بين يدي الاستطلاع قدمت الحركات الإسلامية نفسها عند بدايات ظهورها على أنها جاءت لإنجاز مشروع تجديدي للفرد والمجتمع والأمة الإسلامية، وحتى للإنسانية العالمية. مشروع لا يمكن أن يتحقق دون المرور بالمسالك التربوية والبرامج االتكوينية التي تبني الأفراد وتخرج دفعات متتالية من الأقوياء الأمناء، وتبثهم في كل مجال وقطاع ليكونوا منارات للإشعاع والتوجيه العام. ومن أهم المسالك التربوية التي حرصت عليها الحركات الإسلامية على اختلاف توجهاتها واختياراتها ما سمي الجلسة التربوية أوالمجلس التربوي حيث يلتقي مجموعات من الأعضاء والمتعاطفين ليتدارسوا فيما بينهم برنامجا تعليميا للتربية والتكوين يتضمن حصصا من القرآن الكريم والسنة النبوية حفظا وتفسيرا واستظهارا، إلى جانب باقة من الدروس المتنوعة موزعة على محاور تشمل العقيدة والسلوك والفكر والثقافة، وقضايا وطنية وإسلامية ودولية تدور حولها الأحداث. وعلى مراحل تطول أو تقصر ينخرط الأفراد في أسلاك التربية من أصغر عضو إلى أكبر مسؤول. ويعتبر الالتزام بالمجلس التربوي من أهم عناصر العضوية في الحركة أو الانخراط في المشروع الإسلامي التجديدي العام، ولا تكاد تجد حركة من الحركات إلا ولها برنامج تربوي لا تفرط فيه وتجعله العمود الفقري للشخصية العامة. البرنامج التربوي ليس كتابا ومواعظ ودروسا، بل هو إلى جانب ذلك معزز بوسائل وبرامج فردية وجماعية تتنوع وتختلف حسب المراحل والأحداث. غير أن التحولات العالمية السريعة جعلت العمل التربوي للحركات الإسلامية أمام تحديات جديدة متلاحقة. وتقف الفضائيات ووسائل الاتصال الجديدة على رأس هذه التحديات، خاصة بعدما أصبحت كثير من القضايا والبرامج التربوية تبث بالطرق الحديثة، كما أن التيار الفساد العالمي يتحدى عمل هذه الحركات بالوسائل نفسها مرتكزا على غلبة سياسية دولية تفتح له الحدود الجغرافية والثقافية والاجتماعية عن طريق منظمات واتفاقيات لا تعترف بالاستثناء الثقافي والخصوصيات الدينية، بل كثيرا ما تهدد هذه الرياح العاتية الالتزام الديني لدى الأفراد والمجموعات وتجعل عملها التربوي هباء منثورا. وتذهب الحركات الإسلامية إلى أبعد من ذلك فترى أن نهضة الأمة من كبوتها واستعادة المكانة العالمية لها لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة التربية والتكوين للأفراد والمجموعات عن طريق خطة شمولية مندمجة تنخرط فيها كل الأجهزة والهيئات. بل إن هذه الحركات ترى أن أزمة الإنسانية بصفة عامة هي أزمة في القيم والأخلاق، ولا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بتجديد التربية ومراجعة البرامج والمناهج. فهل العمل التربوي الذي ترفع الحركات الإسلامية شعاره وتمضي في العمل به ما يزال يطرح نفسه بقوة كما كان من قبل، أم أن دوره قد انتهى واستنفد أغراضه؟ وهل المجلس التربوي ما يزال حيا يرزق وضرورة واقعية تقتضي الالتزام بها والمحافظة عليها أم أن الواقع قد تجاوز ذلك؟ لتقريب الآراء والإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها، قامت التجديد باستطلاع وسط فاعلين في المجال التربوي داخل حركة التوحيد والإصلاح، وبعض أعضائها المنتسبين إليها. حسن صابر المجلس لغة موضع الجلوس، وهو كل موضع يقعد فيه الإنسان، والمجلس التربوي هو المحضن الذي تتم فيه العملية التربوية ويرعاها بعناية فائقة. يقول رشيد سودو في كتابه: مقاصد المجالس التربوية في العمل الإسلامي والمجلس التربوي يمكن تسميته بمجلس الذكر، أو بمجلس العلم، لأن مادته ومواضيعه لا تخلو من ذكر وعلم، لكن في إطار منهج تربوي يستهدف بالدرجة الأولى تزكية الفرد المسلم طلبا للفلاح المذكور في قوله تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}... والمجلس التربوي اصطلاح دعوي حركي، شبه طارئ، هدفه إقامة عمل دعوي إصلاحي مؤسس على التربية بمعناها الذي يوظف حسب الحاجة للعلم والذكر، وإلى جانبهما العادات والأعراف، والتقاليد (الواقع) التي سيتحرك المتربي المسلم باتجاهها ليقيمها على مقاصد الدين. والجلسة التربوية وسيلة من وسائل الدعوة. جاء في الرؤية التربوية لحركة التوحيد والإصلاح: إن أهدافنا التربوية أكبر من وسائلنا، ووسائلنا أوسع من تلك التي نجتمع عليها، وتحديد الأهداف يجب أن يكون مستوعبا ولو لم نصل إلى بعضها بعد، أو كانت مشاركتنا في تحقيقها محدودة. المجلس التربوي من ميراث النبوة يجمع المتتبعون للشأن التربوي، ومنظروهم أن المجالس التربوية كان يستخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته الفردية والجماعية، وفيها يتعلم الفرد مبادئ الإسلام، وتكون حلقا للذكر، ويعتبرونها من أجل الوسائل، ويستدلون بقول محمد صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل يوم القيامة: سيعلم أهل الذكر من أهل الكرم؟ فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر رواه أحمد وابن حبان. يقول الدكتور عز الدين توفيق عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح: إن تعليم الإسلام، وتربية الناس عليه يحتاج إلى وسائل، وهذه الوسائل تجد أصولها في عصر النبوة، ومن هذه الوسائل الأصلية اجتماع الناس على المربي والمعلم حتى يأخذوا عنه، فالدعوة الفردية، والدعوة العامة، موجهة لجمهور الناس، هدفها هو إيقاظ الغافلين ورجوع الضالين، وتوبة المنحرفين، وعندما تؤدي الدعوة الفردية والدعوة العامة دورها في رجوع هؤلاء، فإنهم بحاجة إلى التربية تثبتهم على الهداية، وتدفعهم في طريق التوبة، وتحميهم من الارتداد مرة أخرى إلى ما كانوا فيه، وهذه التربية التي بها يحسن إسلامهم، ويقوى إيمانهم، تتم على مهل، وفي فترة أطول من الفترة التي تنجز فيها المرحلة الأولى، وهذا لا يتغير عبر العصور، لأنه مرتبط بجوهر الإنسان، وليس بمظهره، فالإنسان يولد على الفطرة، والدعوة تعينه على هذا الإبصار، كما أنه بحاجة إلى التثبيت، والتربية تتولى ذلك، فهذا هو الأصل الذي تعود إليه الجلسة التربوية، ما كان يفعله الأنبياء من دعوة الناس، وتربية من استجاب منهم ويضيف عز الدين توفيق: والدعوة الإسلامية اليوم لابد أن تستلهم الوسائل الخالدة والتي اتفق عليها الرسل والأنبياء ...فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى الناس ويدعوهم إلى الإسلام، إما بطريقة فردية، أو بطريقة العرض الجماعي، ومن استجاب من هؤلاء يخصه بتربية يخنع فيها ويتلقى ما لم يسمع في الكلمة العامة، لأن مشكلته لم تعد قبول الحق أو عدم قبوله، ولكن مشكلته هي معرفة الحق الذي قبله ورضي به. وكانت دار الأرقم بن الأرقم المكان الذي يجمع فيه صلى الله عليه وسلم من استجاب له من الناس، فكان يأتيهم ويقرأ عليهم القرآن. وعندما هاجر إلى المدينةالمنورة، حول هذه المهمة إلى المسجد، فصاروا يجتمعون عليه في المسجد، في دروس ومواعظ وخطب، دون أن يفقد المنزل دوره، فاستمر المسجد والمنزل على السواء في أداء هذه المهمة التربوية. ويرى الأستاذ عبد الجليل الجاسني عضو المكتب التنفيذي في (حركة التوحيد والإصلاح) الرأي نفسه فيقول: الجلسة التربوية وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها في كل زمان ومكان، وهي تأخذ أشكالا متعددة بحسب المد والجزر الحاصل في تدين الأمة، منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا، ويضيف: فالمجلس التربوي وسيلة مشروعة، نصت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وهذه النصوص من الكتاب والسنة يسوقها صاحب كتاب مقاصد المجلس التربوي في العمل الإسلامي في الصفحات الأولى من كتابه، ويضيف عليها أقوال أهل العلم. ويقول المهتم بالشأن التربوي في الحركات الإسلامية حسن بويخف فالجلسة التربوية تأتي من ضمن الوسائل الأساسية التي اعتمدتها الحركة الإسلامية لتحقيق أهدافها في التربية والتكوين لأعضائها والمنخرطين فيها. ويضيف: الجلسة ما يزال لها دور، فهي وسيلة ضبط بالنسبة للتنظيم، ويتم فيها تصريف برنامج التنظيم، ويصعب التخلي عنها لأنها من أسس تأطير الأعضاء. الجلسات قائمة لم ينته دورها يقول عبد المنعم احجيرة، عضو في حركة التوحيد والإصلاح بمدينة سلا: لم ينته دور الجلسة التربوية، ويتأكد يوما بعد يوم دورها في الحركة الإسلامية. هذا الدور ترجعه الأستاذة نعيمة بنيعيش (عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح)، إلى أن الجلسة تقوم بدور مخاطبة الوجدان، ومخاطبة روح الإنسان، والجانب العقلي فيه، لذا سيبقى دورها للأبد، لأن الرسل جميعا استعملوا نفس الخطاب الذي يدور في الجلسة. ويعضد هذا الرأي ما ذهب إليه الأستاذ عبد الله نهاري بقوله: ليس صحيحا أن الجلسة التربوية انتهى دورها، فستبقى للجلسة التربوية التكوينية دورها، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لأن التكوين يحتاج إلى جلوس، وليس الجلوس معناه هو القعود. وفي نظر احجيرة فإن الأصوات التي تقول بأن الجلسة التربوية انتهى عهدها قلة، ويرتكز أصحابها على أسباب محصورة من قبيل عدم انفتاحها، وهذه النقاط السلبية يعتقد احجيرة إمكانية تجاوزها ومعالجتها، فالجلسة هي محضن أساسي ليحصل للفرد تجاوب وتراكم مع القيم، لذا فإن المنحى الذي اتخذته الجلسة محمود، والجلسة بسلبياتها من أهم الوسائل التي تستقطب فئات هامة ونوعية من كل فئات المجتمع، وهم أكثر شوقا لهذه المجالس. تطوير المجلس التربوي جميع من تحدثنا إليه يشدد على وجوب تطوير المجالس التربوية، فنعيمة بنيعيش تؤكد أن الجلسة إذا كانت خاصة بالتلاميذ، يجب أن تختلف عن جلسة أشخاص آخرين، وجلسة المثقفين يجب أن تختلف عن جلسة غيرهم، وإذا كانت الجلسات مفتوحة على جميع الناس، يجب أن تكون متقاربة في المستوى التعليمي، والثقافي، والجغرافي. يؤكد عبد الجليل الجاسني، (عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح) أن الآليات التي تشكلها هذه الجلسة هي التي تجعل أبناء الحركة الإسلامية اليوم يتحدثون عن عقمها أو جدواها، والحديث عن المجالس التربوية عن عقمها أو جدواها ينبغي، حسب قوله استحضار بعدين: مقاصدها، ثم آليات تحريرها. أما من حيث المقاصد، فيتفق مع ما جاء به رشيد سودو في كتابه مقاصد المجلس التربوية في العمل الإسلامي، وهي ثلاث: العقيدية، والحضارية، والاستيعابية. يقول: والذين يرون أن الجلسات انتهى عهدها في ظل التغيرات الحالية، وتعدد الوسائل الإعلامية، ويرون أن الزمن قد تجاوزها وعفى عنها، يرون أنه يمكن الاستعاضة عنها بوسائل جماهيرية عامة مثل التجمعات السياسية، أو النقابية أو الجمعوية، أو الثقافية. ويبين أن حركته (التوحيد والإصلاح) تعتمد هذه وتلك - التجمعات الجماهيرية، والمجالس التربوية- ويضيف: الخلل إن حصل ليس فيها (المجالس التربوية)، وإنما في من يديرها ويشرف عليها، ومن يحضرها.. بأي نفسية يحضرها؟ ولخص الجاسني آليات تفعيل الجلسة التربوية في ثلاث عناصر أساسية: العنصر البشري، الذي يمكن أن يفعل من خلال الربانية. ثم البرنامج الدعوي التكويني من خلال التطبيق الكلي لا الجزئي، ويتمثل في وسائل تنفيذ البرنامج، ومن حيث منهجية التنفيذ، حتى لا يتم الاقتصار على الإلقاء والتنفيذ، وتغييب المناهج التنفيذية الأخرى مثل المائدة المستديرة، والعصف الذهني، ومن حيث المرونة في التعامل مع البرنامج التربوي، والإضافة النافعة، والتصرف غير المخل بجوهر البرنامج، والاعتماد على التحضير الجماعي أو الفردي الجيد، والمدارسة القائمة على الحوار والإشراك. أما العنصر الثالث، فهي الوسائل التقنية العملية، أو ما يسمى بالبيداغوجية، التي تعتمد إشراك أفراد المجلس التربوي في العملية التربوية، وإنجاز البرنامج وعدم اعتماد أسلوب الشيخ الملقن، وإنما المربي الموجه، واعتماد التربية بالحدث انطلاقا من السنة والسيرة النبوية، والإبداع في الوسائل والمناهج. ويقترح عبد الله نهاري ألا تبقى تلك المجالس المغلقة لأعضاء الحركة لوحدهم، لكي لا يصيب أفرادها ما أسماه بالتآكل الداخلي، لأن الفرد، حسب قوله، عندما يبقى في جلسة لمدة عشر سنوات مع نفس الأفراد، يصابون جميعا بالصدأ، ويدعو إلى تجديد الجلسة في شكلها، وفي طريقتها ، ولذلك كان هذا التغيير، وأصبحت المجالس مفتوحة على الجميع، لتتجدد الدماء، وتتلاقح الأفكار، وعدم الاكتفاء بهذه الجلسات، فلا بد للحركة أن تستثمر الواجهات الدعوية الأخرى، فالمجالس العلمية تفتح أبوابها في هذا المجال، لماذا لا يخالط الناس المجالس العلمية، واستثمارها في دروس ومواعظ، واستثمار الجمعيات الثقافية والاجتماعية، والاهتمام بالتلاميذ، في المخيمات، وتصبح الجلسة متحركة، بواسطة زيارة، أو خرجة، أو رحلة، أو مخيم ببرنامج مركز هادف. أسباب نجاح المجلس التربوي تشدد نعيمة بنيعيش على ضرورة التزام الوقت، فاليوم أصبح الوقت قليلا في حياة الفرد، فالجلسة إذا كان مقررا لها وقت معين، يجب الالتزام به، فالجلسة تؤدي دورا مهما في تعليمنا العلم الصحيح، إذا كان معظم الأفراد يخصصون المساء لمجالسهم التربوية. عز الدين توفيق لا يرى مانعا في إمكانية التصرف في المساء، والمكان: بيتا أو مقرا، أو فضاء طبيعيا، ويضيف: ويمكن التصرف في الزمان، مرة في الأسبوع أو في نصف شهر، والتصرف في العدد الذي يحضرها، والتصرف في الفقرات التي تكون هذه المجالس، أو موضوعات مختارة، أو تكوين عام لأن مقتضى هذا أن الجلسة التربوية مثلها مثل الدعوة الفردية والعامة، مسائل خالدة لا يأتي على الناس زمان تصير فيه زائدة لا حاجة إليها، أو غير صالحة. وإنجاح المجلس التربوي من حيث الشكل، باحترام التوقيت، والتدقيق في مكان الاجتماع، وتحديد جدول أعمال الاجتماع بدقة، ومراعاة التركيبة البشرية للمجلس التربوي. ويوضح الجاسني أن المجالس التربوية، تبرز فيها قمة عمل الفريق الذي يتجسد في المجالس التربوية الحالية، وما وصل إليه علم الاجتماع والإدارة حققته المجالس التربوية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن تحققه في كل زمان وفي كل مكان. وبحمد الله استطاعت حركتنا تحقيقه على مستويات عدة تدل عليه إنجازات أعضائها في المجالات السياسية والثقافية والجمعوية، والدعوية والفكرية، والتربوية، وعلى مستوى التوسط والاعتدال في فهم الدين والمخالطة الإيجابية للمجتمع، والتعاون على الخير مع الغير، وخلق التواصل الفاعل مع كل مكونات المجتمع المغربي. ملاحظات على المجالس التربوية يرتكز منتقدو المجالس التربوية على كونها لم تعد تجذب الفرد إليها كما كانت في السابق، والتعثرات التي أصبحت تشهدها، إلا أن نعيمة بنيعيش ترى أن خطبة الجمعة نفسها قد تجد إقبالا عند خطيب معين، ونفورا من آخر، وقد نجد مجلسا عليه إقبال، في حين أن مجلسا آخر ينفر منه أصحابه. يقول خليل بن الشهبة (صحافي): لم يعد للجلسات التربوية من أجل تعليم الناس أمور الإسلام، وتفقيههم في دينهم المبررات الكافية لأنها فقدت الانفتاح على كافة شرائح المجتمع، وفي المقابل أصبح تبليغ الدين ومفاهيمه عبر الخطب ودروس الوعظ والإرشاد في المساجد لنسبة كبيرة من المواطنين، وخطبة الجمعة يحضرها حوالي 12 مليون مواطن، والمسجد يتسع للمئات خصوصا إن كان الداعية له ما يدفع الناس إلى الإقبال على ما يعرضه. عبد العزيز. د من بودنيب نواحي الراشيدية، يشكو من عدم تأدية المجالس التربوية لدورها، فيلاحظ فتورا في بعض الأعضاء، إضافة إلى شكاوى من عدم قيامها بدورها، فهو يقر بعدم وجود بدائل لها، وتقديم اللوم يتوجه دائما إلى الذات،والفتور بدوره راجع إلى الذات. ويبرز عز الدين توفيق أن الوسائل التي يتعلم بها الناس دينهم، ويتربون على العمل به، قابلة للتطوير ما دامت ترجع إلى وسائل أصلية ثابتة بالكتاب والسنة. ويقول: الذين ينتقدون الجلسة التربوية يستندون إلى أمور منها: تراجع المستوى الذي تؤدى به، وهذا يعالج في نظره، بتطوير وتحسين أدائها، ولذلك وسائله، أو اعتماد الوسائل المعاصرة مثل متابعة دروس في القنوات الفضائية، أو الاستماع إلى الأشرطة المسجلة، وهذه الحجة الثانية أيضا ضعيفة، لأن ظهور وسائل جديدة في التواصل بين الناس لا يلغي الوسائل الأصلية وإن الناس سيستمرون في الاجتماع في ما بينهم، والتزاور بينهم، وإذا لم نستعمل هذه الوسيلة للأغراض الدعوية والتربوية، سوف تؤدي أدوارا عكسية، والوسائل التي يتعلم بها الناس، تتكامل ولا تتعارض. ويرى حسن بويخف أن الجلسة بطريقتها التقليدية تشكل عبئا على الأفراد، مع أنها لعبت دورا كبيرا، وأن المواضيع التي كانت تطرح في الجلسة كانت لها طبيعة لا تقتضي تأطيرا من مستوى معين، وهذا ليس إجمالا ويضيف: والآن هناك تحدي يظهر في أن الجلسة بقيت جامدة في الرتابة، بالمقارنة مع أن الأفراد أصبحوا يحسون بأنهم ليس لهم وقت، ثم إن وسائل التأطير أصبحت كثيرة، إذ في مستطاع الواحد أن يتحاور مع أي مفكر، أو عالم، وليس مجرد القراءة عنه في كتاب أو نسخ مصورة، بالإضافة إلى الأقراص المدمجة، والذين يبررون تأخر الجلسة التربوية في التكوين، فهم يرون مصادر للتكوين، متاحة، إذ بإمكان الفرد أن يستمع إلى محاضرة وهو مستلق في بيته، أو في مكتبه، فالبيئة تغيرت، وتركت مساءلة الجلسة لأمور تبدو موضوعية، لكن مساءلة الجلسة في غياب مساءلة الحركة الإسلامية عن البدائل والأهداف التي خططتها، فهناك وهم متبادل من قبل الحركة الإسلامية والفرد. فالحركة الإسلامية تعتقد أن بإمكانها أن تقوم بدور المربي للفرد، وهذا وهم، فبإمكانها أن تساهم في التوجيه، وساعتين، أو ثلاث ساعات في الأسبوع لا يمكن أن تقوم بدور التربية، والوهم الثاني يتعلق بالفرد، يعتقد أن بإمكان الجلسة التربوية أن تربيه، ويعتقد أن الضعف الموجود فيه راجع إلى هذه الجلسة التربوية، وينتظر أن تخلق منه عمر بن لخطاب، أو علي بن أبي طالب. ويقول: هذه الجلسات لو تحولت إلى جلسات شهرية أو نصف شهرية على الأكثر، وتكون أوسع ما أمكن، في مقرات مفتوحة، ويكون تأطيرها في مستوى عالي، لتكون الاستفادة. هل البدائل نهائية رغم أن الذين يعتقدون أن المجالس التربوية فقدت أدوارها، ولم يعد مبرر لوجودها، لوجود قنوات الاتصال الحديثة من أنترنت وفضائيات، فإن تلك البرامج التي تبث على شاشات التلفزة هي مجالس تربوية لكنها جماهيرية، ويلتقطها الملايين، بفعل وسائل الاتصال التي يسرت أمرها، إلا أنها لا تؤدي المأمول منها في المحبة، والأخوة والتآلف والتزاور. تقول نعيمة بنيعيش: اليوم عصر السرعة، والعلم السريع، معلوماته قد تضيع، فالجلسة قد تستغرق ساعتين، ساعة لطرح الموضوع، وما يقتضيه من بحث، وتحضير جيد، لا أن يأتي الفرد المكلف بورقة منقولة حرفيا، يعطي انطباعا غير جيد عن صاحبه، والأكلة السريعة لا تبني الجسد بناء صحيحا، والعلم السريع لا يبني عقلا صحيحا وسليما، والجلسة بمثابة غذاء روحي ينبغي أن يكون لها وقت كافي، ولا بأس من تغيير المكان، لتنزل في كل البيوت الرحمة، وتضيف: أصبحت الجلسة التربوية ضرورية، لأن هناك وسائل متعددة تهدم ما تبنيه خطبة الجمعة، مثل الإعلام، ومن هنا لابد من التفكير في وسائل أخرى مثل الجلسة التي تؤدي أدوارا أخرى تجعله يعيش واقعا فيه الأخوة والصدق، والمحبة التي فقدها المجتمع، والجلسة ستبقى لها قيمة وأهمية بما فيها من إفادة ومن تجديد ليس في الشكل، بل التجديد في المواضيع والبرامج والمناقشات التي تمس الواقع، ليتدرب هذا المؤمن كيف يعيش في واقعه بدينه. فالجلسات ناجعة ومهمة، والناس ينتظرون متى يجتمعون ويتآلفون لأن المادة التي تلقى فيها مهمة. فالأنترنت والإعلام لا يغني عن الجلسة، ولا يتعلق الأمر فقط بدور التعلم والتثقيف، فالأخوة لا نعيشها في الأنترنت، وفي الإعلام، لكن الأخوة والحوار المباشر والاستفادة ممن في محيطك يخرج به الإنسان إلى واقعه. انقطعوا عن المجالس التربوية لا يخلو أي تنظيم من أفراد انقطعوا عن لقاءاته إما لمبررات موضوعية، أو لتهاون وعدم قدرة على المسايرة. ف.ت: أستاذ في التعليم الثانوي، انقطع عن الجلسة التربوية لأزيد من أربع سنوات يقول: انتهى دورالجلسة التربوية، ولا أعرف واقعها، لأنني لم أعد أغشاها، لأن بعض الأصوات تقول انتهى دورها، وعندما أذهب إلى مدينة أخرى غير التي أوجد بها حاليا، أرى أن عائلتي مواظبة على الجلسات، وتصلني أصداء تقول إن هناك شبه موت للجلسة، والسبب يرجع إلى موت الحوافز والجو العام، إضافة إلى الحملة على الحركات الإسلامية، وأرى أنه يجب تجديد التدين، وتجديد الحركة والحوافز، وتأويل جديد للإسلام على ضوء التغييرات التي وقعت في حياة الناس. ويراهن ف.ت على المعرفة بالعصر والتغيرات، لأن الصحوة الإسلامية كان لها دور الرجوع إلى الإسلام والإفادة منه، فالجلسة التربوية شكل اجتماع مهم جدا ويمكن أن يحدث تغييرات عميقة في المجتمع، وقد أحدث تغييرات، فأنا لا أحتقر هذه الاجتماعات التي كنا نقوم بها، من قراءة للسيرة وغيرها أحدثت تغييرات في النفوس. ويجب أن نجلس ونفكر في أشكال أخرى، والجلسة يمكن أن تحدث تغييرات في البوادي. الجلسة ينبغي أن تراهن على التنوع، ففي البوادي هي مهمة، وفي المدينة يجب التفكير في أشكال جديدة للاجتماع. وحالة ف.ت تشبه حالة أ. زكرياء الذي انقطع عن المجلس التربوي لمدة ثلاث سنوات، ويقر أن الانقطاع عن المجالس التربوية يورث تراجعا إيمانيا، وهذا ما يحس به شخصيا، يقول: رغم أن انقطاعي عنها (المجالس التربوية) راجع إلى انشغالاتي المهنية، وإن كان الأمر في الحقيقة يحتاج مني فقط بعض الحزم والتنظيم الصارم للوقت، فانقطاعي عن المجلس التربوي نتج عنه تهاون في العبادات مثل الصلاة والذكر، وغيرهما. وهذا ينتج عنه مباشرة ضعف في الأداء الدعوي الذي انتدبنا أنفسنا له، والحمد لله، أن لي زوجة تعاتبني دائما على هذا الأمر، إضافة إلى إخوة يذكرونني بأهمية الجلسة التربوية، وضرورة العودة إلى محضنها ويلاحظ أ. زكرياء أن الوضع التربوي لأبناء الحركة الإسلامية يختلف بين المدن الكبرى، والمدن أو القرى الصغيرة، وهذا يرجع حسب رأيه إلى تأثر أبناء المدن الكبرى بموجات الميوعة والفساد التي تغرق مدننا الكبيرة، وراجع أيضا إلى جو المحافظة الذي تتسم به أغلب المدن والقرى الصغيرة، حتى إنك تجد للمجلس التربوي عند أبناء الحركة الإسلامية في هذه المدن حرمة كبيرة، ويختم بالقول: إذا استمر انقطاعي عن المجالس التربوية، فإنه سيصعب علي تربية أبنائي كما كنت أطمح وأصبو إليه. السيدة ع.ف متزوجة، انتظمت داخل حركة التوحيد والإصلاح، منذ أكثر من عقد من الزمن، لم تعد ترتبط بأي جلسة تربوية منذ ثلاث سنوات، والسبب حسب قولها يرجع إلى ظروف العمل، ومسؤولية الأبناء. ع.ف كانت نشيطة تواظب على الجلسات التربوية، ومؤطرة تربوية في مسقط رأسها، لكن الزواج، والسفر إلى مدينة غير مدينتها، وتغير الأشخاص الذين يوجدون في جلستها لم يشجعها على المواظبة، والحضور، وتشتكي من تقوقع الأفراد القدامى على أنفسهم، وعدم محاولة احتضان الفرد الجديد فيها، ولم تحس بالأخوة التي كانت تحسها في السابق، وتلاشي الحافز الذي يجعها تحن إليها، وطغيان الجانب التنظيمي على الجانب الأخوي. محاضن للطاقات يعتقد خليل بن الشهبة أن مجال الانترنيت والقنوات الفضائية في تبليغ الدعوة أصبح من الوسائل الأكثر فعالية وجدوى. يقول: فالجلسات التربوية لعمرو خالد أو وجدي غنيم أو جاسم المطوع أو يوسف القرضاوي عليها إقبال أكبر من الجلسات التربوية بمفهومها التقليدي في العمل الإسلامي. إلا أن نهاري يقول: إذا قال أحدهم إن التكوين يتلقاه عبر الفضائيات، فأنا لا أعتقد أن الجميع مؤهل ليتكون مباشرة عن طريق هذه الوسيلة، فهذا يتطلب مستوى علميا، ورغبة في أن ينتقل إلى الإذاعة التي تعطي هذه الدروس، فلا بد للتكوين أن يكون منضبطا ومستمرا ومنظما، يحس الفرد فيه أنه يتعلم ويتفقه. ويقول الجاسني: لا يمكن أن نلغي دور وسائل الاتصال، ولا يمكن أن نلغي أثرها الإيجابي في كونها تخلق ما يسمى بالتدين الجماهيري. والمجالس التربوية هي محاضن لتجميع الطاقات لكي تؤدي أدوارا، وهي مؤسسة لعمل أكبر من كونه فقط تجميع الناس ليتعلموا دينهم فقط، وإلا ما دور وجود الحركة؟، فوجودها لتؤدي أدوارا في مجتمعها وفي أمتها. عبد الغني بوضرة