تعتبر صحيفة الخبر من الصحف الناجحة على الصعيد العربي، بحيث تتجاوز مبيعاتها حاجز التسعين في المائة من نسبة الطبع، علما بأنها تسحب حوالي 600 ألف نسخة. وفي صراع مع الوقت، أجرينا الحوار التالي مع المدير العام للصحيفة، الأستاذ علي جري، على هامش أشغال المؤتمر الخامس للمنظمة العربية لحرية الصحافة، الذي عقد بالدار البيضاء خلال الأيام القليلة الماضية، وحاولنا أن نعرف منه أسباب نجاح الخبر، إضافة إلى توصيف دقيق لطبيعة العلاقة بين الصحف الجزائرية المستقلة والنظام الجزائري. وفي ما يلي نص الحوار: بداية أستاذ علي جري، ماذا لو حدثتنا عن الخبر، كيف نشأت؟ لقد كانت البداية صعبة جدا، لأن جريدة الخبر كانت من أولى الجرائد المستقلة التي صدرت باللغة العربية. وتأسيس الجريدة جاء بمبادرة من بعض الصحافيين الذين كانوا يعملون في بعض الصحف العمومية... هؤلاء قرروا الاستقالة وإنشاء منبر إعلامي جديد... فجاءت الخبر. ويمكنني القول إنه مشروع فريد أنجزه صحافيون بمالهم الخاص، والذي كان قليلا على كل حال... وعلى الرغم من كون العربية هي لغة كل الجزائريين إلا أنه من المعروف أن الجرائد التي تصدر بالعربية تكون محرومة من العديد من الامتيازات، وعلى رأسها الإشهار. أضف إلى هذا أن الجريدة كان يشرف عليها في البداية مجموعة من الصحافيين، وهم ليسوا رجال أعمال.. لذلك كانت الصعوبات جمة في البداية من الناحية المالية. وعلى اعتبار أننا صحافيون أولا وأخيرا، فقد قررنا أن نعتمد على الجانب التحريري وليس على الإشهار في بداية الأمر، وقررنا ترك التفكير في الجانب الإشهاري حتى نصبح جريدة مقنعة لأرباب الشركات، الذين كانوا متجهين قلبا وقالبا في اتجاه الصحف التي تصدر بالفرنسية.. وقد ظل الأمر على هذا الوضع حتى حققنا نجاحا مهما على مستوى مبيعات الجريدة، فنحن نطبع حوالي 600 ألف نسخة، وتتراوح نسبة المرجوعات ما بين 5 و10 في المائة. وبعد هذا النجاح، رأينا المعلنين والمشهرين يأتون لالخبر، للإعلان عن منتوجاتهم.. وحتى أولئك الذين لا يعرفون اللغة العربية كانوا يأتون إلينا للإعلانات الإشهارية.. وهكذا شيئا فشيئا بدأت الخبر تثبت وجودها، وتحقق نجاحا يوما بعد يوم، حتى أصبحت الآن من الجرائد الأولى على المستوى الوطني عموما.. والآن يعمل معنا حول 87 صحافيا في الخبر اليومية، بغض النظر عن الصحافيين الذين يعملون في الأنواع الأخرى من الخبر، وأخص بالذكر هنا الخبر الأسبوعية، والخبر نصف الشهرية، والخبر الشهرية، وملحقات أخرى خاصة بالمرأة، وغيرها من المواضيع التي تهم شرائح مختلفة من المواطنين. هذا مع العلم أن لدينا مراسلين كثيرين يصعب حصرهم.. وأود أن أشير أيضا إلى أنه لدى الخبر الآن مؤسسة توزيع ونشر ومطابع خاصة بها، إضافة إلى مركز للدراسات هو المركز الدولي للدراسات، وغيرها من التفاصيل التي تجعلني أقول بكل فخر إن صحيفة الخبر الآن هي صحيفة مؤسسة، وهي نموذج في هذا السياق.. عكس كثير من الصحف الجزائرية التي ماتزال في أطوارها الجنينية سواء على مستوى الشكل أو المضمون أو حتى التسيير.. على ذكر الصحافة الجزائرية، معروف في الوسط العربي أنها صحافة تمتاز بنوع من الجرأة التي لا تتوفر في كثير من الدول العربية.. كيف هو حال الصحافة الجزائرية حاليا عموما؟ ببساطة، الصحافة الجزائرية تعاني الآن معاناة كبيرة وقاسية، بسبب طبيعة النظام الجزائري الذي هو نظام يحمل مشروع حكم يناقض الحريات العامة عموما وحرية الصحافة خصوصا. وعلى كل حال فهذا قاسم مشترك بين كثير من الدول العربية. وتاريخيا، ومنذ ثورة 1988 وتبني التعددية السياسية، حدثت بعض الانفلاتات في المجال الصحافي، وبدأت المنابر الصحافية تقوم بالدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الدولة التي كانت منهارة تماما. وهكذا وجد الصحافيون أنفسهم بين نارين: نار السلطة من جهة، ونار العمليات الإرهابية من جهة أخرى، في ظل وضعية سياسية ومجتمعية لا يمكن فيها التمييز.. ودافعت الصحف المستقلة عن الوطن وعن الجزائر عامة.. ودفعت في سبيل تحقيق هذا الهدف ثمنا باهظا، تجاوز سبعة وثمانين شهيدا من الصحافيين، والعشرات من الذين يعملون في الحقل الصحافي بصفة عامة.. وفي هذه الفترة بالذات، كان رهاننا الأساسي في ظل اشتداد الصراع هو فقط التفكير في الحفاظ على الاستمرارية والبقاء لا غير، بحيث لم نفكر في تطوير أدائنا، أو مجالات عملنا، وكنا بهذا الشكل نجسد فكرة كوننا صحافة مناضلة، لا تفكر في غير البقاء على قيد الحياة. وهو ما يفرض علينا في الوقت الحاضر مجموعة من التحديات المرتبطة بإعادة التفكير في هياكلنا وطرق تسييرنا، ومنهج عملنا الصحافي عامة. والآن على ضوء التطورات الجديدة التي حصلت في الجزائر وعودة بوتفليقة إلى الحكم، والحرب الدولية على الإرهاب، كيف تصف لنا علاقة الصحافة مع النظام الجزائري في الوقت الحاضر؟ أولا لا بد من التأكيد أن حرية الصحافة في الجزائر هي مكسب جاء بعد نضالات واسعة ومريرة دفع الصحافيون ثمنها غاليا من أرواحهم وممتلكاتهم. وبصراحة فالسلطة لم ترض يوما عن الصحافة الحرة المستقلة، ولهذا كما قلت لك فنحن كنا دائما بين نارين: نار العمليات الإرهابية ونار مضايقات السلطة.. ومن المفارقات أننا كنا نلتقي دون سابق اتفاق مع النظام في محاربة الإرهاب عموما، لكن كل حسب تصوره، وكل حسب منطلقاته وآليات عمله. وهنا لا أتحدث عن السلطة ككل، ولكن أتحدث عن جزء من هذه السلطة، وإلا فإن الوضعية كانت مركبة وتحتاج لتفسير حتى يمكننا فهمها: ففي الوقت الذي كان فيه النظام يتفاخر أمام الدول بالحرية التي تعيشها صحافة الجزائر، كانت كثير من هذه الصحف تعيش أزمة حقيقية بسبب مضايقات السلطة، لدرجة أنه لم تكن العلاقة التي تربط الصحافة بالسلطة علاقة جيدة على الإطلاق.. وهذه حقيقة أؤكدها هنا بقوة. فهذه العلاقة هي علاقة تصادمية، لأن المنطلقات والمرامي هي متناقضة بين الطرفين، ولا يمكن أن تجتمع على صعيد واحد. وفي مرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب، اتجهت الصحافة المستقلة بعد أداء دورها بحيوية كبيرة إبان الحرب الداخلية إلى الوضع الداخلي، وركزت على التحقيقات والاستطلاعات بأسلوب لوجورنال دانفيستكاسيون، وأجرينا عدة أعمال تسلط الضوء على طريقة العمل الحكومي، وطرق تدبير الشأن العام، وهو ما زاد من حدة غضب السلطة علينا، ودفعها لتشن ضدنا حملة شنعاء مثلها مثل الحملة التي شنتها إبان الحرب على الإرهاب الداخلي والتي كانت تتهمنا في مجملها بالمتاجرة بالدماء. وأضرب لك مثلا على هذا الأمر بخصوص جريدتنا، فقد نشرنا قبل مدة تحقيقا حول تحويل أملاك وزارة الخارجية لفائدة أشخاص في السلطة، وشمل التحقيق المذكور الرئيس، إلى جانب رئيس الحكومة وبعض الوزراء والسفراء...إلخ. وقد كان رد فعل السلطة عنيفا جدا، لدرجة أنها علقت صدور ست جرائد، بدعاوى واهية لا تستند على أي أساس..؟ وقد جاء هذا التطور الجديد في العلاقات بين الصحافة والسلطة في الجزائر متزامنا مع الانتخابات الرئاسية... نعم، وهذا أمر مهم، فالانتخابات الرئاسية يمكن اعتبارها تحولا مهما بالنسبة لمسار الصحافة الجزائرية. فالرئيس الحالي خلق لدى مجيئه فراغا رهيبا من حوله، ولم تضطلع مكونات المجتمع المدني والسياسي بدورها المطلوب في سنة التدافع السياسي الداخلي، ومورس التهميش والتقزيم بقوة في حق الأسماء النشطة.. ووجدت الصحافة الجزائرية نفسها ملزمة بأن تسد الفراغ السياسي الرهيب في هذا المجال، وحاولت أداء الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به مكونات المجتمع. وهكذا أدت بعض الصحف الجزائرية التي لا تتجاوز على كل حال 6 جرائد مستقلة من بين 46 عنوانا! دور المعارضة، وحاولت إبراز الرأي الآخر داخل الساحة الوطنية الجزائرية، وطرحت العديد من القضايا الحيوية التي تهم الشعب الجزائري عموما.. وكما قلت لك فهذه السياسة التي اتبعتها الصحف المستقلة التي لا تتجاوز ستة عناوين، أزمت العلاقة بينها وبين الرئيس بوتفليقة بشكل لا يتصور.. فصرح مرارا أنه يكره وجود صحافة بهذا الشكل داخل الجزائر، ويعتبرها خطأ!. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبر عن ذلك صراحة، وقال إنه مادام هو في الحكم فلن يسمح بوجود صحافة حرة ومستقلة، ولا بفتح مجال الإعلام السمعي البصري.. وقد حاول استغلال هذا الموعد الانتخابي ليكون يوم الانقلاب ويوم الانتقام من الصحافة الوطنية الجزائرية.. وروج لأفكار مناهضة لحرية الصحافة، وأوضح أن خصمه وخصم الوطن الجزائري عموما هو تلك الصحف الجزائرية المستقلة، بل وتجاوز ذلك إلى أن يبرز أن تصويت الناخبين الجزائرين لصالحه هو في حقيقة الأمر تصويت ضد تلك الصحف. وطبعا، هذه فكرة غير صحيحة، ولم تنطل على الشعب الجزائري.. ويمكنني أن أؤكد لك أن المنابر الصحافية المستقلة خرجت أكثر قوة من هذه التجربة المريرة والصعبة، وبدت أكثر ارتباطا بالشعب الجزائري.. وحاولنا نحن خلال هذه الفترة تحقيق بعض المكاسب لصالح مجال الحريات الصحافية بالجزائر، وعلى رأسها تحرير قطاع السمعي البصري، ولكن مع الأسف لم يتم ذلك، بعد أن أدرك النظام أن تحقيق الحريات في البلاد كفيل بأن يضعه في موقف حرج جدا أمام الشعب. إذا تحدثنا الآن عن العلاقات المغربية الجزائرية، ما هو في نظرك الدور الذي يمكن للصحافة في البلدين أن تقوم به لتقوية العلاقة بين البلدين؟ أولا أصارحك، وبدون مجاملة، وأقول إنني أزور الكثير من البلدان العربية، ولكني في المغرب وتونس أحس بالطمأنينة وكأني في وطني، وهذا ناتج عن القرب الجغرافي أولا، وناتج وهذا هو المهم عن الارتباط القوي الموجود بين البلدين على المستوى التاريخي والسياسي والاجتماعي.. وأنا أتابع باهتمام كبير تطور مجال الإعلام في المغرب، كما أتابع مسلسل الانفتاح في مجال الإعلام السمعي البصري الذي يجري في المغرب حاليا.. وكتبنا عن ذلك في صحيفتنا، ونوهنا به، وشجعنا على الاستمرار فيه.. لكنني أعتقد أن صحافة البلدين تعاني من نقص كبير على مستوى التنسيق، وعلى مستوى الأطر التي تتفهم طبيعة العلاقة بين البلدين.. وهذا مشكل كبير، ولذا لا نستغرب كون صحافيي البلدين أقرب إلى نظرائهم في فرنسا مثلا، منهم إلى بعضهم البعض. وأنا أؤكد أنه ينتظرنا دور كبير جدا في تطوير علاقاتنا وبلدان المغرب العربي عامة، ولهذا فعلى الصحافيين أن يقوموا بدورهم قدر المستطاع في هذا السياق، بعيدا عن مشاكل السياسة والسياسيين.. كلمة أخيرة أستاذ علي.. أؤكد أنه من اللازم على المسؤولين في الدول العربية توفير جميع الظروف الملائمة لتحقيق الحرية للصحافة في الوطن العربي، خاصة وأننا نعيش في عصر ثورة معلوماتية تتجاوز عقلية الحدود والتعتيم.. فإما أن يقود المسؤولون مسيرة التطوير هاته، وإما أن يشجعوها ويقوموها، وإما أن تتجاوزهم هي وحدها... فالأمر لم يعد يحتمل الانتظار. حاوره: أحمد حموش