تقديم "" لقد مثل الإسلام في بداية بزوغه دور التشكيل المنهجي للعقل العربي وبنا ء التفكير وطرق المعرفة بهدي من الوحي الكريم. وبعد قرون ابتعثت الحركة الإسلامية لتعيد صياغة الفرد باعتباره القاعدة الأساس للمشروع الحضاري. إلا أن هذه العملية، في جزء كبير منها، لم تكن متوازنة في تحقيق أبعاد الشخصية الرسالية. فارتج السلم (بضم السين) القيمي عند الكثير من الإسلاميين فلم تملك الحركة الإسلامية، في بدايتها، الأدوار التحليلية والوضوح في الأسس الفكرية بحيث تكون في منأى عن الاضطراب الفكري والتربوي، فحصل تطور لنوع الفرد فتحول من الداعية ذي البعد العقائدي والروحي إلى رجل منشغل بالواقع والقضايا السياسية والاجتماعية مما يشغله عن مواصلة الأنشطة الروحية أو التقليل منها. وإذا كانت غاية التربية عند الحركة الإسلامية هي تخريج القادة فإن من أهم خصائص القيادة التوازن والتكامل روحا وعقلا. وإذا طغى جانب على آخر تعوقت القيادة فصارت مشوهة حيث يتضخم جانب فيها على جوانب أخرى. فأين الخلل؟ هل لم تحسن الحركة الإسلامية التخطيط ووضع تصورات تربوية قادرة على ضبط التوازن؟ أم أنها لم تدرب مربيها بشكل كاف ليصيروا دوي كفاءة عالية وقادرين على تنزيل برامجها التربوية بطرق علمية واقعية مع مواكبة من التتبع التربوي الذي يتقاطع مع الغفلة؟ أم أن إشكالات الحركات الإسلامية راجعة إلى المفاهيم التربوية أي لم تستوعب لا الدور ولا المنهج التربوي الذي يصلح لها ولأبنائها؟ ومهما كان الأمر وأينما كان الخلل. فإننا سنركز على الاختلالات التربوية وسنبحث عن كيفية علاجها من خلال الحديث عن أرقى المناهج التي تعالج هذه الاختلالات. I- مظاهر الاختلالات التربوية عند الحركة الإسلامية. 1- عدم الفهم الصحيح لبعض المفاهيم الإسلامية: إن عدم الفهم الصحيح للكثير من المعاني التي يطرحها الإسلام من خلال ينابيعه الصافية كتابا وسنة تترتب عنها سلوكيات وأعمال خاطئة في الواقع. وقد ساء فهم الكثير من الصحابة للمعنى الحقيقي لسورة النصر حتى سمعوه من عبد الله بن عباس رضي الله عنه. كما ساء فهم الكثير منهم لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة الآية 105 حتى قام بشرحه وتفسيره أبو بكر رضي الله عنه دفاعا عن مبدإ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما فهم الكثير من الناس أمور الدين انطلاقا من تعاملهم مع أحاديث ضعيفة لا يتأسس عليها حكم. وأحاديث موضوعة روج لها عبر قرون. من ذلك ما يتعلق بخير النساء التي لا ترى رجلا ولا يراها رجل. وحديث يعذب الميت ببكاء أهله وهو يتعارض مع قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) الأنعام الآية 164. وما جاء به صاحب الزوائد من أن المرأة لا تتعلم. وقد فوهم ضرب النساء في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }النساء الآية34 والفهم الخاطئ للضرب قد يجعل الرجل متوحشا أو إرهابيا وكأنه في معركة ضد عدو ظالم. كما فوهم الضلع الأعوج ونقصان العقل والدين خطأ فترتب عنه عمل ومواقف من المرأة جعلتها في منأى عن ساحات الدعوة والجهاد لمدة طويلة. وهذا الفهم الخطأ لمثل هذه المفاهيم قد ترتب عنه سلوك وعمل وتطبيق لنصوص بحملها على غير وجهها الصحيح. ولا أدل على ذلك من أن بعض التنظيمات في التاريخ قد حكمت على مجتمعاتها بالجاهلية أو الكفر فأحلت دماءها وأموالها فأنتجت فتنة الله منها بريء ورسوله وسائر المؤمنين العارفين بالدين وأحكامه ومفاهيمه. وبعض هذا الخلل أو هذا الاختلال ناتج عن الترسبات المجتمعية المشينة التي تنطلي حتى على الفرد الداعية حينما لا يحصن نفسه ويتمثل المعاني التربوية التي يتلقاها من خلال التعاطي مع البرامج التربوية. أي اقتناص المعاني الصحيحة كي يؤسس عليها سلوكا صحيحا. 2- عدم تمثل القيم التي ندعو إليها: إن التأمل بدقة وواقعية في أحوال الإسلاميين يلاحظ خللا في السلوك والالتزام بالقيم الإسلامية. فإن الكثير من المفاهيم التربوية في حاجة إلى المزيد من البلورة حتى يتحول السلوك الإسلامي من الحماس المرتبط بلحظة تربوية وفي جو روحاني ما إلى التمثل الواعي والتجسيم كسلوك في الواقع. لذلك نجد الداعية وابن الحركة الإسلامية لم يتخلص بعد بالقدر الكافي من رواسب التربية الأسرية والمجتمعية السائدة ونمط الاستهلاك القائم والمهيمن والخنوع والفتور فتور الحماس للدعوة والأمر المعروف وتضخم الاهتمامات الدنيوية على حساب الدعوة إلى الله وعدم التحرر من عوامل الشد إلى الواقع.( ) 3- السلبية: إن السلبية بوصفها سكون تجاه الواقع وتقلص لإرادة التغيير تتجلى في العطالة الفكرية والانتظار الذي يعيشه الكثير من أبناء الحركة الإسلامية. فقليل منهم من يحس بضعف تكوينه فيعمل على الارتقاء بنفسه فكريا وتربويا ويبذل من وقته من أجل الارتقاء إلى أفق التغيير. فنلمس في الكثير من الإسلاميين عدم القدرة على التقدم، فيعيش الكثير منهم الجمود، ولا يحمل الكثير هما ولا قضية، ولا يطالعون إلا لماما، ولا يهتمون برعاية الذات ثقافيا ولا تربويا كمعبر أساس نحو الفهم والتطور. وهذا الوضع يسهم في الاسترخاء وقصور الهمم وإيجاد العناصر الهشة اللاواعية واللافاعلة وانتشار عقلية الاستهلاك والانتظار والتواكل والروح الطلبية التي تنتظر ولا تقتحم وبالتالي تسهم في إنتاج الغثائية في الحركة والأمة. 4- انتشار عدم الشعور بالمسؤولية وبالتالي انتشار العقلية التبريرية. رغم أن أول ما يجب فهمه واستيعابه من طرف المسئول هو الفهم الدقيق لمعنى المسئولية وما يترتب عنها في الدنيا والآخرة. وبغض النظر عن المساوئ الكبيرة والاختلالات التي يقع فيها المسئولون مثل السكوت عن الكثير من الأعمال التي لم تنجز، وغض الطرف عن الكثير من المهام التي أتلفت، وعدم التحرك للسؤال عن توقف الكثير من الجلسات التربوية أو عن الأفراد الذين تقاعسوا وطال تقاعسهم حتى لم يعودوا يشعرون بالانتماء. وسنعمل على تحديد بعض المظاهر المرضية الخفية التي نقوم بها من موقع المسئولية ولا نعيرها بالا ولا نعتبرها ذات صلة بالسلوك المسئول. من ذلك: أ- عدم الأمانة في التبليغ: وهذا معناه أن التبليغ لا يجب أن يكون خاصا بالفهم الخاص للقرارات. لأن الأفكار تحتمل تعدد الفهوم واختلاف وجهات النظر. ولذا من المسئولية تبليغ القرارات وإيصالها بأمانة كما وردت وصدرت عن القيادة د ون الإدلاء بالرأي الخاص. وإن كانت تتعارض مع آراء الفرد المبلغ. وهذا اختلال تربوي كبير. لأن عملا كبيرا يمكن أن يترتب عنه وسلوكيات ومواقف يمكن أن تتخذ من خلاله. وبعدما يبلغ المسئول القرارات الوطنية بأمانة ويفتح المجال للتداول في كيفية التنزيل أو تسجيل ملاحظات حينها فقط يحق للفرد المبلغ أن يبدي ما بدا له من ملاحظات وآراء ووجهات نظر. ب- عدم احترام المواعيد: إن عدم الالتزامات التنظيمية، وإن كانت إدارية، هي اختلال تربوي. لأن الإسلام يلزمنا بالوعود والمواثيق التي نتعاهد عليها، وإن كانت في ظاهرها غير واضحة. كعدم احترام قانون السير أو تجاوز الإشارة الحمراء مثلا. ومن ذلك يعتبر عدم احترام مواعيد الاجتماعات أو عدم بدإ الأنشطة في موعدها المقرر ضرب من الاختلال التربوي لأنه رسالة تعني الشيء الكثير وهي تتضمن نتائج تربوية سلبية منها: *- عقوبة الذين حضروا في الموعد وتربيتهم على عدم احترام المواعيد. *- تكريس التخلف بانتظار المتخلفين وتزكيتهم على سلوكهم المنحرف المتجلي في عدم احترام الوقت. فاحترام البداية والموعد هو، في حقيقته، تأديب للمتأخرين الذين سيعلمون أن بتأخرهم قد فاتهم الخير الكثير وبالتالي لن يعودوا لمثل هذا السلوك مرة أخرى. أما عن انتشار العقلية التبريرية فتتجلى في إيجاد المخارج لأي أزمة وإيجاد أجوبة لكل استفسار. وهي سمة مأخوذة من المجتمع الذي تربى على هذه العقلية وهي تهرب واضح من تحمل المسئولية. فإذا تكاسل الداعية في حضور اجتماع ما فأول ما يفعله هو التفكير في مبرر ما ينقذه ويعفيه من الحضور. ومنذ الطفولة تربينا على إلصاق التهم بالشيء إذا انكسر ( الكأس تهرس) أو ( مشى علي القطار ) في حين يقول الفرنسيون. " jai raté le train " فينسبون الخلل والخطأ لذواتهم. فالاعتراف بالتقصير أو الكسل والاعتذار أفضل بكثير من خلق مبررات واهية يعيها الآخر. وبالتالي تنقص من قيمة الإنسان. والاعتراف بالخطإ فضيلة وهو دليل قوة والناس من طباعهم التسامح مع الأقوياء. II- الاختلالات المنهجية: 1- عدم الدراية والعلم بالرؤية التربوية. إذا كانت الرؤية التربوية هي مجموعة من المبادئ والمفاهيم والسياسات التي تحدد في شكل مترابط ومتناسق لتكون بمثابة المرشد والموجه للفعل التربوي. فكيف يمكن للمربي معالجة الاختلالات التربوية، أو كيف له تسيير عملية تربوية دون موجه؟ هذا الموجه الذي يتجلى في فهمه الدقيق للرؤية التربوية التي هي عبارة عن مناهج وميكانيزات ديداكتيكية تحدد الأهداف والوسائل وسبل التنفيذ والتتبع والتقويم. وتشرح البرامج وطرق تنفيذها لتفعل فعلها وتنفخ فيها الروح لتخرج الفاعلين الربانيين. 2- عدم العلم بمفهوم التربية المتداول داخل التنظيم: إن مفهوم التربية يختلف من تنظيم لآخر حسب الرؤية التغييرية التي يتبناها التنظيم. وبالتالي فالتحرك ضمن المشروع التربوي دون استيعاب واستحضار للمفهوم الخاص للتربية هو نوع من المقامرة والمغامرة نحو أي تربية تريد الحركة الإسلامية؟ أو أي تربية سيكون عليها أفرادها؟ هل هي تربية الإخوان المسلمين في مصر؟ أم تربية النهضة في تونس؟ أم تربية الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ أم تربية العدل والإحسان في المغرب؟ 3- اختلال منهج العلم والعمل على مستوى المسئولين التربويين. غالبا ما تبرز داخل المحاضن التربوية شخصية المربي وأفكاره وحماسته ورغبته ومشروعه. ولذلك لا نتوقع المساءلة والمحاسبة من عضو غير ملتزم. ولا نتوقع التحفيز من مسئول فاتر الهمة. ولا نتوقع الأمر بوضع أوراد أو اقتراح مرابطة ليلية من مسئول لا يستفيق من نوم. وبالتالي يصير الحد الأدنى المرغوب فيه والمطلوب هو فقط الحرص على انعقاد الجلسات التربية وعدم توقفها لأنها ماعادت وسيلة تربوية، بل صارت هدفا تحققه هو أسمى الأماني. 4- عدم استصحاب الأهداف طيلة المرحلة التربوية. إن التربية تعني في دلالاتها التوجيه والتنمية والبناء والتنشئة والرعاية... وهذه الكلمات تحمل إشارة إلى إحداث تغيير إيجابي في سلوك الفرد المندرج في سلك التربية. وهذا يعني أن التربية إذا ترجمت إلى عمل وممارسة لابد أن تكون هادفة. إذ لا يمكن أن نربي فردا من دون أن نكون على علم بما نريد التوصل إليه من خلال عمليتنا التربوية هاته..إننا نربي ونبني وننشئ ونرعى من أجل تحقيق هدف ما. وكما يقول العالم التربوي الفرنسي " دولان تشير Deland Sheere : " أن تربي معناه أن تقود" أي ترشد إلى مرمى معين. إن التربية إذن فعل هادف يرمي إلى تحقيق هدف وغاية وقصد. وبالتالي يصير أي عمل تربوي لا يستحضر إلى أين يقود، هو عبارة عن خبطة عشواء وضرب من الارتجال الذي يؤدي إلى لا أدري، وسيحقق لا أعلم. ولا داعي للسؤال عن نوعية الفرد الذي نريد، لأن كل الاختلالات التربوية حاصلة وممكنة مع غياب اصطحاب الأهداف في الفعل التربوي. 5- عدم وضع برنامج واضح لعلاج الاختلالات التربوية. هذه الاختلالات التربوية لا يمكن علاجها من خلال مادة أو موضوع مبرمج ضمن برنامج تربوي، كما هو الشأن بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح .- وإن كانت خطوة أولية لها ما لها من أهمية، وهي تدل على الإقرار بوجود اختلالات، وهي التفاتة جريئة تدل على الإرادة والحرص على التقدم نحو الأفضل. كما تدل على أن حركة التوحيد والإصلاح، صاحبة هذا البرنامج، لا تداهن أعضاءها أو تتبنى مقولة " العام زين" بل تعي جيدا خصائص هذا الإنسان والضعف الذي يعتريه، وبالتالي الحرص على المواكبة والتتبع لمزيد من التصحيح والترشيد من أجل إنسان قليل الأخطاء كثير الصواب. وهذا هو النموذج الإنساني حيث لا كمال إلا لله ولا عصمة إلا للأنبياء- بل يتحتم وضع برنامج يحدد مناهج سد هذه الاختلالات والتي في مقدمتها امتلاك الجرأة على النظر في المرآة لتحديد الخلل وتشخيص الاختلالات. واعتماد استبيانات علمية دقيقة لرصد الواقع التربوي من قمة الهرم إلى أدنى القاعدة. وبالتالي وضع برنامج تتبعي صارم من شأنه أن يسهم بشكل نسبي في رأب الصدع التربوي والذي لا يمكن القضاء عليه كليا لكون الأمر يتعلق بالإنسان وليس بآلة جامدة. III- المنهج الإسلامي في معالجة الاختلالات التربوية. 1- الأسلوب الوقائي الاستباقي: من أهم الدروس التي استفدناها من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء المرحلة المكية هي بناء قيمة الشيء قبل تعليمه. فلم يكن الصحابة الكرام مطالبين لا بقتال ولا بصلاة ولا بصيام. لأن الأولى كان هو ترسيخ قيمة العقيدة كأساس سيتأسس عليه باقي البناء. فما جدوى الحديث عن الصلاة كسلوك وحركات رياضية، أو ما جدوى أن يقتطع من مال الإنسان مبلغ معين ويعطى للفقراء إن لم يكن له معنى ذا جذور تضرب في عمق الاعتقاد بأنه طاعة لله تعالى وأن الخير كل الخير في امتثال أوامره واجتناب نواهيه. وأنه سلوك يرمي إلى صناعة المجتمع المتماسك الذي يستطيع الصمود في وجه كل الرياح الآتية من الشرق والغرب. وأن التماسك الداخلي والانسجام والتكافل الاجتماعي يحدد القوة في الداخل، والقوة في الداخل هي التي تحدد النصر في الخارج. فما كان سيكون للصلاة طعم ولا معنى لو فرضت مع بداية البعثة. حتى إذا فرضت فهمت أبعادها وعلم أنها أهم رابطة تربط العبد بربه. فيؤديها الإنسان على كل الأوجه وفي كل الأحوال، في الأمن والخوف، في الصحة والمرض، فتدرك كقيمة قبل أن تكون حركات جسدية محددة. ولذا فمن الواقعية والعلم بهذا المنهج أن تبدأ الحركة الإسلامية، وخصوصا منها حركة التوحيد والإصلاح، برامجها التربية بدروس ترسخ العقيدة في القلب وترتبها في العقل. فتصير العملية التربوية كبناء له أساس وجدران وسقف وهذا السقف نظرا لمتانة أسسه وجدرانه يمكن له أن يحمل ثقل المسئولية والتبعات والمهام مهما صعبت وكبرت. إن الحركة الإسلامية في حاجة لتمنح الوقت الكافي لأفرادها لتعلمهم وتصبر عليهم في تعليمهم جذور الأشياء وقيمتها حتى تترسخ ويشبوا عليها قيمة ومعتقدا وشعورا وسلوكا لا يقبل الفطام. لأن الأفكار تصنع القيم والقيم تصنع المعتقدات والمعتقدات تصنع المشاعر والمشاعر تصنع السلوك. 2- الأسلوب العلاجي الإصلاحي: خلق الإنسان ضعيفا. وتماشيا مع هذا الإقرار الرباني بضعف الإنسان نتقبل خطأ المخطئين وغفلة الساهين، فكل بني آدم خطاء. لكن ليس على أساس التماهي والتكرار والتعود فيموت القلب. إن الإقرار هو بداية العلاج والإصلاح. وقد رأينا كيف أن الصحابي ينظر إلى المرأة والرسول صلى الله عليه وسلم يدير له وجهه والصحابي يعيد النظر والرسول يعيد إبعاد وجهه. وهذا إقرار منه عليه السلام بالضعف الذي يعتري الإنسان. وقد قال الله تعالى : ({إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }الأعراف201. إلا أن الخطأ والغفلة يحتاج إلى العلاج تماما كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الرجل الذي قبل امرأة فجاء يطلب العلاج والإصلاح فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان صلى الظهر، وإن كان كذلك فلينتظر العصر وليصليه فإن الحسنات يذهبن السيئات. ولقد أصلح رسول الله عليه الصلاة والسلام الكثير من الخلل التربوي الذي وقع فيه بعض أصحابه كما فعل مع الشاب الذي جاء يسأل الإذن في الزنا. وفعل مع الغامدية التي أمرها بالتوبة. فكان الإصلاح هو التوقف عن المعصية وإعلان التوبة كرجوع للنهج الرباني الذي يتطلب الخضوع والخنوع لله تعالى وطاعته بالعبادة واجتناب ما نهى. 3- الأسلوب التأديبي في مواجهة الخلل ببعض العقوبات: ولعلنا ونحن نتحدث عن الحركة الإسلامية نقول أن مثل هذا المنهج يطبق مع الأعضاء الملتزمين الذين يعون قيمة العمل الإسلامي ولهم من الأقدمية ما يجعل عندهم القابلية للخضوع والانصياع لمثل هذا المنهج. وهو نهج لا يطبق إلا لعلاج الحالات الشاذة التي غالبا ما تسبح ضد التيار وخوفا من أن يتسبب سلوكها في إحداث حركة تمردية أو فوضى داخل التنظيم العام، أو يؤدي إلى تشكيل عقلية لها توجه معاد لثوابت البلاد ومخالف لعقائد العباد. وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنهج مع الثلاثة الذين خلفوا يوم العسرة ككعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية. وذلك بلجوئه لأسلوب المقاطعة الخارجية وبعد أربعين يوما شدد الحصار ليتحول إلى المقاطعة الداخلية، أي مقاطعة الأزواج، وقد أعطى هذا الأسلوب ثماره حيث خرج الصحابة الكبار من محنتهم كما يخرج الذهب الخالص من النار لم يتبدل ولم يتغير بل لعله ازداد قوة وصلابة. وفي كثير من الأحيان يكتفي المنهج الإسلامي في معالجة الاختلالات التربوية بالموعظة والتذكير لأن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد جعله منهجا عاما ساريا بين المؤمنين حيث جعل الدين كله نصيحة ونفى الخير عن الذين لا يتناصحون وعن الذين لا يقبلون النصيحة. وأما فيما يتعلق بالتنظيمات الإسلامية فلها أن تزيد على المنهج الإسلامي العام الخاص بعامة المسلمين، القيام بتفعيل المساطر المعتمدة لديها في المحاسبة والتتبع. خلاصة: لعل بعض القراء لحديثنا عن الاختلالات التربوية عند الحركة الإسلامية يظن أننا نتحدث عن عصاة مجرمين، أو زناة باغين، أو عن لصوص: هواة أو محترفين. إن الحركة الإسلامية الرسالية تعتبر عدم احترام موعد خلالا تربويا يستحق الوقوف وابتكار وسائل وتسطير برامج للقضاء عليه. كما تعتبر عدم القيام بمهمة تنظيمية خللا يستوجب الموعظة والتذكير. ولذلك فهي تسعى دائما إلى التذكير والتوجيه من خلال نشرات داخلية أو أوراق تنظيمية.. وتجدد وتعدل من برامجها التربوية وتضع برامج فردية ..كل هذا لأنها تريد من أعضائها أن يكونوا مميزين بأخلاقهم وسلوكاتهم يحبون وطنهم و يحترمون وظائفهم ليعطوا النموذج الذي يحتاجه هذا المجتمع حتى إذا تحملوا مسؤوليات في الهياكل الإدارية أو التشريعية أو القضائية أو ضمن لجان ثنائية أو في جمعيات وأندية... سيتركون بصمات النزاهة والصدق والحرص كل الحرص على تحقيق أكبر النتائج ولاء لهذا الوطن العزيز، وخدمة لأبنائه مهما كانت ألوانهم وانتماءاتهم كانوا عربا أم أمازيغ أو غير ذلك.