية ووزير الثقافة، ولا يحتاجون لمن يمارس عليهم الوصاية الأخلاقية، فهم يميزون والحمد لله بين من يتكلمون لأجل النصيحة والنقد، وبين من يتحدثون لخلق الفتنة وتضخيم الأشياء، مستغلين في ذلك مواقعهم ونفوذهم السياسي لتحريف الحقائق وتشويه الوقائع. إن الافتتاحية حشرت حزب العدالة والتنمية في الجدل دون موجب، والأمر نفسه فعله وزير الثقافة للأسف بشكل ضمني في حواره الأخير المشار إليه سلفا، الأمر الذي يكشف الخلفيات السياسوية الكامنة وراء هذه الخرجات المتوالية والتهجمات على التجديد وحركة التوحيد والإصلاح والحزب كذلك في خلط مقصود ومدروس. إن الافتتاحية تكلمت باسم المواطنين لما قالت: >عاد من جديد حزب العدالة والتنمية وتوابعه الإعلامية والجمعوية بعد أن أظهروا التمسكن غداة أحداث السادس عشر من ماي، ربما اعتبروا أن مواطني هذا البلد قد نسوا. ولكنهم مخطؤون. فقد عادوا إذن إلى الدفاع عن رفاق طريقهم الذين انتقلوا إلى الفعل عبر الانتظام داخل عصابات إجرامية تهدف إلى الإضرار باستقرار وسلامة البلاد. والحاصل أنهم لم يقوموا باستطلاع للرأي العام وبشكل علمي يستمزج رأي المواطنين في برامج بعض المهرجانات ومضامينها وما إلى ذلك، ولكن التعنت وعدم قبول النقد والنصيحة دفعا كاتب الافتتاحية ومن ورائهم لاستعمال لغة التهديد وهاهنا لابد من توضيح أمرين: 1 أن الرجوع للأحداث الإرهابية ل16ماي والأجواء الرهيبة التي تلتها يكشف عن حقد سياسي دفين، وغياب الروح الديمقراطية في الحوار والقبول برأي الآخر من خلال إرهابه مرة أخرى بما يسمى بالمسؤولية المعنوية. 2 أن المواطنين فعلا لن ينسوا حملة الاستئصاليين على الإسلاميين المعتدلين الذي يعرفونهم وخبروهم على أرض الواقع، لن ينسوا حكمة جلالة الملك وخيبة مسعى الاستئصاليين، لن ينسوا إجماع الشعب المغربي ضد الإرهاب بكل أنواعه. وإذا كان مدبجو تلك الافتتاحية يعتقدون ذلك فهم واهمون. أن الافتتاحية هددت التجديد ومن يقف وراءها في حال عدم إيقاف ما وصفته بهجوماتهم بإثارة ما عبرت عنه بكل الأعمال المشبوهة التي قاموا بها خلال مدة طويلة، وقالت: فقد رشحت عمليات النصب التي استفاد منها حزب العدالة والتنمية وصحبه، مثل حالة تلك الأطنان من الكتب التي حصلوا عليها من أجل تمويلاتهم المشبوهة دون أداء أية رسوم ضريبية، والتي لم تعد متوفرة، وهذا يعني أحد الأمرين إما: أن جريدة ليبراسيون وأهلها ساكتون عن فضح سلوكات غير قانونية وأعمال مشبوهة وفي هذا خيانة للوطن وتقاعس عن القيام بالواجب أو أن ما قالته في حق هيئات وطنية مجرد اتهامات وقذف يجب على السلطات أن تفتح بموجبها تحقيقا في الموضوع وتطبيق القانون. أن القول بدفاع التجديد عن الرفقاء في الدرب الديني للمرور إلى الفعل بتنظيم أنفسهم في عصابات إجرامية للمس باستقرار البلد ، يحمل هو الآخر اتهاما خطيرا تستوجب من السلطات تحمل مسؤولياتها، وإلا سيسهل اتهام الناس وقذفهم بدون حسيب ولا رقيب هذا من جهة . أما من جهة أخرى فيبدو أن أهل ليبراسيون يصرون على تشويه حركة معروفة في البلد تعمل في النور والتشكيك في عملها، متناسين أن الحركة عانت طويلا من تهجمات جماعات تدعي الكلام باسم الدين واتهامات بالعمالة وبيع الدين و...وأن الحركة نحتت خط الاعتدال في المجتمع المغربي نحتا، ونبذت التشدد والعنف . لكن يبدو أن ذلك لم يكن في صالح أهل ليبراسيون لأنهم لايحتملون وجود إسلاميين معتدلين، يمارسون العمل السياسي والنقابي من داخل المؤسسات، ويشاركون المجتمع همومه وآماله يناضلون ويتواصلون، حريصون على مصلحة بلادهم ومؤسساتها وثوابتها، لا تهمهم المصالح السياسية الشخصية والضيقة . يبدو أن ذلك أزعجهم إذ أنه لايخدم منطقهم كما يخدمه خط التطرف والتشدد لأنه يسمح بتفردهم بالساحة السياسية وتغولهم في مؤسسات الدولة لتمرير مخططاتهم وأفكارهم كما حصل في فترة سابقة. ويبدو كذلك أن الموقع السياسي لحزب العدالة والتنمية واحتمال مشاركته في حكومة مابعد انتخابات 7002 قد أجج غلهم وأفقدهم صوابهم حتى اتهموا الحزب بالنصب و... نسبوا له ولحركة التوحيد والإصلاح جمعية لا علاقة لهما معا بها لا من قريب ولا من بعيد، وللسلطات المعنية أن تتحقق من ذلك . أخيرا إن التعميم والخلط ، والاتهام المجاني وتحريف الحقائق وقلب الصور لن يرهب التجديد ولن يغير من قناعاتها ومبادئها بل سيقويها ويدعمها لأنه يكشف العجز عن تمثل المنطق الديمقراطي وأخلاق الحوار والاختلاف عند من يتبجحون بها بالليل والنهار، ويدفعهم إلى حد الكذب من قبيل فرية أن التجديد يحرمون الغناء والرقص والمسرح. والاعتقاد أن نقد الجريدة يقصد شخص وزير الثقافة، والحاصل أن التجديد أكبر من أن تناقش الأشخاص كأشخاص.