الأمن ضرورة من ضروريات الحياة البشرية، وعامل أساسي لاستمرارها كالطعام والشراب، ولا يقل عنهما في شئ، ولا يمكن أبدا تصور حياة سعيدة في ظل الخوف والفزع، ومن هنا تواترت الأمثال الشعبية مثل "رغيف وشربة ماء خير من الترف مع الهم والفزع". وقد عبر القرآن الكريم عن هذه العلاقة بين الطعام والأمن بقوله تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، حيث جعل الأمن من الخوف موازيا للإطعام من الجوع، لهذا كانت الحاجة إلى وجود قوات عمومية، اصطلح عليها تارة، برجال الأمن، وتارة أخرى برجال الشرطة، كما اصطلح على البعض منها برجال الدرك والقوات المساعدة وغيرها من الأجهزة الأخرى السرية والعلنية التي تهدف إلى استتباب الأمن، وخصت بعضها بأيام وطنية ودولية، تحتفل بها مثل العيد الوطني لرجال الأمن، الذي يصادف عندنا في المغرب يوم 16 ماي من كل سنة وعيد الشرطة العربية الذي يصادف يوم 18 دجنبر. دلالات عيد وطني في المغرب يحتفل رجال الأمن بعيدهم الوطني يوم 16 ماي، وذلك منذ تأسيس هذا الجهاز في اليوم نفسه من سنة ,1956 على يد الراحل محمد الخامس، رحمه الله، وهو مناسبة لها أكثر من دلالة، فهو تكريم لهذه الفئة من المجتمع على المجهودات التي تبذلها في خدمة المجتمع، رغم كل الظروف والصعاب التي تتلقاها، وكذا المخاطر التي قد تودي بأرواحهم أحيانا، كما وقع للشرطي الذي قتل بطعنة سكين بمدينة بركان، عندما حاول منع أحد اللصوص من وضع يده في جيب أحد المواطنين، وكذا الشرطي الذي سقط من أعلى سقف في مدينة السعيدية، عندما ألقى القبض على أحد المجرمين، والشرطي الذي طعنه مجرم في قاعة المحكمة بتطوان، وضابط الشرطة الذي أصيب في مطاردات مع مجرمين في نواحي فاس، وكذلك الشرطي الذي التحق بالرفيق الأعلى بعدما أصيب في مطاردات بدوار عين الشبيك بمكناس مع أشخاص لهم علاقة بأحداث الدارالبيضاء، بالإضافة إلى عدد كبير من مثل هؤلاء الذين أصيبوا أو لقوا حتفهم في مختلف المدن أثناء قيامهم بواجبهم. كما أن الاحتفال بهذا اليوم، هو تقدير لرجال الأمن على السهر الدائم، والتأهب المستمر للتصدي لأي فعل يمكن أن يعبث بأمن واستقرار البلاد والعباد، أو يعرقل النمو والرقي. وهو أيضا تحسيس للمواطنين كافة بأهمية هذا الجهاز، ومهامه المتعددة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي الزيادة في التلاحم بين الطرفين والتعاون لأجل العمل جنبا إلى جنب لبناء مجتمع أمن خال من الجريمة. عيون تحرس الوطن منذ أقدم العصور اتخذت المجتمعات المنظمة أفرادا وفرقا لحفظ أمنها الداخلي والخارجي سميت أحيانا باسم العسس، وأحيانا أخرى باسم الجند، واختيرت منها عناصر مدربة ومؤطرة ذات كفاءة وسميت بالشرطة وهي من العلامة لكونها ترتدي زيا خاصا بها يحمل علامة ويميزها عن باقي أفراد المجتمع. ومن ذلك قول ابن منظور في قاموسه المشهور لسان العرب: (شرطة كل شيء خياره، وهم نخبة السلطان). ورجال الأمن باختلاف أجهزتهم السرية والعلنية، الظاهرة للعيان والباطنة، لها مكانة كبيرة في المجتمع، وأجر عظيم عند الله يوم القيامة، ولا أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الترمذي في باب فضائل الجهاد (حديث رقم 1063): (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله). ورب رجل أمن جمع بين الاثنين معا: القيام بالواجب بكل صدق وأمانة وخشية الله في هذا الواجب في السر والعلن. حين جاءت الشريعة الإسلامية كرسالة عالمية لترشد الناس كافة إلى ما يحييهم، عملت على حفظ أمنهم واستقرارهم، وكذا تماسكهم وذلك بالحفاظ على خمسة أمور، تعرف عند الفقهاء بالكليات الخمس وهي: الدين، النفس، العقل، المال والعرض. وإذا نظرنا إلى أي حكم شرعي بالتحريم أو التحليل نجده يدور حول هذه الكليات أو إحداها، ولا يخرج عنها أبدا. وإذا نظرنا إلى مهام المصالح الأمنية ومجالات تدخلها وجدناها لا تختلف عن هذه الكليات في شيء. أمن مجهز لجريمة متطورة إذا كان الأمن منحة إلهية، ومهمة رجاله لها قدسيتها، فإن تطويره وتقويته أصبح مطلبا أساسيا يجب أن يحظى بأولوية البرامج الحكومية، لأن عدد عناصر الأمن في عدد من المدن لا يوازي التزايد المستمر لعدد السكان، كما أن الوسائل المادية المتوفرة لا تساير العصر، فعدد السيارات الموجودة تحت تصرف كل مفوضية قليل جدا، والآلات المستعملة في الرقانة قديمة ومتجاوزة، والجريمة تطورت أكثر من ذي قبل وأصبحت هي الأخرى تعتمد على المعلوميات وأجهزة الاتصال اللاسلكي وتستخدم الأنترنت. كما أصبح الإرهاب موضة المرحلة الحالية، ولم تسلم منه لا المدن الكبرى ولا الصغرى، لذلك فالظرفية تتطلب أن تكون الأجهزة الأمنية في مستوى عال من الكفاءة والتنظيم ومتوفرة على الإمكانيات المادية والبشرية الكافية. وبدون أمن لا يمكن تحقيق أي تنمية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.. من أجل التطبيع مع المواطن الإجرام يستهدف بالدرجة الأولى المواطنين المدنيين وممتلكاتهم، ومع ذلك، فدورالمواطنين في بعض الدول العربية وليس كلها ومنها المغرب مازال سلبيا جدا، فمنذ عقود من الزمن تكونت شبه قطيعة بين الفريقين وانعدمت الثقة بينهما، وأصبحت هذه الأجهزة في نظر أفراد الشعب مثالا للقمع والسجن والتعذيب وما إلى ذلك. كما أصبح المواطن، في نظر بعض الموظفين، حتى المدنيين، هو الفريسة التي يبحث لها عن أي سبب أو تهمة للانقاض عليها، لكن هذا السلوك يزيد من شحن قلب الضحية بالغيظ والحقد والكراهية، كما تسيء إلى الوظيفة العمومية بصفة عامة. وكانت نتيجة ذلك أن اتخذ العموم مواقف مناهضة لكل ما هو مخزني، وما زالت تبعتها إلى اليوم، وذلك على حساب المصلحة العليا للوطن وأمنه واستقراره، ومن هنا نشأ اتهام كل من بلغ عن جريمة أو نبه إلى خطر، بكونه بركاكا أو بوليسي أو ديال السلطة، فإن كان التدخل من اختصاص عناصر المخزن، فالتعاون من المواطنين واجب وضرورة، خاصة في الظرفية الحالية. أوجه التعاون مع قوى الأمن إذا كان التغيير باليد مسؤولية رجال الأمن بالدرجة الأولى، مع إمكانية تدخل المواطنين في بعض الأحيان، كالتعاون الجماعي لأجل القبض على مجرم وتسليمه للسلطات أو منع اختطاف أو سرقة وما إلى ذلك، فإن التغيير باللسان هو واجب كل فرد منا ما دمنا كلنا مستهدفين من هذه الجرائم والعمليات التخريبية ومن ذلك: أ التبليغ ويكون إما بالتوجه مباشرة إلى المراكز المختصة أو بالاتصال، ولو عن طريق الهاتف، شريطة أن تكون هذه البلاغات صادقة، لأن البلاغات الكاذبة، خاصة المقصودة والمتعمدة، ليست في صالح المجتمع، ولا من مصلحة المبلغ نفسه، وقد تعود عليه بالضرر أكثر من النفع. ب الإدلاء بالشهادة أداء الشهود الشهادة من شأنه أن يساعد التحقيق ويفيد في البحث وإنجاز المحاضر، ثم التعجيل في معرفة الجناة في وقت وجيز قبل فوا ت الأوان، كما من شأنه أن يطلق سراح متهم بريء أو يكشف عن مستور خفي، وكثير من المواطنين يأبون ذكر أسمائهم ضمن الشهود خوفا من تبعات ذلك، أو خوفا من انتقام الجناه، وهو خطأ، يجعله في صفوف الظالمين.. ج كف النفس عن الأذى: في حالة عدم تمكن المواطن من القيام بما سبق، لعدم استطاعته أو عدم حضوره أو عدم علمه بها، فإن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها لنفسه أولا ثم لأمن مجتمعه وبلده، هي أن يحترم القوانين الجاري بها العمل، ويلزم نفسه حدودها، فالالتزام بتقوى الله، والاستقامة في السلوك والعمل هو أيضا مظهر من مظاهر تحقيق الأمن. والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه، وحب الوطن من الإيمان. محمد جرودي